الدين والسلام عند كانط

الدين والسلام عند كانط

فريال حسن خليفة

القاهرة: مصر العربية للنشر، 2001، 162 صفحة

ما يستحق البحث هو أن نرى كيف يمكن للعقل الإنساني أن يستمر في معرفة الله؟

هذا ما شغل (كانط) في إطار بحثه في علم اللاهوت وتصنيفاته، ويميز (كانط) بين اللاهوت العقلي واللاهوت التاريخي والأول معرفة مؤسسة على العقل، أما الثاني فمعرفة مؤسسة على الوحي، وينحاز بشكل واضح للنوع الأول إذ يرى أن اللاهوت التاريخي – المستند إلى الوحي – يمزق وحدة الجنس البشري في أشكال إيمانية متعارضة.. (ولا يمكن أن تتوحد هذه العقائد التاريخية لأن توحدها معناه أن تنشأ عقيدة تاريخية جديدة تميز ذاتها عن العقائد التاريخية السابقة).

ربما يوحي هذا الذي قاله (كانط) بعدم إيمانه المطلق بالوحى، لكن (كانط) ينفي عن نفسه هذا الاتهام معززاً دفاعه بتصورات نظرية عن الإيمان العقلي، وتشير المؤلفة إلى فروق أساسية بين رؤية كانط ورؤية جان جاك روسو، إذ لم يكن روسو ناقداً للنقل والتقليد فحسب، بل انتقد الوحى والرسالات التي جوهرها الحقيقي هو الشعور، والشعور طبيعي وفطري عند البشر.. (فالموجود الأسمى (الله) وقانون الطبيعة فطريان في كل قلب).

لهذا يقف روسو موقفاً سلبياً من كل الأديان السماوية والمعتقدات غير السماوية، رافضاً أي وسائط بين الله والإنسان.

أما (كانط) فيرى في الإيمان التاريخي، إيمان الوحي المسبق، خضوعاً وسلبية، إيمان يرى الوحي والأوامر الإلهية دليلاً للتعامل مع الله وليس الإنسان، فيحول الدين إلى خدمات وعبادات وطقوس وشعائر، وهو إيمان يرتبط بقاؤه بالتقليد والنقل، ويعتمد في ثبوت صدقه على المعجزات والأسرار، وجميعها – حسبما يقول (كانط) – نوافل لا لزوم لها في الدين الأخلاقي.. (لأنه إيمان يقوم على استعداد القلب ليحقق الإنسان كل واجباته الإنسانية نحو البشر بوصفها أوامر إلهية).

والإيمان التاريخي عند (كانط) يغرق البشر في طوفان من الطقوس الجوفاء التي تخلق روح التعصب عند الشعوب بحيث لا تتنفس إلا القتل والمذابح، و(تضع الشعوب في حالة حرب مع جميع الشعوب الأخرى). إذ تسعى كل عقيدة لتوسيع دائرتها الخاصة واجتذاب أتباع جدد إليها وهو ما يسميها (الانفتاح السلبي للعقيدة)، وهو سلبي إذ لا يقوم على الحرية والعقل والاختيار، وإنما يشجع التعصب الذي يغيب العقل، والمؤلفة تشير إلى احداث معاصرة ألهبت نيرانها روح التعصب الديني والعقائدي مثل الحروب في البوسنة والهرسك والشيشان والحرب الأفغانية والعراق وإيران وشمال السودان وجنوبه والهند وباكستان والصراع بين اليهود والمسلمين.. الخ.

والإيمان الأخلاقي كما يسميه (كانط) مجرد من دواعي الصراع والحروب لأنه لا يقوم على تعصب لعقيدة بعينها، بل يقوم أساساً على الإرادة الحرة في الاختيار التي تسعى إلى تحقيق الخير الأقصى الذي يفترض وبشكل مبدئي وجود الله وخلود النفس، والدين الأخلاقي عملي يقدس الله ويحبه، ليس بالاحتفالات والطقوس والشعائر – كما يقول كانط – وإنما بعمل ما يريده نحو إسعاد ذواتنا والبشرية وتحقيق الخير لها، أما البشر فبواعثه مردها أيضاً الإنسان الذي يفتقر إلى الإيمان الأخلاقي الذي تربطه بالعقل علاقة قوية، ولذا فإن السلام الذي يقيمه الدين الأخلاقي بين البشر سلام دائم تسنده أسس أخلاقية.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا