تقرير البنك الدولي يؤكد:‏

سكان العالم ينتظرون الموت فقراً‏!‏

 لا تسألني عن معني الفقر لأنك التقيت به خارج منزلي‏,‏ انظر إلي المنزل وأحصر عدد الشقوق‏,‏ أنظر إلي الأدوات المنزلية والملابس التي أرتديها‏,‏ أنظر إلي كل شيء واكتب ما تراه‏,‏ هذا هو الفقر‏.‏

هكذا جاءت كلمات فقير من دول العالم الثالث‏,‏ لتتصدر التقرير الأخير للبنك الدولي عن الفقر في العالم‏,‏ والذي جاء ممتلئا بالأرقام التي تؤكد أن العالم يمشي في طريق متناقض ومتباعد‏,‏ حيث يزداد الأغنياء غني‏,‏ والفقراء فقرا‏!.‏حسب تقرير التنمية الصادر عن البنك الدولي عام‏2000-2001‏ والذي يحمل عنوان‏(‏ شن هجوم علي الفقر‏)‏ فإن من بين سكان العالم البالغ عددهم‏6‏ مليارات نسمة يعيش‏8,2‏ مليار علي أقل من دولارين يوميا ومن بين هؤلاء الفقراء يعيش‏2,1‏ مليار علي أقل من دولار واحد يوميا نصفهم تقريبا‏44%‏ في جنوب آسيا‏.‏

ويقدم التقريرالكثير من التفاصيل عن حياة هؤلاء الفقراء‏,‏ وعلي سبيل المثال‏:‏ يموت خمسة أطفال من أبناء الفقراء من بين كل مائة طفل قبل أن يبلغوا سن الخامسة بينما يموت ما يعادل نصف طفل في نفس العمر في الدول الغنية‏,‏ وفي الدول الغنية أيضا تبلغ نسبة سوء التغذية بين نفس الفئة من الأطفال حوالي‏5%‏ بينما يعاني‏50%‏ من أطفال دول العالم الفقير من سوء التغذية والذي يستمر معهم حتي الموت‏!!‏ فالفقر حالة من الصعب أن تنتهي مادامت خريطة توزيع الثروة في العالم مازالت كما هي تعاني التوزيع غير المتكافيء بهذه الصورة الصارخة كما تؤكدها أرقام البنك الدولي‏,‏ فمتوسط الدخل في أغني‏20‏ بلدا في العالم يعادل‏37‏ مرة متوسط الدخل في أفقر‏20‏ بلدا في العالم وهذه الفجوة بين دخول أغنياء العالم الأول وفقراء العالم الثالث تزداد بل تتضاعف بشكل مفزع فمنطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطي التي تجتاز مرحلة التحول إلي اقتصاد السوق‏,‏ ارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون علي أقل من دولار واحد يوميا لأكثر من عشرين ضعفا وهؤلاء تبلغ نسبتهم حوالي‏24%‏ من إجمالي عدد السكان هناك‏.‏

أما في منطقة شرق آسيا فإن نسبة هؤلاء تبلغ حوالي‏3,15%‏ وهو يعادل‏280‏ مليون إنسان وبشكل عام لو أردنا أن نوزع غنيمة الألم والفقر تلك علي مناطق العالم المختلفة‏,‏ مع ملاحظة أن الفقر الذي نقصده هنا هو الفقر المدقع الذي يقل فيه دخل الفرد عن دولار يوميا وقد ينعدم تماما كما يظهر تقرير البنك الدولي‏,‏ سنجد أن جنوب آسيا هي أكثر المناطق استيعابا لعدد الفقراء حيث يضم‏5,43%‏ من إجمالي فقراء العالم تليه قارة إفريقيا وبالتحديد منطقة جنوب الصحراء التي تأوي‏3,24%‏ من الفقراء‏,‏ ثم منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي حوالي‏2,23%‏ فأمريكا اللاتينية‏5,6%,‏ ثم أوروبا وآسيا الوسطي‏2%‏ وأخيرا الشرق الأوسط‏5,0%.‏

ولأن الفقر لا يحيا وحيدا فهو كالقاطرة الأولي في قطار غالبا ما يجر خلفه المرض والجهل والتخلف فإن مناطق العالم التي عرفت مكانها علي خريطة الفقر هي نفسها الموجودة علي خريطة المرض وعلي سبيل المثال فإن المنطقة الموجودة جنوب الصحراء في إفريقيا قد أصبحت مناطق موبوءة بأشد الأمراض فتكا بالإنسان‏,‏ وهو الإيدز‏.‏

وكما يذكر التقرير فإنه في دول مثل بتسوانا وزيمبابوي يعاني واحد من كل أربعة من البالغين من هذا المرض القاتل حتي أن أيتام الإيدز أصبحوا يشكلون عبئا هائلا علي الحكومات بل إن الأمر امتد للمصابين من الأطفال أنفسهم ممن يولدون لآباء مصابين حتي إن معدلات وفيات الرضع في هذه الدول وصلت إلي‏15‏ مثلا للمعدل الموجود في البلدان مرتفعة الدخل والأكثر خطورة أن متوسط العمر في هذه البلدان من المتوقع أن يصل إلي النصف تقريبا محطما كل ما أنجزته البشرية علي مدي الخمسين عاما الماضية من تقدم في هذا المجال‏!!‏

أما التخلف ومن أبرز مظاهره التفرقة سواء علي أساس الجنس أم العرق‏,‏ فهو أيضا أحد توابع الفقر ففي بلدان أمريكا اللاتينية مثلا رصد التقرير مستوي التعليم حيث وجد أن جماعات السكان الأصليين يحظون بقدر من التعليم يقل بثلاثة أرباع التعليم الذي تحظي به الجماعات الأخري من غير السكان الأصليين سواء ممن جاءوا في سنوات الاحتلال أم الوافدين من الأوروبيين والأمريكيين‏.‏

وفي إفريقيا تتم التفرقة علي أساس العرق حتي بين أبناء البلد نفسه فقد ظهر أن معدل وفيات الرضع بين الجماعات العرقية ذات النفوذ السياسي أقل كثيرا بالمقارنة بالجماعات الأخري‏.‏

أما النساء فهؤلاء قصة أخري فباعتبارهن من الفئات الأكثر ضعفا وسط المجتمعات الفقيرة‏,‏ ففي منطقة جنوب آسيا حيث أعلي نسبة للفقر في العالم تدفع المرأة جزءا ضخما من فاتورة الفقر‏,‏ فمثلا عدد سنوات تعليم النساء هناك لا يزيد علي نصف عدد سنوات تعليم الرجال‏,‏ أما معدلات قيد الإناث في المدارس الثانوية فهي ثلث معدلات قيد الرجال

هذه هي ببساطة وبلا مواربة خريطة الفقر كما يراها البنك الدولي ولكن مازال للأرقام بقية‏,‏ أن هناك ثلاث فئات لتقسيم دول العالم هي الدول ذات الدخل المنخفض وعددها‏45‏ دولة وهي التي يصل متوسط الدخل فيها سنويا إلي‏695‏ دولارا فأقل والدول متوسطة الدخل وعددها‏63‏ دولة‏,‏ ويتراوح متوسط الدخل فيها ما بين‏696‏ ـ‏865‏ دولارا سنويا ودول مرتفعة الدخل وعددها‏24‏ دولة وهي التي يصل متوسط الدخل السنوي بها إلي‏8626‏ دولارا فأكثر هذا مع مراعاة وجود حوالي‏77‏ دولة عدد سكانها أقل من المليون أو لا تتوافر عنها بيانات كاملة وإن كانت البيانات التقديرية تحدد أن‏73‏ دولة منها ذات دخل منخفض والباقي‏4‏ دول ذات دخل مرتفع‏.‏

فإذا اعتبرنا أن‏45‏ دولة من الدول الفقيرة أضفنا إليها من الدول متوسطة الدخل في الحد الأدني وهي‏41‏ دولة إلي جانب الدول التي يقل عدد سكانها عن المليون فسنجد أن‏159‏ دولة يمكن تصنيفها علي أنها دول فقيرة من أصل‏259‏ دولة هي عدد دول العالم وذلك بنسبة تبلغ‏76%!‏

أما اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء فهي قصة أخري فعلي مستوي الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنجده كما تقول الدراسة موزعا كالآتي‏,‏ الدول الصناعية الغنية والتي تمثل‏20%‏ من دول العالم يبلغ الناتج المحلي بها‏18‏ تريليون دولار بنسبة‏78%.‏

أما الدول النامية وهي‏80%‏ من دول العالم فإن نصيبها من الناتج العالمي‏5‏ تريليونات دولار بنسبة‏22%‏ فقط‏,‏ مفاجأة أخري فإن عدد مليارديرات العالم وعددهم‏358‏ مليارديرا يمتلكون ما يزيد علي مجموع الدخل السنوي لدول بها‏45%‏ من سكان العالم‏!!!‏

حسب التقديرات الرسمية لمعهد التخطيط القومي فإن نسبة الفقر في مصر تتراوح بين‏23:25%‏ وهي الفئة التي يقل دخلها اليومي عن دولارين ولكن لا أريد أن نقيم المسألة بهذا الشكل لأن هذه مقاييس تقريبية وليست بالضرورة صحيحة فهناك مقاييس أخري ربما تكون أكثر مناسبة لنا فلو قسمنا الفقر سنجد‏,‏ نوعين فقر الدخل وهو الشخص الذي يقل دخله عن المعدل العالمي إما بسبب البطالة أو الإعاقة وغيرها ثم فقر القدرة وهنا يكون للفرد دخل ولكنه قليل وغير قادر علي الوفاء باحتياجاته ولكن هذا النوع من الدخل تلعب فيه عوامل أخري دورا أساسيا فمن المفترض أن الدولة تقدم خدمات مجانية مدعومة لهذه الفئة خاصة في مجال التعليم والصحة وبالتالي فإنها تحافظ علي قدرته علي الاستمرار في الحياة ولكن إذا لم يحدث هذا يصبح ذلك الشخص فقيرا في الدخل والقدرة وبالتالي فإن دور الدولة هنا لا يمكن الاستغناء عنه‏.‏

ويضيف وبشكل عام فإننا بالمقارنة بالدول الأخري علي مستوي العالم ندخل في شريحة الدول النامية‏,‏ المتوسطة منخفضة الدخل ولكن هناك سمة أخري لمجتمعنا يمكن أن تضاف إلي ذلك فهناك ما يعرف بالفقر الجماعي‏,‏ والفقر الفردي‏,‏ فعلي سبيل ا لمثال الولايات المتحدة لديها فقراء ولكن السمة الغالبة علي المجتمع هي الغني والوفرة وبالتالي فهي دولة غني جماعي وفقر فردي‏,‏ بينما في مصر لدينا العكس تماما فوسط حالة انخفاض الدخل والفقر الجماعي نجد هذه السيارات المرسيدس الغالية والقصور الفخمة ولكنها تخص نسبة أو شريحة محدودة في المجتمع وهو ما يعبر عن مدي اتساع الفجوة بين الفقراء أو الفقر الجماعي والأغنياء أو الغني الفردي‏,‏ وللأسف تقرير التنمية البشرية لا يتحدث عن هذه الفجوة التي هي أسوأ مظهر اجتماعي للفقر‏.‏

والحل من وجهة نظرك؟

اعتقد أننا كمهتمين بالاقتصاد الإسلامي نجده في الزكاة بالإضافة إلي أوجه الإنفاق التكافلي الأخري كالصدقات وغيرها ولكن الزكاة هي مورد دائم وثابت لا يتغير والله سبحانه وتعالي عندما أقر الزكاة جعلها ركنا من أركان الإسلام ليضمن تطبيقها وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية المطلوبة لأي مجتمع سوي‏,‏ والرسول صلي الله عليه وسلم قال‏(‏ لم يرض الله في الزكاة بحكم نبي ولا ملك وإنما قسمها من فوق سبع سماوات‏)‏ وقال وإذا اعطيتم فأغنوا‏)!!‏

د‏.‏ حمدي عبدالعظيم ـ أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات يبدأ معترضا علي الأرقام الرسمية للفقر في مصر فيقول‏:‏ إذا كان العالم يتحدث عن دولار كحد أدني للفقر فمعني هذا أن‏60%‏ من الشعب المصري هم علي حد الفقر المدقع فالدولار الآن يساوي أربعة جنيهات وربع أي حوالي‏150‏ جنيها شهريا هذا لأسرة قد تصل إلي خمسة أشخاص وهذا الدخل منتشر جدا في الصعيد والشمال أيضا وبعض الدراسات حددت النسبة بحوالي‏50%.‏

ولو اتفقنا علي رقم واحد فهو لن يقل عن‏40%‏ أي حوالي‏25‏ مليون فرد‏,‏ ربما يقول البعض إننا أفضل من دول أخري كبعض بلدان جنوب آسيا هذا صحيح‏,‏ ولكننا نتراجع باستمرار بالمقارنة بالدول المتقدمة‏,‏ فمتوسط الدخل السنوي لا يزيد علي‏1440‏ دولارا بينما يصل في أوروبا لحوالي‏30‏ ألف دولار ودول الخليج‏16‏ ألفا عند‏20‏ من دول الخليج وهذا أمر صعب ولو نظرنا للانفاق سنجد أن‏80%‏ من دخلنا يضيع علي الغذاء والسكن والغذاء أكثر من‏75%‏ منه نشويات بينما يتضخم يوما بعد يوم سكن العشوائيات والمقابر‏,‏ المسألة تحتاج لإعادة نظر فيما يقدم من خدمات خاصة التعليم والصحة التي باتت سلعة تشتري وستزيد من معدلات الفقر حتي لو ارتفع الدخل ما لم تحافظ الدولة علي توفيرها بالمجان لهؤلاء الذين يعيشون علي حافة الفقر‏.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا