الشيخ علي عبد الرضا يجيب على أسئلة شبكة النبأ:

 الإسلام والغرب.. من القطيعة إلى الحوار

بعد أن رحل عام 2000 الذي جعلته الأمم المتحدة عاماً للحوار بين الحضارات, وقبل ان ينتهي عام 2001، وبعد أن قطع الدعاة المسلمون أشواطا طويلة في تعريف شعوب العالم بالاسلام ديناً ومنهجاً، جاءت تفجيرات11ايلول من السنة نفسها لتعيد عقارب الساعة الى الوراء، والى نقطة الصفر وحتى دون ذلك.

وفي فورة الانفعال بهذا الحدث، خرجت تصريحات عديدة من مختلف النخب السياسية والفكرية في الغرب، تؤكد ان الغرب غرب والشرق شرق وأنهما لن يلتقيا أبداً. وشبه الرئيس الامريكي ماحدث بانه حرب صليبية جديدة ضد قوى الاسلام المتخلف، وخرج رئيس وزراء ايطاليا بتصريح الغى فيه العطاء الحضاري للاسلام طيلة قرون عديدة،اضافةالى تصريحات تاتشر الطاعنة على الإسلام والمسلمين.

على مستوى النخب الفكرية، كان مؤتمر المفكرين الامريكيين، الذي خرج ببيانه الختامي مؤكدا ماذهب إليه صموئيل هنتنغتون حول "صدام الحضارات"، وما طرحه قبله فوكوياما حول نهاية التاريخ، وبارك تلك "الحرب العادلة"، كما أسماها البيان، والتي تقودها امريكا ضد قوى الشر والارهاب في العالم ممثلة بالاسلام والمسلمين!!

هذا التعاطي الانفعالي والمنفلت، انسحب ايضا على المستوى الشعبي داخل فئات المجتمع الامريكي خصوصاً، والمجتمعات الاوربية عموماً.

الذين قرأوا التاريخ الاسلامي من الغربيين وعايشوا بعض التجارب العملية لقيام بعض الحكومات الاسلامية!، وهم القلة من أصحاب القلم، يحملون خلفية مشوشة أو مريضة عن مجمل التاريخ الاسلامي أو بعض مفاصله...

شاهدنا وسمعنا وقرأنا عن حوادث عديدة استهدفت الوجود الاسلامي في الغرب، أفرادا ومؤسسات، وعادت النظرة القديمة كما كانت في سابق عهدها، نظرة الإقصاء والإلغاء والشك والريبة، تحكم علاقة تلك الشعوب بالوجود الاسلامي في الغرب.

ولتتبع هذا الموضوع، في كافة أبعاده ومساراته، وتشخيص تداعياته على سائرفئات المجتمع الغربي ولاسيما مواقف وردود أفعال النخب السياسية ومراكز القرار السياسي، المنبثقة من ثنايا الأوضاع التي أعقبت تفجيرات نيويورك، وانعكاسات ذلك على الوجودات الإسلامية المتواطنة في أوروبا وأمريكا، أجرت شبكة النبأ مع سماحة الشيخ علي عبد الرضا رئيس تحرير مجلة النبأ السابق، المقيم في كندا، الحوار التالي:

س: برأيكم.. هل كانت ردود الافعال التي شاهدناها مبررة، أم أنها كانت مدفونة تحت السطح، وجاءت تلك التفجيرات لتجعلها بهذا الوضوح الصارخ؟

ج: بسم الله الرحمن الرحيم

، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

الواقعية مطلوبة في الكثير من الاحيان، و في هذا المجال نؤكد عليها لاعتبارات شتى أهمها ايجاد حالة المصداقية في الاجابات على مختلف الأسئلة التي تطرح هنا و هناك، و لكي يقوم المحلل لهذه الاوضاع بالاعتماد عليها بما تحمل من صور حقيقية تعطي للتحليل والنظرة بعدها الحقيقي والواقعي بدون أية عواطف أو احاسيس غير مدروسة أو فجائية لذلك سنجيب على ما طرحتموه بنوع من التأني والنظر بواقعية للامور بعيداً عن الاضافات والتهويلات الاعلامية.

لا يخفى عليكم ان المجتمعات الغربية فيها شرائح اجتماعية و فكرية وسياسية مختلفة، بعضها ينطلق من منطلقات تاريخية مكذوبة وبعضها الاخر ينبعث من التوجهات الحزبية والسياسية القائمة في ذلك المحيط، والبعض الاخر (وهم الغالبية) يعيش في جهل تام، لا تحتوي جعبته غير تفكير آني باوضاعه المعيشية.

فالذين قرأوا التاريخ الاسلامي وعايشوا بعض التجارب العملية لقيام بعض الحكومات الاسلامية!، وهم القلة من أصحاب القلم، يحملون خلفية مشوشة أو مريضة عن مجمل التاريخ الاسلامي أو بعض مفاصله هولاء ما زال اكثرهم يحمل حقدا ويبث سموما في الحلقات الفكرية والتجمعات الطلابية، نعم هناك قلة من المنصفين لهم نظرة شمولية لمختلف الاوضاع وعلى دراية تامة بالمخططات الدولية، هولاء يعيشون في عزلة وحرمان ويمنعون من الاشتراك في أغلب اللقاءات والمواقع الفكرية والاعلامية التي تعقد وتقام في مختلف المناسبات، وليس لهم  نفوذ يذكر في مراكز الضغط والقرار السياسي.

أما الذين ينتمون إلى التجمعات السياسية والحزبية فهم ايضا لا يحيدون عن تعاليم الحزب ونظرته المصلحية لمختلف الامور، فترى آراءهم متذبذبة بين ادانة وصمت ورفض لبعض القرارات والتصرفات التي تحدث وتقع في بعض المناسبات، لذلك رأينا اغلب قيادات الاحزاب ونوابهم في البرلمانات وقفوا مع الادارات السياسية الحاكمة عاطفيا لا شعوريا أثناء الاحداث، ولكن بعد ان استقر الوضع وانكشفت بعض الخطوط ظهر الشرخ وارتفعت الاصوات المعارضة كما يحدث وحدث من قرارات مرتجلة وغير صائبة في ظروف غير مستقرة وحاليا يشاهد ذلك بوضوح في امريكا وكندا حيث وقفت بعض الاحزاب و نوابها موقف الرافض المعاند لبعض السياسات التي اتخذتها الادارة الامريكية وفرضتها على جيرانها واصدقائها.

أما الاكثرية الغائبة عن مجمل القرارات وليس لها أى تأثير فعال على الساحات الخاصة والعامة فهي تعيش كما قلنا جهلا قل نظيره ولا تعلم بما يجري ويحدث في الشارع المجاور فضلا عن العالم،  هولاء مسيرون ومستغلون من قبل الوسائل الاعلامية المختلفة وخصوصا المقروءة التي تدخل كل بيت وفيها عناية فائقة ببرامج غسل الادمغة وتكميم الافواه وبث السموم وتوجيه الرأى العام نحو المسائل والقضايا التي يراد طرحها او فرضها على الواقع، لذلك فمن السهولة استغلال هولاء في اثارة بعض المشاكل والنعرات العنصرية.

والذي حدث في امريكا و كندا تحديدا لا يخرج عن اطار هولاء الغالبية الجاهلة وان كانت تتقلد بعض المناصب فهي تعيش واقعا جاهلا بالامور الاخرى مكتفية بالدراية الاختصاصية فقط مما جعلها تنقاد نحو الاتجاهات الني رسمتها الدوائر الاعلامية المعروفة في اتجاهاتها ودوافعها، ولا يفوتنا أن نذكر بعض الرموز والخطوط الحاقدة والمريضة التي استفادت من هذا الحدث ووظفته لمآربها واظهرت من خلاله كل ما دفنته واضمرته ضد الاسلام والمسلمين و صورت الجاليات الاسلامية وكل من يحمل روحا اسلامية وان عاش مئات السنين على تلك الارض بانه قنابل موقوتة حاضرة للتفجير بين لحظة واخرى و صورهم البعض بانهم خطرا حقيقي قادم من الشرق للانقضاض على كل مقومات المدنية الاروبية وأواصر الوحدة القومية.

غير أن ذلك لا يعني باى حال ان الحكومات والمسؤولين قد انجرفوا مع هذا التيار ضد الوجود الإسلامي الكبير الذي يعيش على اراضيها بل نرى هناك تعاونا مشهودا من قبل الولايات والوزارء في الحد من نسبة حوادث التعدي على لبعض المسلمين، حتى ان رئيس الحكومة الكندية (جان كريتيان) وقف بشدة امام الاصوات التي طالبته في المجلس لايجاد قيود على التواجد الاسلامي، كما لا ننسى موقفه المتميز في عدم الانصايع الى الضغوط الامريكية الداعية الى سن قوانين تعسفية تحد من الحرايت العامة والهجرة،

ان الارهاب لا يقاوم بالارهاب وإن العنف له جذور وأسباب ولايمكن ان يقضى عليه الا بعد القضاء على كل جذور الارهاب ومقوماته...

ولعل موقف كندا المتميز في السماح للسعوديين بدخول اراضيها بدون فيزا مسبقة هو مخالفة واضحة للتوجه الامريكي الرافض لهكذا حركة دبلوماسية.

كما لا ننسى الخطوات الجريئة التي اتخذتها بعض الكنائس في الولايات المتحدة حيث استقبلت على مدى عدة أيام بعض علماء المسلمين وخطباء الجمعة والمنبر وفتحت منافذالحركة والحوار أمامهم للتحدث مع التجمعات المسيحية في الكنائس والمدارس التابعة لها واستبيان أسس الاسلام القائمة على العفو والتسامح والمحبة والتعايش بين كل بني البشر.

وهذه الخطوة تظهر ان البعض من أتباع الاديان الاخرى لا يريدون حصول أي تطور سلبي على صعيد العلاقة مع المسلمين، في حين هناك جهات اخرى متضررة وتتضرر من أى حوار ايجابي او لقاء ادياني فتراها تستغل كل ثغرة لتشويه حقيقة البعض وما يحمل من فكر انساني.

س: على المستوى السياسي والفكري، وبعد ان كان الاسلام محاورا للطرف الاخر، عاد بعد تلك الاحداث مدافعا عن نفسه امام ماقدمه الاخرون من حجج،ترقى في اكثرها الى نفس النظرة العنصرية والاثنية والدينية التي كانت سائدة طوال قرون عديدة، ماهي برايكم الوسائل المفيدة لمعالجة هذه النظرة، والعودة الى اداب الحوار والالتقاء بين الاسلام والغرب ؟

ج: الذي يتعمق في خصوصيات الشعوب الاروبية والامريكية يرى بوضوح انها تتلهف إلى السلام وتطلبه وتدافع عنه، حتى ان الغالبية التي وقفت مع حكوماتها للقضاء على ما يسمى الارهاب والتطرف، جاء موقفها هذا بعد أن شاهدت الموت والعنف يضرب اوساطها وظنت ان تأييدها هذا سيقضي على الارهاب، ولم يعلموا ان الارهاب لا يقاوم بالارهاب وإن العنف له جذور وأسباب ولايمكن ان يقضى عليه الا بعد القضاء على كل جذور الارهاب ومقوماته، والتي من ضمنها السياسات الخطائة للادارات الامريكية المتعاقبة.

فالحوار و التلاقي هدف سامٍ تنشده الشعوب الاسلامية كما تنشده الشعوب الاوروبية والامريكية وهناك رموز يشار اليها في الشارعين الاسلامي والمسيحي  تخطو نحو الحوار بثقة وقد تخطت الكثير من عقباته وهي الان تقف مدافعة عن ما يجري للمسلمين ولا ترى ما وقع في 11 ايلول الا مخطط دقيق حاكته بعض الايادي المتضررة من الحوار لتفتيت كل ما توصلت اليه هذه اللقاءات وما اثمرت عنه من نتائج ايجابية على مختلف الصعد.

لذلك فالحوار لم ينته بعد و هناك لقاءات مفصلة تجري حاليا بين الفعاليات الاسلامية واطراف مسيحية متنورة وقد تثمر بالمستقبل القريب عن حصول تطور ايجابي على مستوى مواجهة العنف والتطرف.

ولكن الذي يجري في الخفاء بين رموز السياسة الامريكية وجماعات الضغط اليهودية أرباب الشركات الكبرى المستفيدة من حالة اللااستقرار في العالم لتصنيع وبيع مختلف الاسلحة هو الذي يهدد عملية الحوار في الصميم ويهدد الامن والسلام العالميين، وكما يقال هنا فالمستفيد من حالة اللااستقرار لتمرير خططه وتنفيذ سياساته وترويج بضاعته المدمرة هو بلا شك المتضرر من عملية الحوار والتلاقي بين الحضارات والاديان و بالتالي هو الذي يجهد نفسه لمنع حصول هكذا حوارات تحول دون استفادته والوصول الى غاياته المريضة.

وأما الوسائل الكفيلة لمعالجة هذه الحاله فهي تنطلق قبل كل شئ من ايجاد حالة واسعة من التصميم والمواصلة والانفتاح مع الاخر لا تنحصر في بعد معين ولا تتوقف على مسألة واحدة بل تنطلق في اتجاهات مختلفة على مستوى المفكرين والشعوب والاديان والقيادات المتألقة في عالم الحوار والتسامح كما يجب ان لا نلتفت الى ما يوضع امامنا من الغام ومطبات يراد بها توجيه انظارنا عن الهدف الاساسي، وما نحن فيه هو الخطأ الكبير الذي جعلنا مدافعين عن آراء و اخطاء قد ادناها واثبتنا بطلانها سابقا، واليوم نعود لرفضها ونحن في حالة من الضعف والخوف من تحديات الاخر الذي عرف كيف يجرنا الى موقع قد تكون بضررنا اذا لم نستغلها ذلك الاستغلال المدروس.

ومن المؤسف ان نرى بعض القيادات الاسلامية في الولايات التي تحظى بوجود إسلامي كبير، يجرفها التيار العام بهذه السهولة ولا تفكر الا باصدار البيانات المسايرة للسياسة الامريكية ناسية ومتناسية أن مهمتها هي فتح منافذ اللقاء مع اصحاب الفكر والرأى لمناقشة الوضع بروية وعرض الراى الاسلامي الاصيل الذي يرفض كل عوامل التطرف والعنف الفكري والجسدي.

وحالة الانجرار والهرولة هذه من قبل البعض واجهت رفضا قويا وعتابا شديدا من قبل الواجهات الفكرية والجامعية ورأت ان ذلك يعيق عملية الحوار ويوجه الاتهام الى كل المسلمين في امريكا ويحول دون حصول حوارات مستقبلية.

س: هل يمكن لكم رصد الصور العديدة والتي تمظهرت على شكل شعارات او اعلانات او احاديث على مستوى الشارع الاوربي عموما والامريكي خصوصا، وماهي تداعياتها على الانفتاح الاسلامي اتجاه الانسان الاوربي ؟

ج: سؤالكم هذا يثير الشجون و يهيج الاحزان لعدة اسباب منها: ان الوسائل الاعلامية جميعها بما فيها القنوات التلفزيونية تمتلكها جهات معادية للاسلام و المسلمين، وهي لا تترك اى مناسبة للنيل من الفكر الاسلامي و الجاليات المتواجدة عندها .

و منها : ان بعض اصحاب هذه الوسائل ( المرئية و المسموعة ) لديهم ساعات غير مملؤة البرامج تعرض

بين الحين والآخر على اصحاب الفكر والرأي لاستغلالها في القاء المحاضرات و عقد الندوات الفكرية و البعض منهم لا يفرق بين مستغليها مسلما كان او مسيحيا المهم عنده ملا الفراغات لالقاء المحاضرات الاخلاقية باللغة الانكليزية .

و منها ان اغلب المسلمين الذين يحملون فكرا واعيا و مسؤولا لا يجيدون اللغات الاجنبية الحية حتى يستطيعوا ان يوصلوا صوتهم الى الغرب بصورة جيدة و لائقة و الذي يجيد اللغات تنقصه المادة العلمية التي يرتكز عليها و يعمل على ايصالها للغير

إلى ذلك فإن بعض الذين يظهرون على الناس في هذه الوسائل ليست لديهم مادة فكرية رصينة و ليس لديهم ذلك الوعي الملتزم و المتزن الذي يعرّف الاسلام الواقعي الاصيل، فترى كل شخص ينفث ما في جعبته و ان كان مخالفا للمبادئ التي جاء بها الاسلام .

كما ان مرجعياتنا الفكرية مختلفة و متشعبة، فكل شخص وكل فئة تنطق بما تراه مرجعيتها وان ادى ذلك الى تسقيط المسلم الاخر، حتى ان الغربيين اصبح لديهم علم تام بخلافاتنا الفكرية ومستنداتنا العقائدية ويكررون عن الفكر الذي نعتمده والمرجعية التي نتبعها، لذلك تراهم قبل اية ندوة او لقاء او محاضرة يسألون عن الشخص الى اى مذهب ينتمي و الى اى فئة يذهب.

ومنها كذلك ان الجاليات الاسلامية المتواجدة في الغرب تمتلك الامكانات المادية والقدرات الثقافية و الفكرية و باستطاعتها ان تؤجر العديد من الوسائل و تشتري الكثير من القنوات التفزيونية ولكنها غافلة عن هذا الامر ولا تعطيه تلك الاهمية المطلوبة ولا تنظر اليه نظرة العامل الحاسم في عرض الفكرة ورد التحدي ومواجهة الخطر القادم اليها من اصحاب العقول المريضة والهدامة.

و منها : الهجمات الفكرية التي يتعرض لها الاسلام من هذه القنوات لا يوجد من يردها او يوظفها نحو العمل المطلوب، مع العلم ان الاجواء مفتوحة و مهيئة للرد و النقد و البيان .

و منها: امتلاك بعض الجاليات الاسلامية لقنوات اعلامية او ساعات بث تلفزيوني يجب ان لا يحسب له حساب او لا يعتنى به فغالبية هؤلاء لهم اهداف خاصة بهم و برامج راجعة اليهم فقط و لا تشمل حتى ابناء الجاليات من الدول الاسلامية الاخرى، فالقطرية متحكمة في عقولهم، فهل يعقل ان يكونوا مدافعين عن الاسلام والحال انهم لا يعرفون من الاسلام الا اسمه؟!

ومع كل ذلك فالنظرة الى الامور يجب ان لا تكون مظلمة وانما هناك بصيص امل وربما هذا  البصيص يكبر و يكبر اذا استطعنا ان نستغله بالصورة المطلوبة، فكما و قلنا هناك ساعات مجانية و هناك فئات ملتزمة ما زالت تدافع عن التعددية الفكرية والمذهبية والدياناتية وهولاء باستطاعتهم فتح عدة منافذ للذي يريد ان يقول رأيه و فكره، كما ان بعضهم قد هدد وطرد من وظيفته نتيجة اصرارة في الثبات على مبدئه، وهذا ما حدث لبعض الرموز الاعلامية في تورنتو ومونتريال.

والشئ الاهم في هذا المجال هو العمل على توجيه اصحاب الثقل المالي لكي يستغلوا ثروتهم في تاسيس كيانات اعلامية عملاقة يحسب لها حساب تدر عليهم النفع و يطرح فيها الفكر الاسلامي الانساني الذي يريد خلاص البشرية من ويلات الظلم و التطرف وهي اهداف يشترك في رفعها المسلمون و الغربيون.

س: ماهو الموقف مما تبثه القنوات التلفزيونية في بلدان اوربا؟ هل تكتفون بالتفرج وضرب كف بكف، ام انكم تردون على ماتحتويه برامجها، وهل بالامكان الاستفادة من تلك القنوات التلفزيونية لتقديم الصورة الحقيقية للاسلام والمسلمين؟

ج: من المؤسف ان البعض منا عندما يقع الحدث يبدا بالبحث عن حلول و بدائل لمعالجة اثارة و تفاعلاته متناسين ان الوقائع والاحداث لا تأتي فجأة او من فراغ و ربما من جذور تاريخية خاطئة يحملها البعض حيكت بعناية على نار هادئة حتى وصلت الى هذا الوضع الذي ينذر بوجود خطط بعيدة المدى للقضاء على كل فكر واعٍ و مبدأ ناهض  لذلك عندما نبحث عن الخطوات الكفيلة للمعالجة وايقاف حالة التدهور الحاصلة في العلاقة الاسلامية الغربية علينا ان نبتعد عن كل ما هو سطحي وهامشي لا يمت الى الواقعية بصلة، و نبحث عن ادوات ووسائل فاعلة توقف الزحف الاعلامي المناهض وتعيد حالة الحوار الى سابق عهدها وترتقي بها الى مصافي الاشتراك والتعاون لمواجهة التحديات والاخطار التي تهدد البشرية والاستقرار الانساني.

و المعالجات هي الاخرى لا تكون منفصلة و متناثرة، بل تتطلب ترابط وثيق و تأزر تام بين كل خطوة و خطوة، فعند ما نريد تأسيس كيانات اعلامية عملاقة تأخذ على عاتقها طرح الفكر الاسلامي لابد ان يدعمها تنظيم قوي و جمعيات ومؤسسات تستطيع ان تساندها و تدافع عنها عند الضرورة، و هكذا اذا اردنا ان نوصل اصواتنا الى الادارة الحاكمة، فعلينا ان نشكل مراكز ضغط قوية متنفذة في جميع مفاصل الدولة وبدون ذلك فمن غير المستبعد ان نجلس بين الحين والاخر نندب حضنا و تردي احوالنا و انعزالنا عن الساحات الفاعلة في الساحة العالمية.

فالغلظة والحدة والتطرف لايمكن ان تأتي بثمار ناضجة، وارى أن اغلب ما وصلنا اليه اليوم ناتج عن سوء تصرفات البعض وتطرفهم الزائد نحو مفاهيم ليس لها واقع اسلامي ولاتقوم على اية مرتكزات فكرية

من الخطوات اللازم اتخاذها في هذا الشأن، ما يلي:

1- ايجاد تيار اسلامي كبير تنضوي تحته مختلف القيادات والفصائل والتجمعات العاملة في الغرب، يستطيع ان يفرض حالة نوعية من التلاقي والحوار ويعمل على ايجاد طابع عام يقوم ويبتني على اسس توعوية واستراتيجية تتخطى المصالح الذاتية والفئوية، وناظرة الى المستقبل البعيد ومايتطلبه من جهود حثيثة للحفاظ على الكيانات الاسلامية في كل بقاع المعمورة.

2- تأسيس منظمات اسلامية فاعلة على الساحات السياسية المختلفة  (جماعات الضغط)، تمتلك القدرة اللازمة والوسائل الكفيلة للضغط على مراكز الفعل والقرار، لمنع اية خطوة يراد بها الاساءة للتواجد الاسلامي العام، ولايصال الصوت الاسلامي الواقعي الى صناع القرار وارباب السياسة.

3- الخروج من حالة الانعزال والتمحور حول الذات للدخول بقوة في الوسط السياسي والحزبي الفاعل في الاوساط الغربية والاستحواذ على المراكز المهمة والنافذة التي تمكن صاحبها ان يقدم مشاريعه وطروحاته من موقع القدرة والنفوذ القوي .

4- السعي لايجاد وامتلاك وسائل اعلامية عملاقة تضاهي نظيراتها، وتقدم الفكر الرصين وتركز على نقاط الاشتراك والتلاقي لاثمار الحواروالتعرف البناء الذي يرتقي بالجميع نحو الرقي الانساني ويمنع حصول التعديات غير المسؤولة ويحاسب عليها.

5- الاستفادة من اصحاب الفكر والقلم الغربيين من الذين حوربوا وعزلوا عن وظائفهم لانهم يحملون روح الانفتاح والتلاقي مع الآخر المختلف عقائديا او انهم وقفوا عند العلل الواقعية وفضحوها، وفتح كل المنافذ الفكرية والاعلامية امامهم للتأثير على الرأي العام الغربي وجره نحو التعقل والتلاقي مع الاسلاميين وتبديد كل الشكوك التي زرعهتا الايادي الخبيثة.

6- الابتعاد عن حالة الدفاع والبدء بهجوم واسع على مختلف الجبهات وبمختلف الاوزان لعرض كل ما يمت الى الفكر الاسلامي وما يبتنى عليه هذا الفكر من اسس انسانية راقية ترفض اي استغلال للآخر وترتقي بالكائن الانساني الى روح الكمال المعنوي والجسدي.

7- استغلال كل الفرص والبحث عن اخرى للالتقاء مع الاعضاء في المجالس النيابية وقيادات الاحزاب السياسية الفاعلة لشرح النوايا وتبديد الظنون العالقة في مخيلة البعض وحثهم على ايجاد صيغ عملية للحوار والتعارف، باعتبار ان ما نصبوا اليه يصب في مصلحتهم القومية ويمنع انبثاق حالات الانشقاق والفرقة.

8- فضح كل الخطوط المتضررة من عملية الحوار والتلاقي، والتركيز على عامل التوحد والانفتاح، واعتباره المدخل الاسلم لعالم مستقر تتعايش فيه مختلف الاديان من دون تعدي او نيل من فكر او كرامة.

9- الوسائل والاساليب لها الاثر البالغ والكبير في عمليلت العرض والاقناع، فالغلظة والحدة والتطرف لايمكن ان يأتي بثمار ناضجة وبل ربما يبعد الاطراف عن حقيقة المواقف المراد شرحها او ايصالها، ويلهي عن التي نصبو اليها، ولااريد ان ابالغ هنا، فأقول انني ارى أن اغلب ما وصلنا اليه اليوم ناتج عن سوء تصرفات البعض وتطرفهم الزائد نحو مفاهيم ليس لها واقع اسلامي ولاتقوم على اية مرتكزات فكرية، ابعدت الكثير عنا وافشلت العديد من خطط وبرامج الحوار والالتقاء مع الآخر، لذلك علينا ان نلتفت الى هذا الجانب جيدا ونولي له العناية اللازمة ولانتكلم بشيء قبل ان يكون لهذا الشيء مستند شرعي وعقلي، ولايعرض الا بعد مناقشة مدى تأثيراته على الطرف الآخر، والنسب الايجابية التي سنحصل عليها بعد الطرح.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا