الأصولية.. صناعة يهودية قديمة التاريخ يؤكد ذلك.. وشهادات الغرب أيضا |
ميادة العفيفي تبدو أصولية القرن العشرين شديدة التعبير عن التطورات الدينية, لدي( هؤلاء الأتقياء) من كل عقيدة, والذين عملوا وفق معتقداتهم الدينية علي محاربة ملامح المجتمع الحديث, فتسلحوا وقتلوا من رأوا أنه يخالف قوانين الله كما يعرفونها, قتلوا العلماء والأطباء والمفكرين, وحتي رؤساء دولهم, وحاولوا إسقاط حكوماتهم والوصول إلي السلطة. ولكن الأصولية اليهودية وتطرف اليهود كانت الأكثر تدميرا, والأقدم ظهورا, وحتي لا يكون كلامنا ثقيلا علي شارون ورفاقه, كان لابد أن نعود إلي شهادات الغرب, واعترافات اليهود أنفسهم! كارين آرمسترونج, الراهبة السابقة, ومؤلفة كتابي الحرب باسم الله والتاريخ المختصر للإسلام, وكتاب تاريخ الله الذي يعد واحدا من أفضل الكتب مبيعا خلال السنوات الماضية هي واحدة من أنجح الباحثين في مجال نشأة الأصولية في الديانات الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية, وتعد أبحاثها في هذا المجال مرجعا رئيسيا وأكاديميا لا يستهان به, وفي رصدها لظاهرة بزوغ الأصولية في القرن العشرين تقول: لقد جاءت الأصولية في بدايتها, مجرد ممارسة من العامة في كل عقيدة, للطقوس والشعائر الدينية, بشكل أكثر ورعا وتقي, وقلة فقط من هؤلاء الأصوليين هم الذين قاموا بأعمال إرهابية وركزوا علي الحصول علي السلطة, لكن أكثر الأصوليين تقيدا بالقانون وميلا إلي السلم ظلوا في حالة من الارتباك والحيرة والتعقيد, تجاه القيم الإيجابية للمجتمع الحديث, ولم يكن لدي الأصوليين وقت للديمقراطية أو التعددية الحزبية, أو التسامح الديني أو الحفاظ علي السلام أو الخطاب الحر, أو فصل الكنيسة عن الدولة, فالأصوليون المسيحيون قاوموا الاكتشافات العلمية الخاصة بعلوم الأحياء والفيزياء, وأصروا علي أن كتاب سفر التكوين يبدو علميا في جميع تفاصيله ولا يحتاج إلي إضافات من أي نوع, وفي الوقت الذي كانت غالبية البشرية تلقي بقيود وأصفاد الماضي, أظهر الأصوليون اليهود أن قانونهم المقدس, الذي مارسوه بصرامة وتشدد, هو القانون الدولي الوحيد القابل للتطبيق, وقد تبعهم الأصوليون المسلمون في تحويلهم للقضية العربية ـ الإسرائيلية, من قضية دنيوية إلي قضية دينية خالصة. وتؤكد آرمسترونج أن التطرف أو الأصولية, لم تقصر نفسها علي الديانات التوحيدية, بل إنها طالت حتي الديانات البوذية والهندوسية والكونفوشيوسية, التي اتجه ابناؤها إلي القتل والحرب باسم الدين, تحت شعار الأصولية في محاولة لجذب كل ما هو مقدس وديني إلي عالم الدنيا والسياسة والكفاح القومي. إن التمرد باسم الدين دفع ملاحظيه إلي الدهشة, ففي السنوات الوسطي من القرن العشرين هناك اتجاه عام نحو التسليم بأن العلمانية أصبحت اتجاها عالميا يتعذر إلغاؤه أو تحويله, وأن الدين لن يلعب مرة أخري دورا رئيسيا في أحداث العالم, وظن هؤلاء المتمردون أن الإنسان الذي أصبح أكثر عقلانية, لم يعد لديه احتياج للدين, وأن الدين سوف يقتصر علي حل الأمور السطحية والمناطق الخاصة في حياة الإنسان. وتري كارين آرمسترونج أن اليهود كانوا أول من أقبل علي التطرف الديني, لأنهم ـ تماما كما حدث في العصر المحوري ـ عانوا أزمة عدم العدالة الاجتماعية, ووجدوا أن مدينة العصر الحديث هي السبب وراء اضطهادهم ومعاناتهم, فهم بكل ما يحملونه من خرافات دينية وأساطير, لم يعودوا مقنعين لعقلية عصر العلم والتكنولوجيا, وهم مع شعورهم بالدونية الذي عاصروه علي يد المجتمع المتدين, الذي يؤمن بالنصرانية الغربية في نهاية القرن الخامس عشر دفعوا إلي ضرورة استخراج مخزونهم من الحيل البارعة والمباديء الدينية والخرافات والأساطير التي تمنعهم من إعادة سلطة الدين في الحصول علي حقوقهم المهضومة علي يد الغرب النصراني, ولقد استمروا في إخراج وتدوير هذا المخزون لسنوات, حتي أصبح فيما بعد حقيقة مقنعة للغرب إلي حد ما, وممارسات شائعة في العالم الحديث, واتجاهات نحو المزيد من التطرف الديني, لإخضاع العقل لسيطرة الدين. وعلي الرغم من محاولات بعض الأحبار والمفكرين اليهود إبعاد تهمة التطرف الديني الإرهابي عن أبنائهم وشعبهم, إلا أن بعض المفكرين قد حاولوا أن يكونوا أكثر صدقا وموضوعية في رصد ملامح الطفرة الكبيرة التي حدثت في النمو الأصولي الإسرائيلي المتطرف خلال السنوات الأخيرة, والذي ظهر جليا في المواقف الواضحة ضد عملية السلام, والذي لعب دورا رئيسيا في اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق رابين, وقتل29 مسلما أثناء الصلاة علي يد المتطرف اليهودي أمريكي المولد, جولد شتايين. وفي كتاب مهم نشر حديثا, هو( التطرف اليهودي في إسرائيل), قام كل من إسرائيل شاحاك ونورتن مينرفينسكي, مؤلفا الكتاب, برصد دقيق لهذه الظاهرة في دولة إسرائيل الحديثة, وقد أرجعها المؤلفان إلي الجذور التاريخية وتطور التطرف اليهودي مختبرين عناصر متنوعة, موضحين الميل الفوضوي الذي يعتقدان أنه الأكثر خطورة في هذه المرحلة. إسرائيلي شاحاك, أحد اليهود الناجين من مذابح( الهولوكست) وهو أستاذ جامعي متقاعد في الجامعة العبرية, وأحد المناضلين في جمعيات حقوق الإنسان, أما نورتن مينرفنسكي, فهو أستاذ التاريخ في جامعة سنترال كونكتكت, والذي له العديد من المؤلفات التي تمس الشرق الأوسط في العصر الحديث, ويشير المؤلفان إلي أن المناصرين للأصولية اليهودية في إسرائيل يقاومون العدالة الاجتماعية والمساواة, التي هي من حق جميع المواطنين خاصة هؤلاء( غير اليهود) ويشيران إلي الدراسة التي قام بها عالم الاجتماع اليهودي, بورش كيميرلنج والتي قال عن نتائجها: إن قيم الدين اليهودي علي الأقل في جانبه الأرثوذكسي والقومي الذين ينتشر في إسرائيل الآن لا يمكن أن تتماشي أو تنسجم مع قيم الديمقراطية ولا توجد أي متغيرات لا القومية ولا القيم الاجتماعية أو الاقتصادية ولا التعليمية, يمكنها أن تؤثر علي السلوك الذي يتبناه اليهود الإسرائيليون ضد الديمقراطية, خاصة هؤلاء اليهود مفرطي التدين. ويظهر المؤلفان, قلقهم المتزايد تجاه هذه الميل ـ بصفة خاصة ـ الذي يظهر المتطرفين اليهود من ازدراء تام تجاه كل من هو غير يهودي, ويسجلان ما قاله الحبر الأكبر كوك: إن الفرق بين روح اليهودي وروح غير اليهودي, هو أعظم وأعمق من الفرق بين روح الإنسان وروح الماشية. إن تعاليم الحبر الأكبر كوك, تتبع بإخلاص وورع من قبل اليهود هؤلاء الذين قادوا حركة المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة معتمدين علي الـLarianicCabbala ليوريانك كابالا أو مدرسة التصوف الديني التي سيطرت علي اليهودية في أواخر القرن السادس عشر وحتي بدايات القرن التاسع عشر, فكما يكتب المؤلفان إن واحدة من المعتقدات الرئيسية في مدرسة التصوف, هو مركب الاستعلاء التام للروح والجسم اليهودية, فوق الروح والجسم غير اليهودي, حيث إن الكون قد صنع كلية من أجل اليهود, وكان اليهود في البدء, ثم جاء خلق غير اليهود بعد ذلك كأمر ثانوي. ويشير المؤلفان إلي أكبر ميناشيم مندل سكيزسون, الذي ساند دوما الحروب الإسرائيلية, وعارض أي تراجع من قبل إسرائيل, ففي عام1974 عارض انسحاب إسرائيل من منطقة السويس, فوعد إسرائيل بثواب الهي إذا استمرت في احتلال أرض الميعاد, وبعد موته قام الآلاف من اتباعه بلعب دور رئيسي في فوز بنيامين نيتانياهو بالانتخابات من هؤلاء الأتباع ظهر الحبر إسحق كينسبرغ, الذي كتب فصلا في كتاب له عن الثواب والجنة الموعودة التي سوف ينعم بها جولد شتايين ـ قاتل المصلين الفلسطينيين نتيجة لعمله. الحبر كنيسبرغ الذي هاجر إلي إسرائيل قادما من الولايات المتحدة تحدث بحرية عن علو الجينات اليهودية وسمو الروح اليهودية, فيقول في إحدي كتاباته: إذا شاهدت شخصين يغرقان أحدهما يهودي والآخر غير يهودي, فإن التوراة تأمرك أن تنقذ اليهودي, إن كل خلية في جسم اليهودي, جزء من الله, لذا فإن هناك تركيبة خاصة للحامض النووي اليهودي تختلف عن بقية البشر. ويؤكد المؤلفان أن المتطرفين اليهود, مؤمنون بأن الله قد منح الكون كله والأرض كلها لليهود, وأن إسرائيل هي جزء من هذه الأرض ربما في ذلك لبنان ودول أخري, وأن العرب الذين يعيشون الآن علي أرض إسرائيل هم لصوص, ويؤكد هذا السياق الحبر إسرائيل آرييل, وهو زعيم أصولي يهودي الذي نشر أطلسا يوضح حدود الأرض التي علي اليهود أن يحصلوا عليها الآن وأن يحرروها من اللصوص بأنها تتضمن جميع الأراضي في غرب وجنوب نهر الفرات ممتدة نحو سوريا وتشمل أيضا العراق والكويت. ويقول الحبر شلوم آفينر, متحدثا آخر باسم المتطرفين اليهود, علينا أن نعيش علي هذه الأرض بأي طريقة, حتي ولو كانت الحرب والقتل, وحتي لو كانت هناك معاهدات سلام, فإن علينا أن نحرض علي قيام الحروب لتحرير أرضنا من المغتصبين العرب. |