الازهر يوصي بمنع مجلة شيعية من التداول

في اعتذارها عن عقود الدمار والخراب التي زرعتها الجماعات الاسلامية المسلحة، اعتراف ضمني بأنها مارست إيقاف عقارب الزمن عند القرون الوسطى وأنها بهذا الاعتذار تحاول أن تحرك تلك العقارب نحو الآن ـ الحاضر ـ.

هذا الاعتراف يكشف ضمناً أيضاً عن أن خطاب الوصاية الذي كانت تنادي به تلك الجماعات لم يستطع أن يؤسس غير التطرف والإقصاء، والذي ولد تلك الدرجات العالية من التوتر والعنف التي حصد نتائجها المدمرة الجلاد والضحية.

لكن الجامع الأزهر له رأي مخالف، فهو لا زال متمسكاً بعباءة الوصاية على العقول والأفكار ـ عقول الامة الإسلامية ـ لأنها لم تبلغ بعد مرحلة النضج ولا تستطيع أن تدبر شؤونها لوحدها. فالأزهر يحدد لها قواعد التفكير والكتابة والمطبوعات التي تقرأها وكأن هذا الأزهر وطيلة عمره لا يستطيع إلا أن يكون الناطق الوحيد باسم الاسلام، الإسلام الذي يفهمه هو، أما الآخرون فعيال عليه ويجب توعيتهم وهدايتهم، وإن اقتضى الأمر فتقييدهم بالسلاسل وسوقهم إما إلى الجنة أو النار.

لم تنته معارك الأزهر يوماً، فالجامع القديم يأبى إلا أن يكون في هذه الخانة من القدم حارب على اكثر من جبهة، ولا زال يشهر سيفه في زمن الطائرات الحديثة والصواريخ العابرة للقارات.

لكل زمن دون كيشوت يحارب طواحين الهواء، ودون كيشوت الأزهر لكل الأمكنة والأزمنة.

آخر موقعة انتصر فيها الأزهر، ما نقلته جريدة الشرق الأوسط اللندنية تحت عنوان (الأزهر يوصي بمنع تداول مجلة (تراثنا) الايرانية لاحتوائها على عدد من الموضوعات (تتجافى مع روح الإسلام) على حد تعبير مجمع البحوث وقال تقرير المجمع أن هذه المطبوعة (تحتوي على نصوص بعض الآيات القرآنية وتأويلها تأويلاً خاطئاً) وأضاف التقرير أن (المطبوعة بها مغالطات كبيرة).

تحت (مغالطات كبيرة) أضع خطاً طويلاً، وأسأل مجمع البحوث: أليست تلك المغالطات ـ كما يزعم التقرير ـ بحاجة إلى تصحيح؟ وكيف يتم تصحيح تلك المغالطات ـ على فرض وجودها ـ حين تكون حكراً على مجمع البحوث ولا يسمح للآخرين بالاطلاع عليها؟ وهل منع تلك المجلة أو غيرها ومصادرتها سيمنع مغالطات أخرى من الظهور؟ وبأي منطق يمارس الأزهر ومجمع البحوث المنبثق عنه، الإرهاب الفكري تجاه ما ينشر؟ أو ليس هذا الإرهاب الفكري هو ما كانت تمارسه تلك الجماعات الإسلامية طيلة سنوات وجودها؟

إن هذا الإرهاب الفكري هو نتاج عقلية منغلقة لا ترى الصحيح إلا فيما أبدعته، والحق إلا فيما رأته، والصواب إلا فيما اعتقدته.

وجدير ذكره أن الأزهر قد منع في وقت سابق مجلة البصائر أيضاً لنفس الأسباب؛ فهو يرى أن تلك المطبوعات قد تؤسس لها حضوراً فاعلاً في أوساط المجتمع المصري وهو ما يخشاه، لأن تلك المطبوعات تحمل في طياتها خطاباً تنويرياً عصرياً يحاول أن يزيح ركام الظلام التي تحيط بالأمة الإسلامية منذ قرون وهو يخشى ـ وهو الأهم ـ من الهوية الشيعية لتلك المطبوعات، تلك الهوية التي حملها الكثير من المصريين قبل قرون، واستطاعت الحكومات المتعاقبة محوها.

أما أن للأزهر أن يخلع هذه العباءة البالية ويرتدي الزي الذي يليق به وبكرامة الإسلام؟!

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا