بيان المثقفين الأميركيين حول أحداث 11 أيلول وما تلاها |
وجه ستون مثقفا أميركيا (بينهم فرانسيس
فوكوياما وصموئيل هنتغتون وجيرار برادلي وصموئيل فريدمان ونيل جيلبرت
وتوماس كوهلر وهارفي مانسفيلد وروبرت بوتمان وبول فيتز) رسالة الى العالم
الإسلامي عرضوا فيها لموقفهم مما يجري منذ 11أيلول معتبرين ان الحرب على "الإرهاب"
هي حرب إنسانية لا تستهدف شعباً أو ثقافة أو ديناً بذاته. اننا نشدد على خمس حقائق أساسية تتصل بكل الناس من غير تفرقة: 1. ان البشر يولدون متساوين في الكرامة كما الحقوق. 2. 2. الشخصية الانسانية هي العنصر الأساسي في المجتمع، وتكمن شرعية دور الحكم في حماية هذه الشخصية والمساعدة على تأمين فرص التفتح الانساني. 3. 3. يرغب البشر بطبيعتهم في البحث عن غاية الحياة ومقاصدها. 4. 4. حرية الضمير والحرية الدينية من الحقوق التي لا يمكن انتهاكها في الشخصية الانسانية. 5. 5. القتل باسم الله هو مخالف للايمان بالله وهو يعد خيانة عظمى لكونية الايمان الديني. 6. بناء عليه، فنحن نحارب للذود عن أنفسنا، ودفاعاً عن هذه المبادئ الكونية. 7. ما هي القيم الأميركية؟ 8. منذ 11 أيلول، يسأل ملايين الأميركيين أنفسهم، ويسأل منهم الواحد الآخر: لماذا؟ لماذا نحن عرضة لاعتداءات مبغضة؟ ولماذا يحتاج هؤلاء الذين قتلونا إلى قتلنا؟ 9. نحن نعترف بأن أمتنا قد تصرفت، وفي أوقات معينة، بغطرسة وتجاهل تجاه مجتمعات أخرى، بما في ذلك اتباع سياسات مضلّلة وغير عادلة. لطالما أخفقنا كأمة في اتباع ما ننتهجه من مثاليات. لا يمكن أن نحمل مجتمعات أخرى على التكيف مع المبادئ الأخلاقية من دون أن نقر بإخفاق مجتمعنا، وفي فترات معينة، بالالتزام بهذه المبادئ. كذلك، فنحن موحدون في قناعتنا، وواثقون من أن كل الشعوب الخيرة في العالم توافقنا في أنه، وأيّاً تكن جدارة أو عدم جدارة هذه السياسة الخارجية أو تلك، فإن ما من شيء يمكنه أن يبرر الجزر الجماعي للأبرياء. 10. علاوة على ذلك، وفي ديموقراطية مثل التي عندنا، تنبع سلطة الحاكم من ارادة محكومه، وتستمد السياسات جذورها من قيم وأولويات المجتمع ككل. مع أننا لا ندعي التقاط كل دوافع المعتدين وأنصارهم، فإن ما أمكن معرفته عن حيفهم يتجاوز بعيداً كل سياسة أو مجموعة سياسات. بعد كل شيء، لم يتقدم القتلة في 11 أيلول، بأي طلب خاص، وبهذا المعنى كان الهدف من الجريمة هو الجريمة نفسها. لقد اعتبر قائد "القاعدة" بأن "الضربات المباركة" في 11 أيلول توجه لأميركا بما هي "رأس الكفر العالمي". واضح اذاً، أن مهاجمينا لا يحتقرون فقط حكومتنا، بل هم يحتقرون طريقة عيشنا ومجتمعنا ككل. وفي الأساس، لا يتعلق حيفهم بما يقوم به قادتنا فحسب، بل أيضا بما نحن كائنون. 11. من نحن اذاً؟ وما الذي نريده؟ يعتقد كثيرون، من بينهم أميركيون وعدد من الموقعين على هذه الرسالة، أن بعض القيم الرائجة في أميركا غير جذابة لا بل مؤذية: النمط الاستهلاكي كطريقة عيش، مفهوم الحرية المفتقد للضوابط، مفهوم الفرد الذي يقدم كأنه صانع نفسه بنفسه وكلي السيادة لا يدين بشيء لا للآخرين ولا للمجتمع، تراجع الزواج والحياة العائلية، زائد جهاز ضخم للتسلية والاتصال يمجد هذه الأفكار وينشرها، سواء جرى تقبلها أو لا، في ما يقارب كل زوايا الكوكب. 12. ثمة واجب يطل بظلّه على الأميركيين، ويفرض أهميته منذ ما قبل 11 أيلول، وهو يقتضي مواجهة الجوانب غير الجذّابة في مجتمعنا، والقيام بكل المستطاع من أجل تغيير هذه الجوانب إلى ما هو أفضل. ينبغي أن نلزم نفسنا ببذل هذا الجهد. 13. وتجدر العناية في نفس الوقت بقيم أميركية أخرى، نرى فيها أفكاراً مؤسسة ترسم طريقتنا في العيش، وهذه القيم مختلفة عن سابقاتها، وأكثر جاذبية، ليس فقط بالنسبة إلى الأميركيين، بل أيضاً بالنسبة إلى الناس في كل مكان من هذا العالم. دعونا ننوه باختصار بأربع منها. 14. تأتي في مقدمة هذه القيم قناعتنا بأن كل الأشخاص يمتلكون كرامة انسانية مكتسبة، هي حق لهم بالولادة. وهذا يعني بالنتيجة، أنه ينبغي أن يعامل كل شخص بما هو غاية في ذاتها، بدل أن يجري استخدامه على أنه وسيلة. لقد استند مؤسسو الولايات المتحدة الى ارث القانون الطبيعي بالاضافة الى المنطلقات الدينية الأساسية التي تعتبر أن الناس جميعهم خلقوا على صورة الله ومثاله. وأكد المؤسسون، كما لو كان الأمر بداهة ذاتية، فكرة أن كل الناس يمتلكون كرامة متساوية، فكانت الديموقراطية هي الصيغة السياسة الواضحة التي تجسد هذا الايمان بالكرامة الانسانية السامية، ومع الأجيال اللاحقة كان التعبير الثقافي الأوضح عن هذه الفكرة تأكيد المساواة في الكرامة بين الرجال والنساء، وبين كل الناس بصرف النظر عن العرق أو اللون. ثانية هذه القيم تتبع ما سبق، وهي القناعة بأن الحقائق الأخلاقية الكونية (التي سماها الآباء المؤسسون "قوانين الطبيعة والطبيعة الالهية") موجودة بالفعل ويمكن لكل الناس الوصول اليها. ان اعلان الاستقلال، وبيان الوداع الذي كتبه جورج واشنطن والبيان الافتتاحي الثاني لابراهام لينكولن، وكذلك رسالة مارتن لوثر كينغ من سجن برمينغهام، تنضح بأبلغ أنواع التعبير عن ثقتنا وصلتنا بهذه الحقائق. وثالثاً تأتي قناعتنا بأنه، وبسبب من عدم قدرتنا، كأفراد وكجماعة، من الوصول الى الحقيقة كاملة، فان كل الاختلافات حول القيم تستدعي الروح المدنية، والانفتاح على وجهات النظر الأخرى، وكذلك المحاججة المقنعة عند البحث عن الحقيقة. ورابعاً، فان حرية الضمير والحرية الدينية، هي من بين الحريات الأساسية المعترف بها في بلادنا وفي كل مكان آخر، كانعكاس للكرامة الانسانية الأولية، شرط مسبق لقيام الحريات الفردية الأخرى. بالنسبة إلينا، ان العنصر الضارب في هذه القيم أنه يمكنها أن تنطبق على كل الناس، بلا تفرقة، فلا يمكن بالتالي استخدامها لحرمان أي كان من حقه بالاعتراف والاحترام على أساس العرق واللغة والذاكرة والدين. وهذا ما يفسر لما بامكان أي كان أن يصبح أميركياً، وفي كل الأحوال هذا ما يجري. أناس من كل أصقاع العالم أموا بلادنا، مستجيبين للنداء الذي يوجهه تمثال مرفأ نيويورك توقاً الى نسيم الحرية، وبعد ذلك أصبحوا أميركيين. تاريخياً، ما من أمة صنعت هويتها، أو كتبت دستورها وسائر وثائقها المؤسسة، كما فهمها الأساسي لنفسها، بهذه الدرجة من المباشرة والافصاح بالاستناد الى القيم الانسانية الكونية. بالنسبة الينا هذا أهم ما في بلادنا. يؤكد البعض أن هذه القيم ليست كونية البتة، بل هي تتحدر بالأخص من حضارة الغرب المسيحي. وهم يحاججون بأن الإقرار بكونية هذه القيم يلغي خصوصية الثقافات الأخرى. نحن نخالف ذلك. نحن نعترف بالطابع الناجز لحضارتنا، لكننا نؤمن بأن الناس جميعهم خلقوا متساوين. كما نؤمن بالحرية الانسانية، كامكانية كونية ورغبة، وبأن هناك حقائق أخلاقية أساسية معينة يشترك كل العالم في الاقرار بها. نحن على اتفاق مع هذه المجموعة الدولية من الفلاسفة المميزين الذين وضعوا اعلان الأمم المتحدة لحقوق الانسان في الأربعينات، والذي خلص الى أن بعض الأفكار الأخلاقية الأساسية "يمكن النظر اليها كضمنية في طبيعة الانسان بوصفه عضوا في المجتمع". واذ يحدونا الأمل، نتفق، بديهيا، مع الدكتور مارتن لوثر كينغ في أنه "مرتفع هو قوس دنيا الأخلاق، لكنه ينبغي أن ينحني دائماً للعدالة، وليس فقط للقلة أو المحظوظين، بل لكل العالم". حين ننظر الى مجتمعنا اليوم، نلحظ فروقات عديدة بين المثل التي نطمح اليها وبين ما نمارسه من سلوكيات. ولكننا كأميركيين في زمن الحرب والأزمة العالمية، لا ننسى أن نعتبر أن ما جرى الاصطلاح على تسميته "بالقيم الأميركية" لا يتعلق فقط بأميركا، بل هو يندرج ضمن ما نتقاسمه من تراث الانسانية، وهو يقدم بذلك قاعدة ممكنة لما ننشده من مجتمع عالمي يستند الى السلام والعدل. ماذا عن الله؟ منذ 11 أيلول والعديد من الأميركيين يسألون أنفسهم، ويسأل منهم الواحد الآخر، وماذا عن الله؟ أزمات بهذا الحجم تدفعنا دائماً لتفكير جديد بصدد المبادئ الأولية. عندما نتأمل بشاعة ما حصل، والمخاطر المحدقة التي تتهددنا باحتمالات قوية، فان الكثيرين منا يتساءلون: هل الايمان الديني هو جزء من الحل أو هو جزء من المشكلة؟ يتحدر الموقعون على هذه الرسالة من ديانات ومنظومات أخلاقية متعددة، بما في ذلك المنظومات العلمانية، غير أنهم جميعاً، موحدون في اعتقادهم، بأن توظيف السلطة الالهية من أجل قتلنا واستباحة أرواحنا هو أمر غير اخلاقي ويتناقض مع الايمان بالله. لا أحد منا يعتقد بأن الله يدعو بعضاً منا الى القتل أو الى اكراه البعض الآخر. في الواقع، ان مثل هذا السلوك، وسواء دعي "حرباً مقدسة" أو "حملة صليبية"، فهو يناقض الايمان الديني، وليس فقط المبادئ الأساسية للعدالة، لأنه يجعل من الله صنماً يستخدمه بعض الناس لأغراض خاصة. لقد عاشت أمتنا في ما مضى حرباً أهلية ضروسا ظن فيها كل من الفريقين أن العناية الالهية بجانبه ضد الفريق الآخر. هذا قبل أن يأتي ابراهام لينكولن، الرئيس العاشر للولايات المتحدة، ويرد عليهم، في "رسالته الافتتاحية الثانية" عام 1865، بعبارة بسيطة: "لكلي القدرة أهدافه الخاصة". هؤلاء الذين اعتدوا علينا في 11 أيلول، يجاهرون على الملأ بأنهم يخوضون "حرباً مقدسة". والعديد ممن يدعم أو يناصر هؤلاء المعتدين يستخدم اسم الله ويحاول اسباغ صفة القداسة على هذه الحرب. يستدعي التعرف على بؤس طريقة التفكير هذه، منا كأميركيين، ان نتذكر تاريخنا وتاريخ الغرب. لقد مزقت الحروب الدينية المسيحية وأعمال العنف المذهبي المسيحي أوروبا على امتداد قرن. وفي الولايات المتحدة لم نكن غريبين عن أولئك الذين يريدون ارتكاب جرائم القتل مستخدمين ذريعة ايمانهم الديني. عندما يبلغ مستوى هذا الحد الاستثنائي، ما من حضارة تبقى معصومة، وما من تراث ديني. في الشخصية الانسانية ميل أساسي الى الاستفهام من أجل المعرفة. ان ما يميز نشاط الانسان هو تلك القدرة على التقييم والاختيار وامتلاك تعليلات تفسر اندفاعه وراء ما يطمح اليه أو يحبه. وجزء من هذا النزوع الرغبوي الى التعرف يتناول الاستفهام عن سبب مجيئنا الى هذه الدنيا، وعما سيحصل بعد مفارقتها، وهذا ما يقود الى البحث عن حقيقة الغايات النهائية، ما يعني بالنسبة الى كثيرين، طرح مسألة الله. بعض الموقعين على هذه الرسالة يعتقدون أن الكائن البشري هو "ديني" بطبيعته، بمعنى أن كل واحد من البشر، بما في ذلك من لا يؤمن بالله أو لا يشارك في ديانة منتظمة، يبتدع خيارات بصدد ما هو الأهم بالنسبة اليه وما يعتقد أنه يعكس القيم النهائية. كل الموقعين على الرسالة يعترفون بأن المؤسسات الدينية على امتداد العالم هي قواعد أساسية للمجتمع المدني، وأنه يمكن أن يصب عمل هذه المؤسسات في مصلحة سعادة المجتمع ومعافاته، كما يمكن لهذا العمل أن يخرج، وفي أوقات وملابسات معينة، بنتائج تثير التفرقة والعنف. اذاً، كيف يمكن لحكومات وقادة مجتمع أن يجيبوا على هذه الوقائع الانسانية والاجتماعية؟ من الأجوبة على هذا السؤال ما يدعو الى حظر الدين أو قمعه. كذلك هناك من يجيب بالدعوة الى الاقتران بعلمنة أيديولوجية قوامها التشكيك المجتمعي الذي يحمل روحا عدائية تجاه الدين. تنبني وجهة النظر هذه على مقدمة تقول بأن الدين بحد ذاته، وخصوصاً كل تعبير "عام" عن القناعات الدينية، هو أمر كفيل باستحضار المشكلات. وهناك جواب ثالث وممكن على هذه المسألة، ويدعو الى اعتماد الثيوقراطية، حيث هناك دين واحد يعتقد بأنه الدين الحقيقي ويطالب بأن يواليه كل أفراد المجتمع وأن يحظى بكل الدعم والحظوة والرعاية من الدولة. نحن في خلاف مع كل هذه الأجوبة، فخيار القمع الشرعي يمثل اغتصاباً جذريا لكل الحريات المدنية والدينية وهو لا يتفق البتة مع المجتمع المدني الديموقراطي. كذلك نخالف وجهة العلمانية الأيديولوجية، وان تنامت في مجتمعنا مع الأجيال الأخيرة، لأن هذه العلمانية تنكر شرعية الحضور العام لشريحة هامة من المجتمع المدني. أما الثيوقراطية، والتي كانت حاضرة في الغرب (لكن ليس في الولايات المتحدة)، فنحن على خلاف معها لأسباب اجتماعية ولاهوتية في آن. ان اسباغ صفة رسمية أو حكومية على دين بعينه يمكن أن يصطدم مع مبدأ الحرية الدينية، التي هي حق أساسي من حقوق الانسان. فوق ذلك، فان الضبط الحكومي للدين يمكنه أن يؤدي او أن يزيد من النزاعات الدينية، كما يمكنه، وهذا ما يبدو أشد خطورة، أن يهدد حيوية ومصداقية المؤسسات الدينية. أما على الصعيد اللاهوتي، فان الذي يتمسك بقناعة ثابتة حول حقيقة ايمانه، ثم يضطهد الغير تبعاً لاختلاف معتقدهم الديني، انما يقوم بذلك بالتعرض الى معتقده نفسه، لأنه يستلب من سواه الحق في الاجابة، بحرية وكرامة، على نداء الخالق. تبذل الولايات المتحدة ما في وسعها كي تكون مجتمعاً يتماشى فيه الايمان والحرية بحيث يرتفع أحدهما بالآخر. صحيح ان دولتنا علمانية، بمعنى أن المسؤولين عن الحكم ليسوا هم المسؤولين عن الامور الدينية، ولكننا في نفس الوقت، أكثر مجتمعات الغرب تديناً. نحن أمة تحترم بعمق الحرية الدينية والتعددية، بما في ذلك حقوق غير المؤمنين، ولكننا أيضاً أمة يقسم فيها المواطن الوفاء "لأمة واحدة، في ظل الله"، وترفع محاكمها وعملتها شعار "بالله نؤمن". سياسياً، فصلت الكنيسة عن الدولة لكي يحتفظ المستوى السياسي بمجاله الخاص عبر تقليل دور الدولة في ضبط أمور الدين، وعبر جعل الحكومة تستمد شرعيتها من مظلة اخلاقية ليست من صنعها. روحياً، سمح فصل الكنيسة عن الدولة عندنا بأن يكون الدين ديناً بحق، بما انه قد فصل عن السلطة القمعية للدولة. وبالتالي، نعتقد بفصل الكنيسة عن الدولة من أجل حماية وضمان حيوية كل منهما. لقد شكلت مسألة الحرية الدينية والحقيقة الدينية، في الأغلب، تحدياً بالنسبة الى الأميركيين ذوي الإيمان الديني. وما زالت هذه المسألة، علاوة على ذلك، غير مقررة. يرتكز الفصل بين الدين والدولة عندنا على ترتيب اجتماعي دستوري يقضي، بحسب تعريفه، بإجراء نقاش وجدل وتوافق وتسوية. ويتعزز، كما يساعد على إنتاج، طبع أو مزاج معين بحيث يحترم المؤمنون، الذين يعتنقون الحقيقة الدينية بقوة وليس في إطار تسوية مع هذه الحقيقة، الأشخاص الذين يختارون طرقاً مختلفة. ما الذي يمكنه ان يقلّص الارتياب والبغض والعنف المرتكز على أساس ديني في القرن الحادي والعشرين؟ هناك أجوبة مهمة عدة، بالطبع، لكننا نأمل أن يكون الجواب هنا واحدا: تعميق وتجديد تقييمنا للدين عبر الاعتراف بالحرية الدينية كحق أساسي لكل الناس في كل الدول. حرب عادلة؟ إننا نعترف ان الحرب رهيبة وتمثّل، في النهاية، فشل الانسان السياسي. نعلم، أيضا، ان الخط الفاصل بين الخير والشر لا ينطبق على المجتمعات في ما بينها، ولا على الأديان؛ يمر هذا الخط، جوهرياً، في وسط قلب كل انسان. في نهاية الأمر، يقرّ ذوو الإيمان من بيننا يهودا ومسيحيين ومسلمين وآخرين بمسؤوليتنا المنصوص عنها في الكتب المقدسة والتي تقتضي الرحمة ونعمل كل ما في وسعنا لمنع الحرب والعيش بسلام. فوق ذلك، يعلّمنا المنطق والتفكير الأخلاقي النبيه ان هناك حالات تستدعي رداً أولياً ومهماً جداً على الشر لوقفه. هناك أوقات لا يكون فيها إعلان الحرب مسموحاً أخلاقياً فحسب، بل ضروري أخلاقياً كرد على فاجعة ناجمة عن أعمال عنف وبغض وظلم. وهذا أحد الأوقات. تجد فكرة "الحرب العادلة" جذوراً لها في تقاليد أخلاقية مختلفة. وتحتوي التعاليم اليهودية والمسيحية والمسلمة، مثلا، على تفكرات جدية في مجال تعريف هذه الحرب. يصرّ البعض، باسم الواقعية، على ان الحرب هي، أساساً، حقل تلعب فيه المصلحة الخاصة والضرورة حصراً مستبعدين أي محاولة لتحليل الحرب من منطلق أخلاقي. إننا نعترض على ذلك. إن الإحجام عن التحليل الأخلاقي في مواجهة الحرب هو بحد ذاته موقف أخلاقي يرفض احتمال وجود أسباب لها، ويوافق على غياب المعايير عن ميدان الشؤون الدولية، ويذعن للتشاؤم الساخر. إن السعي الى ممارسة تحليل أخلاقي موضوعي في تفسير الحرب يعني الدفاع عن احتمال وجود مجتمع مدني وعالم قائم على العدل. إن مبادئ الحرب العادلة تعلّمنا ان الحروب العدائية والتوسعية غير مقبولة. لا تكتسب الحروب الشرعية اذا أقيمت لغاية المجد الوطني، أو الانتقام لماض خاطئ، أو كسب الأرض، أو أي هدف غير دفاعي آخر. إن التبرير الأخلاقي الأولي للحرب هو حماية الأبرياء من أذى معين. القديس أغسطينوس كتب في "مدينة الله" في القرن الخامس وهو الكتاب الذي يشكل مساهمة أساسية في مجال التنظير للحرب العادلة، انه من الأفضل للمسيحي ان يعاني من الأذى على ان يسبب الأذى لغيره. لكن هل يُطلب أو يُسمح لشخص مسؤول أخلاقياً ان يلتزم، نيابة عن أشخاص أبرياء آخرين، بعدم الدفاع عن النفس؟ بالنسبة الى أغسطينوس، وطبقاً لتقاليد الحرب العادلة، الجواب هو كلا. اذا ملك المرء إثباتات دامغة على ان هناك أناسا أبرياء ليسوا في وضع يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم وانهم سيتعرضون لخطر كبير ما لم تستخدم قوة الإكراه لوقف المعتدي، عندها يستدعي المبدأ الأخلاقي القاضي بمحبة الجار تدخلنا بالقوة. لا تكتسب الحروب شرعية لو أقيمت في وجه خطر صغير، قابل لتسوية من طريق الحوار أو هو ذو عواقب غير مؤكدة، أو أقيمت في وجه خطر يمكن تخفيف احتمالاته عبر المفاوضات وحدها، والدعوة الى ضبط النفس، واقتناع الأطراف الثالثين، أو عبر وسائل لاعنفية أخرى. لكن اذا كان الخطر حقيقيا ومؤكدا على حياة الأبرياء، خصوصا اذا كان الدافع الى الهجوم روح عدائية عنيدة أي ان المعتدي يسعى الى تدميرنا وليس الى التفاوض أو المساومة عندها يكون اللجوء الى القوة المناسبة مبررا أخلاقيا. وحدها سلطة شرعية تتحمل مسؤولية النظام العام يمكنها أن تخوض حربا عادلة. لا يمكن قبول العنف أخلاقيا اذا اتسم بالاستقلالية، والانتهازية، والتفردية. لا تعلن الحرب العادلة الا ضد أشخاص مقاتلين. لقد علّمنا قادة الحروب العادلة عبر التاريخ سواء كانوا مسلمين، يهودا أو مسيحيين أو علمانيين ان غير المقاتلين يتمتعون بحصانة ضد الضربات المدروسة (المقصودة). لذلك، فإن قتل المدنيين بقصد الانتقام، أو حتى بقصد مواجهة الهجوم الآتي من قيادييهم، خاطئ أخلاقيا. مع ذلك، يبقى من الممكن، في بعض الظروف وفي حدود ضيقة، إيجاد تبرير أخلاقي للأعمال العسكرية الموجهة ضد مقاتلين ويمكن أن توقع بعض الضحايا في صفوف المدنيين بشكل غير مقصود لكن متوقَع. ليس مقبولا أخلاقيا استهداف المدنيين لذاتهم في العمليات العسكرية. إن هذه المبادئ وغيرها، المتعلقة بالحرب العادلة، تعلّمنا انه من الممكن والضروري، عندما تتوقع الكائنات الانسانية الحرب أو تشنها، في أي وقت كان، التأكيد على قداسة الحياة الانسانية والحفاظ على مبدأ الكرامة الانسانية المتساوية. تتوق هذه المبادئ الى حفظ وعكس حق الحياة للآخرين، حتى في ظل النشاط الحربي التراجيدي. هذه هي الحقيقة الأخلاقية الأساسية: ان "الآخرين" الغرباء عنا، المختلفون عنا في اللغة أو العرق، الذين يعتنقون ديناً نعتبره مشكوكا بصحته يتمتعون أيضا بحق الحياة الذي نتمتع به وبالكرامة الانسانية وحقوق الانسان نفسها التي نتمتع بها. في الحادي عشر من أيلول 2001، هاجمت مجموعة من الأفراد الولايات المتحدة، مستخدمة الطائرات المخطوفة كسلاح قتل، في أقل من ساعتين، أكثر من ثلاثة آلاف من مواطنينا في نيويورك وبنسلفانيا وواشنطن. وكانت غالبية الضحايا من المدنيين، غير المقاتلين، غير المعرّفين من قبل قاتليهم إلا بصفتهم أميركيين. إن الذين ماتوا صبيحة11 أيلول قتلوا من دون وجه حق، وبشكل عبثي مبني على حقد مخطط هذا نوع من القتل الذي، باسم الدقة، لا يمكن وصفه سوى بالقتل العمد. وكان من بين الضحايا أشخاص من كل الأعراق، من إثنيات مختلفة، ومن أتباع غالبية الديانات الكبرى. كان من بينهم غاسل الصحون والمدير في الوقت نفسه. إن الأفراد الذين ارتكبوا هذا العمل الحربي لم يتصرفوا من تلقاء أنفسهم، من دون دعم، أو لأسباب مجهولة. كانوا أعضاء في شبكة إسلاموية دولية، عاملة في حوالى 40 دولة، ومعروفة تحت اسم "القاعدة". تشكل هذه المجموعة رأس الحربة لحركة راديكالية إسلاموية واسعة، تنامت في خلال عقود من الزمن وحظيت، في بعض الأحيان، بتسامح، وحتى دعم الحكومات، وهي تجهر علناً رغبتها وتبدي قدرة متزايدة على استخدام القتل العمد لتنفيذ أهدافها. إننا نستخدم تعبيري "الإسلام" و"إسلامي" للإشارة الى إحدى أكبر ديانات العالم، تضم حوالى 2،1 مليار انسان، بمن فيهم عدة ملايين من المواطنين الاميركيين الذين قتل عدد منهم في 11 أيلول. ليس من الضروري تكرار ما نقوله، لكننا نقوله بوضوح ولمرة هنا ان الغالبية العظمى من مسلمي العالم، منقادين بتعاليم القرآن، يتمتعون بالاحترام والإيمان وحس السلام. نستخدم، في المقابل، تعبيري "الإسلاموية" و"الراديكالية الإسلاموية" للإشارة الى الحركة الدينية السياسية العنيفة، المتطرفة، والمتعصبة التي تهدد العالم بما فيه العالم المسلم. هذه الحركة الراديكالية العنيفة تعارض ليس بعض السياسات الغربية فحسب وبعض الموقعين على هذا البيان يعارضون سياسات غربية معينة أيضا بل تعارض أيضا مبدأً مؤسساً في العصر الحديث، هو مبدأ التسامح الديني، إضافة الى حقوق الانسان الأساسية، خصوصا حرية المعتقد والدين التي تحظى بحماية "إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الانسان"، ويجب أن تشكل هذه المبادئ أساس كل حضارة تحفز الازدهار الانساني والعدل والسلام. تدّعي هذه الحركة النطق باسم الإسلام، لكنها تخون المبادئ الإسلامية الأساسية. لأن الإسلام يقف ضد الوحشية الأخلاقية. والمثل على ذلك، ان العلماء المسلمين أقرّوا، على مر العصور، ملتزمين بتعاليم القرآن وبمثل النبي محمد، ان القتال في سبيل الله (الجهاد) يحرّم القتل العمد الذي يستهدف غير المقاتلين، ويفرض ان تشن الحملات العسكرية بأمر من السلطات الشرعية العامة. إن هؤلاء العلماء يذكروننا بقوة ان الإسلام، ليس أقل من المسيحية واليهودية والديانات الأخرى، مهدد ومعرّض لانحطاط محتمل على يد هؤلاء المجدفين الذين يستنسبون القتل العشوائي باسم الله. إننا نقرّ ان الحركات التي ترتدي عباءة الدين تتسم بأبعاد سياسية واجتماعية وديموغرافية معقدة يجب الانتباه اليها. لكن، في الوقت نفسه، لا يجب إغفال ان المسائل الفلسفية والفلسفة المحركة لهذه الحركات الراديكالية الإسلامية، بازدرائها للحياة الانسانية ورؤيتها للعالم كصراع على الحياة أو الموت بين مؤمنين وكافرين (سواء كانوا مسلمين غير راديكاليين، أو يهودا، أو مسيحيين، أو هندوسا أو غيرهم)، تنفي الكرامة الانسانية المتساوية لكل الناس، وهي، بذلك، تخون الدين وتنقض أساس الحياة المتحضرة واحتمال السلام بين الأمم. إن الأمر الأكثر جدية في كل ذلك، هو ان مجرمي 11 أيلول برهنوا، وللمرة الاولى، ان هذه الحركة تمتلك اليوم ليس الرغبة المعلنة فحسب، بل أيضا القدرة والخبرة بما في ذلك احتمال الوصول والرغبة في استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والرؤوس النووية للانتقام عبر تدمير ضخم ومروع لأهدافها. إن الذين جزروا أكثر من 3000 شخص في 11 أيلول والذين، برضاهم الكامل، يسعون الى فعل الشيء نفسه، يشكلون خطرا داهما وواضحا على جميع الناس ذوي النيات الحسنة أينما كانوا، وليس فقط في الولايات المتحدة. إن أعمالا كهذه تمثّل شكلاً صافيا من أشكال الاعتداء على الحياة الانسانية البريئة، وهي شر ذو اتساع عالمي يتطلب، بشكل واضح، استخدام القوة لإبعاده. هؤلاء القتلة المنظمون ذوو البعد العالمي يهددوننا اليوم جميعا. باسم المبادئ الأخلاقية الانسانية العامة، وبوعي كامل لقيود ومتطلبات الحرب العادلة، نؤيد قرار حكومتنا ومجتمعنا باستخدام حد السلاح ضدهم. الخلاصة إننا نرهن أنفسنا للعمل ضد الإغواء المؤذي خصوصا ذلك المتعلق بالغطرسة والغلو في الوطنية الذي غالبا ما يجذب الدول التي تخوض حروبا. وفي الوقت نفسه، نرفع صوتا واحدا للقول إن انتصار أمتنا وحلفائها في هذه الحرب حاسم. إننا نقاتل للدفاع عن أنفسنا، ولأننا نؤمن، أيضا، اننا نقاتل من أجل حماية تلك المبادئ العامة المتعلقة بحقوق الانسان والكرامة الانسانية والتي تشكل الأمل الأفضل للنوع الانساني. في يوم من الأيام، ستنتهي هذه الحرب. في هذه اللحظة، أو حتى قبل حلولها، تنتظرنا مهمة كبرى هي مهمة المصالحة. نأمل ان تساهم هذه الحرب، عبر وأد شر كامل وشامل، في زيادة احتمالات وجود مجتمع عالمي قائم على العدل. لكننا نعلم ان صانعي السلام وحدهم في كل المجتمعات يضمنون ان هذه الحرب لم تضع سدى. نأمل، بشكل خاص، ان نوصل صوتنا الى إخواننا وأخواتنا في المجتمعات المسلمة. نقول لكم بصراحة: لسنا أعداء بل أصدقاء. لا يجب أن نعادي بعضنا. نشترك في الكثير من النقاط. لدينا الكثير لنفعله سوياً. كرامتكم الانسانية، ليست أقل من كرامتنا، حقوقكم وفرصكم لحياة جيدة، ليست أقل من حقوقنا وفرصنا. هذا هو ما نظن اننا نحارب من أجله. نعلم ان بعضكم يرتاب منا ونعلم اننا، نحن الأميركيين، مسؤولون جزئيا عن هذا الارتياب. لكننا يجب ألاّ نكون أعداء. في الأمل، نتمنى ان نشترك معكم ومع كل الخيّرين في بناء سلام عادل ودائم. عن إيلاف |