والدي.. ذكريات أخلاقية من سيرة السيد ميرزا مهدي الشيرازي(قده)

 

الكتاب: والدي

المؤلف: السيد محمد الحسيني الشيرازي(قده)

الناشر: هيئة محمد الأمين (ص)، الكويت

الطبعة: ط1، 2002م

الصفحات: 120ص، قطع وسط

عرض: بشير البحراني / عضو تحرير موقع قطيفيات

قال الله تعالى في محكم كتابه الحكيم: {كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها}.

ما أعظم هذه العائلة (آل الشيرازي).. لا تملك أمامها إلا الانحناء تقديراً وإجلالاً لعظمتها ووفرة عطائها.. الجد إلى الابن وإلى الحفيد؛ جميعاً نجوماً ساطعة في سمائنا المظلمة.. كلما غاب غيهب ظهر غيهب آخر يملأ الدنيا بالعلم والورع والتقوى والعمل الصالح.

وها نحن الآن في ضيافة ولد يتحدث عن والده، عظيم يتكلم عن عظيم.. إن الإمام المجاهد آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف) يحدثنا عن سيرة أبيه الإمام السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف) وذكرياته معه.

يذكر الإمام المؤلف إن ولادة أبيه (رضوان الله تعالى عليه) تعود إلى سنة 1304هـ في كربلاء بالعراق ووفاته فيها أيضاً سنة 1380هـ.

بدأ دراسته الأولية في مدينة كربلاء، ثم شق طريقه في العلم والدراسة في مدن مختلفة متتلمذاً على أيدي علماء كبار مثل الشيخ محمد تقي الشيرازي والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي والشيخ محمد حسين النائيني والسيد حسين القمي وغيرهم.

في عام 1366هـ تولى زمام المرجعية، وكان المرشح للمرجعية العليا بعد الإمام السيد حسين البروجردي إلا أن الأجل عاجله قبل وفاة البروجردي بأربعين يوماً مخلفاً وراءه (15) كتاباً أغلبها في الفقه.

بعد المقدمة المقتطفة من سيرة والد الإمام المؤلف؛ نلحظ سماحته يبدأ بعرض عدد من القصص المنقولة له عن لسان أبيه، وما يميز ذلك أن الإمام المؤلف يضيف إليها بعض التعليقات والملاحظات وبعض الروايات والآيات ويضيف بعض الحكايات والقصص المشابهة، لكي يستفيد القارئ ويعي فيتعظ.

نقرأ قصة ينقلها الإمام المؤلف عن والده حول عالم البرزخ وظهور العقارب والثعابين في القبر، فنراه يعقب بقوله: «إن امتلاء القبر بالعقارب أو الثعابين هو أمر معنوي، يعني العقارب والثعابين المرتبطة بعالم البرزخ، لكن أحياناً يُظهِر الله سبحانه شيئاً منها للعيان حتى يصدق في هذا العالم أيضاً» [ص16]. ثم يجلب قصة من التاريخ عن شخص يرابي كلما حفروا له قبراً ظهرت في الثعابين، ثم يذكر لنا قصة ورواية عن جزاء اللوَّاطين حيث تقذف الأرض جثمانه إلى جملة قوم لوط في جهنم بعد وضعه في القبر بثلاثة أيام. ثم يضيف ويضيف.

.. هكذا الإمام المؤلف يكتب عن والده ما يفيد الناس، من قصص ومواعظ، ثم يضيف معلومات وقصص من أجل أن تعم الفائدة أكثر وأكثر.

بعد ذلك يعاود الإمام المؤلف الحديث عن والده، فيذكر أنه كان حافظاً للقرآن، ويقرأ جزءاً منه بعد صلاة الصبح من كل يوم.. يقول الإمام المؤلف: «ذات مرة ونحن في طريقنا من مدينة النجف الأشرف إلى مدينة كربلاء المقدسة من الطريق العلوي، وفي أثناء الطريق تعطلت السيارة فجأة فقال السائق إن وقود السيارة قد نفد فيلزم أن ننتظر في مكاننا حتى شروق الشمس ومرور السيارات لأن الطريق لا تعبر فيه السيارات ليلاً، وأخذ الوالد في المشي حتى الصباح، لكني بقيت في السيارة لشدة البرد، وفي الصباح سألته: لماذا لم تنم الليلة؟ وكانت ليلة شديدة البرد، قال: سنحت لي هذه الفرصة بأن اقرأ ثمانية أجزاء من القرآن الكريم مما أحفظ» [ص27].

حفظ القرآن تحت ضوء القمر، وحين أصيب بمرض العشو الليلي، نذر للسيد محمد بن الإمام الهادي (ع) أنه إذا تمَّ شفاؤه فسيزوره كل عام ويهدي إلى مرقده الشريف رزمة من الشموع، وهكذا شافاه الله وصار بصره قوياً بشكل كبير جداً، ووفى بنذره.

يحدثنا الإمام المؤلف كيف أن والده كان يكنس غرفته بنفسه، وكان يغسل ثيابه بنفسه أيضاً، وكان زاهداً، ولا ينام في شبابه إلا ساعتين ونصف فقط بينما يشغل باقي يومه بالقراءة والحفظ. وقد كان ينظم القصائد بصورة متميزة بالإضافة إلى كان حافظاً لثمانية آلاف بيت من الشعر.

ويحدثنا الإمام المؤلف عن التربة الحسينية التي كانت في حوزة والده، حيث كانت تصبح في يوم عاشوراء كقطعة دم، ثم تعود إلى طبيعتها في اليوم الحادي عشر، وقد أوصى بدفنها معه مع القرآن الصغير الذي كان يحفظ منه أيام شبابه.

مواقف وقصص كثيرة يحكيها الإمام المؤلف عن والده مبيناً جهاده الكبير ضد الظلم في العراق وإيران وغيرها، وزهده وتقواه وورعه، وأمور كثيرة تجعل منك تقف مذهولاً من عظمة هذه الشخصية السامية.

أُضيفت للكتاب كلمة للمرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله الشريف) حول والده، حيث استحضر فيها أيضاً عدداً من القصص الأخلاقية المتعلقة بالسيرة الذاتية لوالده (رضوان الله تعالى عليه)، وقد عنون كلمته بـ: «توهجات من حياة السيد الوالد رحمه الله». كما أُضيفت كلمة أخرى لأبي مصطفى الحسيني تحت عنوان: (نقاط مضيئة عن رجل وضّاء)، وكلمة أخرى للعلامة السيد هادي المدرسي تحت عنوان: (ذكريات مع جدي).

إن هذا الكتاب قيم بمحتواه إلى درجة كبيرة لم أكن أتوقعها وأنا ابدأ تصفحه، فهو بمثابة دليل أخلاقي للاستفادة المباشرة من سير العلماء الأفاضل، وأي علماء؛ عظماؤهم وكبارهم، كما أن الكتاب مفيد بصورة كبيرة لمعرفة أحوال العديد من الأجيال السابقة ووضعية معيشتها وعبادتها وما شابه وعلى الخصوص في العراق.