قصيدة الشاعر اللبناني المعروف (جوزيف الهاشم)

 

نِعْمَ العليُّ، ونعمَ الاسمُ واللقبُ
الباذخانِ: جَناحُ الشمس ظِلُّهما
لا قبلُ، لا بعدُ، في "بيت الحرام"، شَدَا
يومَ الفسادُ طغى، والكُفْرُ منتشرٌ
أَللهُ كرَّمهُ، لا "للسجود" لها
منذورةٌ نفسهُ للهِ، ما سجَدَتْ

 

يا منْ بهِ يشرئبُّ الأصلُ والنسَبُ
والهاشميّان: أمُّ حرّةٌ وأَبُ(1)
طِفلُ، ولا اعتزَّ إلاَّ باسْمِهِ رجَبُ(2)
وغطْرسَ الشِرْكُ، والأوثانُ تنتصبُ
ولا بمكّة أصنامٌ ولا نُصُبُ(3)
إلاّ لربّكَ هامٌ، وانطَوْتْ رُكَب

***

هو الإمامُ، فتى الإسلام توأَمُهُ
تلقَّفَ الدينَ سبّاقاً يؤرّجُهُ
عشيرٌه، ورفيق الدرب، "كاتُبه"
بديلُهُ، في "فراش الدرب"، فارسُه
سيفُ الجهاد، فتىً، لولاه ما خفقَتْ
إنْ برَّدَتْ هُدْنةُ "التنزيلِ" ساعدَهُ
أيامَ "بدرٍ" "حُنينٍ" "خنَدقٍ" "أُحُدٍ"
والخيلُ تنهلُ في حربِ اليهودِ دماً
ولوْ كان عاصَرَ عيسى في مسيرتهِ
لثارَ كالرعد يهوي ذو الفقار على
ما كان دربٌ، ولا جَلْدٌ وجُلْجُلةٌ
تجسّدَتْ كلُ أوصافِ الكمال بهِ
الصفحُ والعفوُ بعضٌ من شمائِله
مّحجةُ الناس، أقضاهُمْ وأعدلُهمْ
يصومُ، يطوي، وزُهْدُ الأرضِ مطْمَحُهُ
يخْتَالُ في ثوبهِ المرقوعِ، مرتدياً
مَنْ رضَّع الهامَ بالتقوى، فإِنَّ علي

 

منذُ الولادة، أينَ الشكُّ والرِيَبُ؟
صدرُ النبي، وبَوْحَ الوحيِ يكتسبُ
في الحرب والسلم، فهو الساطعُ الشُهُبُ(4)
وليثُ غزوتِه، والجحْفلُ اللَّجِبُ(5)
لدعوةِ اللهِ، راياتٌ ولا قُطُبٌ
كان القتالُ على "التأويل"، والغَلَبُ(6)
والليلُ تحتَ صليلِ الزحْفِ ينسحبُ(7)
ويومَ "خيبر" كاد الموتُ يرتعِبُ(8)
ومريمٌ في خطى الآلامِ تنتحبُ
أعناقِ "بيلاطُس البُنْطي"، ومَنْ صلَبِوا(9)
ولا صليبٌ، ولا صَلْبٌ ولا خشبُ.
في ومْضِ ساعدهِ الإعصارُ والعطَبُ
وبعضُه البِرُّ، أمْ من بعضِه الأدبُ
أدقُّ، أنصفُ، أدعى، فوقَ ما يجبُ(10)
والخَلُّ مأكَلُه، والجوعُ والعُشُبُ
عباءَةَ الله، فهْيَ الغايةُ الأرَبُ
أقدامِهِ، يُسفَحُ الإبريزُ والذهَبُ..

***

على منابرهِ، أشذَاءُ خاطرِه
ومِنْ مآثره، أحْجى أوامرِه
إنْ غرَّدَ الصوتُ هدّاراً "بقاصعةٍ"
أوِ استغاثَتْ به الآياتُ كان لها
يَذُودُ عن هادياتِ الشرعِ، يَعْضُدُها
هو الوصيُّ على الميثاق، مؤتَمنٌ
هو الخليفةُ، ما شأْنُ "السقيفة" إنْ
"أْنذِرْ عشيرَتَك القُرَبى" فأنذَرَها
ما غرَّهُ الغُنْمَ، فاغتابوا تفجّعَهُ
شّتانَ بين لظى المفجوع، يُرهُبه
وبين مَنْ هَامَ في أحلامهِ شغفاً
ما همَّ أن يستحقَّ الغَبْنَ، ما سلِمَتْ
فكان للخلفاءِ، الدرعَ واقيةً
لولا عليُّ، لما استقوى بها عمَرٌ
وكان من خطر "الإقطاع"، أنْ هُتِكَتْ

 

ومن جواهرِه، الصدَّاحةُ الخُطَبُ
ومن منائرِه، تَستمْطِرُ الكتُبُ
كالبحرِ هاج، وهلَّتْ ماءَها السُحُبُ(11).
روحاً على الراح، يا أسخاهُ ما يهبُ...
والحقُّ كالصبحِ، لا تلهو بهِ الحجُبُ
على تراثِ نبيَّ الله، منتَدبُ
طغَتْ على إهلها الأهواء والرِتَبُ
وقالَ ربُّك قولاً فوقَ ما طلَبُوا(12)
على الرسول، ودمعُ القلبِ ينسكبُ
هولُ الفراغ، وذاك المشهدُ العجَبُ
فراحَ يلعبُ فيه العرضُ والطلبُ...
للمسلمين أمورٌ، وانجلتْ نُوَبُ(13)
وللخلافةِ ظلاً، ليس يحْتجبُ
يوم "النفير" ولولا المرشِدُ النَجِبُ(14)
أركانُ أُمَّتهِ، والشعبُ منشَعِبُ

***

مِنْ بعدِ بُعْدِكَ...؟ فاسأَلْ ما هو السببُ
إلى قميصٍ، بهدر الدم يختَضِبُ
عمّا وقَتْهُ رموشُ العينِ والهُدُبُ
والشرعُ يحكمُ فيه الطيشُ واللَّعِبُ
فحرَّفوها خِداعاً، كيفما رغبوا
على بنيها، وطَيْفَ الله ما رَهِبوا
تلقَّفتْهُمْ جذوعُ النخْلِ والكُثُبُ
بأيَّ سيفٍ همُ أشياعَه ضربوا...!

 

قفْ... هل تساءلتَ كيف المسلمون غدَوْا
ما سرُّ عثمان..؟ كيف الغدرُ حوُّلهُ
وكيف زلَّتْ خطى الإسلام، وانحرَفَتْ
أين التعاليم..؟ والقرآنُ مندثرٌ
والدينُ تاهتْ أحاديثُ النبيَّ بهِ
والجور سادَ، وضلَّتْ أمةٌ، وبَغَتْ
ومُزَّقَتْ فِرَقٌ، إنْ خفَّ رَكْبُهمُ
سيفُ الإمامِ حَبَا الإسلامَ عِزَّتهُ

***

نهجُ الرسول، وبالآياتِ تعتَصِبُ
أدراُنهُ، وجنودُ الشرّ ما احْتَجَبُوا...
"لإِبْنِ مُلجَمَ"، وهو النازفُ التَّعِبُ(15)
كالنور في الأرض، تستهدي به النُجُبُ
كأنَّهُ، مَلِكَ الإيحاءِ يصْطَحِبُ
يغيبُ... ما غابَ، إلاّ وهو يقتربُ
صوتُ الصهيل هنا، والوقْعُ والخبَبُ
إنْ غرَّبَ الضوء، ليس النجم يغتَربُ..

 

لم يسْتَسِغْ بَيْعةً إلاّ ليكْلأَها
فقاوموه.. لأنَّ الشرَّ ما خمدَتْ
بأيَّ روحٍ إلهيَّ يمدُّ يداً
فسطّرَ النبلَ دستوراً وعمَّمَهُ
وكَّبلَ الزمنَ المرصودَ في يدِه
هو الخلودُ، ومصباحُ السماءِ فلا
إنَّ الإمامَ هنا، سيفُ الإمام هنا
كالنجم تلتقطُ الأفلاكَ جبهتُهُ

***

"والحِصنُ" مرتفعٌ والأُفقُ مضطَرِبُ(16)
سالَمْتُهمْ غدروا، هادَنْتَهُمْ وَثَبوا(17)
كمِثْل عهدِكَ، أينَ العهدُ يا عرَبُ؟
وفي الوقيعةِ، عذرُ الهاربِ الهربُ
وهائمٍ، دأْبُهُ العُنقودُ والعِنَبُ
وليس يردَعُها شرَعٌ ولا رَهَبُ
يا.. إنها شعبُهُ المختارُ والعَصَبُ
حتى على الله، كَمْ يحلو لها الكَذِبُ
كُفْرٍ، وكبَّرتِ الأجراسُ والصُلُبُ.

 

قمْ يا إمامُ، فإنَّ الليل معتكرٌ
همُ اليهودُ، وما نَفْعُ "المسارِ" إذا
يدورُ في عصرنا التاريخُ دورتَهُ
تَبَدَّدَت ريحُهُمْ في كلَّ عاصفةٍ
ما بين منكفيءٍ في زهْوِ نَشْوتَهِ
وآفَةُ الشرْقِ، سفّاحٌ بمَقْبضِها
راحَتْ تُصَهْيِنُ اسمَ الله فاسقةً
تُدَنَّسُ الطُهْرَ، والإيمانُ في دَجَلٍ
فَجْلَجَلْ المسجِدُ الأقصى، يثورُ على

***

وانشَلَّتِ الخيلُ، حتى استَسْلَمَ الغَضَبُ
واستُقْطِبَتْ قِمَمٌ، واستُهْبِطَتْ قُبَبُ
كأنها السيفُ فوقَ "الطُوْرِ" مُنْتَصِبُ(18)
كأنَّ "قانا" على راحاتِهِ حلَبُ(19)
رَكْبُ الفتوحاتِ، حتى قُطّعتْ رَقَبُ
عنْ كلِ مَنْ غُلِبوا غدراً، ومَنْ نُكِبُوا.
رَجَّ الوطيسُ بِها، واهتزَّتِ الهُضُبُ
"للخَيَبْريّين"، لا رِفْقٌ ولا حَدَبُ(20)
كالرِجْسِ، تلفِظُها مِنْ أرضِنا التُرَبُ
يا بئْسَهُمْ مَنْ بكَوْا حُزْناً، ومَنْ نَدَبُوا
بلابلٌ، وتعالى الزهْوُ والطرَبُ.
ونَهْرنُا النهرُ سُمُّ إنْ هُمُ شَرِبوا(21)
إلى فلسطينَ، فاهتاجَ الدَمُ السَرِبُ
مَنْ قال: قَدْ ضاعَ حقٌ وهو مغتَصَبُ
والنارُ إنْ أُجّجَتْ، فَلْيُحْرَقِ الحَطَبُ

 

داَنتْ لها جَبَهاتُ السّاحِ صاغرةً
وَرُوَّعتْ هِمَمٌ، واستَكْبَرَتْ أُمَمٌ
حتى دَوَتْ وَثْبَةٌ ضجَّ الزمانُ بها
لجَّتْ بزأْرَةِ ليثِ الشامِ زمْجَرَةٌ
يَشِدُّ أَزْرَ جنوبٍ، لمْ يمرَّ بهِ
فخاضَ عنْ أمَّةٍ حربَ الجهادِ فدىً
هِيَ المقاومةُ السمراءُ هازجةٌ
فكانَتِ الكربلائياتُ، صوتَ ردىً
هذي فلولُهُمُ، هذي جماجِمُهُمْ
إذا قضىَ منْ قضَى منهُمْ، قضَوْا أَلَماً
وإِنْ شهيدٌ هوى مِنْ عندِنا صدَحَتْ
هذا الجنوب دمٌ، والماءُ فيه دمٌ
مِنَ الجنوبِ رَذَاذَاتُ الدماءِ سَرَتْ
واستَبْسَلَتْ انتفاضاتٌ مُخضَّبةٌ
مَنْ أوقدوها لظىً كانوا لها حطباً

***

خرَّتْ رؤوسٌ بهِ، حتى علا الذَنَبُ
إنْ حَمْحَمَ السيفُ عضَّتْ غِمْدَها القُضُبُ(22)
فهي العدالةُ، والمظلومُ مُرتَكِبُ
مَنْ يسْلُبِ الخيرَ، غيرَ الشرَّ لا يَهِبُ
فأْنتَ مثلُكَ مَنْ يُخْشىَ ويُرْتَقَبُ
مالُ اليتامى حرامٌ، كَيفَ يُسْتَلَبُ
إلاَّ بما مُتَّعَتْ أشداقُ من نَهَبُوا
"لأنَّ مَنْ ذهبَتْ أخلاُقهمْ ذهبَوا"...

 

قمْ يا إمامُ وسُنَّ العدلَ في زمَنٍ
وسُنَّهُ السيفَ، يأبى ذو الفقارِ ونىً
سادَتْ جبابرةُ الإرهابِ ظالمةً
الأقوياءُ على خير الضعيفِ سَطَوْا
فارْدَعْ بزَنْدِكَ وإِليهُمْ وعامِلَمُمْ
وازْجُرْ بأمْرِك وإِلينا وعاملَنا
ما جاعَ منّا فقيرٌ طوْعَ ساعدِه
رجوتكَ أغْضَبْ، على الأخلاقِ حُضَّهُم

 

الهوامش:

1- الإمام علي: أول هاشمي من أب وأم هاشميين.

2- ولد الإمام بمكة داخل بيت الله الحرام ولم أحد يولد قبله فيه ولا بعد - رجب: هو الشهر الذي أبصر فيه الإمام النور.

3- كرّم الله وجهه عن السجود لأصنام الكعبة.

4- كاتبه: كاتب وحي الرسول.

5- ضحّى الإمام علي بنفسه مقابل إنقاذ الرسول، فنام في فراشه ليلة الهجرة.

6- إشارة إلى كلام النبي للإمام: "إنك تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله".

7- اسماء غزوات الرسول في وجه المشركين.

8- الغزوة على اليهود في حصن خيبر، والإمام فيها صاحب راية المسلمين.

9- بيلاطس البنطي: حاكم اليهود الروماني: الذي أسلم المسيح للموت.

10- اقضاهم: إشارة إلى قول النبي: "أقضاكم علي".

11- القاصعة: خطبة شهيرة للإمام علي.

12- نزل قوله تعالى:"وأنذر عشيرتك الأقربين" فكان حديث الدار، وجمع النبي بني هاشم وانذرهم، ثم قال في الإمام علي: "هذا أخي ووصيّي ووزيري، ووارثي، وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا".

13- قول للإمام علي يوم حُرم من الخلافة: "سوف أسكت ما سلمت أمور المسلمين وما دام الغبن علي وحدي.."

14- إشارة إلى قول الخليفة عمر بن الخطاب "لولا علي لهلك عمر" حين أنقذ الإمام علي المسلمين من خطر الاقطاع والنفير العام.

15- ابن ملجم: المجرم الذي اغتال الإمام علي في مسجد الكوفة.

16- "الحصن": إشارة إلى حصن خيبر اليهودي.

17- "المسار": مسار المفاوضات بين العرب وإسرائيل.

18- الطور: بلدة في سيناء حيث جبل موسى.

19- إشارة إلى مجزرة "قانا"التي ارتكبتها إسرائيل في اجتياحها جنوب لبنان، نيسان 1995 والتي عرفت بعناقيد الغضب.

20- الخيبريين - اليهود - نسبة إلى حصن خيبر.

21- إشارة إلى نهر الوازني في الجنوب اللبناني الذي تسرق إسرائيل مياهه.

22- القضُبُ: السيوف القطاعة.