برعاية المرجع الديني الكبير سماحة آية الله
العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي – دام ظله – عقدت الحوزة العلمية
الزينبية/ القسم النسائي، مؤتمرها الثقافي
السنوي الثاني الذي حمل عنوان (رسالة
الحوزة)، وذلك بتاريخ 28 شعبان المعظم عام 1423هـ. على قاعة الحوزة
في منطقة السيدة زينب (ع) بالعاصمة السورية دمشق.
حضر المؤتمر، فضلاً عن المسؤولات والكادر
التدريسي والطالبات في الحوزة، وفدان علمائيان أحدهما مثل الحوزة
العلمية والثاني مثل مكتب ممثلية الإمام السيد صادق الحسيني الشيرازي
في القطر السوري، وسماحة العلامة الشيخ ناصر الأسدي المشرف العام على
الحوزة العلمية الزينبية/ القسم النسائي، وسماحة العلامة الشيخ عبد
الكريم الحائري أستاذ الحوزة العلمية وقد تولى إدارة المؤتمر الأستاذ
أبو أحمد البغدادي عضو هيئة تحرير مجلة النبأ.
بدأت أعمال المؤتمر بتلاوة آيات من الذكر
الحكيم، ومن ثم قراءة السورة المباركة
الفاتحة على روح المرجع الديني الفقيد المجدد آية الله العظمى السيد
محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) والمفكر الإسلامي الكبير الشهيد آية
الله السيد حسن الشيرازي – قدس سره – مؤسس الحوزة العلمية الزينبية.
- رسالة
المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي الى المؤتمر-
ثم قرأ الأستاذ البغدادي مدير المؤتمر،
الرسالة التي بعث بها سماحة المرجع الديني الإمام السيد صادق
الشيرازي – دام ظله – إلى المؤتمر، مهنئاً فيها المشاركين بحلول شهر
الله الفضيل، ومباركاً جهودهم ومساعيهم
لنشر مبادئ وقيم أهل البيت (ع)، ومنبهاً إلى دور المرأة المؤمنة
الصالحة والواعية في صناعة المجتمع المسلم وتربية وإعداد الأجيال
الصالحة. وفيما يلي نص رسالة سماحته:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على أشرف
الخلق أجمعين محمد المصطفى وعترته الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم
إلى يوم الدين.
للمرأة الصالحة الواعية دور كبير في صناعة
المجتمع السليم وتربية الأجيال الصاعدة تربية فضلى، وإعداد مثل ذلك
بحاجة إلى تظافر الجهود من المؤمنات التقيات، ليكون ذلك لبنة في
إقامة صرح الإسلام، والتي أمر بها القرآن الحكيم حيث قال عز من قائل:
(أقيموا الدين) وقال جل جلاله: (إن الدين عند الله الإسلام).
ومناسبة شهر رمضان المبارك فرصة جيدة لتأسيس
لجان في هذا المجال وتوجيه الفتيات المؤمنات للتعبئة الفكرية في (أصول
الإسلام الاعتقادية) وأخلاق وآداب الإسلام، وأحكام الإسلام، والتمرين
على قوة البيان، وجمال القلم، حتى تنشأ منهن أمة واسعة وجامعة،
لتغطية العالم بنور الإسلام الوضاء والله هوالمسؤول أن يقيض
في الأمة من يقومون بهذا الدور المهم تحقيقاً لقول رسول الله (ص) في
الحديث المروي عنه: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راع وهو
المسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة
في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع
وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في مال أبيه راع وهو مسؤول عن رعيته
فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
بعد ذلك، عقب مدير المؤتمر على هذه الرسالة
القيمة بقوله:
فكم حري بنا أن نلتزم مباني ومعاني هذه الكلمة
البعيدة المرامي وأن نبذل قصارى جهودنا
ونهاية ما في وسعنا للبلوغ بها إلى ما يمكننا بلوغه، حتى نطمئن إلى
ركن وثيق، حيث نشعر أننا أدينا ما علينا فيما نتحمله جميعاً – آحاداً
وجماعات – من واجب ومسؤولية تجاه صاحب الرسالة الإسلامية السمحاء،
وتجاه الإمام الحجة (عج) وتحقيقاً لقوله تعالى (حتى لا يكون للناس
على الله حجة).
ثم أشار الأستاذ البغدادي إلى فقرة من كلام
للسيد المرجع قاله لدى استقباله جمعاً من
المؤمنات في مكتبه بقم المقدسة، بمناسبة الأيام الفاطمية، حيث قال –
دام ظله -: (واجب النساء شيئان، تعلم علوم
أهل البيت (ع) وتعليمها الناس).
ونقل تأكيد سماحته في نفس المناسبة، بالقول: (إذ
وجدت بينكن من لا تعرف أهل البيت (ع)، ولا تعلم وظائفها وواجباتها،
فإنه يتعين عليكن جميعاً هدايتها وإرشادها، فإن قمتن بتقديم النصح
لها ولم تنتصح، فأنتن معذورات، الواجب الكفائي معناه أنه ابتداءً
واجب على الجميع، فإذا ما قام شخصٌ فيه الكفاية بأدائه، سقط عن
البقية. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زماننا هذا وإلى
خمسين عاماً آخر ليس فيه الكفاية، لأننا مهما عملنا في هذا المجال،
فهو غير كافٍ).
ثم أشار البغدادي إلى قاعدة البنية التي طرحها
الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) حيث قال فيها (رض): (إن الرجل
للأعمال الخشنة، والمرأة للأعمال الخفيفة... ولعل الحل أن نقسم أوقات
المرأة إلى:
2- ترفيعها نفسها بالعلم والصنعة وما أشبه.
3- العمل مع مراعاة الحشمة الكاملة.
ويستعان لأجل إمكان
جمع الثلاثة، بالوسائل الحديثة المسّهلة، مع تقديم الأول على الثاني
والثاني على الثالث).
- جانب من كلمة الشيخ عبد الكريم
الحائري -
هذا، وقدم مدير المؤتمر سماحة العلامة الشيخ
عبد الكريم الحائري أستاذ الحوزة العلمية، فألقى محاضرةً قيمةً حول
موضوع (المرأة والتبليغ الإسلامي) مشيراً سماحته أولاً إلى قضية مهمة
وذات مغزى، وهي أنه لا توجد في عالم الأرواح ذكورة وأنوثة، كما أن
النفس الإنسانية لا توصف بالذكورة والأنوثة.
ثم تطرق سماحة العلامة الحائري إلى موضوع
القصص القرآني، وذكر نماذج نسوية من مثل السيدة مريم (ع)، وأم موسى
واخته، وزوجتي إبراهيم، وامرأة نوح، وبلقيس، قائلاً: (عندما يضرب
المثل في القرآن الكريم بالنساء، فيكون المعني
الذين آمنوا وليس النساء فقط).
وأضاف: (بلغ من أمر هذا النموذج النسائي
القرآني، أن وصل إلى مستوى التحدث مع الملائكة، في حين لا تجد في
القصص القرآني من الرجال إلا الأنبياء (ع) من يتحدث مع الملائكة).
ثم ذكر سماحة الشيخ عبد الكريم الحائري بعض
الملاحظات والنقاط الجديرة بالاتباع، وهي:
1- لا بد للإنسان أن يستفيد من نقاط القوة في
النفس.
2- الانطلاق من القدوة الحسنة المتمثلة في
السيدة زينب الكبرى (ع)، في عملية التبليغ الإسلامي.
3- نصيب النساء في الثورة الحسينية ليس أقل من
نصيب الرجال.
بعد ذلك، ألقى سماحة العلامة الشيخ ناصر
الأسدي المشرف العام على الحوزة العلمية الزينبية/ القسم النسائي،
محاضرة قيمة تركزت حول دور المرأة المثقفة في شهر رمضان المبارك،
وضرورة تحصيل أعلى مراتب التقوى في هذا الشهر الفضيل.. علماً بأن
المحاضرة كانت تحت عنوان (شهر رمضان منطلق الحركة الإنسانية).
استهل سماحة الشيخ الأسدي محاضرته بالآية
المباركة (واجعلنا للمتقين إماماً...) والحديث القدسي: (عبدي خلقتك
لتربح علي لا لأربح عليك).
مؤكدا سماحته على
أن الحوزات العلمية مسؤولة عن تربية طلابها تربية شاملة، دون
الاكتفاء بالتعليم الأكاديمي، أو المقرر في الحوزة.
ثم تطرق سماحة العلامة الشيخ الأسدي إلى موضوع
التقوى الذي تنص عليه آية الصيام (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم
الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) مشيراً إلى أن كلمة
لعل تفيد هنا القطع، أي ستتقون حتماً.
إلى ذلك، تناول سماحته بالشرح جوانب من سير
مراجع الدين العظام، منهم الميرزا الشيرازي – قدس سره – والد الإمام
السيد محمد الحسيني الشيرازي – رض – وآية الله العظمى السيد
البروجردي.
مشدداً سماحته على ضرورة تحصيل أعلى مراتب
التقوى في حياة المؤمن، مستشهداً بالقول القرآني (واجعلنا للمتقين
إماماً).
- البيان
الختامي للمؤتمر-
هذا، وقد أصدرت الأخوات المشاركات في أعمال
المؤتمر النسوي الثاني للحوزة العلمية الزينبية/ قسم النساء، بياناً
ختامياً تضمن جملة توصيات، وفيما يأتي نصه:
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة
وأزكى السلام على الحبيب المصطفى محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين..
مع إطلالة شهر الله المبارك الذي يحمل معه كل
عام تباشير الرحمة والبركة والعتق من النار.. ارتأت إدارة الحوزة
العلمية الزينبية (القسم النسائي) أن تعقد مؤتمرها السنوي الثاني
فنفذت ما ارتأته في 28/ شعبان المعظم/ 1423هـ وخلال اجتماعين
موسعين بحث جمع من المفكرين والعلماء ومدرسات ومرشدات الحوزة جملة
أمور بنيوية هامة وخرجوا بعد المداولات بتوصيات تهم المرأة المؤمنة
المثقفة تتخلص فيما يلي:
1- إن الحوزات العلمية في الوقت الذي تصب
جهوداً مكثفة في التربية العلمية الأكاديمية للكادر الديني.. يلزمها
أن تجاهد وتبذل المزيد من الجهد التربوي لصنع الشخصية الإيمانية التي
تنطلق من (قاعدة التقوى) هذه القاعدة الأساسية الرصينة التي تشكل
صمام الأمان للعالم والكادر الحوزوي أمام تيارات الانحراف والهوى وحب
الجاه والسلطة والدنيا كي لا يتحول هذا الكادر إلى مصلحي يستأكل
بدينه ومعلوماته قال تعالى: (واجعلنا للمتقين إماماً أولئك يجزون
الغرفة بما صبروا) فالمطلوب ليس التقوى بدرجة ضيئلة بل المطلوب من
العالم الديني أن يصبح (إماماً للمتقين) هذه التقوى التي جعلها رب
العزة هدفاً لصوم شهر رمضان وقال في آية الصيام (لعلكم تتقون).
2- إن الأمة الإسلامية ككل تعتبر كالجسد
الواحد كما عبر عنها رسول الله (ص) وإنها كالبنيان المرصوص قال (ص):
(المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً) والمطلوب من المرأة
المثقفة أن ترسخ في المجتمع روح الأخوة العميقة وأن تدعم كل نشاط
إيجابي من أية جهة إسلامية ولا تسمح لنفسها حتى بكلمة سلبية واحدة ضد
تجمع إسلامي أو مؤسسة أو شخصية ذلك لأن وحدة الكلمة هدف شرعي وعقلائي
سام ويلزم المرأة المؤمنة أن تسعى في سبيل تحقيقها وتضحي من أجل
إرساء أسس الاتحاد بما في الكلمة من معنى..
3- وبما أن العالم المعاصر إنما هو
عالم التجمعات والتكتلات الإنسانية
الكبيرة فليس أمام المرأة المسلمة إلا أن تنضم
في جمعيات ثقافية وإنسانية واجتماعية بناءة و(يد الله مع الجماعة
وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) كما قال (ص).. وإن المرأة لو لم
تنضم إلى هيئة أو جمعية تقع فريسة
التيارات الإعلامية والثقافية المنحرفة وتفقد الحصانة ضد التحديات
التي تواجهها الأمة الإسلامية جمعاء..
4- أن المرأة المثقفة المؤمنة مطالبة اليوم
أكثر من أي زمان مضى بان تتصدى
لمسؤولياتها الاجتماعية وتؤدي ما في إمكانها من
اداؤه... سيما وأن مجتمعاتنا الإسلامية تعاني من فقر مدقع في
المبلغين وحملة رسالة أهل البيت (ع) الذين ضحوا بكل غال ونفيس في
سبيل هذا الدين الحنيف قال تعالى (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه
ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً) وقال (والمؤمنون
والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)
فالمطلوب من المؤمنة المثقفة أن تتحمل مسؤولية التبليغ الديني وتشكل
حلقات تعليم القرآن والتفسير والفقه والعقائد سواء في البيت أو في
المسجد أو في الحسينية أو في أي مكان آخر..
5- ومن أهم ما يلزم التركيز عليه وتحقيقه
ميدانياً هو اتخاذ مدرسة الإمام الشيرازي الراحل (قدس الله نفسه
الزكية) منهجاً ووسيلة للذب عن حريم أهل البيت (عليهم السلام)
والدفاع عن القرآن كدستور حياة...
إن مدرسة هذا الإمام العظيم الذي الف أكثر من
ألف ومئتي كتاب وموسوعة وكراس هي مدرسة معطاءة غزيرة الفكر بعيدة
الغور عميقة الرؤى وتمتلك من وسائل النهوض والتقدم ما تحتاجه الأمة
في ظروفها الحالكة اليوم.. وما يعالج لها أسقامها الثقيلة المزمنة..
وأننا تبعاً لمدرسة هذا الإمام الماثل أمام أعيننا نؤكد أن لا خلاص
للأمة إلا باتباع الآيات الأساسية الحيوية المنسية من الكتاب العزيز
كآية (,أمرهم شورى بينهم) و(إنما المؤمنون أخوة) و(إن هذا أمتكم أمة
واحدة) و(وأن جنحوا للسلم فاجنح لها) وآية الحرية (يضع عنهم أصرهم
والاغلال التي كانت عليهم) وغيرها...
6- وأخيراً نؤكد التزامنا
وضرورة التزام الحوزات العلمية بما كتبه الإمام الراحل (قدس
الله نفسه الزكية) حول علماء الدين ومسؤولياتهم في إصداراته الرائعة
مثل (إلى وكلائنا في البلاد) و(الحاجة إلى علماء الدين) و(كيف تدير
الأمور) و(إلى الحوزات العلمية) و(تلخيص منية المريد) و(المرجع
والأمة) و(العلم والتقوى) وغيرها...
هذا ونؤكد عهدنا على مواصلة المسيرة وتحمل
المصاعب والمتاعب حتى يأذن الله بالفرج.. وآخر دعوانا أن الحمد
لله رب العالمين..
إدارة الحوزة العلمية الزينبية (القسم النسائي)
دمشق/ 28/ شعبان المعظم/ 1423هـ.
|