كتاب انفجار سبتمبرلابراهيم نافع أحداث11 سبتمبر وضرورة عولمة العولمة |
توقع الاقتصاديون في مؤسسة جولدمان ساكس أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمقدار3,5% سنويا في الربع الأخير من2001, وبمقدار1% سنويا أخري في الربع الأول من عام2002. وتضيف الإيكونومست أنه علي الرغم من انهيار الإنفاق الرأسمالي, إذ انخفض بمقدار12% محسوبا علي أساس سنوي في الربع الثالث من2001, فان القدرات الإنتاجية الزائدة علي الحاجة في الشركات لاتزال كبيرة كما أنها تعاني من فجوات تمويلية. أما بنك الاحتياطي الفيدرالي( البنك المركزي الأمريكي), فقد خفض سعر الفائدة قصير الأجل منذ يناير2001 بمقدار4,5%( تم تخفيض أسعار الفائدة10 مرات هذا العام وينتظر تخفيضه مرة أخرى). وإذا قيست أسعار الفائدة الحقيقية في ضوء الرقم القياسي لسعر المستهلك, فسوف يتضح أنها سالبة. والواقع أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تعرضت للحوادث الإرهابية في وقت كان فيه الاقتصاد الأمريكي يمر بمرحلة تباطؤ واضح منذ نهاية العام الماضي, وكانت هناك توقعات متزايدة بأن تشهد فترة الربع الأخير من العام الحالي( أكتوبر ـ ديسمبر) بداية التخلص تدريجيا من هذا التباطؤ, تمهيدا لدخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة نمو جديدة, بدءا من العام المقبل, وكان السند الأساسي لهذه التوقعات هو مااتخذه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي, من إجراءات توسعية في السياسة النقدية, تمثلت في خفض أسعار الفائدة عدة مرات في عام2001, لتبلغ أقل معدل لها منذ سنوات طويلة, ومع ذلك فإنه قبل حوادث11 سبتمبر بأيام قليلة أوضحت البيانات ارتفاع معدل البطالة الأمريكي, خلال أغسطس, بمقدار0,4% مقارنة بشهر يوليو, حيث بلغ معدل البطالة أعلي معدل له منذ نحو أربعة أعوام كاملة, كما أنه زاد بمقدار1% علي المعدل المسجل في شهر نوفمبر من عام2000. وكانت النتيجة الفورية لهذا الارتفاع في معدل البطالة مايشبه الانهيار في مؤشرات أداء بورصة وول ستريت الأمريكية, حيث إن ارتفاع معدل البطالة يعني المزيد من تدهور الاقتصاد, وتوقع زيادة الانخفاض في إنفاق المستهلكين, وخفض معدلات الإنفاق الاستثماري, مما يدفع نحو المزيد من التباطؤ في النشاط الاقتصادي. إذ يبلغ إنفاق المستهلكين الأمريكيين نحو65% من حجم الناتج المحلي الأمريكي, مما يتيح له أن يمارس دورا كبيرا علي معدلات نمو الاقتصاد, ولهذا السبب نجد أن مؤشر ثقة المستهلك, والذي يجري قياسه شهريا, ويعد من أهم المؤشرات التي تعطي توقعا جيدا عن الأداء الاقتصادي الأمريكي في المستقبل القريب, قد بدأ يتهاوي مثلما أعلنت عدة هيئات اقتصادية. لقد كان الاقتصاد الأمريكي يمر, منذ الربع الأخير من عام2000, بمرحلة من التباطؤ الاقتصادي لم يشهدها منذ أمد طويل نسبيا. فمعدل النمو في النصف الأول من عام2001 لم يزد سوي بمقدار طفيف للغاية, علي الرغم من محاولات إنعاش الاقتصاد عن طريق السياسة النقدية التوسعية التي حاولت حث الطلب الاستهلاكي والاستثماري علي التوسع, وهو ماقد يعيد الاقتصاد إلي نمو معتدل نسبيا, تمهيدا لأن يتحول إلي تسجيل معدلات نمو أكثر ارتفاعا في عام2002, كما كانوا يأملون, لكن بيانات البطالة الأخيرة أظهرت أن مااتخذ من إجراءات لم يكن كافيا للتغلب علي العوامل التي تدفع الاقتصاد نحو الركود. وبالطبع فانه مع وقوع الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها كل من نيويورك وواشنطن, تأكد الجميع من أن حالة الاقتصاد ستتدهور أكثر فأكثر, ومن أن الركود أصبح أمرا واقعا, وربما كان الخلاف يدور فقط حول مدي عمق هذا الركود, والفترة التي يمكن أن يستغرقها, إذ كان البعض يري أن الأحداث لن تكون لها آثار اقتصادية طويلة المدي, وأن قوة دفع الاقتصاد الأمريكي, ستعمل علي التخلص من هذه الأزمة بسرعة, بل ربما تعمل زيادة الإنفاق العام المرتبطة بالتعويضات التي ستدفع وإعادة تعمير ماترتب علي عمليات التفجير من دمار, بالإضافة إلي الإنفاق العسكري, علي إنعاش الاقتصاد, لكن الحقائق الصلبة في الأسواق حاليا جاءت لتبين خطأ هذه التقديرات. والتوقعات السائدة الآن هي أن معدل نمو الاقتصاد الأمريكي تراجع عام2001 إلي مالايتجاوز1,6% بعد أن حقق معدلات نمو تزيد علي4% سنويا خلال الأعوام الثلاثة1997 و1998 و1999, ارتفعت إلي نمو يقدر في المتوسط بمقدار5% خلال عام2000, ولم يحقق الاقتصاد الأمريكي نموا بهذه السرعة منذ عام1984 حيث كان قد مر قبله بحالة ركود في السنوات الأولي من الثمانينيات. * التداعيات العالمية لابد من أن نتذكر في هذا الشأن, أن أمريكا هي بالفعل قاطرة الاقتصاد العالمي, إذ يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي ـ كما سبق أن قلنا ـ مايزيد علي10 تريليونات دولار, أو مايزيد علي28% من حجم الناتج الإجمالي العالمي. وعلاوة علي ذلك فان الولايات المتحدة هي أكبر بلد مستورد في العالم, كما أن السوق الأمريكية تعد الأكثر انفتاحا علي العالم مقارنة بدول العالم المتقدمة الأخري. وعلي الرغم من حجم وأهمية اقتصادات أخري مثل أوروبا الموحدة أو اليابان, فإنها هي الأخري كانت تمر بمرحلة تباطؤ في النشاط الاقتصادي, أو ركود خلال السنوات القليلة الماضية. وقد أدي ذلك إلي قيام الاقتصاد الأمريكي بدور القائد والموجه للاقتصاد العالمي خلال الأعوام الأخيرة, بشكل شبه منفرد, خاصة في ظل عدد من الأزمات الدولية مثل الأزمة الآسيوية والروسية والبرازيلية, حيث كان انفتاح الاقتصاد الأمريكي وكبر حجم السوق من أهم الأسباب التي يذكرها المحللون الاقتصاديون التي ساعدت علي الخروج بسرعة من هذه الأزمات, وعدم تحولها إلي أزمات عالمية كبري, لكن أحداث سبتمبر الأخيرة تؤذن بأن دور القاطرة الأمريكية ربما يكون قد وصل إلي نهايته, مما سيفرض علي جميع دول العالم ضرورة اتخاذ سياسات صعبة حتي يمكن الخروج من هذا الركود بأقل خسائر ممكنة وفي مدي زمني مناسب. وعلي عكس كل التوقعات السابقة, عاد المحللون الاقتصاديون يؤكدون أن كسادا عالميا كان قد بدأ قبل أحداث سبتمبر, وأن هذه الأحداث قد فاقمته. وتؤكد الإيكونومست أن من أحلام اليقظة أن نأمل في أن يسفر انفجار أكبر الفقاعات المالية في التاريخ مقترنا بآثار مابعد صدمة هجوم11 سبتمبر, عن كساد معتدل. ويري البعض أن أمريكا ستتبع اليابان في ركودها الذي استمر عقدا من الزمان حتي الآن, وأن هناك مبررات قوية للاعتقاد بأن الركود الأمريكي سيكون أعمق وأطول أجلا منه في أماكن أخري, أولها يتمثل في عطل الطاقة الإنتاجية الزائدة نتيجة الحجم المطلق للاستثمارات والاقتراض في التسعينيات, والثاني هو تزامن الهبوط الاقتصادي العالمي, مع أفول الاقتصادات في شتي أنحاء العالم معا, وأنه من المتوقع أن يعاني الاقتصاد العالمي ككل أعمق هبوط منذ ثلاثينيات القرن العشرين, وهو مايزيد بدوره من احتمالات الكساد الأعمق في أمريكا. كذلك يتخوف بعض المحللين من أن يؤدي تخفيف ضوابط السياسات النقدية والمالية, إلي تصاعد التضخم, برغم أن البعض يري أن الخطر قد يتمثل في الوضع العكسي, وأنه نتيجة للتباطؤ الاقتصادي الحالي, أصبح فائض الطاقة الإنتاجية هو الأكبر منذ ثلاثينيات القرن العشرين. ويترتب علي ذلك أن النمو في اقتصادات مجموعة السبعة سيكون أقل بصورة صارخة من حيث القيم المطلقة. ويعني النمو المتباطيء في الناتج المحلي الإجمالي أن الأمر سيستغرق طويلا للتخلص من الديون وفائض الطاقة الإنتاجية. وحتي مع نجاح سياسات خفض التضخم, فإن ذلك سيعتصر الأرباح ويفاقم مشكلات الديون ويفرض قيودا علي النظم المالية. والآمال ليست كبيرة بالنسبة للاقتصادات الناهضة في أمريكا اللاتينية وآسيا التي تعاني الكساد حاليا, علي الرغم من أن الحكومات الآسيوية تستخدم أدواتها المالية والضريبية بنشاط أكبر لدعم اقتصاداتها.( أعلنت حكومة سنغافورة خفضا في الضرائب وزيادة الإنفاق العام بما يساوي7% من الناتج المحلي الإجمالي). لكن كثيرا من دول أمريكا اللاتينية التي تعتمد اعتمادا كبيرا علي رأس المال الأجنبي, خاصة الأرجنتين, يتعين عليها حاليا أن تزيد سعر الفائدة وأن تحكم السياسة المالية. وعلي الرغم من أن هورست كوهلر مدير صندوق النقد الدولي يري أن هناك مبررات قوية لتوقع أن يكون التدهور الحالي ـ بعد سبتمبر ـ في الظروف الاقتصادية العالمية, قصير الأجل نسبيا, إلا أنه أكد أن هناك احتمالا لايمكن تجاهله لحدوث نتائج أسوأ, قد تتضمن انخفاض النمو الاقتصادي, وزيادة مصاعب التمويل بالنسبة لكثير من البلدان النامية. وأضاف أنه حتي قبل هجمات سبتمبر, كان الاقتصاد يشهد اتجاها واضحا للهبوط في جميع الأقاليم الرئيسية في العالم, وأن الأمر سيزداد تفاقما بعد هذه الهجمات, خاصة في الولايات المتحدة بل في أماكن أخري في العالم. وأكد أن موقف الأسواق الناشئة والبلدان النامية غدا أكثر صعوبة مع تقلص فرص الوصول للأسواق المالية العالمية والتدهور الأعمق في الطلب علي السلع وأسعارها, إضافة إلي مافرضته الشواغل الأمنية بعد الهجمات من زيادة في تكاليف النقل الجوي وانخفاض في حركة السفر للسياحة وارتفاع في أسعار وتكاليف نقل السلع. وقد أوضح كوهلر أيضا أن الضعف الإضافي الذي سينتاب الاقتصاد الأمريكي من جراء الهجمات سيؤثر بصورة ملحوظة في بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي والمقاصد السياحية في جميع أنحاء العالم, وأن البلدان المدينة ذات الأسواق الناشئة ستتأثر من جراء عزوف المستثمرين الدوليين عن المخاطرة, وسوف تشعر الاقتصادات الآسيوية الناشئة بأثر انخفاض الطلب في البلدان الصناعية. كما أن انخفاض الطلب علي السلع الأولية وأسعارها, سيجعل الصورة أشد قتامة بالنسبة لمنتجي المواد الأولية. وقد حذر بنك التنمية الآسيوي من احتمالات تراجع النمو الاقتصادي العالمي إلي مستويات قريبة من تلك التي كانت سائدة في أثناء الأزمة المالية الآسيوية, عقب الهجمات الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة. وقال البنك ـ في بيان له ـ إن الاعتداءات ستساعد علي إطالة فترة التراجع الاقتصادي في آسيا لمدة6 أشهر علي الأقل مع توقع عدم انتعاش الاقتصاد قبل حلول العام المقبل. وأوضح البنك أن النمو الاقتصادي العالمي في عام2001 قد تراجع إلي2,2% وهي النسبة التي وصل إليها الاقتصاد العالمي عام1998 في ذروة الأزمة الآسيوية, وأشار إلي أن الفارق الوحيد بين الأزمتين هو أن الدول الصناعية هي سبب التراجع الجديد علي عكس الأزمة الآسيوية. وقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته السابقة عن نمو الاقتصاد العالمي في عام2002 من جراء أحداث11 سبتمبر. وجاءت تقديراته للنمو الأمريكي المتوقع في عام2002 بكامله متواضعة حيث لم يتعد0.7%, وهو مايمثل أسوأ أداء منذ الركود الأخير في1991. وكان الصندوق قد توقع, في أكتوبر2001, أن يشهد الاقتصاد الأمريكي في2002 توسعا يبلغ معدله2,2%. كما جاءت توقعات الصندوق بالنسبة لليابان, ثاني أكبر اقتصاد في العالم, هزيلة بدرجة لافتة للنظر, حيث من المنتظر أن يعاني الاقتصاد الياباني انكماشا, حيث من المتوقع ألا يزيد معدل النمو علي1,3%, بعد هبوط في النمو تعرض له عام2001 ليبلغ معدل النمو0,9%. وكان الصندوق قد توقع في أكتوبر2001, حدوث هبوط أقل حدة من اليابان, حيث كان من المنتظر أن يعاني الاقتصاد في عام2001 انكماشا قدره0,5%, لكنه توقع نموا موجبا يبلغ0,2% في عام2002. وقلل الصندوق من سقف توقعاته بالنسبة للنمو العالمي خلال عامي2001 ـ2002, ليبلغ2,4%, بعد أن خفض كثيرا من تقديراته للنمو المتوقع أن تحققه الاقتصادات الكبري في العالم. وصرح المدير العام للصندوق بأن واضعي السياسات يواجهون درجة استثنائية من عدم التيقن, في أعقاب الهجمات الإرهابية علي نيويورك, وواشنطن, وأضاف أن الموقف صعب بجلاء, وأعلن أن المعدل البالغ2,2% الذي توقع الصندوق أن يحققه النمو العالمي, يقل بأكثر من نقطة مئوية كاملة عن تقديرات شهر أكتوبر2001. ويقدر الصندوق أن يحقق الاتحاد الأوروبي نموا يبلغ1,4% عام2001, وهو ما يمثل تراجعا طفيفا عن نسبة الـ1,8% لعام2001 و2,2% لعام2002 التي تضمنتها توقعاته في أكتوبر2001. وتبدو تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية, التي تضم الدول الثلاثين الأكبر اقتصاديا في العالم, أقل تفاؤلا من تقديرات صندوق النقد الدولي, فقد قدرت المنظمة أن النمو الاقتصادي العالمي لن يزيد معدله علي1% في عام2001, وسيكون في حدود1,2% عام2002. وبرغم النظرة المتشائمة في تقديرات صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية, فإن دوائر البيزنس قد توصلت إلي تقديرات أكثر تشاؤما, ففي تقرير لكبري شركات الاستثمار الأمريكية مورجان ستانلي دين وينز ورد أن أحداث سبتمبر2001 وما تلاها قد أدت إلي انتقال الاقتصاد العالمي من مرحلة النمو المتباطيء إلي مرحلة كساد طويل, ووصف ستيفن روخ كبير الاقتصاديين في مورجان ستانلي دين وينز ما يمر به الاقتصاد العالمي بأنه أسوأ كساد عالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, وأنه سيكون أطول وأعمق من الكساد الذي عرفه العالم في منتصف السبعينيات وحتي أوائل الثمانينيات. خسارة العرب دونما شك, كانت المنطقة العربية أكبر الخاسرين سياسيا من أحداث11 سبتمبر وما تلاها, فقد تضررت صورة العرب أفرادا ودولا حاضرا ومستقبلا لأن الإرهابيين المشتبه بهم في حادث الطائرات الانتحارية خرجوا من المنطقة العربية.وبرغم إعلان الولايات المتحدة أن حربها في أفغانستان, ليست حربا بين الغرب والإسلام, فإن اليمين المحافظ الأمريكي أحيا مقولة صموئيل هنتنجتون الدعائية حول صدام الحضارات ليصور الحرب وكأنها صدام بين الحضارة الغربية والحضارة العربية الإسلامية, وسعي إلي مد نطاق الحرب لتشمل دولا عربية مثل العراق دونما دليل علي تورط أي دولة عربية في هجوم الطائرات الانتحارية في11 سبتمبر. كما خسر العرب سياسيا علي صعيد القضية الفلسطينية, حيث استغلت إسرائيل انشغال العالم في الحرب ضد الإرهاب, ذريعة لمواصلة حربها ضد الفلسطينيين وتصفية السلطة الوطنية الفلسطينية وإجهاض اتفاق أوسلو, ولم تكن خسارة العرب سياسية فقط, بل كانت اقتصادية أيضا, فالاقتصادات العربية التي لم تجن من مغانم العولمة إلا قليلا بسبب بطء اندراجها في موكبها, تحملت نصيبا كبيرا من مغارم العولمة بعد أحداث سبتمبر بسبب اعتمادها علي الاقتصادات الغربية المتقدمة. وقد أكدت تقديرات اللجنة الاقتصادية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة, أن أحداث11 سبتمبر2001, أدت إلي انخفاض معدل النمو في المملكة العربية السعودية من4,5% عام2000 إلي2,5% عام2001, وإلي1,8% عام2002, وفي الكويت من4% إلي1,7% إلي1,5%, وفي الإمارات من6,5% إلي3,5% إلي2,5%, وفي عمان من4,6% إلي3,5% إلي2%, وفي مصر من5,5% إلي3,5% إلي3% علي التوالي. كما شهدت أسواق الأسهم العربية انخفاضا كبيرا بعد أحداث سبتمبر وحتي نهاية عام2001, بنسبة20,8% في مصر, و9.3% في السعودية, و11% في عمان,6,69% في المغرب, و3,16% في لبنان, و5,81% في الكويت, و4,11% في البحرين. وقد كان قطاع البترول من أكثر القطاعات الاقتصادية العربية تضررا. فقد تراجع الطلب العالمي علي البترول بسبب تراجع معدلات النمو الاقتصادي والتأثيرات السلبية لأحداث سبتمبر علي حركة السياحة والطيران. ولذلك تراجع متوسط سعر برميل البترول من27,6 دولار عام2000 إلي22 دولارا عام2001, بانخفاض يزيد علي نسبة20%, الأمر الذي أدي إلي انخفاض عائدات البترول في الدول العربية بحوالي23%. كما تراجعت حركة السفر جوا من وإلي المنطقة العربية بنسبة35% بعد أحداث سبتمبر2001, وقامت شركات الطيران العالمية بإلغاء بعض الخطوط وتقليص عدد الرحلات علي خطوط أخري. وقدرت منظمة الطيران العربية خسائر شركات الطيران العربية بما يزيد علي10 مليارات دولار بنهاية عام2001, كما انخفضت إشغالات الفنادق في المنطقة العربية بنسب تتراوح بين30% و70% لينخفض دخل السياحة في المنطقة بنحو10 مليارات دولار. وتأثرت ـ كذلك ـ بأحداث11 سبتمبر تدفقات الاستثمار إلي المنطقة العربية تأثرا سلبيا, وطبقا لتقديرات مؤسسة التمويل الدولية, فقد انخفضت تدفقات رؤوس الأموال الخاصة إلي الأسواق الناشئة في العالم من166 مليار دولار عام2000 إلي106 مليارات دولار عام2001, وتبعا لذلك انخفضت تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة إلي المنطقة العربية من4,6 مليار دولار عام2000 إلي3,5 مليار دولار عام2001, كما تأثرت الاستثمارات العربية في الخارج والتي تقدر بحوالي800 مليار دولار, بالكساد في الدول الصناعية المتقدمة, خصوصا في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية, بالإضافة إلي أن تلك الاستثمارات أصبحت مهددة بمخاطر التجميد في إطار الحملة الدولية ضد الإرهاب التي تطول مؤسسات وأفرادا لمجرد الاشتباه دون دليل أكيد, ولا يعول كثيرا علي عودة جانب كبير من الأموال العربية في الخارج إلي المنطقة العربية التي قد تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي إذا وصلت الحملة إلي أراضيها. خاتمة كما سلف القول, يتفق كثيرون علي أن عالم ما قبل11 سبتمبر2001, ليس هو بأي حال عالم ما بعد هذا التاريخ, وأن الخسائر المباشرة مهما علت, تبدو شاحبة وعديمة الشأن بالمقارنة بالنتائج غير المباشرة لما حدث في ذلك اليوم المشهود.. ذلك أنه مثلما تهاوي في لمح البصر برجا مركز التجارة العالمي وكأنهما من ورق, بدأت تتهاوي مسلمات كثيرة, كانت تحكم معتقدات وأفكار الناس والحكومات والأمم, ولن تتبدي الآثار الكاملة لمرواجعة كل الأحكام التي كانت تحكم عالم ما قبل يوم الدينونة وعرض الطائرات الدامي والمثير, إلا بعد أن ينقشع تماما غبار البرجين, وعواصف المعارك العسكرية التي اكتسحت أفغانستان انتقاما لما حدث. صحيح أن العالم كله ساير رد الفعل الأمريكي أو لم يعترض عليه, تعاطفا حقيقيا أو خوفا من ثورة الغضب الأمريكي, أو دفعا للاتهام أو عجزا عن التصدي, لكن سيبدأ الجميع, آجلا أو عاجلا, في إعادة حساباتهم وجمع وطرح مكاسبهم وخسائرهم, وإعادة النظر في كل سياساتهم في ضوء الدروس المستفادة من ذلك اليوم. والواقع أن الولايات المتحدة لم تهنأ كثيرا بوضع القطب الواحد صاحب الأمر والحق في الطاعة من الجميع, ولم تكمل هيمنتها بعد اندحار السوفيت, ومن لف لفهم ولم يمر عليها عقد من الزمان, إلا وتعرضت لقدر من المهانة ستتضاعف تداعياته علي مر الزمن. والمتوقع ان إذعان الدول المتقدمة للدور الأمريكي, لن يعود بنفس قوته, فالجميع سيحسبون ماذا سيكسبون, وماذا سيخسرون, في ضوء ما أثبته يوم11 سبتمبر من أن الدولة العظمي الوحيدة معرضة للمعاناة هي أيضا. وقد أكد هورست كوهلر مدير صندوق النقد الدولي في بيان له أمام المجلس التنفيذي للصندوق أنه في أعقاب هجمات11 سبتمبر, وما اعتري الاقتصاد الأمريكي من ضعف, يتعين علي المجتمع الدولي أن يتضافر لقيادة نهج منسق لمواجهة الموقف الدولي المتدهور, مما يعني أنه لم يعد يؤمن بدور القاطرة الأمريكية المحركة. خلاصة القول أن استسلام الكبار للدور الأمريكي, لن يعود كسابق عهده. أما دول العالم الثالث, فيتعين عليها أن تسعي لتحقيق مزيد من حرية الإرادة دون مناطحة أو مزايدة, وفي ضوء احترام الأوزان النسبية لكل الأطراف. إذا كانت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر لحظات فاصلة بين عالم ما قبلها وعالم ما بعدها, كما كتبت مرارا, فإن قدرة هذه التفجيرات علي التأثير في التاريخ المعاصر للمجتمع الدولي ترتبط باستجابة المجتمع الأمريكي قبل أي مجتمع آخر لمعني ومغزي هذه الأحداث, ووسط الضجيج السياسي والعسكري في الولايات المتحدة, تظهر مؤشرات علي أن التغيير قد بدأ في دوائر أخري غير سياسية وغير عسكرية. وقد لمحت في الاستطلاع الذي بثته شبكةABC الأمريكية لآراء عدد من أبرز الكتاب والمفكرين الأمريكيين حول ما حدث في الحادي عشرمن سبتمبر, إشارات إلي أن تغيرا يجتاح العقل الأمريكي, فأحد الروائيين الأمريكيين يقول إن تأثيرات إيجابية علي الحياة الأمريكية تطل من بين حطام الأبراج الضخمة في نيويورك, وهي تأثيرات تدفع الأمريكيين إلي إعادة التفكير في المشاعر والدوافع ومراجعة الحسابات وأوراق التاريخ, لقد اكتشفنا أننا نعرف جيدا كيف يمكن أن يصبح الفرد منا طبيبا أو مهندسا أو محاميا ناجحا, ولكننا لم نعرف كيف يصبح الإنسان منا إنسانا, فمن بين الأنقاض تنطلق روح جديدة تحوم علي المدينة الحزينة تجعل الناس أكثر لطفا, وأكثر قدرة علي التعامل الإنساني مع الآخرين. وهذا مؤرخ أمريكي بارز يقول: إننا علي مدي الأعوام العشرة الماضية, ومنذ انتهاء الحرب الباردة, أقمنا حفلا صاخبا سيطر علينا فيه المرح واستغرقنا وقتا طويلا في متابعة تفاصيل الحياة الخاصة للرئيس, وخضعنا للوهم, فأغفلنا أننا بسياساتنا أوجدنا أعداء كثيرين, لقد اعتدنا أن نكون القوة الرئيسية في العالم وأن نحارب بدون ضحايا مستندين إلي قوتنا التكنولوجية المخيفة, وجاءنا التحدي فجأة من حفنة من البشر لايشكلون أمة ويسكنون الجبال بلا منازل. وتكشف التطورات الأخيرة ــ أيضا ــ عن مظاهر عامة جديدة بدأت تظهر في المجتمع الأمريكي. فكثيرون قد تخلوا عن الاهتمام بالصحف الصفراء ومتابعة أخبار النجوم, وعدم الاهتمام بالشئون السياسية وتجاهل العالم الذي تعيش شعوبه خارج الأراضي الأمريكية وحل محل كل ذلك شعور جديد وإدراك جديد للتطورات التي تتداعي خارج أمريكا. برغم أنه لايمكن التراجع عن العولمة, وهو ما أكده اجتماع الدوحة لمنظمة التجارة العالمية, فإن اعادة تصميمها باتت قضية ملحة. ومما يبشر بالخير أنه رغم أحداث سبتمبر, والجمرة الخبيثة, والحرب في أفغانستان, والخوف من هجمات ارهابية جديدة, أو مظاهرات مضادة علي غرار مظاهرات سياتل, وجنيف وبراج, وجنوا, فإن الدول الصناعية الكبري, أصرت علي عقد المؤتمر في موعده, دون تغيير يذكر في جدول أعماله, برغم حادث إطلاق النار علي قاعدة أمريكية, قبل انعقاد المؤتمر بيومين, والمعني واضح هو أن الهجمات الإرهابية لايجوز لها أن تؤثر في الاقتصاد الحر, وحرية التجارة, وتدفق رؤوس الأموال, وتأكيد أن العولمة قائمة, حتي وإن استفادت منها الجماعات المناوئة لها. ولقد جاء انعقاد المؤتمر في منعطف انساني لم يسبق للبشرية أن صادفته, حتي في الحربين العالميتين الأولي والثانية, ولا في أزمة الخليج الثانية, ولا حتي في مظاهرات الغاضبين من منظمة التجارة العالمية في الأعوام السابقة, فهو يأتي في ظل تداخل إرهاب معولم, مع اقتصاد معولم أيضا. ولتجاوز فشل مؤتمر سياتل أبدت الدول الغنية تفهما في مؤتمر الدوحة لاوضاع الدول الفقيرة, فجاءت المناقشات أكثر مرونة, خاصة من دول الاتحاد الأوروبي, وعلي رأسها فرنسا. واللحاق بقطار العولمة التي يتعين اعادة تشكيلها, مادام لامفر منه, جعل الصين العضو رقم143 في منظمة التجارة العالمية, وهي سادس أكبر دولة في العالم من حيث ناتجها المحلي الإجمالي, الذي يتجاوز450 مليار دولار, وبذلك سبقت الصين روسيا الدولة الثانية في العالم من حيث التسليح, في دخول معترك العولمة ولاتفوتنا ــ هنا ــ الإشارة إلي أن دخول الصين يعني أن تتخلي عن أيديولوجيتها الاقتصادية قليلا, لأن العولمة أمر واقع, ومن يختار العزلة عن العالم سوف يخسر اقتصاديا وحتي سياسيا. وإذا أرادت الدول الكبري ــ وتحديدا إذا أرادت الولايات المتحدة ــ أن تطور العولمة, لتصبح أكثر عدالة, فعليها أن تأخذ في الحسبان تفاعلات شعوب العالم الثالث, حتي لاتصبح العولمة ذات اتجاه واحد, يأتي من الغرب المتقدم إلي بقية دول العالم, فيواجه بالرفض والعنف, وهو أمر يجد مبرره لدي قطاع عريض في العالم الثالث, وداخل أوروبا نفسها, بسبب غياب العدالة الدولية. وهذا لن يكون مجرد عمل خيري, بل انه يتفق مع المصالح الاقتصادية طويلة الأجل للغرب وللولايات المتحدة في الأساس, لأن الصعود الجماعي هو الذي يدرأ عنهما مخاطر الانتكاس والتقلبات الوردية. * العولمة والعالم الثالث: ليس من المبالغة القول بأن أضرار11 سبتمبر كانت أقسي علي العالم الثالث منها علي أمريكا نفسها, فالعالم النامي يعاني بالفعل متاعب كبيرة فاقمها ما حدث, دون أن تتوافر له القدرة علي التغلب علي النتائج. ومن ثم فإن أحداث هذا اليوم, أبرزت حاجة العالم الثالث إلي نوع جديد من العولمة. منذ أن بدأت دول الجنوب أو ماتسمي بدول العالم الثالث النامية في الحصول علي استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية, والهاجس الرئيسي الذي يشغل جميع الأذهان في هذه الدول هو: كيف يمكن تحقيق التنمية؟. وبعبارة أخري فإن التساؤل هو: كيف يمكن لهذه الشعوب التي تحررت من ربقة الاستعمار أن تتحرر من ربقة التخلف والجهل, الذي ران علي صدورها عقودا, بل قرونا طويلة من الزمن؟ وهذا التساؤل يعني أن هذه الشعوب كانت, ولاتزال, تدرك أن التخلص من الاستعمار والحصول علي الاستقلال, لا يكفي لتتحول حياة الشعوب من فقر إلي غني, ومن تخلف إلي تقدم وإنما لابد من إنجاز بشري هائل يعيد بناء هذه الدول, ويعيد تأسيس مجتمعاتها, عبر ابتكار أساليب رشيدة وعصرية لتنمية الموارد وزيادة الإنتاج, وتحسين الخدمات, والارتقاء بالثقافة, وبشروط الحياة الاجتماعية والروحية للانسان. ولابد من الاعتراف بأن ماتم انجازه في العالم الثالث بشأن التنمية والتقدم, يعد ضئيلا بالقياس إلي فترة الاستقلال التي تقترب من نصف قرن, ويعد هامشيا إذا ماقورن بالقفزات الهائلة والمتسارعة التي يتحرك بها العالم المتقدم, مما زاد من حجم اتساع الفجوة بين الشمال والجنوب, أو بين الدول الاستعمارية سابقا, ومستعمراتها التي حصلت علي استقلالها لاحقا. ولا خلاف كذلك حول نتائج وحصيلة عمليات التنمية التي جرت في الكثير من دول العالم الثالث, والتي تعد نتائج محدودة وحصيلة غير كافية, إذا ماقورنت بحجم الآمال والطموحات والتطلعات التي رافقتها وتعلقت بها, فهناك إحساس لاتخطئه العين يسود بين القطاعات الواسعة من شعوب العالم الثالث, بأن هناك نوعا من الاحباط وخيبة الأمل, من جراء تعثر تجارب التنمية في هذه الدول. ولقد لمسنا هذه المشاعر, ونحن نتابع أعمال القمة العاشرة لمجموعة الــ15 بالقاهرة, فهناك جامع مشترك يجمع بين كلمات ومداخلات كل الزعماء والقادة الذين تحدثوا أمام القمة, هذا الجامع المشترك هو أن كل هؤلاء الزعماء والقادة يحلمون, ويأملون, ويعملون من أجل انطلاقة أفضل وأكثر نفعا وجدوي لعمليات التنمية من أجل شعوبهم ودولهم. الواقع أن دول الجنوب وشعوبها في حاجة إلي استراتيجية سليمة, تمكنها من تفادي مخاطر العولمة وتمكنها من الاستفادة مما تحمله من فرص إيجابية, والحقيقة أن مصر قد بلورت هذه الاستراتيجية وعبرت عنها وأعلنتها علي المجتمع العالمي, في الخطاب المهم الذي ألقاه الرئيس مبارك في منتدي دافوس الذي عقد في سويسرا خلال الفترة من29 يناير إلي2 فبراير من عام2000, فقد تحدث مبارك عن رؤية دول الجنوب للاوضاع الاقتصادية العالمية, مؤكدا أنه ليس من العدالة في شيء أن ينفرد عدد قليل من الدول المتقدمة, وعدد أقل من المؤسسات المالية الدولية, باتخاذ القرارات المصيرية التي تؤثر علي العالم كله, دون أن يجري نوع من الحوار البناء والتفاعل المتكافيء مع الغالبية العظمي من الدول التي يتم تهميشها. وهنا وضع مبارك خمس حقائق نظن أنها مازالت وستظل تمثل جوهر الأزمة الاقتصادية العالمية. ** الحقيقة الأولي: هي أن أعداد الذين يعانون الفقر في العالم يزدادون بصفة مطردة كل عام, علي الرغم من الحديث البراق عن فوائد العولمة.** والحقيقة الثانية: أن هناك إحساسا متناميا لدي الأسواق الصاعدة في الدول النامية, ومنها مصر, وكثير من دول العالم الثالث, بأن هناك ظلما ملموسا في النظام الاقتصادي العالمي, وأن هذا الظلم قد يؤدي إلي نسف المكاسب والنجاحات التنموية التي حققتها الدول النامية خلال سنوات من العمل والعرق والجهد والعناء الطويل. ** والحقيقة الثالثة: أن كثرة الحديث عن العولمة كواقع لاتعني استقرار الاقتصاد العالمي, بل هناك حالة من الاضطراب في الاسواق العالمية, واضطراب مماثل في أداء المؤسسات المالية, مما ينعكس بالسلب علي الأسواق الناشئة في الدول النامية. ** والحقيقة الرابعة: هي ماتنطوي عليه العولمة الاقتصادية من فوضي ظاهرة للعيان, وأبرز دليل علي هذه الفوضي هو انعدام الرقابة علي أسواق المال, وغياب التنسيق فيما بينها. ** وآخر هذه الحقائق, وأكثرها أهمية: هي غياب الحوار الفعال والمنظم بين دول الشمال الغنية, ودول الجنوب الفقيرة. * العرب والعولمة نحن في الوطن العربي في حاجة شديدة لأن نفكر في المستقبل بعقلية المستقبل, وليس بعقلية الماضي ــ خاصة ماضي ما قبل11 سبتمبر ــ التي لاتزال تسيطر علي طريقة تفكير الكثيرين ممن يشتغلون بساحة العمل العام, فالعالم من حولنا يتغير, وطرق التفكير تتطور, ومصادر القوة تشهد تحولات غير مسبوقة, وهناك الكثير من المجتمعات والدول التي تنتمي ــ تقليديا ــ إلي معسكر الجنوب والعالم الثالث, بدأت تنفض عن نفسها غبار الفكر التقليدي, وبدأت تخترق حواجز التخلف, وتقترب شيئا فشيئا من عضوية نادي التقدم والنهضة المعاصرة التي ترتكز علي ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال, وماتسمح به من فرص الانجاز والتفوق. ووفقا لمعايير ثورة المعلومات, فإن الوطن العربي مازال علي الاعتاب, ولم يستطع حتي اليوم أن يدخل بقوة في غمار هذا التطور الحاسم. وبالأرقام, فإن عدد أجهزة الكمبيوتر في الوطن العربي يقدر الآن بنحو750 ألف جهاز كمبيوتر, أي مايعادل جهازا واحدا لكل333 مواطنا عربيا, وإذا أردت أن تدرك حجم الفجوة الشاسعة بيننا ــ في العالم العربي ــ وبين العالم المتقدم, فعليك أن تعلم أن في الولايات المتحدة الأمريكية جهاز كمبيوتر لكل اثنين من المواطنين! وحسبما يذكر الدكتور رأفت رضوان, فإن سكان العالم العربي, يمثلون5% من سكان العالم, وعلي الرغم من هذا فإن مايملكونه من أجهزة كمبيوتر يمثل أقل من1 في المائة مما يملكه العالم! وفيما يخص برمجيات الكمبيوتر, فلدي العالم العربي قدرات متوافرة ــ خاصة في مصر ــ لتطوير وتعميم البرامج في الدول العربية, وعلي الرغم من ذلك, لم يتم حتي الآن تحويل هذه القدرات المتوافرة إلي طاقات انتاجية مؤثرة. وعلينا, في العالم العربي, أن ندرك أن صناعة وخدمات الاتصالات, هي مصدر هائل لتحقيق الإيرادات التي زادت قيمتها علي تريليون دولار وفقا لإحصاءات عام1998, وهذا يعني أن مجال الاتصالات يمثل صناعة مهمة لها تأثير قوي مباشر وغير مباشر علي كل الصناعات والخدمات الأخري, وهذا معناه أن مجال الاتصالات يمثل واحدا من المحاور الأساسية للتنمية في الاقتصادات المعاصرة. * العولمة والعدالة الحديث عن العولمة, والديموقراطية, والسوق الحرة, لن تكون له قيمة, أو مضمون, مالم يكن مصحوبا بالحديث عن العدالة, والحديث عن نظام اقتصادي دولي عادل, يضفي قدرا من المصداقية علي أحاديث العولمة, وينقذ العالم مما هو مقبل عليه من تفاوت صارخ يقسم سكان الكرة الأرضية إلي أقلية مترفة أشد الترف, وأغلبية فقيرة فقرا صارخا يحط من كرامة الإنسان, ويفقد العالم ما يصبو إليه من تعاون وانسجام واستقرار. وهذا هو جوهر ما أكده الرئيس مبارك أمام القمة العاشرة لمجموعة الــ15, وهو كذلك جوهر الهم العالمي الذي يحمله الكثيرون من الحريصين علي مستقبل البشرية, بما في ذلك أصوات إنسانية عاقلة ورصينة داخل العالم الرأسمالي نفسه, بل داخل أمريكا وأوروبا الغربية, وليست خافية علي أحد دلالات الأحداث الدامية التي انفجرت في سويسرا وعدد من عواصم أوروبا, ثم في سياتل الأمريكية, حيث ظهرت موجات واسعة من الاحتجاج علي الوجوه السلبية للعولمة, التي بدأت تظهر العديد من وجوه قسوتها, ولن ينقذ العالم منها سوي أن تتكاتف القوي المخلصة للدعوة إلي تأسيس نظام اقتصادي عالمي عادل, لايكون فيه الثراء الفاحش حكرا علي أقلية ضئيلة من رموز الرأسمالية العالمية بشركاتها ومصالحها العابرة للقارات, بينما تعيش أغلبية البشرية في عوز وفقر بلا حدود. إن العالم الذي تحول إلي قرية صغيرة, لن يتهيأ له الاستقرار, مالم يكن العدل شريعة دولية ثابتة ومستقرة, وحرية الأسواق لاتنطوي ــ بالغريزة ــ علي قيم العدل, بل هي ــ بطبيعتها ــ تنطوي علي قيم الأثرة والأنانية والاستحواذ واذ كانت القوي الرأسمالية الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية تروج لفكرة سوق عالمية حرة واحدة, فنحن لانعترض علي ذلك, ولكن نعرض شرطا نستمسك به, ولانقبل التراجع عنه, وهو أن تكون هذه السوق سوقا عالمية حرة وعادلة أيضا في الوقت نفسه. ينبغي أن يكون ترشيد العولمة هو نقطة الانطلاق التي علي أساسها نحدد مواقفنا منها, باعتدال وبمنهج علمي دون تزيد أو تشنج. فلا شك أن العولمة مدت ظلالها علي عالم مابعد الحرب الباردة, ولاشك ــ كذلك ــ أن هذه العولمة تنطوي علي ايجابيات ومكاسب وفرص واعدة, مثلما تنطوي علي مخاطر وخسائر وتهديدات محتملة, خاصة لاقتصادات الدول النامية, التي لم يتوافر لها الحد الأدني من الشروط التي تجعلها قادرة علي الابحار في محيط العولمة العاصف, أو أن تكون قادرة علي الثبات في لعبة المنافسة الجارية وسط الأمواج الدولية المتلاطمة... فها نحن ننظرحولنا في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية, لنري شعوبا بأكملها يتهددها خطر المجاعة, فلا يجد الناس فيها رغيفا من خبز, أو كوبا من ماء أو جرعة من دواء أو قطعة من كساء, وبذلك يكون من غير المعقول أن نتحدث عن دخول هؤلاء الناس عصر الثورة المعلوماتية, أو امتلاك جهاز كمبيوتر, أو الاستفادة من شبكة الإنترنت, والتفاعل معها. لهذا, فإن مصر وهي تدرس مخاطر العولمة, لاتتحدث عن نفسها فقط, وإنما تسعي جاهدة لتكون الضمير الحي الذي يعبر عن مخاوف كل دول الجنوب الفقيرة, وشعوبها المغلوبة علي أمرها, دون اللجوء إلي صدام حاد بين آمال وآلام الضمير ــ وهي مشروعة ــ وحقائق الواقع الذي صارت إليه العولمة في الوقت الحاضر, فالمطلوب هو وضع سياسة عملية حكيمة, تقاوم الوجه المتوحش من وجوه العولمة, وتدعم الجانب الإيجابي من جوانبها. فليس هناك مجال لاتخاذ مواقف حادة ومتطرفة كتلك التي تنادي بالاندماج غير المشروط الذي يصل إلي حد الذوبان في بحر العولمة, أوتلك التي تنادي بمقاومتها والانعزال عنها والإصرار علي عدم المشاركة فيها. كل من هذين الموقفين, قد يختلف في الشكل والمظهر, وقد يختلف في المقومات, ولكنهما يتفقان في النتائج, وهي ــ في كل الأحوال ــ نتائج لن تكون في مصلحة الدول النامية, ولن تخدم طموحات شعوب الجنوب الفقيرة والمحتاجة. عن الاهرام المصرية |