لماذا يصر العقل العربي على البدء من الصفر؟ |
عن مركز زايد للتنسيق والمتابعة صدر كتاب جديد بعنوان ( العقل العربي بين مقدمات التنوير وإشكاليات تعريب قيم العولمة)، وذلك ضمن سلسلة من الكتب اعتاد المركز إصدارها في المقدمة التي كتبها المركز المذكور للكتاب ورد إنه ـ المركز ـ اعتاد منذ قيامه التصدي بالتحليل والدراسة لمعظم القضايا والظواهر التي تتصل بشكل مباشر بالعلاقات الإنسانية والدولية، وما يمكن أن تنطوي عليه من تأثيرات حادة على الهوية العربية الإسلامية والخصوصية الثقافية والتاريخية للأمة العربية، ولاشك أن ظاهرة العولمة التي باتت تخيم بظلالها الكثيفة على كل مناحي الحياة ، تتطلب اهتماماً خاصاً لما تنبئ به من أخطار على الحاضر والمستقبل. وكتاب العقل العربي يتوخى الأسلوب العلمي الدقيق في تصوير الواقع، وتسليط الضوء على الاتجاهات السياسية والفكرية والفلسفية المختلفة التي تتعرض لظاهرة العولمة، وما يمكن أن تحدثه من تحولات حادة في عالم اليوم والغد. كما يتناول الكتاب بالتحليل مصطلح العقل العربي الإسلامي ومراحل ازدهاره مع عصر النهضة الإسلامية العربية، وما أصابه من تدهور نتيجة لما اعترى البناء المجتمعي للشعوب العربية من تفكك، وما أفرزته الهجمات الاستعمارية من ضعف وهوان، إلى أن ظهرت العولمة على الساحة العالمية، لتجهز على ما تبقى من تطلعات نحو غد أفضل. ويؤكد الكتاب أيضا أيضاً على ضرورة مواجهة هذا التحدي من خلال وحدة المثقفين على مختلف اتجاهاتهم ومعتقداتهم، والتصدي للروح السلبية وفقدان الثقة، ولمظاهر إهدارالعقل العربي في ميادين لا طائل منها، وتوجيه الاهتمام المستحق للنظم التربوية مع إيلاء عناية خاصة للغة العربية، ويدعو إلى ضـرورة التخلص من العزلة الذهنية للمثقف العربي، والعمل على اكتساب المهارات اللازمة لمواكبة الثورة المعلوماتية. ويتناول أيضاً الموروث التاريخي والفكري للعقل العربي ومدى قدرتـه على التجاوب مع متطلبات الحاضر والمستقبل .. ويقول في هذا الصدد: هل يملك العقل العربي رؤية تستشرف المستقبل، وتواجه مخاطر العولمة في إطار يصون للحضارة العربية الإسلامية هويتها، ويحقق لها التواصل العلمي والثقافي مع سائر الحضارات؟ هل أصبحت بنية العقل العربي المعاصر من حالة انقسام تكاد تفضي به إلى التبعية الكاملة للحضارة الغربية؟ هل تهدف العولمة إلى تدمير الثقافة العالمية وتنصيب الحضارة الغربية كحضارة واحدة ووحيدة في هذا العالم؟ هل تمثل العولمة إرادة للهيمنة تختفي في ظلها الخصوصية الثقافية؟ كل هذه أسئلة يطرحها الكتاب مورد التعريف. علاوة على ما تقدم تعرض الكتاب بالتحليل لجميع المراحل التاريخية التي سجل خلالها العقل العربي سواء حضوره النوعي في التراكم الحضاري الإنساني العام أو عبر تلك المراحل التي شكل عندها الريادة والقيادة في صناعة الفكر الإنساني والإنجاز الحضاري. ومما ورد فيه: لقد برهن تراثنا المكتوب والشفاهي على أن ما اصطلح عليه بالعقل العربي – ظلّ على نحو دائم – هو الملاذ والملجأ في أوقات الشدة الحضارية، فمع كل تهديد للهوية القومية، أو الخصوصية التاريخية، تستنفر كل الطاقات للتأكيد على عناصر القوة الذاتية، والتمييز بين أصول التكوينات المعرفية وفروعها، في جهد منتظم يكون على نحو تراكمي ما يسمى بالوعي المعرفي الجمعي للأمة. ورغم الصعوبات المنهجية التي تكتنف تحديد ماهية "العقل العربي"، نظراً لتداخله البين مع المرجعية الدينية الإسلامية، بحيث باتت تسمية "العقل العربي" لا تنفصل عن إطارها المرجعي الإسلامي فيما استقر في الخطاب العربي من استخدام مصطلح "العقل العربي الإسلامي"، فضلاً عما يتسم به مفهوم هذا المصطلح من شمول لأبعاد جغرافية عديدة تضم المشرق العربي والشام ووادي النيل والمغرب العربي، وكل منها له خصوصيته وجذوره الحضارية المتميزة، غير أن وحدة الدين واللغة تسعى دائماً إلى دمج كل هذه البنيات الثقافية المتعددة في نسيج واحد يضم العرب والمسلمين جميعاً. وفيما يخص الدور الريادي للمسلمين في النهضة الفكرية العربية والإسلامية والعالمية ورد في الكلمة التمهيدية: "لقد شيد المسلمون الأوائل النهضة العربية الإسلامية المبكرة على أسس عقلية تجاوزت في تأثيرها وتوجيهها حدود الكيان الإسلامي إلى كل الحضارات الأخرى، وتلاقت مع الحضارة اليونانية في بوتقة استمد منها الغرب الحديث كل ما يباهي به الأمم الآن من إنجاز علمي وتقني واضح للعيان، ويظل هذا العصر الإسلامي العلمي العقلاني شاهداً على قدرة "الدين الإسلامي" على أن يشكل منهجاً دقيقاً لتسيير أمور الدنيا وهداية النفوس لسبل الفلاح في الآخرة. وبعد أن خبا نور العالم الإسلامي لأسباب بعضها داخلي يعزى إلى جمود عناصر البناء المجتمعي العام للشعوب الإسلامية في تلك الآونة، والبعض الآخر الأهم يرجع لظروف الاستعمار الذي تكالب على هذه المنطقة من العالم لفترات زمنية ممتدة عوقت مسيرته وأنضبت ينابيع الإبداع لديه، ودفعت بالشعوب العربية إلى حالة من التبعية للآخر، والتحول إلى النقل عنه بدلاً من التأثير فيه أو الحوار المتكافئ معه. ويصل تمهيد كتاب "العقل العربي" إلى ما هو مطروح حالياً من تحديات أمام النخب العربية العاملة في مجالي الفكر والسياسة ويقول .. لقد فوجئ العالم العربي بأنه وقع في "فـخ العولمة" مرغماً دون أن يكون مزوداً بما يحمي هويته، بل ووجوده من مخاطر هذه العولمة الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية، فعاد الخطاب العربي مرة ثانية – ويبدو أنها لن تكون الأخيرة – ليطرح نفس تساؤلات عصر النهضة الأولى والثانية عله يجد مخرجاً من مآزق الذوبان في آليات العولمة وتداعياتها التي فاقت الرأسمالية التقليدية في أشد أشكالها استغلالاً واستعباداً للآخر وهم فقراء ما يسمى بالعالم الثالث وشعوب العالم العربي الإسلامي في مقدمتهم بالطبع. وباتت الإشكالية الكبرى الآن تتصل بقدرة العقل العربي على الخروج من هذا المأزق فهل يستطيع العقل العربي القيام بمهمة صوغ مشروع حضاري يحفظ به هويته ويتعايش في إطاره مع قيم "العولمة" بعد إعادة تكيفها مع النموذج المعرفي العربي الإسلامي؟ |