تشهد الدنمارك تغييرات اجتماعية وسياسية
وقانونية جذرية منذ مجيء اليمين الدنماركي بزعامة حزب اليسار (حزب يميني
متطرف اسمه فنستري وتعني يسار)، الي سدة الحكم قبل نحو شهرين من الآن. فقد
اعلن رئيس حزب فنستري، اندرش فوغه راسموسن منذ انطلاقة الحملة الانتخابية
الاستثنائية التي اطلقها الحزب الاشتراكي مباشرة بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر)
2001 ولكنه خسرها لمصلحة اليمين، انه وحزبه سيتبعان سياسة لجوء قاسية للتخفيف
من هجرة الاجانب الي الدنمارك. من الاشياء الاساسية التي يعمل راسموسن
واليمين علي تطبيقها جعل الزواج المبكر شبه مستحيل للشباب دون الـ24 لتخفيف
ما سموه بالزواج المصدر أي الشباب الذين ينتقلون الي الدنمارك عبر الزواج من
شخص يعيش في الدنمارك ويحمل اقامتها او جنسيتها. ولن يكتفي اليمين بهذا
التشدد في امور الزواج المبكر، اذ ان اقتراحه الي البرلمان الدنماركي يتضمن
مطالب اخري، اضافة الي ان أي شخص يريد الزواج من شخص آخر يعيش في الدنمارك
يجب ان يكون قد تجاوز سن الـ24، وان يكون له اقارب يقيمون في الدنمارك وأن
يملك المال، ما يمكنه من العيش في الدنمارك من دون الحاجة الي اعانات الدولة.
اقتراح اليمين هذا فاجأ الكثيرين ولكنه كان متوقعاً خصوصاً ان حزبي (اليسار)
اليميني و(حزب الشعب) المتطرف جاءا الي السلطة بمساعدة رياح العداء للاجانب
وبالاخص بعد احداث 11 ايلول. فحملة اليمين المتطرف منذ ان انطلقت اتسمت
بالعنصرية وأحد اوجهها كان طبع منشوارت وصور معادية للاجانب. وفي احدي
مطبوعات الحزب صورة شاب اجنبي صغير متهم بالاعتداء الجنسي كتب تحتها انه وقت
التغيير ويتبعه امضاء رئيس الحزب اندرش فوغه راسموسن الذي اصبح الآن رئيساً
لوزراء الدنمارك. اثار وقتها الاعلان الانتخابي ضجة سياسية في الدول المجاورة
للدنمارك مثل السويد، اذ قال المتحدث الاعلامي في الحزب الاشتراكي
الديموقراطي السويدي توني اريكسون ان الاعلان يذكرنا بالحملات النازية
المعادية للأجانب وبطرق يورغ هايدر في النمسا في كسب اصوات انتخابية .
ولكن حزب اليسار المعادي للاجانب لم يكن وحيداً في محاولة كسب اصوات انتخابية
من خلال حملات معادية للاجانب، اذ اتهمت كتلة اليمين التي طالبت طويلاً بالحد
من استقبال لاجئين في الدنمارك الا لأسباب مقنعة للغاية، الحزب الاشتراكي
الذي من المفترض ان يكون متسامحاً مع الاجانب لكثرة عددهم فيه، بأنه يستخدم
شعاراته من اجل كسب المعركة الانتخابية. فالحزب الاشتراكي اعلن اخيراً انه مع
تغيير قوانين الهجرة واللجوء من اجل ان تصبح اكثر صرامة. اما حزب الشعب
الدنماركي فاختار خطاً اكثر تطرفاً من غيره تجاه الاجانب، اذ كتب علي
منشوراته الانتخابية التي اوصلته الي السطلة ان أي صوت يعطي للراديكاليين هو
صوت يكسبه المسلمون والشيوعيون والنازيون .
انطلقت اصوات احتجاج كثيرة من هنا وهناك في اثناء تلك الحملة الانتخابية التي
خسرها الاشتراكي لمصلحة اليمين، ولكن فيما يتعلق بتطبيق وعود اليمين التي بدأ
يقدمها الي البرلمان ليوافق عليها لم ترتفع اصوات احتجاج رسمية كثيرة الا قبل
اسبوع تقريباً عندما تبين ان اقتراح الحد من الزواج المصدر يشمل ايضاً سكان
الدول الاسكندينافية المجاورة للدنمارك مثل السويد والنروج وفنلندا.
وصرحت وزيرة الاندماج السويدي مني سالين حول اقتراح الحد من الزواج بالقول:
عندما سمعت بالخبر اعتقدت انه ليس صحيحاً واستغربت مضمون الاقتراح الذي قدمه
اليمين الي البرلمان. ولكن اطلعت اخيراً علي مضمون الاقتراح الرسمي واكتشفت
انه جدي وان وزير الاندماج الدنماركي برتل هاردر يقف وراء هذا الاقتراح وأعلن
دعمه الكامل له في كلمة ألقاها امام البرلمان في كوبنهاغن لمست منها ان
اقتراحه سيشمل حتي شبان السويد او المقيمين في السويد . وشرحت سالين انه في
حال اصر نظيرها الدنماركي علي قراره فستناقش الموضوع معه في اول لقاء يجتمعان
به من اجل اقناعه في التراجع عن اقتراحه.
تنطلق وزيرة الاندماج السويدي في نقدها للحكومة الدنماركية من القانون
السويدي الذي يسمح للمواطن الدنماركي بأن يتزوج مواطناً سويدياً ويحصل مباشرة
علي الاقامة في السويد ويمكنهما ان يعيشا فيها ويعملا بغض النظر عن العمر ومن
دون اخذ اعتبار للثروة المالية. ولكن الحكومة الدنماركية التي يضغط عليها حزب
الشعب (حزب يميني متطرف) من اجل مناقشة اقتراح الحد من الزواج المصدر لن
يمكنها ان تتراجع عن هذا الاقتراح خصوصاً انها وصلت الحكم بمساعدة اصوات
اليمين الذي يطالب بتخفيف الهجرة الي الدنمارك.
وتقصد الحكومة الدنماركية في اقتراحها الفتيات من اصل صومالي وتركي وباكستاني
وعربي، اللواتي يسافرن الي بلادهن حيث يتزوجن باكراً ويجلبن ازواجهن معهن الي
الدنمارك من اجل بناء حياة جديدة في تلك الدولة الجديدة.
ولكن اقتراح الحكومة الدنماركية لن تصادق عليه من دون صعوبات تذكر، اذ ان
هناك عقبات كثيرة ستواجه الاقتراح قبل ان يصل الي قاعة البرلمان. فالاقتراح
يتعارض مع قوانين اساسية في الدنمارك، والقانون الاساسي يحتاج اليه حتي يتم
تغييره. منها قانون عدم تجريد او حرمان أي انسان مقيم في الدنمارك من حقوقه
المدنية او السياسية بسبب خلفيته او ديانته او ثقافته. لذا لن تتمكن الحكومة
بهذه السهولة من تجريد مواطن سويدي او عراقي او صومالي أو منعه من الزواج من
فتاة تعيش خارج الدنمارك لان القانون الذي يشمل الدنماركي يشمله هو ايضاً وفي
حال اصرت الحكومة علي المضي قدماً في قرارها وجب عليها ان تغير قوانين اساسية
مثل تلك التي تتعلق بحقوق الانسان.
يرجح بعض المحللين الاجتماعيين في الدنمارك ان الحكومة تحاول ان تتسلل من
وراء الكواليس من اجل خلق قانونين: الأول يتعلق بالدنماركيين والثاني
بالاجانب المقيمين في الدنمارك ولكن يستبعد هؤلاء ان تنجح الحكومة في ذلك
خصوصاً ان الدنمارك تعد من الدول التي تتسابق للظهور امام الرأي العام
العالمي علي انها دولة ديموقراطية تحترم حقوق الانسان ولا تميز بين فرد وآخر.
عن صحيفة الحياة |