منتدى الاعلام العربي.. حوارات ساخنة على جليد غربي صاعق

دعا الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى العرب في الكلمة ‏الافتتاحية للمنتدى الى مخاطبة العالم بصوت واحد حتى ينالوا حقوقهم ويعم السلام ‏العادل والشامل والمتوازن في منطقة الشرق الاوسط بعد عودة الحقوق المشروعة للشعب ‏الفلسطيني واقامة دولته المستقلة والمعترف بها.

واعتبر موسى ان المبادرة العربية للسلام التي اطلقتها قمة بيروت الاخيرة تهدف ‏الى ايجاد اجواء مناسبة للسلام في الشرق الاوسط مغايرة تماما للاجواء التي ‏اوجدتها اسرائيل وهي اجواء معادية للسلام.

ولفت الى ان الغرب بات يعتبر بعد احداث سبتمبر في هجمة شرسة هي الاكبر من ‏نوعها العرب والمسلمين بانهم ارهابيون مؤكدا ان الاسلام هو دين التسامح والمحبة ‏والسلام وان "الغش الاعلامي والنصب السياسي" هما سبب الصاق هذه التهمة ‏والمسلمين وهذا ناتج عن تقصير الاعلام العربي الجماعي في دحض الاتهامات ضد العرب وسياساتهم ‏واكد موسى ان المقاومة الفلسطينية هي حق طبيعي للفلسطينيين مادام هناك ‏احتلال لاراضيه ومادامت اسرائيل تمارس ابشع جرائم الحرب والقتل والتدمير لهذا ‏الشعب ومقدراته الذي من حقه ان يعيش في دولة مستقلة وامنة والا فلا امن الا لدول ‏المنطقة مجتمعة وليس لاسرائيل وحدها.

وحض الامين العام لجامعة الدول العربية على تبني خطة اعلامية عربية موحدة وقال ‏ان هذه الخطة جاهزة في اروقة جامعة الدول العربية ولا ينقصها الا التمويل من ‏الدول العربية لمواجهة السياسات المعادية في الغرب ضد الخطاب العربي وتوجيهاته.

وشهدت الجلسة الاولى للمنتدي الذي ينظمه نادي دبي للصحافة تباينا في وجهات نظر ‏المتحدثين اذ جمعت الصحافي الامريكي توماس فريدمان المعروف بتأييده المطلق ‏لاسرائيل والصحافي والدبلوماسي الفرنسي السابق ايرك رولو المعروف بتأييده للقضايا ‏العربية كما شارك في الجلسة الصحافي الامريكي الشهير بن برالدلي نائب رئيس ‏    ‏التحرير السابق لصحيفة واشنطن بوست بالاضافة الى مارتين وولاكوت من صحيف ‏الغارديان البريطانية.

وقال فريدمان في كلمته ان على الولايات المتحدة النظر بجدية الى ما يحدث الان ‏في الشارع العربي من تظاهرات معادية لاسرائيل وامريكا واشار الى ان مثل هذه ‏التظاهرات ستترك اثرا كبيرا على المستقبل السياسي داخل المنطقة.

واضاف فريدمان ان مستقبل الصراع العربي الاسرائيلي لا يمكن ان ينتهي الا اذا ‏تم ضمان امن اسرائيل ومستقبلها لافتا الى ان اقامة دولتين فلسطينية واسرائيلية هو ‏الحل الامثل لانهاء هذا الصراع وهو الموقف الذي اعلنه الرئيس بوش اخيرا.

ودافع فريدمان عن الاجراءات العسكرية الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين وقال انه ‏لا يمكن ابدا السماح لشخص اواشخاص بتفجير انفسهم في شوارع مكتظة بالمارة وفي فترة اعياد في الوقت الذي تتركز فيه انظار العالم على ما حدث في مخيم جنين.

من جانبه قال الصحافي الفرنسي رولو ان الحملة العسكرية التي يقوم بها ‏شارون ضد الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية ليست ضد الارهاب كما يدعي وانما هدفها ‏  ‏القضاء على السلطة الفلسطينية وعلى الامال بالعودة الى المفاوضات السلمية بين ‏الجانبين.

وقال ان الولايات المتحدة تتعامل مع ما يحدث في الشرق الاوسط على انه قضية ‏داخلية وان ما يقوم به شارون من اعمال عنف في المنطقة على انه لحماية امن اسرائيل ‏والقضاء على الارهاب الناجم عن العمليات الاستشهادية.

كما اعتبر ان السياسية الامريكية في الشرق الاوسط منحازة بالكامل للاسرائيليين ‏وبالتالي فان قيام الولايات المتحدة بدور الوسيط في الصراع العربي الاسرائيلي غير متوازن لان اللوبي الاسرائيلي هو الذي يدير الوساطة الامريكية.

وقال بن برادلي من ناحيته ان المجتمع الامريكي لا يعرف كثيرا عن التاريخ ‏الاسلامي والعربي حتى انه لا يعرف عن المنطقة العربية شيئا الا بعد الحرب ‏العالمية الثانية وتحديدا مع الاعلان عن قيام اسرائيل.

واضاف انه في الاونة الاخيرة بدأت تظهر امام الرأي العام الامريكي صور حرق علم بلادهم في الشارق العربي وهو ما يعزز شعورهم العدائي تجاه العرب والمسلمين.‏  ‏ وذكر ان العرب مطالبون اكثر من اي وقت مضى بالتوجه نحو الولايات المتحدة ‏للتفاعل مع الرأي العام فيها لكنه اشار الى ان هذا التوجه يجب ان لايركز على ‏اقناع الامريكيين بوجهة النظر العربية ولكن بشرح الموقف وتبيان وجهة النظر وتركهم ‏ يبنون قناعتهم لوحدهم.

واعتبر رئيس اللجنة المنظمة لمنتدى الاعلام العربي محمد القرقاوي ان القضية ‏المطروحة للنقاش هذه السنة بالغة الحساسية خصوصا بعد احداث 11 سبتمبر والحملات ‏الاعلامية التي شنها الاعلام الغربي ضد العرب وادت الى تشويه الصورة العربية لدى ‏الرأي العام العالمي.

ولفت القرقاوي الى ان التركيز خلال الدورة الحالية من المنتدى على استضافة ‏العديد من المتحدثين الاجانب ومن بينهم شخصيات معروفة بمواقفها العدائية للعرب ‏وبعضهم لدية مواقف نابعة من سوء تقدير لحقيقة القضايا والشؤون العربية سيجعل ‏النقاش واقعيا ودون مجاملات سياسية ودبلوماسية.

واوضحت المديرة التنفيذية لنادي دبي للصحافة منى المري ان العديد من الجهود ‏العربية بذلت في السابق من اجل تحسين الصورة العربية في الاعلام الغربي مشيرة الى ‏ان انعقاد منتدى الاعلام العربي هذه السنة سيشكل فرصة للاعلاميين العرب لطرح هذه ‏القضية على بساط البحث بكل ابعادها ومناقشة تداعيات الاحداث الاخيرة على صورة الاعلام العربي.

وقد شهد منتدى الاعلام العربي في جلسته الاولى ‏هجوما من مثقفين وسياسيين واعلاميين عرب واجانب على الكتابات والافكار التي ‏يطرحها الصحافي الأمريكي توماس فريدمان المعروف بانحيازه الكامل لاسرائيل.

واضطر فريدمان الى الانسحاب من القاعة التي تستضيف المنتدى بسبب مداخلة لأحد المشاركين السعوديين أشار فيها الى أن السعودية فتحت أبوابها أمام فريدمان ‏للاطلاع على وجهة نظر مفكريها وسياسييها بما يحدث في المنطقة لدرجة ان ولي العهد ‏السعودي الامير عبدالله بن عبدالعزيز أرسل طائرة خاصة لنقل فريدمان الى المملكة.

واحتد فريدمان على حديث المشارك السعودي وأوقفه عن الكلام بعد أن ألقى بسماعة الترجمة على الأرض مؤكدا أن زيارته السعودية كانت على نفقته الخاصة وكذلك الأمر بالنسبة لزيارته دبي.

وقال مخاطبا المشارك السعودي ان الحديث معه لا يرتقي الى مستوى استمراره.

وغاب فريدمان لعشر دقائق عن الجلسة، فيما أوضح الصحافي الفرنس ايرك رولو أن ‏ ‏زميله الامريكي لا يريد أن يستمع الى وجهة النظر الأوروبية أيضا الا أن فريدمان عاد وشارك في أعمال المنتدى بعد اقناعه بضرورة الاستمرار في الحوار.

وتركزت مداخلات الاماراتيين الذين شاركوا في الجلسة الاولى على مهاجمة الخطاب ‏الاعلامي الذي يروج له فريدمان واعتبر جميعهم رؤيته للصراع العربي الاسرائيلي ‏رؤية منحازة بالكامل للجانب الاسرائيلي.

وتباينت الرؤى الاوروبية والامريكية حول «الرؤى الاعلامية الغربية للعالم العربي.. ماذا تغير بعد احداث 11 سبتمبر.

وسجلت الجلسة الاولى التي أدارها الدكتور عبدالخالق عبدالله استاذ العلوم السياسية بجامعة الامارات بداية ساخنة جداً للمنتدى.

واكد د. عبدالخالق في بداية الجلسة على ضرورة استمرار المناقشات والحوارات لازالة سوء الفهم الناتج عن احداث سبتمبر تجاه العرب والمسلمين في الاعلام الغربي مشيراً الى ضرورة العمل على ترسيخ المفاهيم الصحيحة عن الاسلام والعرب في وسائل الاعلام الغربية.

من جانبه أكد توماس فريدمان في البداية ان اثارة ردود الفعل حول مقالاته هي دليل على نجاح تلك المقالات موضحاً ان على الكاتب ان ينظر الى ما لا يقال ثم يقوم بتحليله ودراسته واعطى مثالاً على ذلك عندما تولى كولون باول وهو ابن المؤسسة العسكرية الامريكية لمدة 35 سنة وزارة الخارجية وقبلها بفترة قليلة عمل في شركة امريكا «اون لاين.

واضاف قائلا كنت اتساءل عن موقفه في المنصب الجديد هل سيديره من خلال منظوره العسكري او من خلال تجربته في امريكا أون لاين.

