الشيخ فاضل الصفّار.. تأسيس الموسوعة وابتكار الفكرة وإغناؤها تعود إلى  الإمام الشيرازي الراحل

دمشق/ النبأ: اجرت شبكة (النبأ) حواراً مع فضلية الشيخ فاضل الصفار، بمناسبة إنجاز النتاج العلمي - الفكري الضخم والموسوم بـ موسوعة أهل البيت الكونية والذي تميز بمعالجة مبتكرة لجملة من الموضوعات الغيبية الدقيقة، وفق منهجية بحث اعتمدت التوفيق بين الرؤية الإسلامية والرؤى العلمية الحديثة، بأسلوب رائق ومبدع يستحق العناية الفائقة من قبل الباحثين والمهتمين بالحقل المعرفي، والذي أشرف سماحته على إعداده وتأليفه في جميع مراحله المضنية والتي استغرقت نحو ثلاث سنوات من البحث والتدقيق، من قبل كوكبة من المتخصصين وذوي القدرات العلمية المعتبرة..

وقد دار الحوار حول بعض تفاصيل هذا المنجز العلمي الهام، وكما يلي:

- كيف تكونت فكرة الموسوعة؟

تعود فكرة تأسيس الموسوعة إلى المرجع الديني الكبير الراحل الإمام الشيرازي (قدس سره) حيث يعود إليه ابتكار الفكرة وإغناؤها حتى اكتملت ونضجت وارتسمت على صعيد العمل وكان لنا نعمة التنفيذ والمتابعة، وياللأسف الشديد فقد كان الجزء الأخير في طور الإعداد، ولكن قضت المشيئة الإلهية أن يرحل عنّا الإمام (رض).

- كم من الزمن استغرق العمل في الموسوعة؟

استغرق العمل في الموسوعة ثلاث سنوات تقريباً

- ما هو الهدف من تأليف الموسوعة؟

الهدف من تأسيس الموسوعة هو نشر علوم أهل البيت عليهم السلام وتسليط الأضواء على الجوانب الحيوية من العلوم الجديدة التي لم يتعرف عليها البشر من قبل، أو اقتباسها من كلماتهم (ع) النورية، وقراءتها في الروايات الشريفة الواردة عنهم عليهم السلام ومحاولة إعطاء العلوم بعدها الإلهي وإظهار البعد العلمي بمعناه الأخص من كلمات المعصومين عليهم السلام.

- ما هو المنهج الذي اتبع في العمل؟

المنهج العام في العمل ابتدأ:

أ) بالاعتماد على الروايات الواردة في بحار الأنوار خاصة في الأجزاء 54 - 63 من كتاب السماء والعالم الذي بوّبه العلامة المجلسي (رض) على العلوم الكونية.

ب) تقسيم تلك الروايات بحسب المواضيع التي تتناولها.

ج) عرض التقسيم المذكور على ذوي الاختصاص في علوم الفيزياء والفلك والطب والحيوان والنبات والنفس والفلسفة والكائنات الغيبية وغيرها من العلوم الكونية ومطابقتها مع النظريات العلمية الحديثة.

- كيف وفقت الموسوعة بين الرؤية الإسلامية، والرؤى العلمية الحديثة في حالة التعارض، وخاصة بالنسبة للنظريات العلمية التي لا زالت معتمدة إلى الآن؟

في جميع أجزاء كتب الموسوعة الأحد عشر اعتمدنا التوفيق بين الرؤى العلمية والرؤيا الإسلامية، بعرض الأولى على الثانية؛ وذلك أن العلم الحديث في حالة تطور مستمر وهو علم تجريبي خاضع في مراحله المخبرية للنجاح والفشل، ولهذا ففي حالة التعارض مع المعتبر من الحديث الشريف لا بد من اعتماد الحديث باعتباره صادراً عن المعصوم المطلع على أسرار الوجود، ولا يعتريه الخطأ أو النسيان مهما بلغ العلم من تطور فأنة يبقى قطرة في بحر هذا الوجود الواسع العظيم ومهما بلغ الوجود من السعة والعظمة؛ وإن ما أودعه الله سبحانه من أسرار وقوانين وحكم في الطبيعة، أطلع نبيه الكريم وأهل بيته الأطهار عليها، بل وأعطى زمام العالم أجمع بأيديهم؛ فهم قطب الرحّى بالنسبة له، ومحور حركته ومستودع أسراره، على كلام لا يسعنا بيانه وقد فصله العلماء في كتب الكلام. وعليه فإن ما ورد عنهم عليهم السلام في شؤون التكوين يدلنا على الحقائق الخفية والاسرار الكبيرة التي لم يطلع عليها الاّ أهلها.

- هل قدمت الموسوعة شيئاً جديداً، أم أنها اكتفت بالجمع فقط؟ وإذا كان الجواب إيجاباً فما هو الجديد الذي أضافته؟

الموسوعة بذاتها طرح علمي جديد ولم تعتمد على الجمع فقط، إنما ناقشت النظريات والاكتشافات العلمية الحديثة بما يستفاد من القرآن الكريم والروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، وحاول بعض الأخوة الباحثين إضافة ما لديهم من جديد في مجالات تخصصهم في خطوة ربما لا سابقة لها، وخرجوا بنتائج قد تكون جديدة ومبتكرة.

- هل هناك مساحة فكرية أعطيت للباحثين كيما يعملوا آراءهم في الموضوعات التي كتبوا فيها، أما أن هناك قيوداً تتعلق بالنصوص والأخبار؟

لأجل نتاج فكري علمي - كما هو شأن الموسوعة - لا يمكن وضع قيود أو حدود على المساحة الفكرية للباحثين، علماً أنهم ذوو اختصاص، وقد عملوا حسب الخطة الموضوعة للعمل وضمن المنهجية التي أريد لها أن تكون جامعة بين العلم والوحي بلسان أكاديمي معاصر، نتمنى أن يكونوا قد وفقوا في ذلك، ونسأل الله سبحانه العفو عن الزلات إن حصلت.

- ما طبيعة الصعوبات التي واجهت العمل؟

طبعاً لا يخلو أي عمل من صعوبات، وتحديات، وكانت الصعوبات التي واجهناها متعددة ومتنوعة من جهة ابتكار العمل، وعدم وجود تجارب سابقة كافية في هذا المجال، مما زاد الأمر صعوبة، مضافاً إلى المشكلات التقنية والفنية والعلمية للحصول على المعلومات الكافية، وبعد كل ذلك تأتي الأزمات المالية التي كان يعانيها فريق العمل حيث تفرغ بعضهم لإنجازه، ومن ثم إكماله في خطوات الصف والإخراج والطباعة، لكن بفضله تعالى ومن آياته أن جعل الهمة العالية، والتنظيم والتخطيط، والصبر والنفس الطويل والمشاركة الجماعية من أهم أسباب التوفيق والنجاح في كل مشوار يتطلع إليه الإنسان، وهذه دروس تعلمناها من السيد المرجع أعلى الله مقامه الشريف حيث كان في كل لحظات حياته طاقة متفجرة في مختلف المجالات والأصعدة فلا يعرف اليأس أو الفتور، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمده برحمته الواسعة.

- ورد في اجزاء الموسوعة موضوعات تناولت الكائنات الغيبية مثل الملائكة والجن فما علاقتهما بالعلوم الكونية؟

عناوين من نحو الجن والملائكة هي من ضمن النظام الكوني، وذات علاقة مهمة به، فأكثر الديانات والمعتقدات تعتمد على الرؤى العلمية لهذه العناوين وهذه بدورها جزء من العلاقات المتبادلة بين المخلوقات، بل قامت الأدلة النقلية والعقلية المتضافرة، كما هو صريخ القرآن والسنة، على أن الملائكة من أهم القوى التي تدير شؤون الكون وتديرأموره في مختلف مجالات الحياة، كما قال سبحانه (فالمدبرات أمرا) فقد جعل الله سبحانه وتعالى للزرق ملائكة وللحياة ملائكة وللرحمة، والمطر ملائكة أيضاً، وقد ملأ بوجودها كل جوانب الكون وتحدث القرآن الكريم كثيراً عن الملائكة وتعرض إلى وظائفها الكونية، وهذا ما مطلوب منا معرفته لكونه يرتبط بالايمان والعقيدة، كما قد يتوصل البشر إلى إمكان فهم دورها والاستفادة منه علمياً وعملياً، كما قد يتوصل بعض الأولياء والصالحين إلى الارتباط بهم مثلما توصل بعضهم إلى ذلك، وهذا ما يزيد القدرة على فهم الأمور وتحليل وقائع الكون بأسلوب علمي دقيق بحيث لا يقبل الخطأ فتزيد الفوائد في التقدم ومثل هذا قد يقال في بعض طوائف الجن وهو تعرض إليه الأخ الباحث في كتابي الملائكة والجن، لكن بعد مطالعة الموسوعة قد تتغير نظرة الكثير إلى هذين المخلوقين الإلهيين.

- يرى البعض أن الموسوعة اعتمدت على كتب علمية قديمة فما مدى صحة مثل تلك الأقوال؟

ربما اعتمدت الموسوعة بعض العناوين القديمة، كما اعتمدت على المصادر الجديدة وأخذت منها الكثير وفي الحالتين اعتمدت الرأي السديد، لأن بعض الآراء في الكتب القديمة لا تزال هي الأساس للنظريات الحديثة، وربما كان بعضها أدق علمياً، فليس القدم مبرراً لرفض الحقيقة، وليست  الحداثة معياراً للصحة، بل المعيار هو الحقيقة ذاتها، فأينما وجدت ينبغي الأخذ بها ولا زالت المحافل والجامعات العلمية تفتخر بجملة من المصادر القديمة لكونها الأم الذي قامت عليه العلوم الحديثة.

- لماذا تحددت الموسوعة بدائرة بحار الأنوار علماً أن هناك موسوعات كثيرة مشابهة؟

اختص العمل بكتاب بحار الأنوار اعتماداً على رؤيا مقترحة من الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) بما يحتويه البحار على أحاديث وروايات مبوبة في العديد من المواضيع وخاصة العلمية الكونية ولعل ما صنعه المجلسي كاف وأجمع من غيره في هذا الشأن خصوصاً وأنه (قدس سره) ضم إلى الروايات الآيات الشريفة وآراء المفسرين والحكماء ومختلف أهل الاختصاص من القدماء في الأبواب المختلفة، وأضاف إليها أراءه ونظرياته، وبذلك نكون باعتمادنا البحار قد اختصرنا مسافات طويلة فيما ورد في أهم مصادرنا.

- هل يمكن القول بأن الموسوعة اتخذت طبيعة المقارنة، أم أنها تميل إلى جانب معين من المرجعيتين اللتين استندت إليهما؟

طبعاً الأعمال التي يقوم بها الإنسان وخصوصاً العلمية منها، لها عدة جوانب:

منها: جانب العمل نفسه من جهة الخطة والدقة والشمولية والإخراج الفني اللائق.

ومنها: جانب العامل من جهة بذل الجهد وإخلاص النية وتوخي الهدف المرسوم في كل خطواته.وهذا ما كان بوسعنا، وقد سعينا لتحقيق ذلك فربما وفقنا وربما لا.

ومنها: جانب التقويم والموازنة والحكم على نجاح العمل أو فشله ولو من الناحية التجريبية أو العلمية وهذا موكول إلى القارئ الكريم.

وقبل وبعد ذلك كله فإن الأمر الأساس في النجاح والفشل الحقيقي في الأعمال هو مراعاة الهدف المعنوي الأسمى وهو رضى الله سبحانه، إذ ليس كل ما يقدمه الإنسان مرضياً عنده عز وجل، مهما بلغ ومهما تصوره الآخرون كبيراً، فربّ عمل صغير لا يقتنع به صاحبه ولا يراه الآخرون شيئاً إلا أنه عند الله عظيم، وقد جرت سنن الله سبحانه على إضفاء العناية وإظهار البركة في الأعمال الخالصة لوجهه الكريم، وتخليدها وإبقائها في عمق الزمن وفي طوله، وكم من إنسان خلّده الله عز وجل بسبب كلمة قالها أو موقف وقفه وكم من إنسان ذي مالٍ أو علمٍ قد محي ذكره وعُفّي أثره على رغم كثرة ما أعطى.

ونحن بذلنا وسعنا في خدمة الحق والحقيقة وخدمة اشرف الخلق محمد وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، وعلى رغم قلته ونواقصه نأمل أن يكون قد حظي برضى الله عز وجل، وقبوله، بوجاهة ساداتنا وموالينا محمد وآله الطاهرين عنده.. فإن رضاه عز وجل رضاهم وحبه حبهم وقربه قربهم.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا