(صندوق الدنيا) وعنف السلطة المتواري خلف الجدران |
على هامش مهرجان كان السينمائي الدولي بدورته 55، وضمن فعاليات (نظرة ما) الرسمية عرض فيلم المخرج السوري أسامة محمد (صندوق الدنيا)، وهو ثاني أفلام هذا المخرج الذي أنجز قبل 14 عاماً، فيلم (نجوم النهار) وهي المرة الأولى التي تشترك فيها سوريا في إطار العروض الرسمية لمهرجان كان.. يبدأ الفيلم بشجرة كبيرة ويعود إليها قرب النهاية.. قريب منها بيت يضم بين جدرانه ثلاثة أحفاد وعدة زوجات وأولاد. يظهر الجد في بداية الفلم وهو ينازع الموت.. يترك آخر ثلاثة من أحفاده بلا أسماء، وهؤلاء يترعرعون معاً ويختلفون في شخصياتهم لاحقاً.. فالأول خنوع خائف والثاني عاطفي والثالث ينزع للعنف، العنف الذي ينتشر في إرجاء تلك البيئة، التي تكشف عن عالم بدائي مغلق بعيد ومنعزل.. والأحداث في النصف الثاني تتسع تناولاً من دون أن تغادر المكان وذلك حينما يعود والد الصبي الثاني من حرب الإسرائيليين أيام الرئيس المصري جمال عبد الناصر، متحدثاً عن بطولته ومتسائلاً (كنا ثلاثة جنود في الخندق وأوقفنا فصيلاً إسرائيلياً.. لكن أين كانت الأمة العربية؟). فالرجل المحارب الذي يريد للأمور أن تتغير يفرض على عائلته بعد عودته من الحرب الخاسرة نوعاً من النظام العسكري، ويلقي خطاباً ايديولوجياً في الوطنية وفي ضرورة العمل للخروج من الجمود، فيكشف استغلال السلطة المركزية للثورة لعفوية الشعب.. ويكشف المخرج موقفه من السلطة التي هي (أقصى تجليات العنف) – حسب تعبيره – حين يصورها على مستوى العائلة ويفتح الفيلم المجال للعديد من القراءات وبينها القراءة السياسية التي يمكن أن تتبادر إلى ذهن المشاهد وهو يرى انفجار العنف المستمر الذي يكاد يخلع زوايا المنزل المنعزل، فكأن المنزل بلد وكأن ناسه السكان.. وهناك نقاطاً سياسية أخرى موزعة دون ظهور أو بروز.. يدور حوار بين زوجة المحارب العائد وأبنها عن فلسطين (بعيدة)، (بعيدة كثيراً؟)، (بعيدة كثيراً) ولا يلبث المشاهد إلا أن يخمن أن المقصود هو إنها ليست بعيدة بالمسافة وحدها، بل بالأماني على استردادها. في ذلك المكان النائي المختار والمنعزل بجوار تلك الشجرة الكبيرة المعمرة، تعيش شخصيات متنوعة من الرجال والنساء مسكونين جمعياً بالمجهول ويعيشون وسط أجواء عنيفة، في ذلك المنزل المنعزل، تكمن كل الفطرات الإنسانية من عنف وسذاجة وحركة دؤوبة وعادات غريبة ومفردات خشنة من الحياة. لذلك فإن بسط السلطة هو أيضاً فطري، المنافسة على تحقيقها بشتى الأشكال وإنتزاع جزءاً مما تبقى من الذات من الشخص الآخر مع كل تقدم يحرزه الأولاد في هذا المجال بعد أن كان الجد والعم انتزعا القدر الأكبر منها. يقول النقاد، إن أسامة محمد يصور (صندوق الدنيا) عبر لغة سينمائية متمردة جامحة تقلب قواعد المونتاج والتصوير وتبني عوالم نفسية داخلية صاخبة تعتمل في داخلها ثورات لا تفور بل تواصل خوض سعار الحياة والألم في عالم مغلق حافل مع ذلك بالشاعرية. |