المساجد التاريخية في أذربيجان وآسيا الوسطى صروح حضارية اسلامية‏   

المسجد مكان لقاء المؤمنين ومركز انطلاقهم منذ عهد ‏الرسالة وصرح ديني نزل فيه الوحي وتلقت الأمة فيه علوم دينها ومنهج حياتها وكان ‏جامعة لكل شؤون الحياة.‏   

‏ ومن أوائل المساجد التي أسست في الإسلام مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ‏ ثم انشئت الساجد في شتى انحاء العالم فخرجت الناس من الظلمات الى النور ومن ظلمات ‏الجهل الى نور العلم ومن التخلف إلى التحضر والصدارة وكان مسجده صلى الله عليه ‏وآله وسلم منبع حياة هذه الأمة ومصدر هدايتها إلى يوم القيامة وفيه تفقه الناس في أمور ‏دينهم ودنياهم وتشربوا مبادىء العدل ونظم الحكم الاسلامي. ‏   

‏ وفي المسجد يقرأ القرآن الكريم ويحفظ وفيه ترتل آياته بالليل والنهار وفيه ‏يتجرد الانسان لمناجاة ربه ومحاسبة نفسه وتؤدى الصلوات الخمس والجمع ومن منبره تلقى الخطب المنبرية في كل ما يهم الأمة الاسلامية دينيا ودنيويا . ‏   

‏ وكان المسجد في البداية يتسم ببساطة البناء والتكوين حيث كان مسجده صلى الله عليه وآله وسلم من اللبن وسقفه من سعف النخيل وعماده من جذوعها. ‏   

‏ وفي العصر الحديث أدخلت على المساجد الكثير من الفنون الهندسية المعاصرة ومن ‏أهمها القباب الكبيرة والمنارات الشاهقة والزخارف الحديثة التي تميزت بلمستهاالروحانية وأدخلت عليها اضافات عدة لاسيما الأجهزة الحديثة. ‏   

‏ وفن العمارة والزخرفة في المساجد لم يقتصر على الشعوب العربية فقط بل انتقل ‏الى المناطق التي فتحها المسلمون ومنها مناطق اذربيجان و القوقاز و جمهوريات اسيا ‏الوسطى. واعتناق شعوبها للاسلام اثر بشكل كبير على فنها المعماري واضحت المساجد والمدارس التعليمية تحفا فنية سوف تبقى بالرغم من كل محاولات الطمس والعزلة التي تعرضت لها هذه البلدان شاهدا على تاريخها و انتمائها الاسلامي.

 وفي اعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي اخذت الجمهوريات الاسلامية في اسيا الوسطى ومنها اذربيجان التي اعلنت استقلالها الوطني تخطو ولكن ببطء من اجل استعادة هويتها الاسلامية الضائعة او المطموسة وبدأ يستيقظ في اعماق شعوبها الوعي ‏الديني الذي توارثته اجيالها منذ الفتح الاسلامي. ‏   

‏ ومن ثم بدا العمل و الاهتمام لاعادة الاعتبار لدور المساجد التي تهدم او اغلق ‏غالبيتها خلال العهد السوفيتي و تحول البعض الاخر الى متاحف واماكن تاريخية ‏ مهملة. ‏   

‏ ونشطت في عواصم و مدن هذه الأقطار حركة اعمار للعديد من المساجد الضخمة ‏ الحديثة التي قام بتنفيذها جمعيات اسلامية عربية و تركية و ايرانية اضافة الى ‏تبرعات الاهالي والاغنياء المحليين ونشطت هذه المساجد و الجمعيات في نشر ‏التعاليم الدينية. ‏   

‏ ويعود تاريخ بعض المساجد في اذربيجان واسيا الوسطى الى ازمنة بعيدة ومنها مسجد ‏محمد بن ابي بكر الذي يعد من اكثر المساجد شهرة و عراقة في البلدة القديمة بمدينة باكو.‏   

‏ ويتكون هذا المسجد من مبنيين احدهما قلعة دائرية و الثاني قاعة مربعة صغيرة ‏مع مدخل على شكل غرفة صغيرة لنزع الاحذية وعلى الواجهة الشمالية كتب بلغة عربية ‏وبخط كوفي واضح "بسم الله الرحمن الرحيم بني هذا المبنى من قبل الاستاذ العرايس ‏محمد بن ابو بكر في عام اربعماية وواحد وسبعين هجرية ( 1078 ميلادية ).‏   

‏ واطلق على المأذنة المبنية الى جانب المسجد " القلعة المكسورة " وذلك بعد ان ‏تهدم الجزء العلوي منها في عام 1723 ميلادية . ‏   

‏ وتتكون الجهة الجنوبية للمسجد من طابقين هما قاعة في الاعلى وطابق ارضي ( ‏تسوية) منفصلين وتستخدم السفلى للنساء .‏   

‏ وحسب مصادر وزارة الثقافة الاذربيجانية فقد اجريت للمسجد اعمال ترميم و صيانة ‏واسعة كان اخرها في عام 1920 ادخل خلالها الكثير من التعديلات البسيطة على ‏البناء القديم و ذلك لزيادة التهوية و الانارة.  

‏ ويتسم المسجد بشكل عام بالبساطة في ديكوره والافتقار الى الزخرفة واكثر ما يلفت الانتباه المحراب الموجود في وسط الواجهة الجنوبية وصمم سقفه العلوي على ‏شكل نصف دائرة ومن خلفه فجوة ازدان عقدها العلوي بخطوط ورسوم على شكل نصف زهرة ‏كما احيطت حافاتها بالنجوم . ‏   

‏ وكتب على عقد الباب من الداخل و الخارج عبارة " الله " اضافة الى رسوم واشكال ‏ ‏تنتج عن تقاطع اضلاع النجوم الخماسية و السداسية التي يشتهر بها فن العمارة ‏الاذربيجاني .‏   

‏ والمسجد و المأذنة يختلفان عن بعضهما سواء بفن العمارة او عناصر و اسلوب ‏البناء كما ان حجم المأذنة الكبير لا يتناسب مع التقاليد المتعارف عليها في ‏ بناء المساجد في اذربيجان خلال العصور الوسطى حيث كان من المتعارف عليه ان ‏يتناسب حجم المنارة مع حجم قاعة الصلاة في المسجد .‏   

‏ ويفسر بعض الباحثين هذا الاختلاف بالقول ان المسجد اقيم على انقاض معبد للنار ‏اعيد بناؤه و تحويله الى مسجد حيث اخذ الطابق العلوي منه سمته الحديثة بينما الحقت به المنارة التي كانت مقامة سابقا وتتصف بالشكل الاسطواني وهي مبنية من الحجر القوي وفي قمتها العليا شرفة للمؤذن كتب تحتها آية قرآنية.‏   

‏ ومن المساجد ايضا مسجد الجمعة الواقع في البلدة القديمة بباكو بالقرب من ‏القلعة التاريخية الشهيرة التي اصبحت رمزا لاذربيجان .‏   

‏ وحسب راي المؤرخ الاذربيجاني اخوندوف فان الجامع قديم جدا و اعيد بناؤه وترميمه اكثر من مرة كانت اخرها في بداية القرن العشرين حيث وضع الاهالي مخططا ‏لبناء مسجد جديد مكان المسجد المتهاوي يكون كبيرا في حجمه على شاكلة مساجد المدن ‏الكبرى مثل القاهرة و اسطنبول تحيط به حديقة عامة و امام مدخله وتزرع الاشجار وتقام نوافير المياه .‏   

‏ الا ان ادارة المدينة لم تسمح بذلك بحجة استكمال بناء سور القلعة القريب من ‏المكان مما اضطرهم لاعادة بناء المسجد الجديد مكان القديم الذي تهاوى في عام 1318 ‏هجرية (1901 ميلادية). 

 وحسب اوصاف المؤرخين فان المبنى القديم للمسجد كانت تتوسطه أربعة عقود ‏مستديرة مكشوفة من الاعلى مما يشير الى انه بني على انقاض مبنى اخر كما تعلو ‏الاقواس قبة مخروطية حددت المظهر العام الخارجي للمسجد وزينت بالواح وبلاط ومواد ‏زخرفة يقول بعض المؤرخين انها لم تكن مستخدمة في فن البناء و العمارة في الاقاليم ‏الشمالية لاذربيجان في تلك الفترة .‏   

‏ وفي وسط الجامع توجد قاعة الصلاة وهي مربعة الشكل يتبعها عدد من الغرف الصغيرة ‏ احداها في الجزء الشمالي الغربي خصصت للنساء و في الخارج فناء صغير فيه حوض ماء ‏ للوضوء اضافة الى وجود قاعات الرجال و النساء كانت منفصلة عن بعضها و لكل قاعة ‏باب خاص بها . ‏   

‏ والحقت بالجامع في القرن الخامس عشر ميلادي مأذنة مازالت في وضع جيد تمتاز ‏ بثقل حجمها و فظاظة شكلها المعماري و لا تختلف كثيرا عن مأذنة مسجد محمد بن ابي ‏بكر.‏   

‏ وخلال المرحلة الاولى من الفتح الاسلامي اختلفت ماذن شمال اذربيجان عن ‏ مثيلاتها في الاقاليم الاسلامية وحتى عنها في جنوب البلاد الا انه منذ القرن ‏الخامس عشر بدات المأذن في اذربيجان تتاثر في بنائها و زخرفتها بمأذن الاقاليم ‏‏العربية و الاسلامية حيث اصبحت اقل سماكة في شكلها واكثر تعقيدا و متانة في ‏ ‏بنائها وغنية بزخرفتها و اكثر دقة وجمالا بنقوشها وكتاباتها واكثر تنوعا في ‏حروفها .‏   

‏ وبخلاف مبنى المسجد القديم فان المسجد الجديد يمتاز بقاعة صلاة واسعة تعلوها ‏قبة انيقة تتخللها فتحات للانارة بسيط في ديكوه جميل بزخرفته كما يوجد عند الباب ‏الغربي للمسجد قبر كتب عليه " تبرع في بناء هذا المسجد المرحوم الشيخ علي داداشاف ‏المتوفي في عام 1911 ميلادية " .‏   

‏ ووصف الكاتب الاذربيجاني أ. اغاييف المسجد في بداية القرن العشرين بقوله "ان من ‏يدخل المسجد الجامع يشعر انه يدخل الى مكان مميز بجماله تحيط به عناصر ومخلفات ‏ حضارة كانت عظيمة في يوم من الايام".(كونا)