في حوار خاص مع الباحث الإسلامي محمد محفوظ حول مدرسة ومرجعية الراحل الشيرازي واقع ومستقبل هذه الأمة |
في حوار خاص لـ" إيلاف" مع الباحث الإسلامي محمد محفوظ حول مدرسة ومرجعية الراحل آية الله السيد محمد الشيرازي، واقع ومستقبل هذه المدرسة تعتبر مرجعية الراحل السيد محمد مهدي الشيرازي، من المرجعيات الإسلامية الحركية، التي لعبت دورا فاعلا في إثراء الساحة الإسلامية الحركية بالكثير من التنظيرات والمؤلفات العلمية، إضافة لاحتضانها عمليا مجموعة من الكوادر والحركات الإسلامية النشطة عمليا. هذه المرجعية وطيلة ما يقرب من أربعين عاما، أثارت جدلا محتدما داخل البيت الإسلامي الشيعي، بين مؤيد ومعارض ومشكك. حول ماهية هذه المرجعية/ المدرسة ومستقبلها، بعد رحيل رائدها السيد الشيرازي، كان هذا الحوار مع الباحث السعودي الأستاذ محمد محفوظ، وهو أحد أبناء هذه المدرسة، ومن أبرز الكتاب الإسلاميين على مستوى الخليج، صدرت له عدة مؤلفات عن "المركز الثقافي العربي"، منها: الحضور والمثاقفة، الفكر الإسلامي المعاصر وآفاق المستقبل، الإسلام الغرب وحوار المستقبل. وهنا نص الحوار:
* بداية، بماذا تميزت
مرجعية الراحل السيد محمد الشيرازي؟.
*
برأيك، هل استطاعت هذه
المرجعية أن تحقق نتائج إيجابية على صعيد العمل المؤسساتي الإسلامي، وبناء
جيل واع من الشباب، يحمل الهم الإسلامي؟.
*
رغم إيجابية النقاط
الثلاث سالفة الذكر، إلا أنها برأي البعض انعكست سلبا على مرجعية السيد
الشيرازي، فصبغتها بصبغة حركية فكرية، أكثر من صبغتها الفقهية؟.
*
هذا المشروع النهضوي
الإسلامي، الذي تبناه السيد الشيرازي، إلى أي مدى انفتح على المسلمين بكافة
مذاهبهم، أم أنه اقتصر على طائفته فقط؟.
*
مرجعية بهذا الاتساع
الفقهي والحركي، ما الذي جعلها مثارا للجدل منذ بداياتها الأولى حتى رحيل
مؤسسها؟. انيا، الساحة الإسلامية في ذلك الوقت كان بإمكانها أن تستوعب مشروع الراحل وتجربته الإصلاحية دون أن تمارس معه القطيعة، ولكن لتدخلات خارجية ووجود من يسعون لزيادة الصدع بين المسلمين، ساهم هؤلاء الأعداء في زيادة وتيرة العداء. ثالثا، المزاج الشخصي المحيط، في البيئة الاجتماعية التي تأسس فيها هذا المشروع، حيث أنه مزاج اجتماعي لا يقبل الآخر، ولا يستوعب المتعدد، فالمسؤول عن هذه المشكلة هو فكر الانغلاق والإقصاء.
*
أليس في ذلك حيف وظلم
للطرف والأطراف المقابلة لمرجعية السيد الشيرازي، ألا تتحمل هذه المرجعية جزء
من أسباب هذا الانغلاق والجدل؟.
*
يطرح البعض ثلاث أسباب
رئيسة، جعلت من مرجعية السيد الشيرازي حبيسة هذا الجدل، أول هذه الأسباب،
يتعلق بالحقبة الزمنية التي طرحت فيها، كونها جاءت في زمن الكبار والعمالقة
أمثال المرحومين الإمام السيد محسن الحكيم، والميرزا عبد الهادي الشيرازي،
السبب الثاني، هو دخولها في صراع فكري حدي مع نظرية ولاية الفقيه، السبب
الثالث، سبب سياسي يتمثل في ارتباط هذه المرجعية بحركات وتنظيمات سياسية
حركية. لذلك على المستوى الزمني، لم يكن طرح المشروع المرجعي للسيد الشيرازي سببا للعداء بين المرجعيات آن ذاك، وبالذات إذا عرفنا أن موضوع الاجتهاد المقرر في الفقه الإمامي، يبيح لكل إنسان يمتلك القدرة الذهنية، واستنباط الحكم الشرعي من مضانه، أن يمارس عملية الاجتهاد، بصرف النظر، عن عمره، فلدينا الكثير من الفقهاء الذين برعوا في عملية الاستنباط وهم في مقتبل أعمارهم. أما بالنسبة لي ولاية الفقيه، فلا شك أن السيد الشيرازي من الفقهاء الأوائل الذين آمنوا ودعوا لنظرية ولاية الفقيه، وفي كتابه (فقه الجهاد)، يصل لرأي فقهي، يشابه في كثير من عناصره الرأي الفقهي المشهور للإمام الخميني حول ولاية الفقيه، ونظرية شورى الفقهاء التي جاء بها، جاءت في بداية الثمانينات، حينما اكتشف بعض الأخطاء على مستوى الممارسة، ورأى أن عدم تكرار هذه الأخطاء لا يتم إلا بتطوير صيغة نظرية ولاية الفقيه لذا ابتكر نظرية شورى الفقهاء. لكن ما نستطيع قوله في هذا الإطار التالي، أن هناك ملابسات اجتماعية وسياسية عديدة، ساهمت في وجود عقد قائمة بين العلاقة القائمة بين المرجعيات، وكل الأطراف ساهمت بشكل أو بآخر في تكريس هذه العقد. أما بالنسبة لارتباط هذه المرجعية ببعض التنظيمات الحركية، يمكن القول، أنه كما أن السيد الشيرازي آمن بضرورة تشكيل الأحزاب الإسلامية، فإنه في ذات الوقت آمن بالحرية ونبذ العنف، وأسس لنظرية اللآعنف في العمل الإسلامي، فالخوف ليس في وجود التشكيلات الاجتماعية السياسية العاملة بوسائل سلمية، وما حافظ عليه هذا المشروع ضمن هذا الإطار. إن الخوف كان من وجود إطار مرجعي تجاوز الكثير من الأطر التقليدية، والأخطاء التاريخية التي مورست من قبل المؤسسة المرجعية.
*
ضمن السياق الحركي
والتنظيمي، إلى أي مدى كانت تجربة مرجعية السيد الشيرازي ناجحة في علاقتها
بالتشكيلات الحركية، خاصة أن العمل السياسي ذو صبغة برغماتية؟. لأنها سمحت لكل القواعد المشاركة في هذا العمل أن تكون صاحبة قرارها بنفسها، وبالتالي تحولت هذه المؤسسات لمشروعات قائمة بذاتها، مما ساهم في تخفيف وطأت الإنعاكسات السياسية السلبية الممارسة من قبل الحركات الإسلامية على مرجعية السيد الشيرازي. أضف لذلك أن السيد لم يحصر نشاطه في دائرة الحركات الإسلامية، وإنما اعتبرت جزء من النشاط المرجعي، فيسند هذا النشاط بنشاط ديني.
*
لو توقفنا قليلا عند
نظرية ( اللآعنف)، التي أسس لها السيد الشيرازي، برأيك ألا تحتوي هذه النظرية
على عدة فجوات وثغرات، خاصة أنها تجنح للمثالية؟.
*
إذا كان السيد
الشيرازي، يؤمن بهذه القوة بنظرية اللآعنف، فكيف نفسر إذن ما يمكن تسميته بـ
(العنف الرمزي) الذي كان يمارسه السيد الشيرازي ضد بعض مخالفيه سياسيا
وفكريا، وبالخصوص ضد نظرية ولاية الفقيه عندما اختلف معها، فنراه يصفها
بـ(الدكتاتورية( أو (الثوب المهلهل)، أليس في ذلك ضرب من التناقض؟.
*
النظرية السياسية التي
طرحها السيد الشيرازي، ألا تجد أنها تجنح للمثالية، وتحلق بعيدا عن الواقع.
خاصة عندما يطرح مسألة ضرورة إزالة الحدود، وجوازات السفر، والجنسية في
الدولة الإسلامية وغيرها؟.
*
لو أتينا لوضع المدرسة
الشيرازية بعد رحيل السيد الشيرازي، ألم يحن الوقت لقراءة نقدية غير
إحتفائية، فاعلة، لهذه التجربة؟.
*
أليس في تأجيل عملية
المراجعة، تكريس للمثال، وإضفاء هالة من القدسية، قد تحول لاحقا دون قراءة
نقدية جادة وفاعلة لهذا التراث المرجعي؟.
*
عن
رحيل السيد الشيرازي، أما آن لهذه المدرسة أن تخرج من عزلتها لفضاء أرحب،
خاصة أنها طوال الفترة السابقة كان ينظر لها من الكثيينر بوصفها معزولة عن
باقي السياقات المرجعية؟.
*
إذا كان هذا الخيار وهذه
العزلة التي مورست على هذه المدرسة كما أسلف، في المقابل، ألا ترى أن حصر
الخيار المرجعي لأتباع هذه المدرسة بعد رحيل السيد الشيرازي، في شخصيتين من
داخل هذه المدرسة وليستا من خارجها وهما السيد صادق الشيرازي، والسيد محمد
تقي المدرسي، أليس في ذلك تكريسا لهذا الانغلاق وهذه العزلة من قبل أتباع
المدرسة أنفسهم، لماذا الاقتصار على هذين الاسمين وتجاهل بقية المرجعيات في
قم والنجف ولبنان، ألا يعني ذلك مزيدا من التقوقع؟.
*
حتى هذه المحصلة النهائية
التي تحدثت عنها، في جوهرها تكرس نوعا من العزلة.
*
إلى أي مدى سوف
يحاول أتباع مدرسة السيد الشيرازي، أن يتحللوا من الخلافات التي كانت بين هذه
المرجعية وباقي المرجعيات، أم أنهم سيظلون يجترونها حتى بعد رحيل السيد
الشيرازي؟. عن موقع ايلاف |