فالأول مهمته الدفاع والتدمير والثاني يتصل بعالم التكنولوجيا وهذا السؤال كان الشغل الشاغل للرأي العام الامريكي، ايضا انا شخصيا من العالم الذي ينتمي الى تكنولوجيا المعلومات وما يفاجئني احياناً الانباء التي تنشر والصور التي تعرض على شاشات التلفزيون وغالبا ما تكون هذه الانباء في الامور التي لا يتم التحدث عنها وهو ما يبحث عنه الصحفي.

ويعطي فريدمان امثلة على ذلك اهمها القضية الفلسطينية وما يحدث في الاراضي العربية المحتلة فيمكن متابعة ما يحدث هناك على شاشة C.N.N لكن علينا ان ننظر الى ما وراء ذلك فعندما عبر الجيش المصري قناة السويس في 1973 ادخل شعوراً بالخطر لدى الجانبين الاسرائيلي والمصري منذ هذه اللحظة التي بدت مواتية لبداية الحوار الدبلوماسي.

ومن خلال العمليات العسكرية داخل الخط الاخضر هدد الفلسطينيون السلامة والامن اللذين كان ينعم بهما الاسرائيليون، ومن ثم جاءت العمليات الحالية ولذلك يشعر الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي بالخطر والتهديد وكلاهما لا يريد الاستمرار في هذه الدوامة من العنف.

ورأى فريدمان ان شارون وعرفات ليس لديهما خطة مستقبلية للحل واذا استمرا في هذه الاجراءات فسوف تزداد دوامة العنف الى ما لا نهاية.

من هنا لابد من فهم ما لا يقال من الجانبين وتجاهل ما يقال علناً.

اما ما حدث في 11 سبتمبر.. وتداعياته فقد بدا ان هناك توجهاً في الرأي العام الامريكي لفهم العرب والمسلمين وكانت اكثر الكتب رواجاً لدى «امازون دوت كوم» تتمحور حول العرب نحو 75% من مبيعاتها ويعطي هذا دليلاً على الترابط والالتقاء التكنولوجي بين الجانبين لكن لا نزال نجهل الامور الثقافية فقد تلاقينا تكنولوجيا اكثر من اي وقت مضى وتداخلنا كشرق وغرب وتعدينا بكثير الالتقاء الاجتماعي والسياسي.

ويشير فريدمان الى ما يحدث في الشارع العربي حالياً ويصفه بأنه «انتفاضات ليس لديها معنى سياسي».. فهناك حركة في الشارع العربي لكن دون استنتاج سياسي الذي يمكن التوصل من خلاله الى ما اذا كان يعني الاطاحة بأنظمة الحكم في الدول العربية او ان الحكومات لم تعد كفؤة لقيادة الشعوب؟! ولكن أؤكد ان ما يحدث في الشارع العربي لديه أهمية على السياسات في العالم، فالضحية الحقيقية ليست القادة وانما هؤلاء الأفراد والمجموعات التي باشرت بحديث مختلف حول طبيعة الصراع. لكن الحديث لا يقتصر على ذلك وانما يدور ايضاً حول الديمقراطية والعولمة والتربية والثقافة.

ولا يخفي فريدمان خوفه من تأثير «الانتفاضة» على الاشخاص وتفكيرهم وليس على القادة، وهذا ما ألمسه من خلال الرسائل التي تصلني عبر الانترنت من نساء مسلمات يعارضنني الرأي لكنهم يطالبونني بالاستمرار في الحديث عن الديمقراطية.

بن برادلي نائب رئيس تحرير صحيفة «الواشنطن بوست»

ما يحدث من احراق للعلم الامريكي يؤثر سلباً في الرأي العام الامريكي

وبدأ بن برادلي نائب رئيس تحرير صحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية بالتحذير من الإعلام الغربي، مشيراً الى ان هناك عدداً من الصحف الجيدة في الولايات المتحدة ولكنها ليست كثيرة كما ان هناك عدداً هائلاً من الصحف الامريكية معظمها سيئ..!! وينطبق هذا أيضاً على الوضع في العالم العربي.

ويوضح برادلي ان المعلومات عن العالم العربي لدى الرأي العام الأمريكي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية ومع نشوء دولة «اسرائيل» واستقلال دول أفريقيا الشمالية، مشيرا الى ان تمثيل العالم العربي في أمريكا كان ناقصاً بعض الشيء وكان هناك عدد من السفراء العرب في أمريكا يقيمون فقط حفلات ناجحة وتنشر أسماؤهم في الصفحات الاجتماعية! ولم يشاركوا بفعالية في النشاطات السياسية في الوقت الذي كانت اسرائيل ترسل فيه افضل الشخصيات لديها الى امريكا وكانوا يشاركون في كل الفعاليات.

وقال برادلي «اذا كان العرب مهتمون بالرأي العام الامريكي فلابد ان يحدث ذلك من خلال التلفزيون وقياس نبض ردات الفعل الامريكية ولكن للأسف ما يحدث من احراق للعلم الامريكي في الشارع العربي يؤثر سلباً في الرأي العام الامريكي.

واضاف ان اعتداء 11 سبتمبر غيرت كل شيء في الصحف الامريكية وكافة وسائل الاعلام وامتد التغير على الموقف العربي ازاء العالم العربي وهذا الوضع سوف يستمر.

ويوضح ان سمعة اسرائيل جيدة لدى الشعب الامريكي بسبب تسويق الاجراءات الاسرائيلية ضمن استراتيجية الدفاع عن الذات بدءأً من مجازر صبرا وشاتيلا ثم مخيم جنين وهذا يستهوي الرأي العام الأمريكي.

وقد انعكس ما حدث في سبتمبر على الادارة الامريكية وسبب لها صدمة قوية رغم ان هناك تناقضات وخلافات داخلها خاصة بين رامسفيلد وزير الدفاع وديك تشيني نائب الرئيس وكولن باول وزير الخارجية الذي حمل عبئاً ثقيلاً للغاية في زيارته الاخيرة للمنطقة اما بوش نفسه فهو يشبه والده كثيراً ويعتبر «الولد المدلل» الذي التحق بأفضل المدارس ولم يدرك الا بعد فترة زمنية طويلة ان البحرية مهمة في امريكا ومع ذلك فهو يركز حالياً على الشرق الاوسط ولكن لا اعتقد ان مستوى الكفاءة الحالي لدى الادارة الامريكية ليس كما كان في الماضي.

ويؤكد برادلي ان الرأي العام الامريكي متعطش للحصول على المعلومات عن العالم العربي وبالتالي لابد من اختيار أشخاص يمثلون العرب لدى الولايات المتحدة اكثر كفاءة.

اريك رولو: ان كل فرنسي من بين اثنين يرى ان الاسلام له علاقة بالارهاب

ويستعرض اريك رولو الكاتب الفرنسي المعروف في اللوموند والدبلوماسي السابق المراحل التي مر بها الرأي العام الفرنسي بعد 11 سبتمبر والمرحلة الاولى تمثلت في حالة الهلع والخوف وتعاطف الفرنسيون مع الامريكيين، اعتقدوا انهم سيلحقون بالركب في محاربة الارهاب بعد تهديدات ابن لادن ونشرت العديد من المقالات الغامضة حول الاصولية والاسلام عن جهل وبأفكار مسبقة حول المسلمين ولا اتذكر ان هناك تقريرا منشورا حول ادانة القيادات الرئيسية في العالم الاسلامي لأحداث سبتمبر وشبكة تنظيم القاعدة ونشرت مجلة اسبوعية على غلافها الخارجي تقريراً بكلمة واحدة وهي «الأصولية» ولم افاجئ عندما قرأت استطلاع رأي يكشف ان كل فرنسي من بين اثنين يرى ان الاسلام له علاقة بالارهاب وكانت هناك آراء عنصرية واستغلت اسرائيل ذلك وربطت بين ما يحدث من عمليات عسكرية وبين الارهاب وردد البعض ان الفلسطينيين ليس لديهم انسانية والامهات لا يبالين بمصير اولادهن.

اما المرحلة الثانية في الرأي العام الفرنسي فقد بدأت تتبلور بعد 4 شهور من احداث سبتمبر وسيطرت مفاهيم اكثر عقلانية للأحداث وادركت وسائل الاعلام ان بوش لا يهتم كثيراً بمشاركة اوروبية فعالة ضد الارهاب وانما دعم سياسي فقط واكتشفت وسائل الاعلام ان الحرب ضد الارهاب بالمفهوم الامريكي ربما يكون مصيرها الفشل لأن بوش يفكر فقط في محاربة الارهاب من خلال الوسائل الامنية وليس بتحليل جذور هذه الظاهرة وفهم دوافعها وابعادها.

وبدأ السؤال يطرح لدى الفرنسيين حول الاهداف الاستراتيجية الامريكية ضد الارهاب وماذا كان الغرض من تعزيز الوجود العسكري الامريكي في آسيا الى الدرجة التي وصف فيها فيدرين وزير الخارجية الفرنسي الاجراءات الامريكية بأنها «تبسيطية.

واستنكر رولو مخالفة امريكا وهي اكبر ديمقراطية في العالم للقانون الدولي واعلانها انها سوف تتدخل في شئون دولة ما وهذا شيء لا يمكن للاوروبيين تقبله خاصة بعد ان شاعت مفردات «دول الشر» وهي مفردات غير دبلوماسية ولم تستخدم منذ مئات السنين وهذه المفردات لا تنسجم مع الدبلوماسية الفرنسية لتقسيم العالم الى شر وخير.

وركز رولو على نقطة اخرى مهمة والمتعلقة بالادراك والفهم الامريكي للمقاومة الفلسطينية فالأمريكان ينظرون اليها على انها «ارهاب» ولا ادري لماذا؟! وعلى الرغم من ان الفرنسيين يرون حق اسرائيل في الوجود لكنهم ليسوا مع سياسة التوسع والاستيطان الاسرائيلي ولذلك ينظر الامريكان الينا على اننا ضد اسرائيل لاننا لا نوافق شارون على اغتصاب الاراضي الفلسطينية وادان الاعلام الفرنسي معظم سياسات شارون وفضح ممارسات الاجرامية في صبرا وشاتيلا وجنين ومعارضته لاوسلو الذي اعتبرها مأساة لاسرائيل.

وقال رولو نحن واعون في فرنسا بالواقع وجميع الممارسات الشارونية ليس لها هدف سوى تكريس الاحتلال وعدم اجراء مفاوضات مع اي شخص يمثل الشعب الفلسطيني والمراوغة والتلاعب الى حد وصفه من الرئيس الامريكي بأنه رجل سلام!!.

ويتساءل اريك رولو لماذا يختلف الفرنسيون مع امريكا؟ ويجيب: لدينا ثقافة سياسية مختلفة عن الامريكان خاصة تجاه الفلسطينيين فلنا تجربة مع المقاومة الجزائرية ركزت عليها وسائل الاعلام في الفترة الاخيرة، واكد الخبراء الفرنسيين اننا لم نفعل في الجزائر شيء يشبه ما فعلته اسرائيل في جنين لان ما حدث في هذا المخيم لم يسبق له مثيل.

كما ان الفرنسيين لديهم رؤية مختلفة عن دور الوسيط النزيه في عملية السلام ويتساءلون كيف يمكن لوسيط نزيه ان يرفض حق الفلسطينيين في العيش بدولة مستقلة ويدعم اسرائيل ضد شعب اعزل؟! اننا نصاب بالدهشة عندما نسمع من رئيس دولة عظمى ان المقاومة الفلسطينية بكافة اشكالها تعتبر «ارهاباً» ويقول ايضاً ان اسرائيل في حالة دفاع عن النفس دون ان يقر ان اسرائيل انتهكت جميع قرارات الامم المتحدة حتى الاخيرة منها وخالفت ايضاً اتفاقيات جنيف.

ويؤكد رولو اننا في وضع خطير جداً اذا استمرت الولايات المتحدة منحازة لاسرائيل وهذا يشكل خطراً على السلم في المنطقة ويضر بالمصالح الامريكية في المنطقة.

مارتن وولاكوت: تعطش بريطاني لفهم الاسلام

ويشير مارتن وولاكوت الكاتب الصحفي بصحيفة «الجارديان» البريطانية الى ان الشباب البريطاني بدأ في الاهتمام بعد سبتمبر بفهم ديانة الاسلام والعالم العربي فهناك حاجة كبيرة للمعلومات فهناك قراءات حالية عن الحركة الوهابية والثورة الايرانية من اجل فهم «العدو» ـ على حد وصف وولاكوت ـ والقضاء عليه..

ويؤكد ان المهم هو فهم طبيعة المشكلة التي نواجهها بشرط توافر المعلومات عن الاسلام والعرب فهناك نقص حاد واعتقد حصول لوبان على نسبة كبيرة من الاصوات جاء طبيعياً نتيجة تأثر بعض الفرنسيين بما حدث في سبتمبر والحملة ضد العرب والاسلام.

ويؤكد على ضرورة دراسة وفهم الماضي من كافة الاطراف والعودة الى اصل القضايا.

وتحدث خلال الجلسة الثالثة كل من فهمي هويدي والدكتور محمد المسفر حيث تعرضت الجلسة الأخيرة من جلسات اليوم الأول لمنتدى الإعلام العربي لموضوع الثوابت والمتغيرات في الوعي العربي تجاه الغرب.

فهمي هويدي: الغرب الذي نشتبك معه ونكاد نكرهه هو الغرب السياسي

من جانبه استهل فهمي هويدي محاضرته بطرح مجموعة من التساؤلات حول اسقاط الشرق من المعادلة العربية على الرغم من أهمية هذا الجزء من العالم والذي يضم دولاً مثل الهند والصين وروسيا كلها دول ذات ثقل نوعي مهم أما السؤال الثاني الذي طرحه المفكر العربي فكان حول عزوف الغرب أو فشله في فهم الحضارة العربية والإسلامية على الرغم من كل ما يتمتع به الغرب من امكانيات وتقدم علمي وحضاري؟؟!! أما السؤال الثالث فقد ركز على فكرة توحيد الغرب كوحدة واحدة حيث ألمح إلى خطأ العرب في النظر الى الغرب على انه وحدة واحدة، مشيراً الى ضرورة التفرقة بين الدول الغربية بعضها البعض وأيضاً التفرقة بين المجتمعات الغربية المختلة داخل الدولة الواحدة.

وأكد فهمي هويدي قناعته القائلة بأن الغرب الذي نشتبك معه ونكاد نكرهه هو الغرب السياسي، حيث نبغض القهر في الخطاب السياسي الغربي الساعي إلى فرض الهيمنة الغربية، وقال اننا نحترم الغرب ونقدر التقدم الكبير الذي حققه على شتى الأصعدة إلا اننا نرفض أن نكون نسخة منه، ففي الوقت الذي يرى فيه الغرب ذاته على انه أفضل ما في العالم لا تبرأ ساحته من العديد من الرذائل والسلبيات الخطيرة.

أما النقطة الرابعة التي تطرق إليها فكانت المحددات التي تحكم علاقة العرب بالغرب والتي تعتمد في الأساس على عنصرين رئيسيين هما (1) المرجعية الثقافية (2) الخبرة السياسية، فبالنسبة للمرجعية الثقافية قال هويدي ان الحضارة الإسلامية تمثل جزءاً لا يتجزأ من الوعاء الثقافي العربي مشيراً إلى ان تقسيم العالم الى عالم حرب وعالم سلام أو إسلام لا يرجع الى أصول الثوابت الاسلامية انما يرجع الى اجتهادات مختلفة جاءت في ظل ظروف تاريخية محددة.

وقال ان تقسيم العالم الى دار سلم ودار حرب ممكن مع الحالة الفلسطينية، حيث يمكن للفلسطينيين اعتبار الولايات المتحدة دار حرب لمساندتها اسرائيل في طغيانها وظلمها ضد الشعب الفلسطيني.

وأكد هويدي قناعته بعدم وجود مشكلة ثقافية بين العرب والغرب وقال موضحاً: ان المؤرخين المسلمين على سبيل المثال لم يتحدثوا أبداً عن حروب صليبية ولكنهم أشاروا الى هذه الحروب في كتاباتهم على أنها حروب مع الفرنجة، وأضاف هويدي بأن المسلمين والعرب لا يرفضون الآخر على أساس عقائدي ولا حضاري، فنحن نحترم الآخرين ودياناتهم وعقائدهم.

أما على صعيد الخبرة السياسية التاريخية، قال الأستاذ فهمي هويدي ان الموقف السياسي الغربي محير ومثير للدهشة في عدم فهمه لحقيقة الاسلام والمسلمين في حين يشير التاريخ الى علاقة الغرب بالعرب والتي لم تخرج عن نطاق رفض الغرب للعرب ومعاداتهم بل وصلت الى حد استغلال الغرب للعرب من خلال فرض سيادته الاستعمارية عليهم، حيث كانت دائما العلاقة بين العرب والغرب علاقة المقهور والقاهر.

وأبرز هويدي تاريخ الغرب في استعمار العالم العربي واحتلاله وتقسيمه، حيث ظهرت قضية فلسطين كمعيار فاصل في العلاقة العربية الغربية مع زرع الغرب لإسرائيل في جسم العالم العربي في الوقت الذي جاءت محاولات أخرى للنيل من الإسلام عندما حاول الغرب تجريح الإسلام ووصف المسلمين بأنهم لا يحترمون الحياة الإنسانية في إشارة إلى العمليات الاستشهادية الفلسطينية.

وقال هويدي ان المتتبع لتاريخ القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني ضد المحتل الاسرائيلي يجد ان النضال لم يبدأ بالهجمات الاستشهادية ولكنه بدأ من خلال فترات كثيرة كان أبرزها انتفاضة الحجارة في عام 1987 والتي لم تعرف أي محاولات استشهادية آنذاك، مشيراً الى ان استمرار عمليات القهر والذل كان سبباً في الوصول الى تلك العمليات كملاذ أخير خاصة مع وصف الرئيس الأمريكي لشارون بأنه رجل سلام.

وأعرب عن اعتقاده في ارتكاب الاعلام الغربي لجريمة تاريخية يحاسب عليها على المستوى الأخلاقي والانساني والتاريخي عندما دافع عن المجازر التي ارتكبها اليهود ضد الفلسطينيين، حيث وجه التحية لكل الكتاب الغربيين الشرفاء الذين حاولوا إبراز ولو جزء صغير من الحقيقة على أرض الواقع، مشدداً على ان الاعلام الغربي لعب دوراً خطيراً في افساد العلاقة بين المسلمين والغرب.

وطرح فهمي هويدي رؤيته لحل هذا الموقف المعقد في مواجهة الغرب المنحاز وقال ان المسلمين مطالبون حالياِ بخوض معركتين احداهما داخلية للدفاع عن الديمقراطية والأخرى خارجية للدفاع عن حقوق الأمة ومصالحها، مشيراً إلى ان الدفاع عن الديمقراطية الداخلية هو الوسيلة الوحيدة الكفيلة بمواجهة الصلف الغربي، حيث لابد وأن يستقوي العالم الاسلامي بمؤسساته وديمقراطياته وطالب بضرورة توفير قدر من العافية لبنياننا السياسي والاجتماعي مع التركيز على عنصر الديمقراطية لتحقيق الآمال التي نطمح إليها وكسب المعركة ضد الصهيونية.

وفي كلمته قال الدكتور محمد المسفر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر ان التاريخ المشترك لكلا العالمين العربي والغربي قد شهد صراعات وحروباً كما شهد تعاونا وتبادلا حضاريا، ولكن هذه العلاقة المضطربة حيناً والراسخة حيناً آخر تركت بصماتها على الوعي العربي، فنتج عن ذلك ما يمكن أن نسميه الثوابت في الوعي العربي وتقابلها مجموعة من المتغيرات التي قد تفتح تارة آفاق الحوار وتغلقها تارة أخرى، وقد ترسخ علاقتنا بالغرب أو قد تؤدي الى اضطرابها تماماً كما هي الحال اليوم في موقف الغرب منا ومن اسرائيل؟ ما هي الثوابت يا ترى في وعينا العربي ازاء الغرب؟ ربما تكون أفضل وأبسط السبل للاجابة عن السؤال هو في تأطيرها ضمن تحقيب تاريخي أبرز صيغاً معينة من التعامل بيننا وبين الغرب دون غيرها.. والصيغ التالية كأطر للتعامل هي التي وعيناها كعرب في علاقتنا مع الغرب وهي ثلاثة وهي اسلام عرب، شرق وغرب، شمال وجنوب.

وأشار الى أولى الثوابت التي تبرز على مستوى ديني من ناحيتنا وجغرافي من ناحية الغرب وفي هذا التقسيم الذي أرادوه معنى وشركا في آن وقعنا فيه ورددناه وهو مقابلة الإسلام كدين بالغرب كجغرافية. وفي داخل هذا التأطير تبدو مجموعة من المدخلات المتناقضة، فالغرب متمسك بحضارته اليهودية المسيحية ينظر لنا بريبة وحذر شديدين على اعتبار كوننا كيانا دينياً في عالم علماني.. وبسبب من هذه النظرات السياسية وليست الدينية مازالت كل محاولات الحوار الاسلامي المسيحي تمر بعثرات مقلقة، إلى درجة تبدو في بعض الأحيان ميئوس منها وهو ما حدث منذ شهر في مصر عندما صرح الأستاذ المستشار طارق البشري بأن جولات الحوار الاسلامي المسيحي وصلت تقريباً الى طريق مسدود، ما الذي يجعل رجلاً معتدلاً ومفكراً عربياً إسلامياً يحاور المسيحيين منذ عدة عقود مثل البشري يصل الى هذه النتيجة المقلقة؟ هل هي المفاهيم العقيدية الدينية التي تتضارب؟ بالقطع لا، لأن الحوار بين الديانتين ليس جديداً والاسلام يعترف بالمسيحية، والديانتين بل الديانات السماوية الثلاث ديانات ابراهيمية، وهو ما يرفضه الغرب اليوم الذي لا يريد أن يدخل الثقافة الاسلامية كمكون من مكونات الهوية الغربية اليوم على الرغم من وجود ملايين من السكان المسلمين في شتى بقاع العالم الغربي. ومثال ذلك يبدو واضحاً أكثر من أي مكان في فرنسا التي تطالب كل حكوماتها أن يكون الاسلام علمانياً بينما تقبل اليهودية على علاتها.. وما تقبله من الديانة اليهودية المسيحية ترفضه من الديانة الاسلامية، ويبقى تعاملها مع الاسلام من باب الأمن أكثر منه من باب العقائد أو السياسة وهو ما يعقد الأمر أكثر مما يفتح آفاق الحل والتفاهم وسيادة لغة السلام الاجتماعي والحضاري كما فعل أسلافنا وأسلافهم في العصور الماضية.

وفي تقسيمهم للعالم أصر فلاسفة الغرب على اشاعة تقسيم جغرافي ارادوه حضارياً فالشرق قد أصبغ عليه الغرب دونية حضارية في القرون الأربعة الأخيرة اتخذت أشكالاً عديدة: عرقية ودينية وثقافية، ومن هنا أطلق الشاعر كيلنج مقولته الاستشراقية المشهورة «الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا» في حين ان الوعي العربي يحركه البعد الديني الذي يقول نصه القرآني الكريم: (وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) فالتعارف والتعاون والمساواة ما بين البشر كانت رسالة الاسلام، ولا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى، والناس سواسية .. ولا اعتراف بتقسيم جغرافي للبشرية لأن الأرض أرض الله، وهكذا انتجت المفاهيم الغربية المتضاربة والعنصرية استشراقاً قام بتشويه كبير للشرق ولحضارته، فالفيلسوف هيجل يعتبر ان مسيرة العقل تبدأ بالشرق، ولكنها تتطور وتكتمل في الغرب وبالتالي فإن الغرب هو العقلانية والحضارة وكل ما حدث قبله ما هو الا بداية وطفولة العقل البشري، صار الشرق تخلفاً والغرب تقدماً فقبلت المفاهيم الاستعمارية على أساس كونها حقبة لادخال الشعوب الأخرى في الحضارة الغربية حتى لو كان ذلك على حساب الابادة كما حدث للهنود الحمر في أمريكا والسود في جنوب افريقيا والفلسطينيين في فلسطين.

ويلتقط الوعي العربي ثابتاً آخر من ثوابت النظرة الغربية للعرب وهي معضلة العلاقة بين الشمال والجنوب، الشمال المترف الغني الحضاري العقلاني والجنوب الفقير الجاهل منزوع الارادة .. وكل ما يجري اليوم هو العمل على زيادة وتيرة المساعدة التي يقدمها الشمال للجنوب، ومن ضمن هذا الجنوب بطبيعة الحال الدول العربية .. ومن جديد العلاقة متوترة لأنها مقلوبة تماماً فلا يريد الجنوب صدقات من الشمال ولكنه يريد أن يحافظ على ثرواته التي نهبها الشمال، ولدينا مثال عصري مهم وهو التعامل مع العراق وفق صيغة النفط مقابل الغذاء، فالغرب وبالتالي الشمال يعرضها على أساس كونها صيغة انسانية لمساعدة الشعب العراقي على الحياة، ومع الأسف زيفوا وعينا وبات اعلامنا يكرر هذا الكلام، والحقيقة ان الشمال لا يسمح للعراق بالتمتع بثرواته النفطية لكي يصرف منها على شعبه، والشمال يفرض حصاراً جائراً يقتل فيه الاطفال والشيوخ ويتحدث عن صدقة النفط مقابل الغذاء، وكأنها من ثرواته هو في حين يجبر العراق على القبول بصيغة تنتقص من سيادته وتصادر جزءاً مهماً من ثروته، وهذا عهدنا بالغرب الذي يقلب الحقائق ويزيفها لصالحه دائماً، فكيف يمكن تفسير وعد بلفور ومنح بريطانيا أرض فلسطين لليهود الا من باب التبرع بما لا يملك؟ ان علاقة الشمال بالجنوب ينبغي أن تنطلق من القبول بسيادة الشعوب على ثرواتها الوطنية وحرية تسعيرها لموادها الخام بأسعار تلائم وتنسجم مع أسعار السوق دون تدخل أو اجبار.. وفي هذه الحالة تعود ثروات الجنوب لشعوبه ولا حاجة لمساعدات الشمال.

ويؤكد المسفر ان قضيتنا الأساس هي الوعي المزيف الذي فرضه الاعلام الغربي علينا .. تلك هي بعض الثوابت التي رسخت على مدى القرون الأربعة الماضية في ذهنية العرب كوعي مدرك للعلاقة مع الغرب .. فما هي المتغيرات؟ أحسب ان المتغيرات هي مجموعة الاحداث التي تجرى ونلتقط بعضها من التاريخ والحاضر فعلى سبيل المثال عندما استنجد فرانسوا الاول بسليمان القانوني لنصرته ضد امبراطورية النمسا وقام المسلمون بالفعل بتوجيه جيوشهم الى بودابست شمالا والبحر المتوسط جنوباً لحماية فرنسا كان المسلمون في نظر الكاثوليكية الفرنسية المنقذين والحضاريين وملوك العصر وهم الذين بنوا فرنسا القومية كما اعترف فيليب الثاني، وعندما تردت احوال الامبراطورية في آخر عهدها قام الفرنسيون بزرع الفتنة فيما بين شعوب الامبراطورية الاسلامية وكانوا أول من نظم مؤتمر الاقليات ضد السلطان عبدالحميد الذي نعتوه بالسلطان الأحمر في باريس عام 1902، وفي هذه العاصمة نظموا مؤتمراً آخر للمعارضين العلمانيين الأتراك عام 1907 وقامت بعد ذلك الماسونية الفرنسية بالتعاون مع يهود الدونمة بانقلاب على السلطان عبدالحميد عام 1908 سمي بالانقلاب الدستوري وعزلته، وفي هذه الفترة اتبع حزب الاتحاد والترقي الذي تولى السلطة بمباركة غربية سياسة تتريك العرب فاحتضن الغرب بأكمله العرب وبدأت المؤلفات عن كرم العرب وشجاعتهم وقوتهم وضرورة وحدتهم ونظمت فرنسا أول مؤتر عربي في باريس عام 1913 للعمل على الانفصال عن الامبراطورية العثمانية.

وهكذا فإن بريطانيا لم تكن لوحدها من اتبع سياسة فرق تسد ولكن فرنسا بل والغرب كله ساروا على الطريق ذاته .. وما ان ثار العرب على الأتراك ونكث البريطانيون بوعودهم في وحدة العرب، ومنح بلفور ما لا يملك لليهود حتى بدأت مرحلة جديدة بعد ان تولى كمال اتاتورك الغاء الخلافة الاسلامية واقامة جمهورية علمانية، اصبح الترك في نظر الغرب حضاريين لأنهم تركوا الاسلام والتزموا بالعلمانية، والعرب متخلفون، ولكن حظ الاتراك ليس بأفضل من حظ العرب فعلى الرغم من انهم أول الدول الأطلسية ومن أوائل من دخل الى السوق الأوروبية المشتركة ولكن لأنهم مسلمون بالاسم فقط وينتمون الى العالم الاسلامي فهم آخر المقبولين في الاتحاد الأوروبي الذي وصفه أحد القادة بأنه اتحاد المسيحيين الأوروبيين.

وما رأيناه من تحالفات ما بين بعض الدول العربية والدول الغربية واعتبارهم حلفاء لهم مكانتهم ايام ثنائية القطبية ومحاربة الاتحاد السوفييتي لم يكن سوى مرحلة استغل فيها الغرب العرب لمصالحه .. فقد انتهى هذا التحالف، وفضل الغرب التصرف ككتلة دينية تنتمي الى الحضارة اليهودية المسيحية بدلاً من التصرف على أساس الكتلة الحضارية التي تأخذ باعتبارها موازين القوى وقوة الحق لا حق القوة .. لقد اخضع الغرب وفي الحالة الفلسطينية والعراقية أمام أنظار الجميع، كل المتغيرات في علاقاته مع العرب الى الثوابت الراسخة في ذهنه وطبيعتها العنصرية، فليست هي لغة المصالح التي يحدثنا عنها بعض المثقفين العرب الذين قبلوا بتزييف وعيهم فلو كانت كذلك لانحاز الغرب بأكمله إلى المصالح التي هي أكبر وأضمن مع العرب بدلاً من تمويل اسرائيل وضمان أمنها واستقرارها ولو على حساب المصالح مع العرب.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا