سماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي يشدد على أهمية الاتصاف بالخلق الحسن في إصلاح المجتمع الإنساني |
قم/ النبأ: استقبل سماحة الإمام صادق الشيرازي (دام ظله) جمعاً من أهالي محافظة أصفهان بإيران، في مكتبه بقم المقدسة، وألقى فيهم كلمة توجيهية قيمة، فيما يلي نذكر جانباً منها:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.. قيل إن عند الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) صحيفة، أدرج فيها أسماء رجال ونساء، ورأس عنوانها (ليس منّا). وبالطبع لا يوجد بيننا أحد يرغب في أن يُدرج اسمه في تلك الصحيفة. وقد وصف الإمام (ع) هؤلاء الأفراد بقوله: (هؤلاء أناس لا يحاسبون أنفسهم كل يوم). حينما يحلّ الليل، ينبغي للإنسان أن يخصص، ولو خمس دقائق، يستعرض خلالها أعماله التي اجترحها في ذلك اليوم، وينظر فيما إذا كانت تلك الأعمال حسنة أم لا؟ وهل هو نفسه راضٍ عنها أم لا؟ فإذا ما اطمئن لصحة أعماله، ورضى نفسه عنها، شكر الله عليها، ومضى ليواصل عمله في غده، وفي سائر أيامه، على هذا النحو. أما إذا رأى، عند تفحصه وتقييمه لأعماله وأقواله، في ذلك الوقت المخصص لمحاسبة النفس، أن بعض أعماله لم يأت بها على وجهها الصحيح، فعليه أن يبادر إلى عملين؛ أن يعتذر إلى الله سبحانه ويستغفره على ما بدا منه أولاً، وأن يقرر في نفسه عدم تكرار ذلك العمل ثانياً، هذا توضيح قول الإمام أمير المؤمنين (ع)، الآنف الذكر. كما جاء في حديث آخر للإمام أمير المؤمنين (ع): (ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم، فإن عمل خيراً استزاد منه، وإن عمل شراً استغفر الله وتاب إليه). الآيات والروايات الشريفة تحثّ على الخلق الحسن إن إحدى مشاكل الإنسان، تكمن في أن كل واحد له مزاج وأخلاق خاصة، فإذا تعرض لضغوطات الحياة، ساء خلقه، وتعكر مزاجه، وقد ورد التأكيد على ذلك في آيات الذكر الحكيم، وروايات الأئمة المعصومين (ع)، وهي بمجموعها تفيد بأن صاحب الخلق الحسن يصير إلى الجنة، وصاحب الخلق السيء مصيره إلى جهنم. وجاء في رواية، أنه قيل لرسول الله (ص): إن امرأة تصل ليلها بنهارها في التعبد والصلاة، وتصوم على مدى عامها، إلا أنها سيئة الخلق، وتؤذي جيرانها بلسانها. فقال رسول الله (ص): (لا خير فيها، هي من أهل النار). فليسع الإنسان أن يكون حسن الخلق مع أسرته وأقربائه وأصدقائه، ومجتمعه، وقد ضرب أستاذي آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) أبلغ مثال، حيث قال: إذا كان هناك كيس مملوء بالقمامة، وعبوة فيها عطر، فكلما مرّ وقت على الأول أزداد نتانةً وتعفناً، وإذا فتح، أزكمت ريحه الأنوف، ونفّرت الناس، كيس القمامة هذا، هو مثال الخلق السييء، وعلى العكس منها تماماً الخلق الحسن، فهو أشبه ما يكون بعبوة العطر تلك، إذا فُتحت امتلأ المكان بشذاها، وانجذب الجميع إلى رائحتها الزكية. ضرورة التعامل بإيجابية مع مشاكل الناس. إن الله يحب من عبده أن يكون مشّاءً في تيسير أمور الناس، وحل مشاكلهم، بغض النظر عن الطالح أو الصالح منهم، المهم هو أن نسعى في طريق حل مشاكل الناس، ودفع أوصابهم، كائناً ما كانوا؛ فالله تبارك وتعالى يريد أن نستثمر طاقاتنا التي وهبنا إياها في خدمة عباده. ينبغي للإنسان أن يكون مثل عبوة العطر تلك، وأن يقيم لنفسه وزناً واعتباراً، ولكن يلزم أن نشير هنا إلى نقطة مهمة، وهي أنه إذا ما قرر أحدنا أن يسدي خدمة ما للآخر، لقاء شيء، أو على أمل أن توفى له تلك الخدمة، صار الأمر شبيهاً بالتكسب والبيع والشراء، ولا يصدق عليه اسم الخدمة في حال. هناك خصلتان، ينبغي التأكيد عليهما، لأنهما تفيدان الإنسان في دنياه وآخرته، وهما: 1- إدامة ذكر الإمام أبي العبد الله الحسين (ع): فإقامة مجالس العزاء الحسيني - مثلاً - تندرج ضمن التوفيق والتسديد الإلهي، وهذا العمل يشبه، في آثاره ومزاياه الإيجابية، المعجزة في كثير من وجوهه؛ ولذا، فعلى كل مؤمن أن يعمل على إحياء ذكرى سيد الشهداء (ع)، من خلال إقامة مجلس عزاء حسيني أسبوعياً في بيته. حكي أن أحدهم، أوصاه أخوه - وكان هذا ذا شأن ومنزلة عنده - بأن يقيم مجلساً حسينياً أسبوعياً في بيته الصغير المتواضع، فأجابه بأن بيته، فضلاً عن كونه مُستأجراً وليس ملكاً، ضيق المساحة، ولا يضم سوى غريفة تزدحم بالأثاث والوسائل المنزلية، فأين يقيم مثل هذا المجلس؟!. فقال له أخوه، دعك عن هذا، وبادر إلى إقامة مجلس الإمام الحسين (ع)، ومراسم ذكرى أهل بيت النبي - صلى الله عليه وعليهم أجمعين - ساعةً في كل أسبوع، وفي هذه الغرفة الصغيرة. فما كان منه إلا أن عمل بتوصية أخيه، فأصاب من الأموال والأملاك والعقارات الشيء الكثير، وغدا تاجراً يشار له بالبنان. وهكذا، فعلى الجميع أن يقيموا مجالس ذكر أهل بيت النبي (ص)، في بيوتهم، وأن يتواصوا على إدامة هذه السنّة الحسنة. أهمية تعميم الثقافة الحسينية في أوساط الشباب 2- من جملة وصايا الإمام جعفر الصادق (ع) قوله: (عليكم بالأحداث)؛ مما يستدعي بذل مزيد عناية، بتقوية البنية العقائدية للفتية والشباب، لجعلهم في منأى ومأمن من تيار الباطل والفساد الذي يريد أن يحرفهم عن الوجه الصحيح في هذا الشأن الخطير والحساس.. فعلينا أن نوصل هذه الفئات العمرية المهمة بمجالس ذكر أهل بيت النبي (ص)، وأن نديم هذه الصلة، وندعهم يعبرون عن آرائهم وما يدور في خلدهم بحرية كاملة؛ لنعلم جيداً وجهات نظرهم وفهمهم، حيال الأشياء، ونستعين على ذلك بالصبر والأناة، دونما أدنى انفعال أو ضيق.. وإذا عجز أحدكم عن تصحيح عقائد وأفكار فتى أو شاب، إذا كان فيها ما يزري به أو يشين، لزمه أن يرشده إلى من يملك جوابه، ويقدر على إقناعه، وتقويمه من هذه الناحية.. ولنعلم أنه إذا اهتدى وصلح شاب، فقد اهتدى وصلح تاريخ بكامله. وفي عهد الرسول الأكرم (ص) قد اهتدى الكثير الكثير من الشباب إلى سبيل الحق والرشاد، ولكن هذا الأمر لا يتم بسهولة ويسر، عبر كلمة واحدة، أو عبر عمل بعينه. ولنا خير مثال في الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري - رض - الذي كان شاباً مشركاً، ولما اهتدى للإسلام، وتحول إلى إنسان نموذجي، قولاً وعملاً، نفاه عثمان بن عفان إلى جنوب لبنان، وقضى في منفاه مدة سنتين، وظل هناك ردحاً لا يعرف لغة أهالي تلك المنطقة، وكان يتحدث معهم بلغة الإشارة فقط.. خلال تلك المدة تحول العديد من الفتية والشباب إلى نماذج تحاكي شخصية أبي ذر العظيمة، وحتى يومنا هذا حافظ أهالي تلك المنطقة على ولائهم لأهل البيت (ع)، وبرز بينهم الآلاف من العلماء الشيعة، الذين عُرفوا بأدوار متميزة في خدمة الإسلام والمسلمين؛ وذلك بسبب تلكم السنتين اللتين كان خلالها أبو ذر الغفاري (رض) حاضراً بين ظهراني أهالي تلك المنطقة. هذا، وعلينا أن نؤمن اليوم بإمكانية هداية، حتى أبناء المشركين، في عصرنا الراهن؛ فلنجلس معهم، ونبادلهم الأحاديث، ونوصل لهم الكتب والكراسات؛ لأجل تغيير عقائدهم وأفكارهم وهدايتهم إلى الحق. والحمد الله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. |