يتعرض الأطفال في معظم بلدان العالم وبالذات
في البلدان النامية إلى حصارات غير منظورة تبدو مستعصية على الحل،
ويقف وراء كل ذلك تفاقم الأزمات السياسية الدولية السلبية التي أصبحت
تشكل القاسم المشترك لها، وتأثير تلك الأزمات التي سحبت بظلالها
القاتمة على حياة الأطفال، وسلبت وما تزال تسلب منهم براءة الطفولة.
تعاني شريحة الأطفال من بين طبقات المجتمع
العراقي من ظروف بمنتهى القساوة، بسبب الأزمات السياسية المعقدة التي
يثيرها النظام الراهن الذي حرق الأخضر واليابس وجلب الكوارث والويلات
على عموم الشعب العراقي بسبب توجهاته التخريبية وسياسة الأزمات التي
لا يجيد غيرها، ولعل الأطفال هم أول ضحايا (دولة صدام) الذي يسددون
فاتورة لكل السياسات الفاشلة، وهذا ما دفع منظمة (اليونيسيف)
المتخصصة برعاية أطفال العالم، والتابعة لهيئة الأمم المتحدة إلى رصد
ظاهرة انتشار الأطفال المتسكعين بشوارع المدن الرئيسية في العراق،
التي خلقتها ظروف الحظر والعقوبات المفروضة عليه منذ سنة 1990م.
فطوال (12) سنة من الحصار الغربي على العراق
تضاعف عدد الأطفال الممتهنين لأعمال حقيرة كـ (ماسحي الأحذية) مثلاً،
من أجل إعالة أسرهم، وهم يعملون في ظروف أقل ما يقال عنها أنها غير
إنسانية، لذلك فإن (اليونيسيف) قد أصدرت تقريراً أشارت فيه إلى
الزيادة الحاصلة بعدد الأطفال المتسكعين بالشوارع، الذين توارت أعداد
غير قليلة منهم عن الاستمرار بالتعليم وتسربوا من المدارس، وتشير
إحصائية رسمية بهذا الشأن أن نسبة المتسربين منهم تبلغ الآن (7%) من
إجمالي عدد الأطفال العراقيين ويشير التقرير الآنف إلى أن الحالات
المزرية التي تتحكم في حياة آلاف الأطفال قد نجمت عنها أمراض كثيرة
منها سوء التغذية، فمن بين كل (3) أطفال هناك طفل يعاني من سوء تغذية،
وهذا ما أدى إلى زيادة أرقام وفيات الأطفال خلال السنوات العشر
الماضية، بسبب تدني مستوى تقديم الرعاية الصحية، إذ بلغت حالات
الوفيات نسبة مخيفة وصلت إلى أنه من بين كل (8) أطفال، هناك طفل يلقى
حتفه.
هذا ويشير تقرير (اليونيسيف) إلى أن هناك
إمكانية لإنقاذ مئات الأطفال الذين يفارقون الحياة يومياً، وتلافي
موتهم لو تم رفع الحصار عن وطنهم العراق.
أفادت دراسة أمريكية حديثة أن الأطفال الذين
يواجه آباؤهم ضغوطاً حياتية ويكونون في حالة مزاج سلبي على صعيد
التعامل مع أولادهم، تنعكس على أولئك الأطفال ويصبحون عرضة للإصابة
بأمراض القلب في مراحل الكبر اللاحقة من حياتهم. وعن هذه الظاهرة
يقول (الدكتور عادل المدني) أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر: (إن
العادات الخاطئة المنتهجة من قبل غالبية الأسر المصرية هي السبب وراء
حدوث مثل هذه المشكلات للأبناء، فكبت مشاعر الأطفال تجعلهم غير
قادرين في الكبر على التعبير الطبيعي المطلوب عما يجول بخاطرهم، ومن
أكثر هذه العادات انتشاراً أن يطلب الأبوان من الابن الذكر كبت
انفعالاته وعدم إظهار مشاعر غيضه، أو ضيقه، وحتى حبه للآخرين، أما
بالنسبة (للبنت) فممنوع عليها تماماً أن تعبر عن انفعالاتها، وربما
آرائها بوضوح أمام الآخرين، حتى لا تبدو غير مهذبة، فالبنت من وجهة
نظر المجتمع تعد مؤدبة إذا ما اتسمت بالهدوء وتجنب خوض النقاشات مع
الضيوف، وضرورة التصنع بخفض صوتها إذا ما نطقت، مع إقلال الكلام قدر
المستطاع)، وهكذا فحين يكبر هؤلاء الأولاد فإنهم يصبحون غير قادرين
على إظهار مشاعرهم للآخرين.
والأسرة العربية على العموم لا تنتبه تماماً
إلى مردود توجيهاتها السلبية لأطفالها، حين يختلط الأمر عليها بين
مبدأ تهذيب انفعالات الأبناء، وزيادة القيود عليهم، وهذا ما يؤدي إلى
اتباع الأسلوب الخاطئ في تربيتهم، ولهذا يحتمل أن تخسر الأسرة
العربية أبناءها من الناحية العملية، رغم التواصل الشكلي بين أفراد
العائلة، الذي يلاحظه الأقارب والمعارف والجيران، ولا يعرفون كنه ذاك
التواصل الهش، بسبب استمرار طغيان العلاقات السلبية في العائلة
الواحدة.
وأخيراً فمن النصائح الموجهة للآباء والأمهات
أن يكونوا قدوات صالحة ورائعة للأولاد، لينشأ أطفالهم تنشئة سليمة
ويصبحوا من الناجحين في الحياة.
اجتمع وزراء العدل في دول الاتحاد الأوربي في
(لوكسمبورغ) قبل أيام، لمناقشة كيفية مكافحة الجرائم الجنسية ضد
الأطفال التي بدأت تتسع في بقاع عديدة في البلدان بعد أن تأسست لهذا
الغرض جماعة أطلقت على نفسها اسم (جماعة انقذوا الأطفال) التي تدافع
عن حقوق الأطفال في بلدان الاتحاد الأوربي. وتطالب هذه الجماعة
باتخاذ موقف حازم إزاء الانتهاكات الجنسية ضد القاصرين، بما مماثل
للموقف من الإرهاب الدولي الذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية بعد
أحداث (11 أيلول 2001م) ولعل أول من نادى بذلك (فيرتون جونز) مدير
برامج (جماعة انقذوا الأطفال) فرع الدانمارك، إذ قال: (إن هذه
الانتهاكات بمثابة إرهاب ضد الأطفال ونأمل أن يتعامل الوزراء مع هذه
القضية بنفس الجدية التي تعاملوا بها مع مكافحة الإرهاب).
كما دعا (جونز) إلى ضرورة التنسيق بين الدول
في مكافحة استغلال الأطفال في صنع أفلام وصور إباحية قائلاً بازدراء
شديد: (إن هذه المواد عابرة للحدود عن طريق الانترنت) ومنذ السنة
الماضية تجري دول الاتحاد الأوربي اتصالات دؤوبة، بشأن مقترحات تقدمت
بها المفوضية الأوربية، بهدف توحيد تعريفات الجرائم الجنسية ضد
الأطفال والقاصرين، والمواد الإباحية من أفلام وغيرها، التي تستغل
الأطفال، وتحديد العقوبات ضد مستغليهم.
ويلاحظ، إلى جانب هذه الدعوات التي يراد منها
منع الانتهاكات الجنسية ضد الأطفال والقاصرين، أن هناك قوانين في
الغرب تفسح المجال لوقوع مثل هذه الجرائم، فعلى سبيل المثال أن سني
الرضى بممارسة الجنس المسموح به وفقاً للقوانين الغربية قد حددت في
أسبانيا بـ (13) سنة وفي ايرلندا (17) سنة.. فهل يصح هذا؟!
أما في بريطانيا فهناك نوع آخر من الجرائم
المقترفة بحق الأطفال والقصر، فقد كشفت دراسة بريطانية جديدة قامت
بها إحدى الجمعيات المتخصصة في سلامة الأطفال، عن الحاجة الماسة
لنظام يحمي حقوق الأطفال ويمنع تعرضهم للموت، وأشارت الدراسة إلى أن
معدلات قتل الأطفال في بريطانيا تنذر بكارثة وطنية، ومما هو موثق لدى
الجمعية المذكورة التي لم يكشف عن اسمها بعد، أنها تعلق مانشيتات
وصور تظهر منازل خاوية من الداخل، في نطاق حملة كبيرة تهدف إلى
التأكيد على أن نسبة الأطفال الذين يقتلون داخل المنازل تفوق نسبة
الذين يقتلون في الشوارع.
وبصدد قتل الأطفال البريطانيين من قبل ذويهم
صرحت (ماري مارش) رئيسة الجمعية التي قدمت الدراسة: (على مدى ثلاثين
سنة، توفي مئات الأطفال بسبب تعرضهم للضرب والتعذيب والحرق والجوع
والتسمم والطعن من قبل آبائهم).
وطالبت (مارش) الحكومة البريطانية باتخاذ
إجراءات صارمة والقيام بإصلاحات قانونية جديدة تناسب القرن الواحد
والعشرين.
وكمثال على قساوة قلوب بعض أرباب العوائل
البريطانية خبر تناقلته وكالات الأنباء الدولية كـ (رويترز) و(يو
بي.اي) والصحف البريطانية، الشهر الماضي إذ هزت قضية موت طفلة تبلغ
سنتين الرأي العام البريطاني، بعد تقديم لائحة اتهام ضد والديها
للتحقيق معهما، حول ما قاما به ضد طفلتهما من تجويع وحرق بالسجائر،
مما أسفر عن إصابتها بـ (64) جرحاً في جسدها الصغير، و(10) حروق في
مناطق مختلفة من جسمها، مما أودى بحياتها.. فتهانينا لجمعيات حماية
حقوق الحيوان في بريطانيا (العظمى)!
دعا (شاراد سابرا) المستشار بدائرة صندوق
الأمم المتحدة (اليونيسيف) – فرع أفريقيا الجنوبية، في مؤتمر صحفي
داخل المقر الأوربي للأمم المتحدة بجنيف إلى ضرورة تطبيق سلسلة
متكاملة من الإجراءات الوقائية لمعالجة الموقف، مشيراً إلى أهمية أن
تكون المدارس محوراً لمعالجة تفشي مرض فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز)
بين أعداد غير قليلة من الطلبة، وأن تعطي المدرسة دوراً للتحرك
الاجتماعي لصالح الأطفال والقاصرين في مرحلة التعليم الإلزامي تحت سن
(15) سنة، بهدف تجنيبهم الإصابة بهذا المرض القاتل.
وربط (سابرا) بشكل يبعث على الإقناع، بأن تفشي
وباء الإيدز في مناطق جنوب أفريقيا، يأتي متزامناً مع موجة الجفاف
الحالية التي تجتاح هذه المناطق مما يؤدي إلى نقص حاد في الغذاء
وتباطؤ غير محسوب في الإنتاج الأمر الذي أدى إلى بروز حالات سلبية
كثيرة ألحقت بالمجتمعات الأفريقية أضراراً على أكثر من صعيد، ومن ذاك
الجانب الصحي، بالإضافة لخلق طوابير من الأطفال المفتقرين لعائل
يعيلهم، وهذا ما خلق نوعاً من الانفلات الأخلاقي بين أولئك الأطفال
الذين يعيشون دون رعاية عائلية فاعلة في بلدان مصابة بـ (الإيدز).
وتشير معلومات (اليونيسيف) إلى أن عدد
المتضررين من الأزمة الحالية، ارتفع من (12) مليوناً إلى أكثر من
(14) مليون نسمة، مع وجود مؤشرات مؤكدة بتزايد العدد مستقبلاً.
وفي هذا الصدد قال (سابرا): (إن مائة ألف عامل
في – ليسوتو – مصابون بالإيدز... وأن الأمل مرتبط بمجموعة صغار السن
تتراوح أعمارهم بين(12) إلى (22) سنة، ممن لم يصابوا بالمرض وتقضي
الضرورة تقديم الرعاية والحماية لهم من خلال المدارس، ومن الثابت أن
بلدان الجنوب الأفريقي المتأثرة بأزمة تفشي المجاعة والمرشحة أن تكون
مرتعاً لإصابات أكثر بالإيدز بين الأطفال فيها هي (ليسوتو) موزبيق،
ملاوي، سوازيلاند، زامبيا، زيميبابوي).
إن مبدأ حفظ (عفة الجسد) الذي يؤكد عليه
الإسلام، يبقى أحد أكثر المعالجات الوقائية الممكن أن يستعين حتى غير
المسلمين للإبقاء على حياتهم.
|