|
ثلاثون سؤالاً في الفكر الإسلامي |
الحزب في الدولة الإسلامية س2: يدعو سماحة السيد إلى أن تأخذ الدولة الإسلامية في أي مكان كانت، بالمفهوم الحزبي، فهل يعني هذا إتاحة الفرصة لمختلف الأحزاب للقيام بنشاطاتها التثقيفية والسياسية ودخول الانتخابات حتى لو كانت أحزاباً غير إسلامية أو وطنية، كالشيوعيين والبعثيين؟ وهل يشمل ذلك أصحاب الملل والأديان الأخرى، كالمسيحيين واليهود وغيرهم؟ ج: تعتمد سياسة الدولة الإسلامية على التعددية الحزبية السياسية بما فيها الأحزاب الوطنية والإسلامية الحرة مما يوجب التنافس الإيجابي نحو الفضيلة والتقدم، أما الأقليات الدينية فلهم حقوقهم وحرياتهم في إطار أنفسهم وفي ضمن قانون الإلزام، فإن الأقليات غير الإسلامية القاطنة في بلاد الإسلام محترمون نفساً ومالاً وعرضاً إذا وافوا بشروط الذمة أو شروط المعاهدة. فالإسلام لا يجبر أحداً على الدخول في الإسلام ولذا قال سبحانه:(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)(21). وقال تعالى: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ ء أَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)(22). فليس شأن الرسول (ص) مع أهل الكتاب ومع المشركين إلا الدعوة. وقال سبحانه: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(23). وقال تعالى: (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(24). وقال سبحانه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَيَهْتَدُونَ)(25). وعليه فهم أحرار في قبول الإسلام وعدم قبوله، وإن كان عدم قبولهم يؤدي بهم إلى مشاكل الدنيا والآخرة. قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)(26). فإذا لم يقبلوا تركوا وشأنهم وإذا كان الإسلام يحارب الحكومات الكافرة، لأجل إعطاء الحرية للأمم حيث أن حكومة الكفر عبارة أخرى عن الاستعباد فإن الإسلام (يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)(27)، على الشروط الإسلامية كما أمر الإسلام بمداراة الكافرين غير المحاربين. فقد قال سبحانه:(لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(28). وإذا قبلوا الإسلام كان لهم ما لغيرهم من المسلمين، فإن المسلمين كأسنان المشط لا فرق بين جديدهم، وقديمهم ولغاتهم وأقوامهم وإنما أكرمهم عند الله أتقاهم.
التعددية والتنافس قال تعالى: (فإن حزب الله هم الغالبون)(29). وقال سبحانه: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)(30). روي: أنه (ص) مر بقوم من الأنصار يترامون، فقال رسول الله(ص): (أنا الحزب الذي فيه ابن الأدرع) فأمسك الحزب الآخر وقالوا: لن يُغلب حزب فيه رسول الله (ص)(31). وقال الإمام الباقر (ع): (ولا تكونوا في حزب الشيطان فتضلوا)(32). وفي الغرر: (في إخلاص الأعمال تنافس أولي النهى والألباب)(33). وقال (ع): (تنافسوا في الأخلاق الرغيبة والأحلام العظيمة والأخطار الجليلة يعظم لكم الجزاء)(34). وقال (ع): (تبادروا إلى محامد الأفعال وفضائل الخلال وتنافسوا في صدق الأقوال وبذل الأموال)(35). وقال أبو عبد الله (ع): (تنافسوا في المعروف)(36). وقال (ع): (فعليكم بهذه الخلائق فالزموها وتنافسوا فيها)(37). وقال علي بن الحسين (ع): (معاشر شيعتنا أما الجنة فلن تفوتكم سريعاً كان أو بطيئاً، ولكن تنافسوا في الدرجات)(38).
حقوق الأقليات الدينية قال أمير المؤمنين علي (ع): (من آذى ذمياً فقد آذاني)(39). وفي نهج البلاغة: (من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من مر به الجيش من جباة الخراج وعمال البلاد، أما بعد فإني قد سيرت جنودا هي مارة بكم إن شاء الله وقد أوصيتهم بما يجب لله عليهم من كف الأذى وصرف الشذى(40) وأنا أبرأ إليكم وإلى ذمتكم من معرة الجيش(41) إلا من جوعة المضطر لا يجد عنها مذهبا إلى شبعة فنكِّلوا من تناول منهم شيئاً ظلما عن ظلمهم وكفوا أيدي سفهائكم عن مضارتهم والتعرض لهم فيما استثنيناه منهم وأنا بين أظهر الجيش فارفعوا إليَّ مظالمكم وما عراكم مما يغلبكم من أمرهم وما لا تطيقون دفعه إلا بالله وبي فأنا أغيره بمعونة الله إن شاء الله)(42). وفي الروايات وردت التوصية بأهل الذمة بعد التوصية بأهل الملة مباشرة، قال (ع): (ثم حق أهل ملتك عامة ثم حق أهل الذمة)(43). وفي رسالة الحقوق قال (ع): (حق أهل الذمة أن تقبل منهم ما قبل الله عزوجل منهم ولا تظلمهم ما وفوا لله عزوجل بعهده)(44). وفي بحار الأنوار: (أما حق أهل الذمة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وأجبروا عليه وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملة وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسوله (ص) حائل فإنه بلغنا أنه قال: من ظلم معاهدا كنت خصمه فاتق الله ولا حول ولا قوة إلا بالله)(45). وقال (ع): (ولا تظلم معاهدا ولا معاهدة)(46). وعن أمير المؤمنين(ع) قال: (إن يهوديا كان له على رسول الله(ص) دنانير فتقاضاه. فقال (ص) له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك. فقال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني. فقال: إذاً أجلس معك. فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله (ص) يتهددونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله(ص) إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله يهودي يحسبك! فقال(ص): لم يبعثني ربي عزوجل بأن أظلم معاهدا ولا غيره. فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة فإني قرأت نعتك في التوراة محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة وليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا متزين (مترين) بالفحش ولا قول الخنى، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله وكان اليهودي كثير المال)(47). وقال (ع): (من قتل معاهدا لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا)(48). وقال(ع): (لا إيمان لمن يقتل مسلما أو معاهدا)(49). وفي رواية أخرى قال (ع): (ولقد بلغني أنّ العصبة من أهل الشام، كانوا يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة ، فيهتكون سترها، ويأخذون القناع من رأسها، والخرص(50) من أذنها، والأوضاح(51) من يديها ورجليها وعضديها، والخلخال والمئزر عن سوقها، فما تمتنع إلا بالاسترجاع والنّداء (يا للمسلمين) فلا يغيثها مغيث ولا ينصرها ناصر، فلو أنّ مؤمنا مات دون هذا، ما كان عندي ملوما بل كان عندي بارا محسنا)(52). وقال أمير المؤمنين (ع): (لقد بلغني أنّ الرّجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقُلْبَها (53) وقلائدها ورعثها (54)، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثمّ انصرفوا وافرين، ما نال رجلا منهم كلم، ولا أريق لهم دم. فلو أنّ امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا، ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا)(55). وفي فقه القرآن قال: (نهى الله نبيه (ص) أن يكون خصيما لمن كان مسلما أو معاهدا في نفسه أو ماله أي لا تخاصم عنه)(56). قانون الإلزام عن أبي الحسن (ع) قال: (ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم)(57). وقال (ع): (ألزموهم بما ألزموا أنفسهم)(58). وقال(ع): (ألزموهم ما ألزموا أنفسهم)(59). وروي: أن رجلا سب مجوسيا بحضرة الصادق(ع) فزبره ونهاه، فقال له: إنه تزوج بأمه، فقال (ع): (أما علمت أن ذلك عندهم النكاح)(60). وفي الغوالي: قال(ع): (كل قوم دانوا بشيء يلزمهم حكمه)(61). وقال روي عنهم(ع) أنهم قالوا: (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم)(62). وعن جعفر عن أبيه عن علي (ع) أنه قال: (يورث المجوسي إذا تزوج بأمه من وجهين، من وجه أنها أمه ومن وجه أنها زوجته)(63). وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (نهى رسول الله (ص) أن يقال للإماء: يا بنت كذا وكذا، وقال: لكل قوم نكاح)(64). وقال أبو عبد الله (ع): (فإن نكاح أهل الشرك جائز)(65). وقال رسول الله (ص): (لا تسبوا أهل الشرك فإن لكل قوم نكاحاً)(66).
الهوامش: (21) سورة البقرة: 256. (22) سورة آل عمران: 20. (23) سورة النحل: 125. (24) سورة العنكبوت: 46. (25) سورة البقرة: 170. (26) سورة طه: 124. (27) سورة الأعراف: 157. (28) سورة الممتحنة: 8. (29) سورة المائدة: 56. (30) سورة المطففين: 26. (31) غوالي اللآلي: ج3 ص266 ق2 باب السبق والرماية ح5. (32) المحاسن: ج1 ص268 ب36 ح357. (33) غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ق1 ب6 ف4 الإخلاص في العمل وآثاره ح2905. (34) غرر الحكم ودرر الكلم: ص317 ق3 ب4 ف1 ح7324. (35) غرر الحكم ودرر الكلم: ص324 ق3 ب4 متفرقات أخلاقي ح7526. (36) الكافي: ج2 ص195 باب قضاء حاجة المؤمن ح10. (37) نهج البلاغة، قصار الحكم: 289. (38) تفسير الإمام العسكري (ع): ص204 ما يدل مؤاخذة الشيعة بمظالم العباد المؤمنين ح94. (39) الصراط المستقيم: ج3 ص13 تتمة ب12. (40) الشذى: الضرب والشر. (41) معرة الجيش: أذاه. (42) نهج البلاغة، الرسائل: 60 ومن كتاب له (ع) إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم. (43) تحف العقول: ص256 رسالته (ع) المعروف برسالة الحقوق. (44) مكارم الأخلاق: ص424 ب12 ف1. (45) بحار الأنوار: ج71 ص21 ب1 ح2. (46) الغارات: ج2 ص431 مسير جارية بن قدامة . (47) الأمالي للصدوق: ص465-466 المجلس 71 ح6. (48) بحار الأنوار: ج16 ص217 ب9 ذيل ح5. (49) غوالي اللآلي: ج2 ص241 ب2 باب الجهاد ح8. (50) الخُرْص والخِرْص: القُرط بحبة واحدة، وقيل: هي الحلقة من الذهب والفضة (لسان العرب: ج7 ص22 مادة خرص). (51) الأوضاح: حلي من الدراهم الصحاح (لسان العرب: ج2 ص635 مادة وضح). (52) الاحتجاج: ج1 ص176 ومن كلام له (ع) يجري مجرى الاحتجاج مشتملاً على التوبيخ لأصحابه. (53) القُلُب: بضمتين، جمع قُلْب بالضم فسكون، السوار المُصْمت. (54) رُعُثها: بضم الراء والعين، جمع رِعاث ورِعاث جمع رَعْثة: وهو ضرب من الخرز. (55) نهج البلاغة، الخطب: 27 ومن خطبة له (ع) وقد قالها يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزو الأنبار بجيش معاوية. (56) فقه القرآن: ج2 ص16 باب كيفية الحكم بين أهل الكتاب. (57) تهذيب الأحكام: ج8 ص58 ب3 ح109. (58) وسائل الشيعة: ج26 ص158 ب4 ح32712. (59) الاستبصار: ج4 ص148 ب91 ح11. (60) مستدرك الوسائل: ج17 ص234 ب2 ح21220. (61) غوالي اللآلي: ج3 ص514 ق2 باب المواريث ح75. (62) غوالي اللآلي: ج3 ص514 ق2 باب المواريث ح76. (63) غوالي اللآلي: ج3 ص514 ق2 باب المواريث ح77. (64) تهذيب الأحكام: ج7 ص472 ب41 ح99. (65) وسائل الشيعة: ج15 ص80 ب26 ح20024، والوسائل: ج17 ص299 ب95 ح22580. (66) تهذيب الأحكام: ج6 ص387 ب93 ح275. |