صعود اليمين المتطرف في اوربا تحولات خطيرة

يشكل تحول الرأي العام الاوربي نحو النزعة اليمينية العنصرية احد اهم افرازات الحادي عشر من س ايلول سبتمبر 2001، فالانكفاء نحو الداخل والبحث عن الامن جعلت الكثير من الاوربيين يشعرون بضررورة الانعزال عن العالم بحثا عن الشعور بالاطمئنان. هذا هو الذي حرك اليمينين في اوربا من اجل تحقيق مكاسب سياسية في ظروف حساسة، وكان التحرك الفاعل لليمينين بعد الصعود المفاجئ لليميني المتطرف لوبن في فرنسا بعد صعود نظيره النمساوي هايدر الذي تعرض لضغوط كبيرة نتيجة لموقفه العنصرية ادت الى انسحابه، فتحرك اليمين المتطرف في بريطانيا وسوسيرا ومناطق اخرى.

وأكدت نتائج الجولة الأولي لانتخابات الرئاسة الفرنسية وجود تخوفات شديدة لدي كثير من المراقبين من سيطرة اليمين المتطرف علي كل حكومات القارة الأوروبية خاصة بعد أن حصل زعيم الجبهة القومية الفرنسية لوبان علي عشرين في المائة من أصوات الناخبين‏.‏

فيورج هايدر الزعيم السابق لحزب الأحرار اليميني النمساوي كان موجودا بصفة رسمية علي الساحة السياسية حتي عام‏1999،‏ وان كان الكثيرون يرون أن الحكومة مازالت تتحرك بأصابعه من الخلف‏،‏ وبيرليسكوني وبوسي وفيني في ايطاليا وهاجين في النرويج‏،‏ وفورتوين في هولندا وكيبرسجارد في الدنمارك اضافة إلي شيلل في هامبورج‏...‏ وهؤلاء جميعا يشكلون القومية اليمينية الدولية‏.‏

وماذا يضير المواطن الأوروبي إذا ما استيقظ ذات يوم ووجد كل الحكومات في أوروبا يمينية متطرفة؟

هذه الأسئلة لم يجب عنها كل الذين أبدوا تخوفاتهم من سيطرة اليمين المتطرف لكن مع ذلك يري المحللون وخبراء السياسة أن سيطرة اليمين المتطرف علي حد الوصف الذي يحلو للكثير من وسائل الاعلام العالمية تناوله وهو فرض لم يحدث حتي هذه اللحظة سيؤثر في التوجهات الأوروبية من خلال مؤسسته الكبيرة ألا وهي الاتحاد الأوروبي‏،‏ كما سيؤثر في السياسة الخارجية المشتركة‏،‏ ربما لن تكون مشتركة آنذاك إذا ما وضع في الاعتبار خمسة عشر شعورا قوميا مختلفا كل منهم عن الآخر‏‏ عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي‏‏ تفتخر كل دولة بلغتها وبثقافتها وبحدودها الجغرافية وبعرقيتها عدا عملتها التي انصهر معدنها وفرمت الماكينات أوراقها بعد تعميم استخدام العملة الأوروبية الموحدة المعروفة باسم اليورو باستثناء بعض الدول التي لم تنضم إلي اتفاقية شنجن التي تقضي بفتح الحدود أو اتفاقية العملة الأوروبية الموحدة كانجلترا وبعض الدول الاسكندنافية وهو أمر يصعب تصوره ويستحيل تنفيذه لأنه سيكلف المواطن الأوروبي ما لايستطيع تحمله‏.‏

بينما يؤكد البعض بدء تحول الأوروبيين بسرعة كبيرة جدا عن أحزاب يسار الوسط المسيطرة علي الساحة السياسية‏،‏ وأن الدافع لهذا التحول ليست الأفكار المتطرفة التي لاتجد الأحزاب اليمينة حرجا في اظهارها بل هي عجرفة وجمود عدد كبير من السياسيين‏،‏ لأن الناس لم يعد يغريها الكلمات الرنانة المنمقة الفارغة من المضمون ولايريدون برامج عالمية تعد الجميع بكل شيء ولاتجلب أي شيء‏،‏ وانما تريد ادارة حازمة يمكن للمرء ان يفتخر بها ونتائج اجتماعية وسياسية واقتصادية لا لبس فيها‏.‏

فالحماقة الكبري التي ارتكبها الحزب الاشتراكي النمساوي بمحاولته سباق هايدر نحو اليمين بينما يتعلق بالمشكلة الدائمة الكامنة في وجود الأجانب والأمن الداخلي والتي أدت إلي نتائج مخيفة بالنسبة للاشتراكيين حينما أهمل فرانيتسكي وكليما وغيره من الاشتراكيين علاج قضية الأجانب وغيرها من القضايا التي تهم المواطن العادي ثم لجأ الاشتراكيون إلي العلاج علي طريقة تشبه الطريقة التي طرحها هايدر عندما صعد نجمه‏.‏

وفي فرنسا كرر شيراك وجوسبان الشيء نفسه‏،‏ فحاولا معالجة مشكلة حقيقية‏،‏ وهي مشكلة الجريمة علي طريقة لوبين بعد أن تجاهلاها لوقت طويل فكانت النتيجة أن الشعب ثأر لنفسه‏.‏ ففقدان الثقة يستغله المتطرفون وحتي الذين لايؤيدون لوبين‏.‏

فكما حدث في الديمقراطيات الصغيرة مثل الدنمارك وهولندا اصيبت فرنسا اليوم بالارتداد الكبير للناخبين والتي صاحبها أيضا رقم قياسي في عدم المشاركة في الانتخابات والتي لم تتوقعها الطبقة الحاكمة‏.‏

فالديمقراطية الفرنسية تقف اليوم أمام تحدي الصمود‏،‏ والتي ستكون بدايتها مع اعادة انتخاب شيراك في الجولة الثانية الذي من المرجح فوزه بنسبة لم يحصل عليها أي رئيس فرنسي من قبل‏.‏

وأكدت نتائج الجولة الأولي تحطم اليسار التقليدي في فرنسا وانهزام اليمين المعتدل لأن‏20%‏ التي حصل عليها شيراك ليست مدعاة للفخر‏،‏ حيث صوت كل ثالث فرنسي اما إلي مرشح يميني متطرف أو يساري متطرف‏،‏ وهذا الاستقطاب يراه البعض خطرا حقيقيا علي مستقبل الديمقراطية علي حد وصفهم‏.‏

وإذا لم يتحرك الساسة الأوروبيون وفقا لنصائح هؤلاء فإن فرصة صائدي الفئران أو الصائدين في الماء العكر سواء كانوا علي اليمين أو علي اليسار ستكون سهلة وسانحة‏.‏

والآن يبدو أن الخطر الوحيد من وجهة نظر هؤلاء قادم من اليمين بعد انهيار الشيوعية ومعاناة الاشتراكيين من قلة الحيلة في الوقت الذي يحرز فيه القوميون التقدم الواضح والهائل‏.‏

ومع ذلك مازال الفارق كبيرا بين ردود الفعل الدولية تجاه مشاركة حزب الأحرار اليميني النمساوي في الحكم وبين صعود أي من أحزاب اليمين المتطرف في أي دولة أوروبية أخري‏.‏

وتفسير هذا الأمر واضح وجلي للجميع لأن الوضع بالنسبة للنمسا له خصوصيته وحساسيته تجاه المسألة اليهودية التي استغلتها المنظمات اليهودية العالمية وحركت الشرارة الأولي من إسرائيل وتمسكت بتصريحات ليورج هايدر الزعيم السابق لحزب الأحرار اليميني التي مجدت في سياسة العمل في عهد النازي وأخري أكثر تشددا تجاه الأجانب وغيرها مما أخذ علي الرجل وهوجم بسببه‏.‏

