المنهل العذب.. منهج أهل البيت (ع) في اللين وحسن المعاملة

 

الكتاب: المنهل العذب

المؤلف: السيد محمد الحسيني الشيرازي

الناشر: هيئة محمد الأمين (ص)، الكويت

الطبعة: ط1، 2002م

الصفحات: 40ص، قطع وسط

عرض: بشير البحراني/عضو تحرير موقع قطيفيات

يتحدث الإمام المجاهد آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس الله نفسه الزكية) في هذا الكتاب عن موضوع اللين والمعاملة الحسنة، ويؤكد من البدء على كونهما من صفات المؤمنين التي كثيراً ما حثت عليهما الشريعة الإسلامية المقدسة وأصت باتباعهما، وذلك لما لهما من تأثير قوي في نفوس الآخرين.

ويتحدث الإمام المؤلف عن هذا التأثير القوي للقول اللين وحسن المعاملة، حيث أن مثل هذه الخصال الحسنة تؤثر على النفوس وتستميل القلوب حتى مع الأعداء، «فعندما تتكلم معهم بقول ليِّن وتعاملهم معاملة حسنة فإنك تستطيع أن تحدّ أو تقلل من عداوتهم، أو على الأقل تلقي الحجة عليهم، فقد قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}» [ص10].

ويستشهد الإمام المؤلف بكون الله عز وجل أرسل نبيه موسى (ع) ليخاطب فرعون باللين والرفق، فقال له ولأخيه هارون (ع): {اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى}. هذا مع العلم أن فرعون هو ذلك المتجبر والظالم ومدعي الربوبية العليا والذي كان يبقر بطون النساء الحوامل فيقطع رؤوس الأجنة الذكور، ومع كل ذلك فقد أُمر موسى (ع) باستخدام اللين والرفق في الدعوة والخطاب.

وليس هذا هو ديدن الأنبياء (ع) فحسب، بل إن «المتتبع لسيرة المصطفى وآل بيته الأطهار (ع) سوف يلاحظ وبوضوح أن هذه الخصلة الحميدة (اللين والرفق) كانت علامة بارزة في تعاملهم مع شيعتهم ومحبيهم، بل ومع أعدائهم أيضاً» [ص13].

وعلى الرغم من كثرة الشواهد عن أهل البيت (ع) في هذا الباب بصورة لا تحصى، ولا عجب من ذلك، فهم (ع) المنهل العذب الذي يرتوي منه الناس ومنبع جميع الأخلاق الحميدة والفضائل الحسنة، حسبما يعبر الإمام المؤلف في كتابه هذا.

ولذلك يعدد سماحة الإمام المؤلف بعضاً من هذه الشواهد، فيذكر موقفاً يعتذر فيه الإمام الحسين (ع) من أعرابي احتاج إلى مال، حيث أعطاه الإمام (ع) كل ما تبقى لديه من مال ونزع له برديه ليلف المال فيهما، ثم اعتذر للأعرابي معتبراً نفسه قصَّر في حقه.

وها هو الرسول الأعظم (ص) في غزوة أحد بعد أن كسرت رباعيته وشجَّ وجهه؛ يعفو عن قومه، بل ويدعو لهم بالهداية، فقد روي إنه (ص) كان يمسح الدم عن وجهه ويقول: «اللهم إهدِ قومي فإنهم لا يعلمون». وهكذا أيضاً كانت سيرة الرسول الأعظم (ص) عظيمة وسامية، ففي موقف آخر يعفو الرسول (ص) عن عبدالله بن الزبعري ذلك الشاعر الذي أكثر الهجاء في رسول الله (ص). وفي موقف آخر نشاهد يهودياً يدعي أن له دنانير عند رسول الله (ص)، ويطلب مقاضاة النبي (ص)، ومع ذلك يتقبل (ص) الأمر بلين ورفق ويطلب من أصحابه عدم النظر إلى اليهودي بعين التهدد والوعيد على إدعائه، فما يعلو النهار إلا واليهودي قد أعلن إسلامه. وهكذا فعفوه (ص) لا نظير له، فقد عفا عن المرأة اليهودية التي وضعت له السم، وعفا عن قاتل عمه الحمزة، وعفا عن هند آكلة الأكباد.

ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في حق رسوله (ص): {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}، وخاطبه الله عز وجل بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم}.

وهكذا كانت سيرة الأئمة أهل البيت (ع)، فها هو رجل يتهدد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) دون أن يعلم بشخصه، وبعد أن يعلم بشخص الإمام (ع) يطلب السماح، فيعفو الإمام (ع) عنه. وها هو أحد النصارى يشتم الإمام محمد الباقر (ع) قائلاً له: أنت بقر، فيرد (ع) عليه: «أنا باقر»، فيقول: أنت ابن الطباخة، فيرد (ع): «ذاك حرفتها»، فيقول: أنت ابن السود الزنجية البذية، فيرد (ع): «إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك». فما كان من النصراني إلا أسلم لما رأى عظيم أخلاق الإمام (ع).

وهكذا سار العلماء الأعلام على هذا النهج، فيذكر الإمام المؤلف موقفاً يحكى عن الخاجة نصير الدين الطوسي وكيف أن أحدهم من ذوي الألسن اللاذعة كتب رسالة تفيض بالشتم والسباب والكلام البذيء، فرد عليه الخاجة بكل هدوء ودون غضب أو إساءة. ثم يذكر موقفاً آخر يوضح كيف تعامل أحد علماء كربلاء الأبرار مع شاعر هجاه في قصيدة شعرية كاملة، وكيف استطاع ذلك العالم بتعامله تبديل كل حقد ذلك الشاعر إلى ود ومحبة.

إنني اذكر هذه الموقف على سبيل السرعة، ومن أراد التفصيل فيها فليرجع إلى متن الكتاب، والمهم من كل ذلك أن نردد مع الإمام المؤلف دعوته لنا بأن ننهل من (المنهل العذب) وهم أهل البيت (ع) بأن نتبع أسلوبهم في التعامل والمجادلة قولاً وفعلاً، وذلك حتى يصدق علينا بأننا أتباع آل البيت (ع).