العلامة السيد نعمة الله الهاشمي: الإسلام ليس دين سيف وإنما هو دين إنسانية

- أحسن تبشير في العصر الحاضر هو التبليغ المسيحي لديهم أسلوب وهو عبارة عن ثلاث كلمات مكافحة الجهل مكافحة المرض ومكافحة الفقر.

- أن المجتمع الغربي مشتت منحل والعلاقات الزوجية مضطربة وهناك انفصال عائلي وعاطفي كبير.

- كان طريقه النبي (ص) قبل زعامته، حرية الكلمة وبعدها كذلك.

- لا نجد في الإسلام تفاخراً بالحسب والنسب واللون  وإنما هذا تفاخر الجاهلية والآن موجود مثل هذا التفاخر في الجاهلية الحديثة.

- أن أول من أوجد نظام تعدد الأحزاب هو النبي (ص) وليس الغرب ذلك  وكلما وجد التعدد  والتنافس تحقق التقدم والتكامل.

- الثورة لا تصدّر لأن التصدير بحاجة إلى إعمال القوة ولكن الصدور لا يحتاج إلى إعمال القوة  بل يحتاج إلى إعطاء نموذج من القيم والأخلاق والمبادئ.

- الإسلام ليس دين سيف أو خنجر  وإنما هو دين إنسانية ورحمة وكرم ومداراة

- الشورى أفضل من الانفرادية هنالك أحكاماً  مما يرتبط بالمصلحة الإسلامية العامة وإذا تمت بالشورى تكون أبعد عن الخطأ وأقرب إلى الصواب

لاشك أن حياة العلماء العاملين في خدمة الأمة والدين، حافلة بمحطات كثيرة ومثلها عِبرَ كثيرة أيضاً، تستدعي من كل مسلم غيور الوقوف عليها، رجاء استشغاف ما يمكن أن يجدد بع عزمه، ويعزز إرادته، صوب امتلاك الموقف الإسلامي الرصين إزاء مجريات الحياة على مختلف صعدها.

 أحد هؤلاء العلماء العاملين هو سماحة حجة الإسلام السيد الهاشمي (رحمه الله) الذي قضى عمره الشريف دارساً ومدرساً وخطيباً ومبلّغاً لرسالة الإسلام الحنيف إلى مختلف مناطق المعمورة؛ فحياته (رحمه الله) زاخرة بمواقف  بالغة الأهمية، استدعت منّا أن نسلط الضوء على بعض أفكاره وتوجهاته علّنا نؤدي بعض ما علينا من واجب تجاه العلماء ورسالتهم في الحياة.

فقمنا بنشر هذا الحوار السابق الذي نشرته المؤسسة العالمية للحضارة الإسلامية في كتاب مطارحات مع قادة الفكر الاسلامي.

- بنظر سماحتكم ما هو واجب الحوزة العلمية تجاه العالم الإسلامي؟

أعتقد، أن هنالك واجبات عديدة على الحوزة العلمية تجاه العالم الإسلامي ولكن أهم واجب الآن في يومنا هذا، واجب التبليغ، كمّاً وكيفاً، لأننا نواجه عدّة تحديات من أرباب المذاهب والأديان في مختلف البلاد، وكل دين وكل مذهب يحاول أن يبلغ عن مذهبه ومكتبه بشتى الأساليب، وبأحسنها.

مثلاً الآن في مجال أفريقيا، الذي هو مكان عمل، توجد عدة فئات على الساحة وكل فئة لديها من المبلغين الأكفاء، بشتى الأساليب وبأحسنها، وأخص بالذكر الطوائف الثلاث.. المسيحية والقاديانية والأزهرية.

هم الآن الموجودون على الساحة في أفريقيا، لديهم تركيز على التبليغ، وعلى نشر مبادئهم وأهدافهم، ولكن كل طائفة من هذه الطوائف تمتاز بميزات، ولكن التبليغ أو التبشير المسيحي يمتاز بالدرجة الأولى، والتبشير القادياني يمتاز بالدرجة الوسطى، والتبشير الأزهري يمتاز بالدرجة الأدنى.

أحسن تبليغ وتبشير في العصر الحاضر هو التبليغ المسيحي.

لديهم أسلوب، وهذا الأسلوب عبارة عن ثلاث كلمات، مكافحة الجهل... مكافحة المرض ومكافحة الفقر.

أنهم يبعثون العلماء الأخصائيين الأكفاء إلى أقصى البلاد، ويتحملون في سبيل دعوتهم كل المتاعب وكل المشاكل، وفي النتيجة قد ينجحون. لماذا؟!.

لأنهم يمتازون بأحسن أسلوب.

أي مبلغ مسيحي يريد أن يذهب إلى أي بلد آخر، لديهم لجنة كشافة، اللجنة الكشافة تذهب إلى جميع البلاد، وتجمع المعلومات من كل البلاد، وبعدما تجمع المعلومات تجعلها في ملف. وحينما يريدون أن يبعثوا أي مبلّغ.. أي مبشر إلى أي بلد، كل مبلّغ أيضاً لديه ملف، من حيث وضعه الصحي.. وضعه العلمي.. مدارجه العلمية، وهنا يستخرجون ملف البلاد.. ويقارنون ملف البلد بملف المبلّغ، فإذا وجدوا انسجاماً بين الملفين، يعرضون على ذلك المبلّغ ذلك البلد، يقولون له يا فلان، أيها العالم.. أيها الخوري.. أيها المطران.. أيها الكذا نريد أن نبعثك رسولاً إلى بلد كذا، ذلك البلد وضعه الصحي كذا.. وضعه الجغرافي كذا.. وضعه الاجتماعي كذا.. وضعه السياسي كذا، وأنت وضعك العلمي كذا وكذا، ورأينا انسجاماً بين الوضعين، هل تستطيع أن تذهب أو لا؟؟‍ فحينما يقبل يذهب كخبير ويرجع مفلحاً ناجحاً.

ولذلك أنا أعتقد الآن، إذا أردنا أن نقوم بالواجب، يجب علينا أن نعرف كيف يعمل خصومنا، يجب علينا أن ننطلق من نفس منطلقهم لأن لديهم تجارب.

وإذا أردنا أن ننجح يجب أن نغير منهج التبليغ.

الآن يرسل من الحوزات العلمية مبلغون، ولكن هل هؤلاء بمستوى التبليغ؟؟‍ أو الروابط مقدمة على الضوابط.

نعم إذا كان هنالك ضوابط، والضوابط حاكمة ومقدمة على الروابط، يكون التبليغ أكبر واجب، وحينئذ ينجح.

-  هل لكم أن تذكروا لنا نماذج من الانحطاط الأخلاقي والمعنوي في الحضارة الغربية؟ وما هي أسبابها؟.

أعتقد، أن أكبر دليل على الانحطاط الأخلاقي، الدعاية الموجودة الآن في الأوساط الأوروبية لأنهم وصلوا إلى مرحلة خطيرة هي الانحطاط فلذلك بدأوا يرجعون إلى تعاليم الكنائس في جميع الأوساط الأوربية وبالأحرى أريد أن أركز على شيء آخر، هو الآن في عصرنا هذا - بدأ شيئان، شيء في منظومة الدول الشرقية وشيء في منظومة الدول الغربية.

ففي العالم الشرقي بدأوا يتراجعون عن مبادئهم، عن التعاليم الشيوعية إلى تعاليم أخرى، كما هو معروف عن (غورباتشوف)..

التجارة لم تكن حرة فأصبحت حرة - بدأوا يغيرون جميع المناهج وجميع التعاليم.

هناك تغيراً أخر في العالم الغربي هو الانتقال من اللااخلاق إلى عالم الأخلاق.

وأنا أعتقد أن هذه الدعاية الموجودة الآن بالنسبة إلى مرض (الإيدز) ليست لأجل هذا المرض فقط بل أنا أتصور أن المجتمع الغربي مشتت ومتفكك ومنحل حيث في العالم الأوروبي العلاقات الزوجية مضطربة وبين الزوج والزوجة انفصال عائلي وعاطفي كبير مما يؤدي إلى نشوء علاقات غير شرعية، فهذه الدعاية بالنسبة إلى مرض الإيدز أسلوب يدل على تراجعهم إلى الحياة البيتية وتقوية الأواصر الأسرية.

وبالفعل لقد أثر ذلك التحول عليهم لأنهم مذ قاموا بالدعاية لهذا المرض انتهت كثيراً من القضايا اللاأخلاقية - حتى الذين كانوا يسافرون إلى البلاد الخارجية لأجل بعض القضايا التافهة.. يذهبون مؤمنين ويرجعون مؤمنين.

نعم المرض موجود، ولكن ليست كل الدعاية للمرض بما هو مرض، بل أرادوا أن يعلموا الشعب الأوروبي والأميركي بأن هذا نتيجة الانحلال الخلقي.. والإباحية الموجودة في العالم الأوروبي والأميركي.. ونتيجة لانحلال الأسرة.

ومن هذا المنطلق الآن إذا سافرتم إلى بلاد أوروبية أو أميركية سترون أحسن المجالس، وأحسن جلسات الوعظ والإرشاد.

فعلماء الكنائس لهم دور كبير في العالم الأوروبي وفي العالم الأميركي معاً، حيث أخذوا يهددون الناس بأن كل هذه الأمراض.. وكل هذه الويلات، وكل هذه المصائب نتيجة ابتعادكم عن تعاليم الكنيسة.

فبدأوا في التراجع، لأنهم لمسوا نتيجة الانحطاط الخلقي لمس اليد.

-  ما هو أسلوب حكومة الرسول الأعظم (ص) وأمير المؤمنين (ع) وهل لحكومتيهما نقاط امتياز على الحكومات الديمقراطية المعاصرة؟.

أنا لا أبالغ إذا قلت أنه لا تقاس الحكومة النبوية والحكومة العلوية بأي حكومة على وجه الأرض، سواء كانت من الحكومات الديمقراطية أو غيرها.

هناك رجل مسيحي كتب كتاب حول محبوبية النبي (ص)، لا كنبي، بل كحاكم فطرح سؤالاً يقول فيه: النبي محمد (ص) له زاويتان، زاوية النبوة، وزاوية الحكومة فمن زاوية الحكومة، أي حاكم بعد موته يُنسى، وأحياناً كثير من الحكام في زمن حياتهم ليسوا محبوبين، فكيف في زمن مماتهم، الوحيد الذي عاش زعيماً محبوباً وبقي إلى يومنا هذا محبوباً نبي آخر الزمن، كحاكم لا كنبي فقط، فما هو سر محبوبيته؟ ولماذا بعد (1400) سنة نراه حاكماً محبوباً؟ هذا المسيحي العالم يقول، بأن سر محبوبية النبي محمد كحاكم، يتلخص في نقاط ثلاث وأنا اعتقد من أعظم النقاط.. النقطة الأولى النبي (ص) بعدما دخل إلى المدينة وأصبح حاكماً على جميع المسلمين لم يغير بيته، وهذه نقطة عظيمة، لأنه ما من زعيم إلا وبعد ما يتزعم، فأول تغيير في حياته هو بيته، أما تغيراً مكانياً أو تغيراً كيفياً، قبل أن يتزعم كان يعيش في كوخ، ولكن بمجرد ما تزعم ينتقل من ذلك البيت أما إلى بيت آخر أو يوسع ذلك البيت بشكل آخر.

الوحيد الذي لم يغير بيته قبل حكومته وبعد حكومته هو النبي (ص).

أما النقطة الثانية هو أن النبي (ص) لم يغير أصحابه، الذين كانوا معه قبل زعامته عاش معهم بعد زعامته.. الذين كانوا معه في مكة في أيام الشدة قبل الحكومة، كانوا هم أصحابه في المدينة في أيام الزعامة.. بينما تغيير الأصحاب طريقة مستمرة لكل الزعماء.

انظروا إلى جميع الثورات في العالم أي إنسان يتزعم بمجرد ما يستقر على كرسي الزعامة يبدأ بتصفية أصحابه قبل الكل (بتهم) أما خيانة أو عمالة أو أشياء أخرى. ولكن لا نجد في تاريخ النبي (ص) هذه القصة إطلاقاً، لم يغير أصحابه، سلمان كان معه.. أبو ذر كان معه.. مقداد كان معه، جميع الأصحاب الذين كانوا معه بقوا وعاشوا معه.

حتى الذين كان يلمس منهم النفاق وكان يعرف منهم ذلك، كان يعاملهم بعد الزعامة كما كان يعاملهم قبل زعامته.

أما النقطة الثالثة، أن النبي (ص) لم يغير طريقته، الطريقة التي كان يمشي عليها قبل الزعامة، كان هو الطريق المتخذ بعد الزعامة.. وفي كل سلوكه.. وفي آدابه.. وفي كل حركاته وسكناته لم يغير شيء، كان النبي (ص) يجلس في كل المجالس مربعاً مدوّراً، وحتى الغريب حينما كان يدخل إلى الجلسة لا يعرف من هو النبي، لأنه لم يكن يتخذ صدر المجلس قط بل كانت جلسته جلسة دائرية وكان يسأل الغريب من منكم محمد؟ هذا الأسلوب كان أسلوباً عملياً للنبي (ص) قبل زعامته وبعدها.

قبل أن يصبح زعيماً لم يكن له حاجب وبعد الزعامة كذلك.

كان طريقه النبي (ص) قبل زعامته، حرية الكلمة وبعدها كذلك.

باستطاعة أي إنسان قبل زعامته أن يصل إلى النبي (ص) وأن يتكلم معه وبعد زعامته لم يغير أسلوبه. وفي القصة المعروفة، حينما خاف ذلك الرجل من النبي (ص) قال: هوّن عليك فأني ابن امرأة كانت تأكل القديد.

هل نرى هذه النقاط الثلاث مع أنها صغيرة في حجمها ولكنها كبيرة المحتوى. لم يغير بيتاً.. ولم يغير أصحاباً... ولم يغير طريقه.. وحرية الكلمة لا نجدها إلا لدى النبي (ص) والإمام علي (ع) وقبل زعامتهم كانا شعبيين، وبعد زعامتهم كانا أيضاً شعبيين، مع أننا نجد كثير من الأشخاص قبل الزعامة هم شعبيون، حرية الكلمة من شعاراتهم، ولكن بعد الزعامة هل نفس الشيء؟؟.

هل نجد هذا في التاريخ؟!.

-  ما هي أسباب التقدم التكنولوجي والعلمي في حضارة اليوم.

أنا اعتقد بأنا كنا متقدمين وأصبحنا متأخرين، والعالم الأوروبي والأمريكي كان متأخراً وأصبح متقدماً، فنحن نقرأ في التاريخ عن الشعب الأمريكي بالذات أنهم كانوا رعاة بقر.

والتاريخ يشهد بهذا بأننا كنا متقدمين في كل الحقول، ولكن المعادلة أصبحت معكوسة فالمتقدم أصبح متأخراً، والمتأخر أصبح متقدماً وأنا اعتقد أن لهذا التقدم وهذا التأخر عدة أسباب، فمن جملة الأسباب الوحدة، نحن كنا متحدين، وكانت الوحدة هي المسيطرة على الأمة الإسلامية.. الوحدة كانت موجودة بيننا في كل حقل لقد كنا أمة واحدة، فالأربعون أو الخمسون دولة الموجودة الآن إسلامياً كلها كانت دولة واحدة، فلذلك كان هناك التركيز على التقدم.. وعندما تغيرت المفاهيم، يعني (الوحدة) تبدل الواقع إلى التفرقة.. والأخوة انقلبت إلى العداوة أما الأمة فتغيرت إلى أمم بينما في العالم الغربي كانوا دويلات، وولايات.

فالولايات المتحدة الأميركية، كم كانت؟ خمسين ولاية، فجعلوها دولة واحدة وفي الاتحاد السوفيتي كان توجد (15) جمهورية فجعلوها دولة واحدة، أن هؤلاء كانوا دويلات، فأصبحوا دولة واحدة.. وكانوا أمماً فأصبحوا أمة واحدة. فإذا سافر الغربي إلى دولة أوربية لن يحتاج إلى (فيزا) عندما ينتقل من بلد أوروبي إلى بلد أوروبي أخر كالطائرة ينتقل بلا حدود أصبحوا كلهم أخوة.

بينما نحن أصبحنا بالعكس.

أذكر قبل سنين سأل أحد زعماء العرب أحد الصحفيين، قال: كيف تتغلب علينا إسرائيل ونحن سبعة دول؟ قال الصحفي: لأنكم سبعة دول يعني لو كنتم دولة واحدة لتغلبتم.

لا شك بأننا الآن أصبحنا شيعاً وأحزاباً فما زال المسلم يقتل المسلم، والمسلم يعامل في البلاد الإسلامية معاملة الأجانب.

وأنا اعتقد إذا لم تزل هذه العوامل، لا يمكننا أن نتقدم ولا شبراً واحداً.

- لماذا لم يحصر الإمام الحجة r المرجعية في شخص واحد.... في كل عصر؟ بل جعلها شاملة لكل من توفرت فيهم مواصفات خاصة! حيث قال (أما من كان من الفقهاء.. فللعوام أن يقلدوه) وهل نستفيد من ذلك، أن التعددية أفضل من الانفرادية؟ وأن واضع أساس التعددية هو المهدي المنتظر r؟.

لا شك في هذا، فإن الإنسان إذا كان غير معصوم، لا يسلم من الخطأ فلذلك نجد أن الإمام المهدي r أو الإمام العسكري (ع) حينما يضع هذا الأساس، يريد أن ينقذ الأمة، لأنه مهما كان المرجع عادلاً، زاهداً، عابداً، ولكن كان منحصراً في فرد واحد، يحتمل فيه الخطأ، نعم لا يتعمد الخطأ الفرق بين العادل والفاسق إن الفاسق يتعمد الخطأ يتعمد الكذب... يتعمد الخيانة.. يتعمد الجور، أما العادل لا يتعمد.

ولكن معناه أنه لا يخطأ؟ أو أنه لا ينسى؟ فلا شك بأنه ليس بمعصوم فيجوز عليه الخطأ فلذلك يركز الإمام على التعددية، وعلى المرجعية أن تكون بالشورى.

نعم، مسألة ولاية الأئمة ولاية طولية، يعني حينما يكون الإمام الحسن (ع) إماماً، فالإمامة له، فلا يجوز للإمام الحسين (ع) أن يتدخل في شؤون الإمام، الإمام الحسين (ع) موجود في زمن الإمام الحسن (ع) ولكن الإمامة له لأن الإمامة مسألة طولية، ولكن ولاية المراجع منسوباً بعضهم إلى بعض، ليست ولاية طولية بل ولاية عرضية، يعني ولاية بالشورى، فلذلك يقول (أما من كان من الفقهاء، صائناً لنفسه...) إلى آخر الحديث..

ولا شك أن المسائل حينما تدار بالشورى، تكون أسلم، وأقل خطأ، ولا نقول بلا خطأ؛ الإنسان حينما يدير مكاناً، أو بلداً، برأي خاص واحد يكون أقرب إلى الخطأ، ولكن حينما يستشير أصحابه، حتى إذا لم يكن على مستوى القمة، أو المرجعية، بل كان إنساناً عادياً، لا شك أنه يكون أبعد عن الخطأ، وأقرب إلى الصواب، فكيف إذا كان الإنسان في القمة، وفي منصب يلي منصب المعصوم (ع)، فأعظم منصب في الأمة الإسلامية هو منصب المرجعية؛ لأن المرجعية هي النيابة العامة للإمام المهدي r وللأئمة، فيجب أن يكون أبعد من الخطأ وأقرب إلى الصواب، وهذا لا يمكن إلا بأن تكون هنالك التعددية والشورى، وهذا شيء نحن نلمسه في التاريخ، حينما يجتمع مراجعنا في القضايا الهامة الإسلامية نراهم ناجحين كل النجاح وبعيدين عن الخطأ ونحن نذكر قصصاً في النجف وفي غير النجف، حينما اجتمع المراجع في قضايا هامة إسلامية كانوا يهزّون كيان الظلمة الطواغيت، في أي قضية من القضايا، والطواغيت كانوا يحاولون أن يوجدوا التفرقة بأسلوب يعرفه الناس وهو (فرق تسد) شعار الجبابرة من أول يوم إلى يومنا هذا، خصوصاً بين المراجع، وفي أي مكان وفي أي زمان الطواغيت كانوا يعملون على تنفيذ هذه الخطة، فإذا نجحوا في ذلك كان لهم عيداً ولكن في أي وقت كانوا يفشلون في تنفيذ هذه الخطة، كان للإسلام والمسلمين يوم عيد، وللطواغيت يوم عزاء.

الطواغيت في إيران أو في العراق أو في أي مكان آخر، الذين نحن رأيناهم والذين نقرأ عنهم في التاريخ ما أخرجوا وما أخرجوا إلا بتجمّع المراجع ففي أي مكان تجمّعوا هزوا كيان الطاغوت، وفي أي مكان تفرقوا كان العكس؛ فلذلك الإمام (ع) حينما يركز على هذه القضية إنما يركز على المصلحة العليا للأمة الإسلامية.

- لماذا عفا الرسول الأكرم (ص) عن أهل مكة؟ ثم لماذا عفا الإمام علي (ع) عن أهل البصرة؟ مع أنهم كانوا رؤوس الكفر والفتنة ومستحقين للقتل شرعاً؟.

إذا أردنا أن نقول لماذا عفا النبي (ص) أو لماذا عفا الإمام علي (ع)، فيجب أن نقول لماذا عفا الله عن إبليس، الجواب عن هذا السؤال، هو بكلمة واحدة أن مبدأ الإسلام مبني على العفو وهذا المبدأ نحن نكرره كل يوم مرات، وفي كلمة (بسم الله الرحمن الرحيم) يعني هذا القول إنما بني على الرحمة، والكون أساسه بني على مبدأ العفو، ولم يبن على الانتقام.. ولم يبن على الجور، ولم يبن على الظلم.. إن الله عز وجل لو كان يريد أن ينتقم من هؤلاء الفسقة، ومن هؤلاء الفجرة لكان أولى بالانتقام، ولكن يريد أن يختبر؛ فبما أن مبدأ الإسلام هو مبدأ عفو ومبدأ رحمة فهو يريد أن يعلم الأمة الإسلامية أن يتبعوا الرسول (ص) في عفوه؛ فنراه حين فتح مكة، يعفو عن أكبر مجرم، فيقول (ص): (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) ولو لم يعمل النبي (ص) على هذا المبدأ لكان زعيماً كبقية الزعماء.

إذن، امتاز النبي (ص) وامتاز الإمام علي (ع) بالعفو. وإلا لو كان انتقم من أبي سفيان، أو انتقم الإمام علي (ع) من بقية المجرمين، فأي فرق كان بين الإمام وبقية الزعماء؟.

- هل تفرق الشريعة الإسلامية بين المسلم الهندي والمسلم العربي أو الفارسي أو الصيني أو الأفغاني؟ وهل يجوز منع المسلم الهندي مثلاً من تملك دار في بلد إسلامي آخر أو من التزوج بمسلمة من دولة أخرى أو من الإقامة في سائر البلاد الإسلامية؟.

لا يمنع الإسلام تزوج مسلم بمسلمة ولا يمنع إقامة أي شخص في أي بلد ولا يوجد هنالك تفاخر بين المسلمين إطلاقاً وجاء في حديث نبوي مشهور: (لا فضل لعربي على أعجمي ولا للأبيض على الأسود إلا بالتقوى).

نحن لا نجد في الإسلام تفاخراً بالحسب والنسب واللون، وإنما هذا تفاخر الجاهلية والآن موجود مثل هذا التفاخر في الجاهلية الحديثة، أما في الإسلام فنحن لا نجد من هذه المواضيع عيناً ولا أثر، بل الإسلام جاء وحارب هذه الأفكار البائدة والسائدة - مع الأسف - في يومنا هذا.

- نظام الحزب الواحد أفضل أم نظام تعدد الأحزاب؟.

لا شك أن نظام تعدد الأحزاب هو الأفضل، إذا كان هناك إطار محدد.

إننا نقرأ في التاريخ بأن النبي (ص) هو الذي قرر نظام تعدد الأحزاب، حيث كان هنالك النظام القبلي بين بعض القبائل، كما بين الأوس والخزرج، فجاء الرسول (ص) ووحد بين القبيلتين وأوجد نظاماً نعبر عنه بنظام تعدد الأحزاب؛ حيث أوجد حزبين وأعطى لهما الرسمية وهما حزبا الأنصار والمهاجرين؛ فكان الأنصار حزباً والمهاجرون حزباً آخر. وهكذا نجد أن أول من أوجد نظام تعدد الأحزاب هو النبي (ص) وليس الغرب كما يدعي البعض؛ ذلك أن الأحزاب إذا كانت موجودة، يكون التنافس موجوداً طبعاً، وكلما وجد التنافس تحقق التقدم والتكامل.

فحينما تكون هنالك أحزاب متعددة، وكل حزب يريد أن يقدم خدمات أكثر، ليكسب موقعاً أقوى، فستكون نتيجة هذا التنافس الإيجابي هو التقدم والتكامل، بينما نتيجة الحزب الواحد الاستبداد. ومن الواضح أن من عوامل تقدم البلاد الأوروبية هو تعدد الأحزاب، ومن عوامل تأخر البلاد الآسيوية هو نظام الحزب الواحد.

إننا حينما نلاحظ الأحزاب الموجودة في برلمان إحدى الدول الحرة نرى بأن هذا الحزبي ينتمي إلى اليمين والآخر إلى اليسار، هذا إلى حزب العمال، وذاك إلى حزب المحافظين، وفي جلسات البرلمان يتناحرون كالأعداء، ولكن بعد نهاية الاجتماع يرجعون كإخوان وهذا مما يسبب التقدم؛ فتعدد الأحزاب من عوامل التقدم، ولكن الحزب الواحد إن لم نقل بأنه من أسباب التأخر فهو ليس من أسباب التقدم.

- هل يعني فتح باب الاجتهاد أنه يحق للفقيه أن يفتي بما أدى إليه اجتهاده وإن كان مخالفاً لفتوى الحاكم الإسلامي؟ أم لا يحق للفقهاء أن يفتوا بما لا يخالف رأي الفقيه الحاكم وما الدليل؟.

حينما نقرأ في الكتب الفقهية نجد أن المجتهد يقول هذا ما أدى إليه رأيي؛ فهو يستطيع أن يفتي بما أدى إليه اجتهاده، وهو حجة لديه ولدى مقلديه، نعم إذا كان هنالك مانع من إبداء رأيه فهذا بحث آخر يعتبر من باب التعارض المقتضي والمانع، يعني المقتضي لإبداء الرأي موجود، والمانع أيضاً موجود فحينما يتعارض المقتضي والمانع فالمانع يتقدم على المقتضي، لا لأنه لا يستطيع أن يجتهد في هذا الخصوص بل المجتهد حرّ في إبداء رأيه ويجب عليه أن يبدي رأيه لأنه حينما يجتهد في مسألة أو في حكم من الأحكام الشرعية ويصل إلى رأي معين فرأيه حجة لديه ولدى مقلديه فيجب عليه إبداء رأيه بينما إذا كان هنالك مانع آخر ولا يستطيع إبداء رأيه، حتى إن الإمام الصادق (ع) كان لا يستطيع أن يبدي رأيه في بعض الظروف، فهذا أمر آخر، وهو يشمل الفقيه والإمام على حد سواء، فإذا كان للإمام الصادق (ع) رأي معين، ولكنه يتقي حاكم الوقت فلا يبدي رأيه، ليس لأن لا يمتلك رأياً، أو لا يستطيع أن يجتهد، بل لأن مانعاً منعه من إبداء رأيه.

- هل ترون أن من الضروري تشكيل مؤتمر عالمي يضم كل الأحزاب والفئات الإسلامية في العالم للتخطيط المشترك للتصدي للاستعمار العالمي؟ وما هي اقتراحاتكم في هذا الشأن؟.

المؤتمرات إلى الآن انعقدت في كثير من البلاد ولهذه الغاية بالذات ولكن على نطاق صغير وضيق، فلا شك أنه إذا ما سمحت الأجواء لانعقاد مؤتمر إسلامي على نطاق واسع ويكون المؤتمرون بمستوى المسؤولية، لا شك بأن له نتيجة جيدة، ويستطيع العالم الإسلامي أن يعلن كلمته لجميع الناس، ولكن هل هذه الفكرة تطبق؟ ومن يطبقها؟ هذا أمر إن لم يكن محالاً في عصرنا هذا فهو أمر متعسر، نعم إذا وجد من يحمل لواء هذه الفكرة بكل قوة، وإذا طبقت تكون لها نتيجة جيدة في عالمنا المعاصر.

- ما هي السبل لتحقيق الحكومة الإسلامية العالمية الواحدة؟.

السبيل إلى تحقيق حكومة إسلامية واحدة، سبيل مثالي، ويكون عبر إعطاء نموذج للعالم من الحكومة الإسلامية؛ لأن العالم متعطش إلى العدل والأخلاق والقيم والمبادئ، والعالم أصبح في ملل وكلل من الشعارات، حيث أن الشعارات المطروحة، سواء كانت من المكاتب أو الحكومات المادية أو غيرها، فهي شعارات فارغة وجوفاء؛ ولذلك نرى الناس الآن في عطش وشوق إلى حكومة عدل.

إننا إذا تقصينا في النظر إلى حكومة الإمام المهدي (عج )، فسنرى أن الحديث يركز على شيء واحد هو أنه (ع) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً؛ فحاجة الناس إلى الحكومة، إنما هي لشيء واحد هو العدل، حتى أن الإمام (ع) لدى تقبله للزعامة، قال: (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء ألاّ يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها).

نلاحظ هنا أن الهدف من الحكومة لدى الإمام علي (ع) ولدى الإمام الحجة (عج) هو شيء واحد، وهو مكافحة الظلم والطغيان وإقامة العدل، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، الجور من الحكام على الناس، والظلم من الناس بعضهم لبعض.

فالسبيل إلى الحكومة الإسلامية النبوية هو إقامة العدل؛ وذلك أن الناس حينما يرون هناك عدلاً قائماً ومبادئ عالية قائمة، لا يحتاجون إلى تصدير ثورة أو ما شابه ذلك، بل إنهم سيدخلون في دين الله فوجاً فوجاً؛ فالآية الشريفة (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً) تعني أنهم لم يدخلون بالسيف أو بالشعارات بل لعدل النبي (ص) وأخلاقياته وعفوه وصفحه حيث أراهم نموذجاً مثالياً فريداً.

العالم الآن يريد منا نموذجاً من الإسلام، فإذا أريناهم نموذجاً إسلامياً أصيلاً صحيحاً، فإنهم لا يحتاجون إلى تبليغ ولا إلى دعاية. وقد قلت في لقاء أجرته معي بعض الإذاعات، عندما سئلت: كيف نصدر الثورة؟ فقلت: الثورة لا تصدّر، لأن التصدير بحاجة إلى نوع من إعمال القوة، ولكن الصدور لا يحتاج إلى إعمال القوة، بل يحتاج إلى إعطاء نموذج من القيم والأخلاق والمبادئ.

فنحن عندما نعطي نموذجاً من الأخلاق والقيم والتعاليم الإسلامية خصوصاً في مسألة العفو والصفح وسعة الصدر، وعندما نبين للعالم عملياً بأن الإسلام ليس دين سيف أو خنجر، وإنما هو دين إنسانية ورحمة وكرم ومداراة، فحينئذٍ ستستقبل الجماهير كلها الإسلام وستقبل نحوه وحينئذٍ يكون الإسلام حكومة عالمية.

- ما هي الصفات الأخلاقية والاجتماعية لحاكم البلاد الإسلامية؟.

الصفات الأخلاقية للحاكم الإسلامي هي صفات الأئمة (ع) ما عدا العصمة، من العدل والكرم والعفو، فإذا أردنا أن نذكر صفة في الحاكم الإسلامي يجب أن نذكر جميع صفات الأئمة (ع) ما عدا صفات الإمامة المعصومة؛ لأن هنالك صفات خاصة للإمام كمسألة عصمة الإمام.

ومن هذا المنطلق قال الإمام علي (ع) لشريح: قد جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي أو وصي أو شقي.

يعني إذا كنت متمتعاً بصفات النبي وبصفات الوصي فنعم المجلس مجلسك، ولكن إذا لم تكن متمتعاً بصفات النبي ولم تكن متمتعاً بصفات الولي فأنت شقي.

وكما يقول الإمام علي (ع) ليس هذا للحاكم فحسب بل لكل مسلم.

ويقول (ع): (ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه.. وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه..) إلى آخر الكلام ويقول: (إلا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد) فمن جملة الصفات التي يجب أن تكون في الحاكم، هذه الأمور الأربعة: الورع، والاجتهاد، والعفة، والسداد.

هذا ما يطلب من الحاكم؛ لأن الإمام علي (ع) يطلب هذا من كل مسلم وكل مأموم يقتدي به.

- هل ترون أن تفرد الفقيه الواحد بالحكم هو الأفضل أم كون الحكم شورى بيد كل مراجع التقليد في العالم الشيعي؟.

لقد قلنا سابقاً أن الشورى أفضل من الانفرادية. وهنا يجب التوضيح بأن بعض الأحكام أحكام فردية، كأحكام الصلاة والصوم، حيث لا يحتاج أن يجتمع فقيه بفقيه آخر حتى يتشاور معه في الأحكام الفردية سواء أفتى بالأحكام الفردية أم لم يفت فيها، ولكن هنالك أحكاماً اجتماعية للأمة الإسلامية، مما يرتبط بالمصلحة الإسلامية العامة، ولا شك بأن المسألة إذا تمت بالشورى تكون أبعد عن الخطأ وأقرب إلى الصواب.

إذاً الأحكام على قسمين: أحكام فردية وأحكام اجتماعية.

ففي الأحكام الفردية لا وجوب للشورى، حيث أن أي فقيه يستطيع أن يبدي رأيه بلا أية مراجعة ولا استشارة، ولكن في الأحكام الاجتماعية إذا كانت مسألة الشورى أمراً موجوداً أو مطبقاً، فسيكون ذلك أحسن وأفضل دون ريب.

- هل توجد صيغة عملية للتنسيق بين الحوزة والجامعة؟.

أعتقد أن هذه الصيغة قد وجدت من قبل، في زمن المرحوم الشهيد المطهري، حيث كان أستاذاً في الحوزة والجامعة في آن معاً.

كان الشهيد مطهري ينقل حسنات الحوزة إلى الجامعة كما كان ينقل حسنات الجامعة إلى الحوزة. وكان (رحمه الله) أول إنسان أصبح همزة وصل بين الجامعة والحوزة.

وأنا أعتقد بأن هذه طريقة جيدة وحبذا لو قام العلماء ذوو الكفاءة بممارسة هذا الأسلوب وقربوا بين طلاب الحوزة وطلاب الجامعة؛ إذ كلما كان التقارب بين هاتين الطائفتين من العلماء الدينيين والمدنيين، يكون إلى التكامل والتقدم أقرب.

- هل أن ولاية الفقيه مطلقة أم مقيدة، وإذا كانت مقيدة فما هي حدودها؟.

مسألة ولاية الفقيه ليست مسألة حديثة في يومنا هذا، بل هي مسألة قديمة وفقهية تراوحت بين المؤيد والمعارض وبين القائل بالتفصيل؛ فمنهم من ينكر ولاية الفقيه، ومنهم من يثبت بعض الأمور، فيقول بأن للفقيه ولاية في القوة المقننة، والإفتاء، وفي القوة القضائية، حيث يستطيع أن يكون حاكماً، ولكن في القوة التنفيذية والإجرائية يدعون أنه لا ولاية له، ولكن هنالك رأياً آخر يقول بأن الفقيه له الولاية المطلقة في هذه الأمور، يعني له ولاية في القوة المقننة والقوة القضائية والقوة التنفيذية وأما ما هي حدود هذه الولاية؟.

- ما هي أهم الجاليات الإسلامية في (سيراليون) وهل لها نشاطات إسلامية وما هي تلك النشاطات؟.

في سيراليون جاليات كثيرة وأكبرها هي الجالية اللبنانية المسلمة وأنا أعتقد أن في أفريقيا من حيث المجموع أكبر الجاليات في جميع الأوساط الأفريقية، هي الجاليات اللبنانية، ورغم أنه لا يوجد هنا تبليغ إسلامي بالمعنى الصحيح، مع ذلك الإسلام يشق طريقه في الأوساط الأفريقية.

وهنا عدة عوامل لنشر الإسلام في المجال الأفريقي الأول هو أمر ديني، الثاني هو أمر اجتماعي، والثالث أمر سياسي، يعني أننا نستطيع أن نقول بان الساحة الأفريقية ساحة لتنافس القوى والدول.

في سيراليون على وجه خاص يوجد لكل طائفة وطريقة ومذهب مكتب، ولكل مكتب دعاية ودعاة ورسالة، وإننا حينما نقيس التبليغ أو التبشير الإسلامي بالنسبة إلى بقية المكاتب والمذاهب فإن لم نقل أنه بمثابة العدم، نقول بأنه ضعيف جداً.

ولكننا رغم ضعف التبليغ نجد أن الإسلام يشق طريقه ولذلك أسباب ثلاثة:

السبب الأول أمر ديني، وهو عبارة عن بساطة وفطرية العقيدة الإسلامية، بمعنى أنه لا يوجد أي تعقد في العقيدة الإسلامية لا في أصول الإسلام ولا في فروعه، بخلاف بقية الأديان، مثلاً المسيحية تبشر بالأقانيم الثلاثة التي لا يمكن هضمها لدى العقلاء والعلماء فكيف في المجال الأفريقي! لذلك حينما يقارنون الدين الإسلامي ببقية الأديان ومنها المسيحية يرون البساطة والفطرية في ديننا الحنيف، فبساطة وفطرية العقيدة الإسلامية لدى الشعب الأفريقي هي العامل الأول لشق الإسلام طريقه.

والأمر الثاني الذي هو أيضاً عامل من عوامل انتشار الإسلام في الأوساط الأفريقية ككل هو عامل اجتماعي؛ لأن الإسلام ليس لديه شيء اسمه التفرقة العنصرية فالأبيض والأسود والشريف والوضيع كلهم بمنزلة سواء كأسنان المشط، لا فرق بين عربي وعجمي.. الإسلام بهذا المنهج المتميز يشق طريقه، بينما بقية الطوائف والمذاهب نرى شيئاً من النظام الطبقي الاجتماعي حاكماً حتى في بعض الكنائس، ففي الصف الأول لا يحق للفقير الجلوس بل يحق لمن له صلة بصاحب الكنيسة، أو له مال أو جاه أكثر وكذلك بقية الميزات الطبقية.

إن الدين الوحيد الذي ليس فيه أية طبقية أو تفرقة هو الدين الإسلامي ولذلك يشق طريقه في القارة السوداء.

أما العامل الثالث فهو سياسي ويتلخص في هذه الكلمة وهي محاربة الظلم والظالمين؛ لأن القرآن الكريم هو السباق في هذا المجال؛ قال جل وعلا: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) بينما المسيحية تسيء الاستفادة من هذه الكلمة (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر).

لذلك الشعب الأفريقي حينما يقارن هذه الأمور الإسلامية ببقية الأمور غير، فإنه يقبل الإسلام أتوماتيكياً، ويرفض غيره، وأنني حسب خبرتي وعملي في الأوساط الأفريقية أستطيع أن أقول بأن المستقبل هناك للإسلام إن شاء الله.

- ما هو مدى تغلغل اللوبي اليهودي في (سيراليون) وكذا في سائر دول أفريقيا إجمالاً؟.

التغلغل اليهودي يختلف في البلاد الأفريقية؛ ففي بعض البلاد الأفريقية، التغلغل مكشوف، أي اليهودي يتمتع بالحرية بالنسبة إلى عمله ونشاطه الفكري والاجتماعي والاقتصادي على مستوى الدولة وعلى مستوى الشعب، ويستطيع أن يعمل بكل حرية ولكن في بعض البلاد لا يوجد أي تغلغل يهودي مكشوف، وإن سيراليون من الشق الثاني إذ لا يوجد فيها أي تغلغل يهودي مكشوف بل هو تغلغل خلف الكواليس، وتحت الستائر، وعلى العكس في ليبيريا وهي بلد مجاور لسيراليون، حيث التغلغل الإسرائيلي - واليهودي مكشوف ومعترف به ويعرفه الكل.

- ماذا تقترحون لمواجهة المد التبشيري والتنصيري في أفريقيا؟.

بالنسبة إلى هذا الموضوع فكما أشرت سابقاً أنا أعتقد أن المبلغ الإسلامي إذا كان عالماً بزمانه ومكانه أو خبيراً بجميع الظروف والملابسات الموجودة هناك ومدعوماً من قبل المسؤولين فحينئذٍ يستطيع أن يواجه التحدي التنصيري وغيره وحينما يفقد أي شرط من هذه الشروط طبعاً لا يمكن أن يقوم بالواجب كما ينبغي.

الشرط الأول يجب للمبلغ أن يكون عالماً بالمعنى الصحيح بزمانه وثانياً يجب أن يكون مدعوماً من قبل المسؤولين لأنه إذا لم يكن مدعوماً لا يستطيع أن يتقدم كما ينبغي، وثالثاً يجب أن يكون خبيراً بالنسبة إلى الجو الموجود هناك وكما يقولون يكون ممن يعرف من أين تؤكل الكتف، إذا كان واجداً لهذه الشرائط، سيستطيع بلوغ النجاح والتقدم ومواجهة أي تحد من أي فئة وأي دين.

إن الإسلام هو دين الفطرة، والشعب الأفريقي بحسب تجاربي ومعلوماتي عنه سليم الفطرة ومسلم بالفطرة. ويقال في بعض الحكايات الأفريقية أن رجلاً خورياً من الخوراق من علماء المسيحية ذهب إلى قرية من قرى أفريقيا وأخذ بالتبشير المسيحي لمدة عشرين عاماً وبعد ذلك أراد التراجع والانسحاب، فلما اعترض عليه معترض وقيل له يا أبانا لماذا غيرت رأيك وصممت على الرجوع بعد عشرين سنة فجأة؟ أجاب قائلاً: لأنني الآن علمت أن التبشير المسيحي لا ينجح هنا.

فقيل له لماذا؟ قال إنني منذ عشرين عاماً أبلغهم وأبلغ الدين المسيحي في هذه البلاد وفي الليلة الماضية ألقيت محاضرة فلما أرادوا أن يشجعوني شجعوني بكلمة لا إله إلا الله، وكان تشجيعهم كلمة التوحيد.. إذن بعد عشرين عاماً نرى أن الإسلام في داخل قلبهم وفي فطرتهم وهذا أمر طبيعي جداً.

فلذلك نجد أن الشعب الأفريقي وشعب سيراليون بوجه خاص الذي أعرفه سليم من حيث الفطرة ومسلم من حيث الفطرة، فإذا كان المبلغ عالماً عاملاً خبيراً ومدعوماً من قبل المسؤولين يستطيع أن يواجه كل التحديات لا بعض التحديات، لأن الأرضية جاهزة للإصلاح وبقية الفئات يزرعون في أرضية غير صالحة، كذلك المجال الأفريقية لم يخلق لغير الإسلام، أفريقيا أرضية صالحة خصبة للإسلام.

- اذكروا لنا صورة متكاملة وموجزة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سيراليون؟.

بالنسبة إلى الأوضاع السياسية في سيراليون هي شبيهة بالأوضاع في العالم الثالث حيث لا يختلف الوضع السياسي هنا عن بقية بلدان العالم الثالث إما الوضع الاجتماعي والاقتصادي هنا، فأستطيع أن أقول أنه يشبه وضع المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة.

إن سيراليون بلد تتواجد فيه الجاليات ولا سيما الجالية اللبنانية المحترمة، والجالية اللبنانية في سيراليون جالية قديمة وعريقة، إنها تعمل في سيراليون لا كمستعمر، بل تنظر إلى سيراليون كوطن ثاني لها فلذلك تقوم بدور بناء وتخدم وتقدم خدمات اجتماعية واقتصادية وثقافية في سيراليون، كما أنها تقدم خدمات اجتماعية وثقافية في لبنان.

فالجالية اللبنانية في سيراليون تعتقد بأن لها وطنين، وطن في لبنان ووطن في سيراليون، فتقوم بالخدمة لكلا الوطنين ومن هذا المنطلق نرى الشعب السيراليوني أيضاً يقابل الشعب اللبناني بالمثل، يعني كما أن الجالية تقدم الخدمات للشعب السيراليوني كذلك الشعب السيراليوني يقدم الخدمات للجالية، إذا لم أبالغ أكرر أن وضع السيراليوني واللبناني كوضع المهاجرين والأنصار.

الجالية اللبنانية بمثابة المهاجرين في الصدر الأول والشعب السيراليوني بمثابة الأنصار، هم يخدمون الجالية ويعاملون اللبنانيين لا معاملة الغرباء ولا معاملة الأجانب، بل كما رأيت معاملة الأخوة للأخوة، لا يطردونهم ولا يقولون للشعب اللبناني ارجع إلى بلدك أو وطنك كما نرى في بقية البلدان.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا