البصري: العنف الأسري لا يعني إثبات الشخصية... |
أجرت جريدة الوطن السعودية في عددها (599) الصادر يتاريخ 21/ 5/ 2002 حوارا مع الباحث الإسلامي والكاتب في مجلة النبأ المحامي حيدر البصري اجراه معه الاستاذ حسن آل حمادة تناول فيه موضوع العنف الأسري، هذه الظاهرة التي تعاني منها غالبية مجتمعاتنا، كذلك تحدث الباحث عن قضايا الأسرة الإجتماعية ومكانتها في المجتمع والتحديات التي باتت تهدد كيان الأسرة المسلمة. القطيف: حسن آل حمادة العنف الأسري هو من المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع بكافة طبقاته ومن هذا المنطلق أدت سلوكياته إلى عدد من المشكلات التي ظهرت أخيراً ومنها كثرة حالات الطلاق وتشرد الأبناء وإصابتهم بالأمراض النفسية المتعددة, وللوقوف على هذه الظاهرة كان لنا هذا الحوار مع الباحث الإسلامي حيدر البصري. - لقد سبق وأن قرأت لك رأياً تقول فيه إن المؤسسة الأهم في العالم - الأسرة - قد أضحت أشبه شيء بقطرة زئبق في كف مجنون. من هذا المجنون؟ وما مدى الخطورة التي يشكلها؟ لقد كان قولي إن الأسرة كقطرة حلت في كف مجنون إنما هو من باب التشبيه للحالة التي تمر بها الأسرة، إزاء الأخطار المحدقة بها من كل حدب وصوب. فالأسرة المسلمة اليوم تمر بحالة من عدم الاستقرار بفعل التحديات المحيطة بها، لذا تجد تخبطاً في سير سفينتها، بحيث غدت كفلك كسر مقوده في بحر متلاطم الأمواج. أما مقدار الخطورة التي تشكلها تلك التحديات فيتجسد في التحلل من القيم والأخلاق، والذي ينذر بأمر عظيم سنمر عليه في الأسئلة التالية. - سمعنا وقرأنا كثيراً بأن الأسرة الغربية تعيش تفككاً رهيباً، فماذا عنا نحن؟ إن التفكك الذي تعيشه الأسرة الغربية أمر مفروغ منه وذلك بفعل الابتعاد عن القيم والمبادئ الدينية، حتى إن الإنسان الغربي بات يبدي تذمره من ذلك التفكك، حتى صرنا نسمع البعض يرفع عقيرته هنا وهناك منادياً بالعودة إلى الأسرة وسورها الآمن. أما بالنسبة لأسرتنا فعلى الرغم من أننا نرى الغربيين الذين ملوا فقدان الأسرة -بعد أن وصلوا إلى قمة الفساد والانحطاط الذي ساهم بشكل مباشر في تفككها- فصاروا يفكرون في النزول عن ذلك الهرم، على الرغم من إدراكنا ذلك ترانا نهم -بدافع التقليد الأعمى- للوصول إلى قمة ذلك الهرم لرؤية ما فيه. فما دامت الأسرة المسلمة تلهث للحاق بالأسرة الغربية تحت عناوين التقدمية، والحداثة وغيرها من العناوين البراقة، فإن هذا الطريق ينذر بأمر خطير يتمثل بتفكك كيان الأسرة، ما لم نقلع عن تقليد الغير، ونعود إلى المبادئ والقيم التي تتكفل بحفظ أسرتنا وهي المبادئ الإسلامية. - هل يمكننا أن نلجأ إلى العنف في طريقة إدارتنا للأسرة، وإذا كان الجواب سلبياً.. لماذا؟ لا شك بأن العنف يعد من القيم السلبية، وهذا النوع من القيم لا يمكن أن يثمر أثراً إيجابياً في أي حال من الأحوال لاستحالة ذلك. أما المنهج الحق الذي ينبغي اتباعه في قيادة الأسرة، والذي ينتج أثراً إيجابياً فهو منهج اللاعنف. - البعض يرى أن الدين الإسلامي ينتهك حقوق المرأة فما قولك في ذلك؟ ليس تحيزاً، ومن خلال عملي على هذا الأمر، وتتبعي له، والمقارنات التي طالما أجريتها بين الدين الإسلامي وغيره من الأديان -السماوية منها وغيرها- أستطيع القول بأنه ليس هناك دين ولا أطروحة كانت قد أعطت المرأة حقها، وكرمتها كالدين الإسلامي. فهل صادر حقوق المرأة من لم يلزمها إزاء الرجل بغير واجبين فقط، أحدهما متفق عليه، والآخر مختلف فيه؟ فالدين الإسلامي لم يوجب على المرأة في قبال الزوج غير التالي: 1- تمكين الزوج من نفسها وهذا حق طبيعي له، يجب على المرأة أداءه ما دامت قد رضيت الالتزام بمثل عقد الزواج مع الرجل. هذا هو الواجب المقطوع به والمتفق عليه من قبل العلماء في الدين الإسلامي. 2- وأما الواجب الآخر الذي لم يتفق الجميع عليه فهو وجوب أخذ إذن الزوج عند الخروج من البيت، وهذا الأمر مردد بين المؤيد والرافض، وكل يستند إلى أدلته الشرعية. - يستدل البعض بالآية القرآنية (واضربوهن) في الدلالة على انتهاك الإسلام لحقوق المرأة، فما تعليقكم على الآية المباركة؟ لا شك أن الأسرة تعد حجر الأساس في بنيان كل مجتمع، وأنها المهد الذي يحتضن اللبنات الأساسية لبناء ذلك المجتمع، عليه يمكن القول بأن مقياس صلاح كل مجتمع، وفساده مرهون بصلاح وفساد أسره. من هذا المنطلق اتخذت الشريعة الإسلامية بكل السبل التي من شأنها حماية هذا الكيان من التفكك. وهذه السبل لم تقف عند حدود حماية الأسرة ككيان قائم وإنما اتخذت من التدابير ما يتكفل بحماية الأسرة قبل تكوينها حين تكون مشروعاً، وفكرة لم تزل في ذهن صاحبها. فالإسلام يرسم معالم الطريق الذي يجب على من ينوي تكوين أسرة أن يسلكه. فحدد صفات المرأة التي يجب على الرجل مراعاتها في شريكة الحياة، كما حذر من فئة معينة من النساء في اتخاذهن كزوجات كخضراء الدمن على سبيل المثال. هذه الخطوات كلها والأسرة لم تتكون بعد، فما بالك بالأسرة وهي كيان قائم؟ لذا شدد الإسلام على عملية حمايتها من كل خطر يتهددها. وبما أن الخطر لا يقتصر على الخطر الخارجي، بل قد يأتي الخطر من داخل الأسرة نفسها، لذلك اتخذ الدين الإسلامي تدابير حماية الأسرة من الأخطار الخارجية والداخلية على حد سواء. فآية (واضربوهن) كانت من باب آخر الدواء الكي حفاظاً على مصلحة أعظم وهي مصلحة الأسرة وحمايتها، وذلك بعد استنفاد كل الوسائل التي من شأنها إيقاف المرأة المتجاوزة عند حدها. وهنا لا يمكن أن نعتبر مثل هذا الإجراء عنفاً. - للعنف الأسري دوافع وأسباب، حبذا لو حدثتنا عن أبرزها. دوافع العنف الأسري عديدة نذكر منها: 1- ما يرتبط بالبيئة، ففي بعض المجتمعات يعتبر العنف الأسري من قبيل إثبات شخصية ورجولة الإنسان، وتميزه عن المرأة. 2- ومنها ما يرتبط بالجانب الاقتصادي، فقد تدفع الظروف المعيشية السيئة، والضغوط التي يولدها الفقر في نفس الإنسان إلى أن يفرغ شحنة تلك الضغوط في محيط الأسرة. 3- ومن الدوافع ما يرتبط بفارق الوعي بين الرجل والمرأة، فاقتران الرجل بشريكة تفوقه من حيث المستوى العلمي والثقافي قد يدفع الرجل إلى الإحساس بالدونية، ما يدفعه إلى سد تعويض ذلك الإحساس بممارسة العنف. هذا ويذكر أن العنف الأسري لا تنحصر ممارسته بالرجل، بل قد يمارس من قبل المرأة أيضاً. فقد أثبتت بعض الدراسات الميدانية التي أجريت في محيط المجتمعات العربية أن الرجل يعاني في بعض المجتمعات من العنف الأسري بنسبة أكبر من معاناة المرأة، إلا أن الغالب في المقام هو أن الرجل عادة ما يمارس العنف الأسري بناء على تركيبته الفسيولوجية. |