صحفي أمريكي ما سر هذا الغضب الإسلامي الكبير؟

تشير آخر إحصائيات ضحايا العنف في الهند، بين الهندوس والمسلمين، الى مقتل 544 شخصا، العديد منهم مسلمون. وهنا أتساءل: لماذا تخرج وسائل الإعلام العربية بعناوين خجولة عندما يقتل الهندوس مئات المسلمين، بينما تشعل الدنيا غضبا عندما تقتل اسرائيل عشرات المسلمين، في حرب يقتل المسلمون خلالها يهوداً أيضا؟

أطرح هذا، ليس من اجل توجيه نقد صحافي أهوج، أو من أجل اثارة نقد عربي ما، بل هي مسألة جادة.

فخلال الأسابيع الأخيرة، كنت كلما أخبرني عربي مسلم بأنه يتألم لمشاهدة الفلسطينيين وهم يتعرضون للتعذيب على أيدي الإسرائيليين عبر شاشات التلفزيون، مساء كل ليلة، أرد عليه بالسؤال: لماذا تشعر بألم شديد مما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين، ولا تقول كلمة بشأن ما ألحقه صدام حسين بأجيال من العراقيين، مستخدما وسائل القتل والترهيب والغاز السام؟ ولا اتلقى ردا.

ولأن الرد الحقيقي له علاقة بشيء ما عميق الجذور، فان له أيضا علاقة بالتباين بين النظرة الخاصة للاسلام، باعتباره أهم وأكمل الديانات السماوية الثلاث ـ اليهودية والمسيحية والإسلام ـ وظروف الفقر والتعسف والتخلف التنموي التي يعيش تحت ظلها معظم المسلمين في عالم اليوم.

وكما قال لي ديبلوماسي أميركي يعمل في منطقة الشرق الأوسط، فإن إسرائيل، وليس العراق، ولا الهند، تمثل تذكيرا مستمرا للمسلمين بمستوى ضعفهم. وعندما يقتل الهندوس المسلمين لا تكون هناك قصة إخبارية، لأن هناك مليارا من الهندوس، وهم ليسوا جزءا من المشكل الإسلامي. عندما يقتل صدام أبناء شعبه لا تكون هناك قصة اخبارية، لأن ذلك يحدث في اطار العائلة العربية المسلمة. لكن عندما تقوم مجموعة صغيرة من يهود اسرائيل بقتل مسلمين، تثير حالة من الغضب، الغضب النابع من مسلمين عليهم التصدي للفجوة بين مفهومهم الخاص كمسلمين وحقيقة العالم الإسلامي.

اعتقدت دائما، ان الافتقار لعزة النفس، وليس الافتقار للمال، هو الذي يقف خلف الكثير من الغضب الإسلامي، وهو سبب اشتداد حدة هذا الغضب في أوساط الشباب المسلم المتعلم، الذي يعاني من الإحباط. انهم هم الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر، وهم الذين جزوا رقبة المحرر الصحافي بجريدة "وول ستريت جورنال" داني بيرل.

وهذا لا يعني انه لا يمكن توجيه اللوم لسياسة الولايات المتحدة. فأحيانا نقوم بالفعل بأشياء سيئة. لكن لماذا فقط يرد المسلمون على سياساتنا السيئة بارهاب انتحاري؟ لماذا لا يفعل ذلك في المكسيك أو في الصين؟

يحدث ذلك لأن نظريات المؤامرة للعرب المسلمين تقول انه ليس بامكان اليهود ان يكونوا بهذه القوة بمفردهم، وبالتالي فان السبب الوحيد لقوة إسرائيل، ولضعف المسلمين، هو أن الولايات المتحدة أقامت اسرائيل وتدعمها.

يحتاج العالم الإسلامي للتأمل الدقيق في هذا الغضب. انظروا الى ما فعله الغضب بالمجتمع الفلسطيني، حيث يحتفل زهرة الشباب الفلسطيني بالانتحار ضد اليهود كمصدر للكرامة، انه أمر محزن. أجل، هناك احتلال إسرائيلي، وهذا الاحتلال يلحق الدمار بالحياة الفلسطينية. لكن الحقيقة هي: لو أن الفلسطينيين قالوا: سنعارض الاحتلال الإسرائيلي باتباع مقاومة سلمية، ولو لم يتوفر لنا خيار آخر، فاننا سنقيم مجتمعا فلسطينياً، ومدارس واقتصاداً، وكأنه لا يوجد هناك احتلال. حينها كان بامكانهم ان يقيموا دولة نوعية منذ وقت طويل. لكنهم بدلا عن ذلك سمحوا للاحتلال بأن يفرض عليهم حركتهم.

يستطيع المسلمون وحدهم أن يتعافوا من غضبهم. لكن على الغرب، وبشكل خاص العالم اليهودي، أن يساهم في ذلك، لأن هذا الغضب يمثل تهديدا لوجود اسرائيل. فقد تشكلت الآن ثلاثة اتجاهات: الأول يتمثل في أبشع حوادث القتل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والثاني، في ارتفاع نسبة مواليد العالم العربي المسلمين، حيث يتكون نصف السكان ممن تقل اعمارهم عن 20 عاما .والثالث انطلاق ثورة الأقمار الاصطناعية العربية والتلفزة وشبكة المعلومات، والتي تنقل مشاهد بشعة من الانتفاضة، مباشرة الى الجيل الجديد من العرب المسلمين واذا ما نشأ 100 مليون عربي مسلم على هذه المشاهد، فان اسرائيل لن تنجو.

بعض هذه الكراهية ستبقى مهما فعلت اسرائيل. لكن الاعتقاد بأن تخلي اسرائيل عن الأراضي التي تحتلها، والتخلي عن استمرارها المعتوه في الاستيلاء على أراضي المستوطنات، قد لا يخفف من وطأة المشكلة، يعد عبثا.

لا يمكن لإسرائيل أن تفعل ذلك بمفردها، لكن عليها أن تبذل قصارى جهدها لوضع حد لما يحدث الآن. فهي ستتمكن من سحب البساط من المسلمين المعادين لها، وستساهم في تعزيز موقف أولئك المسلمين ـ ويوجد منهم الكثير ـ ممن يعلمون أن الغضب الانتحاري لدى المتشددين منهم يؤثر سلبا على حضارتهم بأكملها. (نقلا عن "الشرق الاوسط").

عن ايلاف

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا