|
ثلاثون سؤالاً في الفكر الإسلامي |
الأسلوب الأفضل للسلطة س4: ما هو التصور الأفضل لإقامة السلطة في زماننا هذا حسب رأي سماحة السيد المرجع؟ هل تتم عن طريق انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس الأمة (البرلمان)؟ أم تكون هناك الانتخابات على منصب رئاسة الجمهورية فقط؟ وهل هناك مدة معينة للرئاسة أم لا؟ ج: انتخاب رئيس الجمهورية يكون مع مراعاة الشروط الشرعية، وتكون المدة بنظر الأحزاب الحرة وشورى المرجعية المنتخبة من قبل الأمة. فإن انتخاب الرئيس بيد الأمة وهو من حقوقهم المشروعة، وفي القاعدة الفقهية: (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم)(86). نعم في النبوة والإمامة وبالنسبة إلى المعصوم (ع) لا يكون لهم الخيرة، بل الله عزوجل هو الذي يعين حجته على الأرض. قال تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة)(87). حيث قال (ع) في تفسير الآية: (يختار الله الإمام وليس لهم أن يختاروا)(88). وقد أشرنا في التفسير إلى أن الاختيار في ذلك لله وحده، كما إنه ليس للكفار أن يختاروا قادة ضلالاً، فإن اختيار القادة بيد الله، وبأمره تنصب الرؤساء للدين والدنيا (89).
إذا تصدى من لم يلتزم بالدين س5: هل يحق لغير الملتزمين بالشريعة المشاركة في الانتخابات بإدلاء أصواتهم، وفي هذه الحالة قد يفوز بالانتخابات أناس بعيدون عن الإسلام، وربما استطاعوا أن يكسبوا موافقة الرأي العام ببعض المنجزات التي يقدمونها وتحسين الأحوال المعاشية؟ وهل سيوصف الحكم آنذاك بأنه حكم إسلامي أو شرعي؟ وما سيكون الموقف منه؟ ج: كل مسلم رجل أو امرأة ـ وحتى الطفل بواسطة وليه ـ له الحق في المشاركة بالانتخابات، ولشورى الفقهاء المراجع المنتخب من قبل الأمة النظر في الأمر. ومما قد يؤيد حق الطفل في الانتخابات ما ورد من أنه كتب أمير المؤمنين(ع) إلى حذيفة بن اليمان عند ما عينه والياً على المدائن: (وقد وجهت إليك كتابا لتقرأه على أهل مملكتك ليعلموا رأينا فيهم وفي جميع المسلمين فأحضرهم واقرأه عليهم وخذ البيعة لنا على الصغير والكبير منهم إن شاء الله تعالى)(90).
الانتخابات في دولة سنية س6: لو افترضنا أن الانتخابات تمت في بلد أغلبيته من أهل السنة والجماعة أو من النواصب فماذا سيكون الموقف الشرعي تجاه الحكم؟ ج: ذكرنا في كتاب (كيف نجمع شمل المسلمين؟)(91) توضيح ذلك، مضافاً إلى جريان قانون الإلزام في موارده، ولزوم حفظ حق الأقليات في كل دولة. فإن تعداد نفوس المسلمين في العالم (الأعم مما يسمى بالبلاد الإسلامية، أو غير الإسلامية) يبلغ ملياري مسلم، وزهاء نصفهم شيعة ونصفهم سنة، وهؤلاء منتشرون في مختلف البلاد ويعيشون مع بعض، وإن كان الأكثر في بعض البلاد شيعة، وفي بعض البلاد سنة، كما أنهما يتساويان في بعض البلاد الأخر. فإذا أريد جمع هؤلاء في وحدة واحدة ـ دولة إسلامية عالمية ـ فاللازم أمور: 1: جمع كل مراجع تقليد الشيعة في مجلس أعلى يحكمون فيه بأكثرية الآراء. 2: جمع كل مراجع السنة والعلماء الذين يتبعونهم في أخذ الأحكام في مجلس أعلى يحكمون بأكثرية الآراء. 3: وهذان المجلسان، يجمعهم مجلس واحد، فإذا أريد إصدار حكم بالنسبة إلى إحدى الطائفتين فقط، كان لعلمائهم إصدار الحكم بأكثرية الآراء، وإذا أريد إصدار الحكم بالنسبة إلى الجميع حيث إن الأمر يهم كل المسلمين ـ المليارين ـ من جهة السلم أو الحرب أو ما أشبه، كان الحكم يتبع أكثرية آراء المجلسين معاً، لكن بمعنى أكثرية هذا المجلس وهذا المجلس، لا يعني الأكثرية المطلقة. مثلاً لنفرض أن في كل مجلس تسعة من العلماء مما يشكل المجموعة ثمانية عشر، فإذا أريد إصدار حكم على البلد الإسلامي ذي المليارين مسلم، كان اللازم (خمسة) من كل مجلس لا عشرة مطلقة وإن كان تسعة منهم من مجلس وواحد من مجلس (وذلك لأن الأكثرية المطلقة ليست محلاً لقبول الطائفة الذين لا يحكم الأكثرية علمائهم). 4: وكل طائفة من الطائفتين، لهم حرية المناقشات الأصولية والفروعية، وإنما لا يحق لطائفة أن تعتدي اعتداءاً جسمياً أو مالياً على طائفة أخرى (فإن حرية الرأي والكلام والنشر وما أشبه من مفاخر الإسلام الذي جاء لإنقاذ الإنسان من الكبت، كل أنواع الكبت). 5: ثم ينبع من المجلس الأعلى و(شورى العلماء) أحزاب إسلامية حرة، كل حزب في نطاق طائفته، وتكون هذه الأحزاب مدارس سياسية، اقتصادية، اجتماعية، تربوية، لأجل تربية الصالحين لإدارة البلاد في المجالات التأطيرية: (الشريعة) والقضائية والتنفيذية. وينصب الولاة من الأكثرية في القطر بدون أن يحد ذلك من حريات الأقلية وكذلك حال القضاة ومن إليهما. وتكون مهمة هذا المجموع: (العلماء والأحزاب) إرجاع المسلمين إلى الأمة الواحدة وإرجاع حكم الله سبحانه إلى الحياة، فإن الدولة والأمة لا تخلوان من أحوال: ألف: أن تكون القوانين دنيوية بحتة كبلاد الوثنيين والشيوعيين. ب: أن تكون القوانين دينية بحتة بدون ملاحظة الدنيا، كالبلاد المسيحية في القرون الوسطى. ج: أن تكون قوانين دينية بيد العلماء وقوانين دنيوية بيد الحكام، بأن يكون ما لله لله وما لقيصر لقيصر (على اصطلاحهم) كما في البلاد الغربية الآن. د: أن تكون القوانين كما في البلاد الإسلامية اليوم فللدولة قوانينها الخاصة وللعلماء دورهم الهامشي. هـ: أن تكون القوانين دينية ودنيوية بإشراف العلماء الذين هم الحكام ويساعدهم الأخصائيون من المثقفين والأحزاب الحرة والمؤسسات الدستورية. فالأول: إرهاب بحت وتأخر فضيع. والثاني: خراب للدنيا. وأما الثالث: يوجب تجريد الدنيا من المعنويات مما يسبب الاستعمار في الخارج والاستعمار والفساد في الداخل. والرابع: يوجب التناقض بين الجهتين ويكون ولاء الناس في مكانين متضادين مما يسبب مشكلة بين الحكام والأمة. فلم يبق إلا الخامس: الذي هو عمارة للجسد والروح، وتلائم بين الدين والدنيا، وهذا هو الذي فعله الرسول (ص) وخلفائه الأبرار وأمر به الكتاب والسنة. ومما يلزم في تحقيق الأمة الواحدة والوحدة الإسلامية إسقاط الحدود الجغرافية وعدم تسمية المسلم من أي بلد كان بالأجنبي فللمسلم جميع حقوقه الإسلامية في أي بلد كان وله الحرية في الإقامة والسفر والتجارة والعمل، والزواج والسكن، إلى غير ذلك.
الهوامش: (86) انظر موسوعة الفقه: كتاب القواعد الفقهية. (87) سورة القصص: 68. (88) تفسير القمي: ج2 ص134، سورة القصص. (89) تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان: ج2 ص82 سورة القصص. (90) إرشاد القلوب: ج2 ص322 في فضائله من طريق أهل البيت (ع). (91) يقع الكتاب في 29 صفحة 17×12، ألفه الإمام الشيرازي (قدس سره) في قم المقدسة بتاريخ 15 ربيع الأول 1403هـ، وطبع أكثر من مرة، منها طبعة مؤسسة الفكر الإسلامي قم المقدسة 1412هـ وقد ترجم إلى الفارسية تحت عنوان (بسوي اتحاد أمت إسلامي). |