ندوة مركز الحوار العربي.. دور مصر في حوار الحضارات |
- د. هشام النقيب: أجندة مفروضة من قطبية أحادية تريد أن ندور في فلكها وإلا أدرجنا في القائمة السوداء. - د. محمد السيد سعيد: الإمبريالية الغربية وظَّفت الأصولية اليهودية والمسيحية ثمَّ الأصولية الإسلامية لخلق عالمٍ يتَّسم بتكريس الهيمنة والتفوّق الغربي. مع أنَّ فكرة الحوار بين الحضارات ليست جديدة في سوق التعبيرات التي شهدها الفكر الإنساني، فإنَّ تعبير صراع الحضارات لم يكتسب مثل ذلك التركيز والإلحاح إلا مع تعرّض الولايات المتحدة لصدمة الحادي عشر من سبتمبر، ولم يبدأ الحديث عنه كفكرة إلا بعد انفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم بعد انهيار القطبية الثنائية بتفكك الاتحاد السوفييتي. ومع كثرة التركيز على الحوار أو الصراع بين العرب والمسلمين من جهة والغرب المسيحي من جهةٍ أخرى، رأى "مركز الحوار العربي" ضرورة تخصيص ندوة لمناقشة "دور مصر في صراع وحوار الحضارات"، ودعا المركز كلاً من المستشار الإعلامي المصري في واشنطن الدكتور هشام النقيب والدكتور محمد السيد سعيد مدير مكاتب صحيفة الأهرام في أمريكا للحديث في هذه الندوة بحضور لفيفٍ من المثقفين والمفكرين من العرب الأمريكيين والدبلوماسيين العرب في واشنطن. وتحدث في البداية الدكتور هشام النقيب فأكَّد أنَّ نشأة فكرة حوار الحضارات في العصر الحديث تواكبت مع حركات التحرر الوطني خلال عهد الاستعمار بسبب معاناة شعوب الشرقين الأوسط والأدنى من الممارسات العنصرية لقوات الاحتلال والتعالي الفكري لدولة الاحتلال وموجات لمحاولة طمس الحضارة الأم في الدول التي تمَّ احتلالها ممَّا فتح المجال أمام صراعٍ جديد يعيد تأكيد استقلالية الحضارة الأم على الصعيد السياسي والاجتماعي والديني. واستعرض الدكتور هشام النقيب تاريخ الجهود الدولية من أجل خلق تواصل بين الحضارات ابتداءً من المؤتمر الذي عقدته منظمة اليونسكو في طوكيو عام 1955 للحوار بين الشرق والغرب، مروراً بجهود الأمم المتحدة في عام 1975 لاستمرار حوار الحضارات الذي تبنّته إيران في عام 1999 وتبنّته الأمم المتحدة عام 2000. وربط الدكتور هشام النقيب بين انفراد الولايات المتحدة بالقطبية الأحادية في أوائل التسعينات وبين بروز تعبير صراع الحضارات الذي روَّج له البروفيسور صامويل هانتيجتون، وقال إنَّ ذلك يعكس أجندة مفروضة من قطبية أحادية تريد أن ندور في فلكها وإلا أدرجنا في القائمة السوداء، ثمَّ جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليتعرَّض العرب والمسلمون إلى حملةٍ شرسة كان الغرض منها اختزال حوار الحضارات إلى مسمَّياتٍ تستخدمها جماعات المصالح لأغراضها وتمَّ وضع العرب والمسلمين في موقفٍ دفاعي لا يمتّ بصلةٍ لحوار الحضارات وفُرض علينا نموذج حوار إسلامي عربي مقابل طرف مسيحي غربي من جهةٍ أخرى وتمَّ إقحام موضوع الإرهاب في حوار الحضارات وتناسى الجميع أنَّه لا يوجد مجتمع معيَّن ولا حضارة بعينها مختصَّة بالإرهاب فهناك إرهاب أوروبي في جماعة الألوية الحمراء وهناك إرهاب ياباني في منظمة الجيش الأحمر وهناك إرهاب مارسه الأيرلنديون المسيحيون وهناك إرهاب وقع في ممارسته مسلمون، وبالتالي خلص المستشار الإعلامي المصري إلى ضرورة عدم اختزال الحوار بين الحضارات على العالم العربي والإسلامي في كفَّة والعالم الغربي المسيحي في كفّةٍ أخرى. وفي معرض حديثه عن دور مصر في حوار الحضارات ومكافحة الإرهاب أشار الدكتور هشام النقيب إلى رفض مصر لفكرة وجود صراع بين الإسلام والغرب والتي فنَّدها اجتماع مؤتمر علماء مجمع الأديان في الإسكندرية في بيانه المشترك، وتساءل لماذا يرفض الغرب الاستجابة لمبادئ الرئيس مبارك بضرورة عقد مؤتمر دولي للإرهاب يحدّد مفهوم وتعريف الإرهاب والتفرقة بينه وبين المقاومة المشروعة ضدَّ الاحتلال. وتحدث في ندوة مركز الحوار الدكتور محمد السيد سعيد مدير مكاتب الأهرام في أمريكا ونائب رئيس التحرير للشؤون الخارجية فأعرب عن اعتقاده بأنَّ الحضارات والثقافات لا تتصارع ولا تتحاور وإنَّما تتفاوض بشكلٍ رسمي أو غير رسمي حول برامج وأجندات عمل لتنظيم التفاعل والوجود المتوازي والمتوازن بين التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية. واستعرض الدكتور محمد السيد سعيد لدعم وجهة نظره مجموعة من الحقائق التاريخية في العلاقة بين العالم العربي والإسلامي وبين الغرب المسيحي ابتداءً بالتقابل العنيف بين الاستعمار الغربي وحركات التحرر الوطني خاصة في الثلاثينات من القرن التاسع عشر ومد نطاق الانتداب والحماية الغربية إلى الشرق العربي عقب الحرب العالمية الأولى، ولفت الدكتور سعيد الأنظار إلى أنَّ ما ينظر إليه البعض على أنَّهما قطبا الصراع وهما الحركة الأصولية الإسلامية من جهة وأصحاب مشروع الهيمنة الغربي كان بينهما مستوى من التعاون أعلى بكثير من مستوى الصراع، ودلّل على ذلك بأنَّ الإمبريالية الغربية وظَّفت الأصولية اليهودية والمسيحية ثمَّ الأصولية الإسلامية لخلق عالمٍ يتَّسم بتكريس الهيمنة والتفوّق الغربي على الآخرين. وقال الدكتور محمد السيد سعيد إنَّه إذا كانت الأصولية الإسلامية الجهادية قد اصطدمت بالغرب في شكل عاصفة الطائرات المدنية على مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية فإنَّ الغرب سبق له تاريخياً توظيف الأصولية الإسلامية ضدَّ حركة القومية العربية ومحاولات النهضة الدستورية بعد الحرب العالمية الثانية، بل واستخدم الاستعمار البريطاني –وتلته الولايات المتحدة- دولاً تعرف نفسها على أساسٍ ديني في تحقيق أهداف الهيمنة الغربية، وخلص من ذلك التحليل إلى أنَّ الأصولية الدينية هي حليف وساعد قوية للهيمنة الغربية الرأسمالية. وتطرَّق الدكتور سعيد إلى الحديث عن دور الولايات المتحدة في استغلال ما يوصف بالحركة الجهادية الحديثة في أفغانستان في ضرب الاتحاد السوفييتي وهزيمته التي أسهمت في انهياره وتفككه، وأشار إلى أنَّ أسامة بن لادن والعرب الأفغان كانوا صنيعة للمخابرات الأمريكية ولم يكونوا ورثة الحضارة الإسلامية لذلك فقياسهم بما حدث في الحادي عشر من سبتمبر لا يوفّر أساساً لصراع الحضارات. وعن دور مصر في حوار الحضارات تحدث الدكتور محمد السيد سعيد فقال إنَّه بعد الارتباك الخطير في عصر الرئيس الراحل أنور السادات بين الإسلام وتقاليد القرية والنظام الأبوي وتكريس كراهية العرب والارتباط الحميم بالغرب تمكَّن النظام السياسي الذي أعقبه بزعامة الرئيس مبارك من طرح مشروع للنهضة والتنوير لا يستهدف "غربنة" المجتمع المصري والعالم العربي وإنَّما يفتح المجال أمام الحوار بين إنجازات الحضارة العربية والإسلامية وبين منجزات التقدم الغربي في مجال العلوم والفنون والتكنولوجيا الحديثة ويطرح على الصعيد العربي رؤية قومية مصرية تستهدف نوعاً من تقارب الدول العربية مع المحافظة على الخصوصيات النوعية لتلك الدول وبحيث يكون مشروع النهضة العربي قائماً على القانون الحديث والمواطنة والحركة الدستورية الحديثة والدفاع عن الإسلام من منطلق الاعتدال، وأنَّ الحوار مع الغرب يجب أن يكون سياسياً وليس ثقافياً بحكم أنَّنا لسنا ضدَّ الغرب وليس لدينا كعرب أو مسلمين مشروع لاستعمار أوروبا أو للنيل من الولايات المتحدة وإنَّما نريد تحرير أراضينا العربية المحتلة، وخلص إلى أنَّ الغرب قد خان حضارته حينما سمح بتكريس وجود دولة إسرائيل على أساس ديني وفي إطار من التزوير التاريخي. |