ونجحت إسرائيل في تأليب الرأي العام الأوروبي والأمريكي علي النمسا وفرضوا عقوبات ثنائية ظالمة على الحكومة‏،‏ وعزلها لمدة نحو عام استطاع اليهود خلالها أن يلزموا النمسا بدفع ستة مليارات شلن تعويضا للعمال من ضحايا العمل في معسكرات النازي‏،‏ فضلا عما يعرف بممتلكات يهودية تم مصادرتها لصالح الكنيسة في النمسا وبعد أن انتهت المسألة تم فك الحصار ورفعت العقوبات وعادت المياه إلي مجاريها‏.‏

وفي سويسرا فتح قاض في مدينة بيين غرب سويسرا تحقيقاً بعد تصريحات ادلى بها زعيم حزب يميني متطرف صغير، كرر فيها آراء زعيم اليمين المتطرف في فرنسا جان ماري لوبن الذي رأى ان غرف الغاز تفصيل في التاريخ. فيما أعلنت مؤسسة سويسرية انها أنجزت دفع 180 مليون دولار لناجين يهود من المحارق النازية أثناء الحرب العالمية الثانية.

وكان شيرر قال لاذاعة سويسرية رداً على سؤال حول ما اذا كان يشاطر لوبن رأيه في هذه المسألة انها من تفاصيل التاريخ. هذا واضح. لقد ارتكبت جرائم بحق شعوب اخرى ايضاً. وأكد شيرر أول من أمس رأيه هذا في مقال نشره في صحيفة جورنال دي جورا موضحاً ان هذا الفصل خطير جداً في تاريخ اليهود ... لكنه في سياق الحرب العالمية الثانية لا يشكل سوى تفصيل.

يذكر ان محكمة فرنسية غرّمت لوبن الذي ادلى بهذا التصريح في 1987 بدفع مئة الف فرنك فرنسي 15 الف يورو.

الى ذلك، افادت مؤسسة مالية سويسرية تأسست قبل خمسة اعوام لمساعدة ضحايا المحرقة النازية هولوكوست انها دفعت نحو 288 مليون فرنك سويسري 180 مليون دولار الى 309 آلاف يهودي في العالم.

وبحسب التقرير فإن 43 في المئة من الاموال حولت الى اوروبا الشرقية، و29 في المئة الى اسرائيل و16 في المئة الى اميركا الشمالية. وذهب اكثر من نصف المبلغ الى اشخاص تراوح اعمارهم بين 73 و83 عاماً. وراوحت حصة الفرد بين 360 فرنكاً و1200 فرنك 225 و750 دولاراً. واضطلع اليهود ومجموعات اخرى في كل دولة بمسؤولية تحديد المحتاجين وتوزيع المال عليهم. وتقوم المؤسسة على التبرعات من المصارف السويسرية والصناعات المختلفة.

اما بالنسبة لايطاليا أو فرنسا لو قدر للوبين أن يترأس الجمهورية فلا يعتقد أحد من المراقبين أن الأمر سيصل إلي هذا الحد‏،‏ بل سيظل عند حد التحذيرات فقط‏.‏

وفي بريطانيا فاز حزب يميني متطرف بثلاثة مقاعد في الانتخابات المحلية التي جرت في إنجلترا لانتخاب المجالس البلدية.

لكن هذا الفوز- الأول من نوعه خلال عشر سنوات-  يبدو ضئيلا إذا ما قورن بعدد المقاعد التي يجري التنافس عليها.

فقد فاز الحزب القومي البريطاني اليميني بهذه المقاعد في بلدة بيرنلي التي كانت مسرحا لاضطرابات وحالة توتر عرقية.

وفي مناطق أخرى في شمال إنجلترا ووسطها أحرز الحزب اليميني زيادة في عدد الأصوات، لكنه فشل في الحصول على مقاعد.

أول اختبار لزعيم المحافظين الجديد أيان دونكان سميث وفي إنجلترا بصورة عامة فقد حزب العمال الحاكم السيطرة على بعض البلديات لكن الحزبين المعارضين الرئيسيين، حزب المحافظين وحزب الديمقراطيين الأحرار، سجلا مكاسب متواضعة.

ولا يعتبر المراقبون النتائج التي أحرزها المحافظون نجاحا كبيرا بمستوى ما كانوا يطمحون إليه.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا