محمد محفوظ لصحيفة ( الوطن ) التجديد في الفكر الإسلامي لا يعني التكييف التعسفي بين وقائع العصر والنصوص الشرعية |
قال الكاتب السعودي المتخصص في الفكر الإسلامي محمد محفوظ إن الفكر الإسلامي يعني الثوابت الإسلامية في مستويات الحياة المختلفة، كما يعني الإنتاج الفكري والعلمي الثقافي الذي ينتجه الفقهاء والمفكرون والمثقفون، كما أوضح أن التجديد في الفكر الإسلامي لا يعني التكييف التعسفي بين وقائع العصر والنصوص الشرعية، وأكد أنه لا بد أن تخضع عملية التجديد لمعادلة متوازنة وواعية بين التاريخ والغيب تتواصل بشكل علمي مع النص لاستنطاقه والبحث في آفاقه وأحكامه ضمن الضوابط الشرعية لهذه العملية. * نود أن تحدثنا عن المقصود بمصطلح (الفكر الإسلامي)؟ ثمة فضاء فكري ومعرفي، لتحديد مفهوم الفكر الإسلامي. وهذا الفضاء هو تجربة المسلمين وعطاءاتهم الفكرية والحضارية.. بمعنى مستوى تفاعل الإنسان المسلم مع النص والواقع في آن. وعليه يكون المقصود بمصطلح الفكر الإسلامي هو الآتي: 1- الثوابت الإسلامية في مستويات الحياة المختلفة، بما تشكل من مرجعية عليا لملاحظة المتغيرات ومواكبتها فكرياً ومعرفياً. 2- الإنتاج الفكري والعلمي الثقافي، الذي ينتجه الفقهاء والمفكرون والمثقفون الإسلاميون، والذين يعتمدون في إنتاجهم واجتهاداتهم على فهم النصوص الإسلامية وفق الرؤية المحددة في الاجتهاد وضوابطه، وعلى فهمهم للواقع والعصر ومتطلباته واحتياجاته. وبهذا يكون مصطلح الفكر الإسلامي، يعني: تلك المنظومة المفاهيمية والفكرية والعلمية والثقافية والفلسفية والحضارية، التي ينتجها الفقيه/المفكر/الفيلسوف/المثقف اعتماداً على فهم النص وفق الضوابط الشرعية، وفهم الواقع ببصيرة رسالية وقرآنية. * ما مفهومكم للتجديد في الفكر الإسلامي؟ وما المنهج الذي تقترحونه؟ التجديد الذي نقصده، لا يقع خارج الأدلة الشرعية والمقاصد الكبرى، وإنما هو من داخل هذه الأدلة والمقاصد. كما أن التجديد لا يعني التكييف التعسفي بين وقائع العصر والنصوص الشرعية، وذلك لأن عملية التكيف التعسفي، لا تفضي إلى تجديد علمي وثقافي ومجتمعي، وإنما تؤدي إلى بتر المسلمات العصرية والفكرية عن وقائع الراهن. وبالتالي فإن عملية التجديد من الضروري، أن تخضع لمعادلة متوازنة وواعية بين التاريخ والغيب. إذ إن للنص دوره ووظيفته وتجلياته العليا والكبرى، كما أن للتاريخ الإنساني موقعيته في عملية التجديد. لذلك فإننا نعتقد أن التطور القانوني والفقهي في الدائرة الإسلامية كان نتيجة ثراء النص والمتغيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية والحضارية، وما استحدثته هذه المتغيرات من وسائل وإمكانات لفهم ووعي الأسس والمرتكزات التي تستند عليها عملية التجديد في التجربة الإسلامية. فعملية التجديد مفتوحة على الواقع بكل إمكاناته وتفاصيله ومحطاته، كما أنها في ذات الوقت تتواصل بشكل علمي مع النص لاستنطاقه والبحث في آفاقه وأحكامه ضمن الضوابط الشرعية لهذه العملية. وإننا نرى أن التجديد من خارج هذه الدائرة، يؤدي إلى الكثير من التداعيات والآثار السلبية الخطيرة. وفي ذات الوقت يمنعنا من الاستفادة من الثروة المعرفية والعلمية والقانونية التي توفرها النصوص الثابتة في الشريعة، والتي هي تتجاوز حدود الزمان والمكان. وعليه فإن مهمة المجتهد لا المجدد، هي: فهم النص بلحاظ الزمان والمكان ومتغيراتهما، دون حبس النص في هذه الظرفية التاريخية. والجمود الذي يلف حياتنا ويكتنف حقول دنيانا، ليس من جراء قصور النصوص من استيعاب متغيرات الحياة كما يتوهم البعض، وإنما هو جراء عدم خلق علاقة سليمة مع النصوص. لأن هذه النصوص تتضمن قواعد وكليات قادرة على الإجابة على كل الأسئلة والمتغيرات. لذلك فإن استنطاق النصوص والقواعد الكلية للشريعة، كفيل بتزويدنا بالبصائر التي نحتاج إليها في حياتنا المعاصرة. ولا ريب أن البحث عن التجديد وأشكال الاجتهاد المختلفة من خارج النص والسياق الحضاري للأمة، يقبر ويقتل جوهر عملية الاجتهاد والتجديد.. لهذا نستطيع القول: إن التجديد استناداً على النص وبالتقنية الاجتهادية المشروعة، يفتح الكثير من الآفاق، بحيث لا تبقى واقعة بعيدة عن النظام الفكري والاجتهادي العام. *كيف تنظرون للمثقف؟ وهل يحق له أن يقحم نفسه في قضايا التجديد التي هي محل حديثنا، أم إن ذلك حكراً على طبقة الفقهاء؟ التجديد الاجتماعي والثقافي والحضاري، ليس مسؤولية فئة أو شريحة اجتماعية معينة فقط. وإنما هو مسؤولية الجميع. إذ إن التجديد الشامل في الأمة، يتطلب مشاركة جميع الفئات والشرائح في عملية التجديد. فكل إنسان من موقعه، ومن النقاط التي يحسنها ويبدع فيها، يمارس دوره في إنهاض الأمة وتجديد حياتها وأحوالها. فلا يمكن على سبيل المثال أن يتم التجديد العلمي والجامعي بدون مشاركة فعالة من أقطاب وأساتذة المعاهد العلمية والمؤسسات الأكاديمية. لذلك لعل من الخطأ حصر عملية التجديد في فئة واحدة أو حقل إنساني واحد. وإنما هي عملية شاملة وتتطلب مشاركة جميع الشرائح والفئات. ولا ريب أن الذي يقود هذه القافلة هم الفقهاء الذين يحملوا على عاتقهم همّ الإسلام ومشروعه المعاصر. والمثقف الملتزم والعارف بشؤون دينه والبصير بحقائق الشرع، هو جزء من هذه القافلة التي ينبغي أن تشارك (كل من موقعه وخندقه) في عملية التجديد والتطوير الحضاري. وفي هذا الإطار لا نبالغ حين نقول: إن تجديد حياتنا الإسلامية في مختلف الحقول والمستويات، هو عملية شاملة، وتحتاج إلى كل الإمكانات والطاقات والكفاءات، وكل طرف أو شريحة أو فئة لها دورها ووظيفتها في إزالة ركام التخلف من الأمة، ودفعها باتجاه اجتراح تجربتها في التجديد والتطور والتقدم. ونظرتنا إلى المثقف تأتي في هذا السياق. بمعنى أنه جزء أصيل من الأمة، وينبغي أن يمارس دوره في عملية التجديد والتقدم. وهنا من الأهمية أن نؤكد على العناصر التالية: - ضرورة أن يعتني المثقف ببنائه الفكري المتكامل، الذي يتواصل مع ثوابت الأمة ومنجزات الحضارة الحديثة. - ضرورة أن يتوجه المثقف في إنتاجه وعطائه الثقافي والمعرفي، إلى القضايا الجوهرية والحيوية التي تحتاجها الأمة ومسيرة الإسلام المعاصرة. - أن يعيد المثقف ترتيب علاقته مع أفكاره وتصوراته، وذلك من أجل ردم الفجوة بين واقعه والأفكار والتصورات التي يحملها ويؤمن بها. وأيضاً من أجل ضمان فعالية المثقف على المستويين الثقافي والاجتماعي. - إن التمكن من الفضاء الاجتماعي، يتطلب فعالية وحضوراً إيجابياً ومتميزاً من قبل المثقف.. فلا يكفي أن يحمل المثقف تصورات ونظريات متميزة، وإنما هو دائماً بحاجة إلى إسناد هذه التصورات والنظريات بممارسة إيجابية، يتجاوز من خلالها لحل عوامل العزلة والانكفاء، وينجز حضوراً ينسجم وأفكاره وطموحاته في الإصلاح والتغيير. إضاءة * أصدر عدداً من المؤلفات القيمة، ومنها: (الأهل والدولة: بيان من أجل السلم المجتمعي)، (الفكر الإسلامي المعاصر ورهانات المستقبل)، (الحضور والمثاقفة: المثقف العربي وتحدّيات العولمة)، (الأمة والدولة: من القطيعة إلى المصالحة لبناء المستقبل)، وسيصدر له قريباً كتاب حول موضوع (الإسلام والديمقراطية). *إضافة لكتاباته المختلفة في الصحف والمجلات- هو مدير تحرير مجلة (الكلمة) الصادرة في بيروت، وهي مجلة تعنى بشؤون الفكر الإسلامي وقضايا العصر والتجدد الحضاري. عن صحيفة الوطن السعودية أجرى اللقاء: حسن آل حمادة |