في ندوة اصيلة.. لماذا الاهتمام باميركا؟

بعد ثلاثة ايام من النقاشات الساخنة بين مفكرين  وباحثين من كافة الجنسيات، اختتمت ندوة اصيلة التي انعقدت تحت عنوان(اميركا والعالم: اية اميركا واي عالم؟)، وقد شكل محور «أميركا قبالة اميركا» اخر محاورهذه الندوة وشارك فيها ادمون غريب، استاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون في واشنطن من خلال ورقته التي تساءل فيها، لماذا الاهتمام بأميركا؟ مشيرا الى وجود صور نمطية ومقبولة لدى الاميركيين ولدى العرب، من كل طرف عن الاخر. كما ان هناك عدم فهم كاف لحضارة وثقافة الطرف الاخر على الرغم من اهمية العلاقة القائمة بين العرب والاميركيين. وتحدث غريب عن تعمق الهوة وبروز مشاعر الشك بنيات الطرف الاخر. ذلك ان بعض الاميركيين يعتبرون المسيحيين العرب ارهابيين، يكرهون قيم اميركا وحريتها وديمقراطيتها ورفاهيتها وفي المقابل يرى الكثير من العرب والمسلمين ان اميركا تهددهم وتحتل اراضيهم وتدعم اسرائيل وتحمي انظمة يعتبرونها قمعية.

وكانت مداخلة علي اومليل، سفير المغرب في مصر، احدى اللحظات القوية والمتميزة في الندوة حيث نقل المفكر والاكاديمي المغربي اجواء الجلسة من السجال السياسي الى ممارسة حفريات فكرية في الاساطير المؤسسة للسياسات الاميركية وفي الجذور اللاواعية للعلاقة بين اميركا واسرائيل.

واوضح اومليل ان عمر الولايات المتحدة القصير على المستوى التاريخي يجعل الحاضر والماضي متشابكين فيها، ويجعل تأسيسها محطة رئيسية لطرح قضية العلاقة مع الاخر ومفهوم بناء مجتمع جديد بقيم جديدة في ارض جديدة. واعتبر ان هذا الاحساس الذي ما زال يطغى على الاميركيين بكونهم من اسسوا عالما جديدا ومتقدما على اوروبا التي غادروها مهاجرين، متحدين مخاطر المغامرة في قارة غير مأهولة، قد جعل النفسية والعقلية الجماعية الاميركية تعيش باستمرار على ايقاع التحدي ومواجهة المخاطر، الشيء الذي يعطيها الاحساس المستمر بكونها تحمل مشروعا ارساليا، يحاول نشر قيم العالم الحر والليبرالية واقتصاد السوق في عالم معاد لهذه القيم.

واشار اومليل الى ان هذا هو ما يفسر الحاجة المستمرة للتحدي عند الامة الاميركية وجنوحها الى صنع عدو خارجي حتى ولو لم يشكل هذا العدو خطرا حقيقيا عليها.

وعزا اومليل الانحياز الاميركي لاسرائيل الى التشابه بين الاساطير المؤسسة للامة الاميركية وتلك التي شكلت اساس قيام الدولة اليهودية، على مستوى ذهاب الامتين معا الى «ارض خالية» لتأسيس: مدينة ذات رسالة سماوية» والى التشابه كذلك على مستوى تكون الامتين من اشتات مهاجرين مختلفين.

واوضح اومليل ان المشكلة الاساسية التي تواجه المجتمع الاميركي اليوم هي مشكلة المساءلة التي تتعرض لها القيم المؤسسة للدولة وللحلم الاميركي لان قيام المهاجرين بجلب قيم مختلفة يمكن ان يهدد المفاهيم الاساسية التي قامت عليها الولايات المتحدة وهي الليبرالية والحرية واقتصاد السوق والديمقراطية.

واضاف اومليل «اذا كانت الحالة الاميركية هي المؤسسة لمفهوم حقوق الانسان في العالم فان هذا المفهوم اصبح اشكاليا داخل الولايات المتحدة بعد احداث 11 سبتمبر (ايلول) التي وضعته على المحك الحقيقي والواقعي وطرحت مشكلة المساواة الكاملة في الحقوق وعالمية حقوق الانسان، قبل ان يختتم مداخلته بطرح مشكلة الهوية الثقافية التي اصبحت تؤرق افق الحلم الاميركي اليوم.

فمشكلة الهجرة والامتزاح اصبحت تثير: «اسئلة عميقة حول حدود التوافق العام على قيم محددة ومشتركة في المجتمع الاميركي الذي اخذ يتغير من الداخل ويعيد النظر في هويته وقيمه الاساسية».

اما منى مكرم عبيد، استاذة العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في القاهرة فركزت على تحليل ابعاد وخلفيات حملة العداء الحالية ضد المسلمين في الولايات المتحدة والسياسة الاميركية، تجاه القوى الاصولية التي صنعت بعضها الاستخبارات الاميركية لمجابهة المد الشيوعي قبل ان تقرر تصفيتها في وقت لاحق بعد خروجها عن السيطرة، معتبرة ان اطلاق النار على الاصولية استلزم من اميركا اطلاق قمقم العداء للاخر الكامن في اللاوعي الاميركي، لذا فالتحدي الذي يواجه العالم الاسلامي اليوم هو محاولة تفكيك هذا العداء الاميركي بواسطة الحوار الثقافي.

من جهته اشار محمد بن عيسى امين عام مؤسسة منتدى اصيلة الى ضرورة الوعي بالتعدد الكبير الذي يطبع الاسس العميقة للمجتمع الاميركي بشكل يجعل اميركا اميركات متعددة ويفرض التعامل بذكاء مع هذا التعدد. وركز على ان العلاقة الاشكالية لاميركا ببقية العالم مسألة طبيعية لان سنة الحياة هي الصراع ولان الوصول الى اقامة علاقة شراكة وتفهم ندية مع اميركيا شيء ممكن شرط تأسيس فهم صحيح لسياستها.

وبعد نقاش طال المفاهيم والتحديدات والمواقف السياسية اختتم محمد بن عيسى الجلسة بالقول انه لم يرد المساهمة في هذه المداولات لانه سبق ان تدخل في ندوات مماثلة نظمت في اصيلة خلال التسعينات حيث تم التطرق لصورة «العرب واميركا في الاعلام»، داعيا الى تنظيم ندوة في المستقبل للاستمرار في هذا النقاش المفيد.

وتطرق بن عيسى الى تأثير الاعلام ومحدودية ذلك بالنسبة للاعلام العربي، والى تسامح الاسلام الذي لا تمثله (طالبان)، مشيرا الى التعدد الثقافي وتنوعه..

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا