آية الله رضا الشيرازي يستعرض جانباً من المباحث الكلامية المتعلقة بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر |
||
قم / النبأ: ضمن سياق المحاضرات الأسبوعية التي تقام في بيت الإمام الشيرازي، بقم المقدسة، ألقى سماحة آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي محاضرة قيمة تناولت مبحثاً هاماً شغل مساحة خاصة من اهتمامات علماء الفقه والكلام. ألا وهو مبحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. في مستهل المحاضرة، قال سماحته: إن أحد الأبحاث المهمة، بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا البحث ورد ضمن الموضوعات التي بحثها الفقهاء، كما عالجه علماء الكلام ضمن مباحث المعاد. والوجه في اهتمام الفقهاء بهذا الموضوع، هو أن وظيفة علم الفقه تتمثل في استنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين، ومن خلال ذلك اتخذ علم الفقه موقعاً مهماً في المجتمع؛ فعليه لا بد وأن يكون في الشريعة موقف معين حيال الموضوع الأنف الذكر. فكيف يمكن أن نلفت أهتمام الناس إلى موضوع المعاد؟ هذا الأمر يتحقق عبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا القدر من إيماننا والتزاماتنا بمبادئ وأحكام الشريعة المقدسة, وتعلقنا بالله عز وجل، واهتمامنا بيوم القيامة، إنما مبدأه ومستهله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأردف سماحة العلامة آية الله السيد محمد رضا الشيرازي قائلاً: هذا الموضوع يتطلب بحثاً واسعاً ومطولاً، لا يسمح به المقام، ولذلك سنعرض في بحثنا هذا، بصورة مختصرة، لثلاثة موضوعات، هي: 1- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 2- الطريقة العملية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 3- المقدمات الوجودية للموضوع. إن قاعدة "اللطف" من القواعد الأساسية والمهمة، التي تحتمل مباحث ضرورية وهامة، ولكن على نحو الإجمال يمكن تعريفها كما يلي: تقريب الناس نحو مصالحهم الحقيقية، وإبعادهم عن مضارهم الحقيقية. هذه هي قاعدة اللطف والتي على أساسها قام الكثير من أصول العقائد. وقد اشتهر كثيراً عن المرحوم آية الله العظمى البروجردي (قدس سره) أنه سُئل عن علة إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال في جوابه عن هذا السؤال بيتاً من الشعر، معناه: إذا رأيت كفيفاً وحفرةٍ، فالقعود دونه بلا حراكٍ إثمُ. فاذا اجتاز رجل مكفوف البصر في طريق، وصار على مقربة من حفرة عميقة، بحيث أنه لو سقط فيها لتكسرت عظامه ومات، وفي جواره شخص ينظر إله ولا يحرك ساكناً، أفلا يعد هذا العمل إثماً في حكم العقل؟ نعم هذا العمل إثم في منطق العقل، قبل أن يكون إثماً في منطق الشرع. ورد في الحديث الشريف:( ذنوب سفهائكم يتحملها علماؤكم) والمراد من العلماء في هذا الحديث العارفون والمطلعون.
حقيقة المدعى هو أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان عقليان، قبل أن يكونا شرعيين، بيد أن هؤلاء العلماء الكبار ردوا هذا الوجوب؛ وذلك لأنه قد بدت لهم شبهة في هذا الباب. يقول الخواجة نصير الدين الطوسي في "التجريد": إذا كان هذان الأمران واجبين عقليين، للزم منهما إما إلغاء الواقع، وإما الإخلال بالحكمة؛ فالتالي باطل، اذن المقدم باطل مثله. هذا هو احتجاج نصير الدين الطوسي، وقد تابعه عليه العلامة الحلي، كما تابعه عليه فخر المحققين ابن العلامة الحلي وحصلت هذه المتابعة أيضاً في مباحث "الجواهر". هذا الإشكال يقوم على قاعدة عقلية مفادها أن القواعد العقلية لا تقبل التخصيص، التخصيص في القواعد العقلية باطل, وإذا صح التخصيص في القواعد العقلية، لأنكشف أن صحة هذا التخصيص مردها بطلان القاعدة العقلية. فلو كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبين عقليين، لوجبا إذن على الله تبارك وتعالى، فإذا وُجبا علىالله سبحانه، فهل يعمل بهما الله تعالى أم لا يعمل؟! نختار أحد هذين الموردين: لو قلنا إن الله يعمل، فهذا هو خلاف الواقع؛ هل يمنع الله تعالى المنكر؟ لا، والعلة هي وجود المنكر في الخارج؛ وبناء على هذا إذا قلنا إن الله تعالى يمنع المنكر، فهذا مخالف للوجدان الخارجي، وإذا قلنا إن الله لا يمنع المنكر، مع أنه واجب عليه وعلى الجميع، فهذا إخلال بالواجب، وخلاف الحكمة؛ لأن الحكمة تقتضي بيان ذلك. إذن، تالي هذين الشكلين باطل، وفي هذه الصورة فإن القضية الشرطية باطلة، والمقدم باطل أيضاًَ؛ وعليه فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس بواجب عقلي. هذا كلام الخواجة نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي وفخر المحققين وصاحب الجواهر، وهو كلام لا يخلو أيضاً من الإشكال. هذا, ومضى سماحة العلامة آية الله السيد محمد رضا الشيرازي إلى القول: إن أثر عمل الإنسان، هو من الآثار اللسانية؛ هناك قاعدة عامة في المجتمع، تقول: إن الإمام في أي مستوى كان، فإن الناس يلونه بالرتبة والدرجة، فإذا صلى القائد صلاة الصبح في أول وقتها، فإن الناس يصلونها قبل شروق الشمس بدقائق. قال المرحوم آية الله العظمى البروجردي: إن أقوى برهان عند عامة الناس، لأجل إثبات المبدأ والمعاد، هو سيرة قادة الدين، فإذا ما رأى الناس، لاسمح الله، انحرافاً عند هؤلاء القادة، شكوا في المبدأ والمعاد. |