مستقبلاً جمعاً من المؤمنين

العلامة السيد حسين الشيرازي: من أعقد المسائل التي تواجهها مجتمعاتنا الإسلامية اليوم مسألة الشباب ومدى التزامهم بأحكام الدين الحنيف

قم/ النبأ: خلال لقائه جمعاً من الأخوة المؤمنين – ألقى سماحة العلامة السيد حسين الشيرازي محاضرة تطرق فيها إلى موضوع الشباب، فيما يلي نورد مقتطفات منها:

بداءةً، قال سماحته: من المسائل المعقدة في مجتمعنا اليوم، مسألة الشباب، ومدى التزام الشباب والفتية بأحكام الدين في مجتمعنا الإسلامي، ومن الأشياء التي نعاني منها كثيراً في وقتنا الحاضر، انتشار الفساد في هذه الشريحة المهمة من المجتمع، إلى حدّ يتجاوز الفساد الأخلاقي والاعتقادي، هذه الشريحة التي تعتبر أول شريحة التفت حول الرسول الأكرم (ص) في فجر الرسالة، وآمنت به بسهولة ويسر، تعدّ الآن أخطر مشكلة تواجه مجتمعنا الإسلامي، فما هي طبيعة هذه المشكلة وما هي أسبابها؟!.

البعض يعتقدون بقوة بآراء وأفكار علماء الغرب، لهؤلاء أبين أمراً، وهو أن العلماء الغربيين سواء منهم علماء الاجتماع أو علماء النفس، يصرحون بأن الإنسان في سن الثانية عشرة، يتيقظ لديه إحساس ديني مشبوب، ويجمع هؤلاء العلماء على أن سن البلوغ عند الإنسان يترافق مع ميل داخلي نحو الدين.

هذه الحالة التي أقرتها الروايات والعلم الحديث، انقلبت إلى العكس في الوقت الحاضر؛ أي إن الإنسان، لا يلتزم، في بواكير شبابه، لا بالدين ولا بأحكامه ولا بالعقائد، فما السبب في ذلك؟ وما هو مصدر هذا الفساد؟ ولعلنا نستطيع أن نقسم عوامل هذه الأزمة التي يعيشها الشباب إلى ثلاثة عوامل:

الأول: إن طبيعة الحالة السنية التي تمثل ذروة النشاط لدى الشاب، تسبب لديه الثورة والاضطراب والغرور، كما صرح به العديد من الروايات، ففي حديث لرسول الله (ص)  (الشباب ضربٌ من الجنون) – وبالطبع فإن هذا الحديث لا يمثل إهانة للشباب، بل هو بيان لطبيعة هذه المرحلة من عمر الإنسان-.

الثاني: إن مرحلة الشباب تمتاز بالطبيعة اللاأبالية واللاجدوانية واللامعنى، والفراغ الداخلي، روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قوله: الشباب مثل الأرض الخالية، تحصد ما تزرعه فيها.. غاية الأمر أن هذه الطبيعة اللاأبالية لها تأثير كبير في مقابل أمواج الفساد الأخلاقي.

الثالث: حالة ضعف النفس، ورقة القلب، وقلة التحمل.. يدلنا القرآن الحكيم على أن الله تعالى خلق في نفوس جميع بني البشر شيئاً اسمه الفطرة؛ فحتى ذلك الشاب السيء الخلق، يوجد في داخله شيء اسمه الفطرة، لكنه لا يلتفت إليه، فعليه أن يتنبه إليه ويعتقد به، فما صنعه الرسول الأكرم (ص) مع أصحابه – وأغلبهم من الشباب – ليس سحراً، بحيث تحملوا كل تلك الأهوال والمعاناة، دون أن ينقطعوا عن رسول الله (ص) ولو لحظ عين!!.

وتابع سماحة العلامة السيد حسين الشيرازي بقوله: يصرح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بشأن الهدف من إرسال الأنبياء والرسل إلى بني البشر، فيقول (ع): (ليستأدوهم) أي إن الله تعالى أرسل الرسل إلى بني الإنسان، ليأخذوا عليهم ميثاق الفطرة، الذي جعله الله عليهم جميعاً.

وأردف سماحة السيد يقول: إن أحاديث أئمة أهل البيت الأطهار (ع) زاخرة بالكلمات الطيبة، التي ينبغي تعليمها للشباب؛ فكلما وفقنا في كف بعض الشباب المنحرفين، ولو بدرجة واحدةً، عن انحرافهم، أثبت لنا ثواب وحسنة؛ ذلك لأن الكلمة الطيبة تنمو بطبعها وتثمر.

قبل بضعة أيام – والكلام لسماحة السيد – جاء شاب إلى السيد الوالد (المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي) فجلس عنده يحدثه، ولم تكن تبدو عليه أية سمة من سمات المتدينيين، وكان مسترخياً في حديثه، ويطلق الكلام على عواهنه، ومن جملة ما قاله للسيد الوالد: لقد قرأت كتاباً من كتبك فأعجبني، ودعني الآن أقول لك: أنا لا أصلي أبداً، فقال له السيد الوالد: ولماذا؟ قال – نعوذ بالله ونستجير به – لأنني أكره الله؟!! وأكره أي شخص معمم!!.. وهكذا أكثر في الحديث، فلما بلغ تمامه، قرأ عليه الوالد بعض الروايات الشريفة، وتحدث معه مدة عشرين دقيقة، ثم قال له: أظنك علمت اشتباهك وخطأك بعدما سمعت ما قلته لك؟ فقال الشاب: نعم.. فلما اقترب وقت صلاتي المغرب والعشاء، قال له السيد الوالد: والآن انهض لتتوضأ وتصلي، فشرع الشاب بالحركة.. وقبل أن ينهض قال: أشعر بالخجل من الله(!!) فقال له الوالد: لا تخجل، إن الله رؤوف رحيم، وقد بلغ من رحمته أنك كلما توجهت له، فإنه سبحانه وتعالى يتوجه إليك..

وباختصار أقول، لقد كان في نية ذلك الشاب الذي كان قادماً من طهران، أن يبقى لمدة نصف ساعة فقط، يعود بعدها إلى أهله، لكنه حضر في صباح اليوم التالي، عند السيد الوالد، وقال له: جئت لأقول لك إنني صليت ليلة البارحة، وصليت صبح هذا اليوم أيضاً(!!)، فقال له السيد الوالد: ألا تريد أن تعود إلى طهران؟ قال: كلا، أريد أن أجلس عندك، وأنظر إليك. وهكذا، صار الشاب يأتي إلى السيد الوالد كل يوم، صبحاً وعصراً ومساءً، فيجلس عنده وينظر إليه فقط.. فلما انقضى عليه أسبوع، عاد أدراجه إلى طهران..

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.