عودة إلى صفحة مكتبة النبأ

إتصلوا بنا

شارك في الكتابة

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

ثلاثون سؤالاً في الفكر الإسلامي

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

أغنت مصادر العقيدة الإسلامية (القرآن والسنة النبوية الشريفة) العقل والفكر البشري بآفاق وألوان من الفكر الصحيح وحررتهما من ربقة الظلم والجهل الذين كانا يسدران فيهما، كما إنها لم تفرض أفكارها وآراءها قسراً على الناس وإنما خاطبت العقول والأفئدة ودعتهما للنظر والتفكر والتأمل ومن ثم تحديد الموقف، على خلاف الدعوات البشرية كافة التي تجبر الأفراد والأتباع على قبول أفكارها وآرائها وإن كان خلاف ما يؤمنون به كما لا حق لهم في مناقشتها وتبيان سقمها وإنما الطاعة العمياء فقط وفقط، وإلا فالمصير الأسود في انتظارهم.

كما دعت إلى أن لا يكون اتخاذ الموقف هو تبني لموقف الآباء والأجداد والانقياد لهم وإن كانوا على خطأ مما يشل قدرة العقل على التفكير والنظر في الأمور والعواقب وتكون النتيجة هي الخيبة والخسران في الدنيا والآخرة.

عندما انطلق الرسول الكريم محمد (ص) بدعوته المباركة خاطب الناس قائلاً: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)(1) وهي جملة بسيطة ومفهومة ولكنها حوت على معاني وأسرار عظيمة، بل تعتبر أس الدعوة الإسلامية التي بنت قواعدها وأقامت بنيانها عليها، وهي توحيد الإله، ونفي الأضداد عنه، فآمن من آمن وكفر من كفر، ثم شرع (ص) بتوضيح معالم هذه الدعوة من خلال ما كان يتلقى من الوحي الإلهي وهكذا إلى أن انتشر الإسلام في ربوع الجزيرة العربية ومنها انطلق إلى بقية بقاع العالم من دون جبر ولا إكراه.

إن الفكر الإسلامي كالبحر الزاخر له أول وليس له آخر، فقد كان وما زال يمد الإنسانية بألوان من الثقافات السليمة التي تدعو إلى التحرر والانعتاق ونبذ التبعية لغير الله، قال تعالى: (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً)(2).

وقال سبحانه: (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم)(3).

والمراد بالكلمات هنا على ما جاء في تفسيرها (4) هو عجائب الله وحكمته وعلمه، وقيل: معاني كلمات الله وفوائدها وهي القرآن وسائر كتبه ولم يرد بذلك أعيان الكلمات.

علماً بأن كلمات الله دائماً غضة طرية صالحة لكل زمان ومكان ولا تختص بقوم دون غيرهم، وإنما هي للبشرية أجمع، فقد جاء عن الإمام الرضا(ع) عن أبيه (ع): (أن رجلاً سأل أبا عبد الله (ع): ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلا غضاضة؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة)(5).

وهي تتطلب من الباحثين والمفكرين الغوص في أعماقها واستخراج مكنوناتها واتحاف البشرية بعجائبها التي لا تنقضي ولا تتبدل مهما طال الزمن.

لقد تعرض الفكر الإسلامي عبر القرون الماضية إلى حملات التشويه والتشكيك من قبل أعداء الدين لزعزعة الإيمان في نفوس المسلمين، كما تعرض المؤمنون إلى حملات المطاردة والإبادة والتنكيل من قبل سلطات الجور عبر سياسة الإرهاب والاضطهاد، أو مصادرة الآراء أو الإقحام في الصراعات الجانبية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وما زالت هذه الحملات مستمرة إلى يومنا هذا.

على أن الفكر الإسلامي ظل غضاً طرياً في حيويته وعطائه ولم تهزه ولم تؤثر عليه هذه الحملات، بل ظل نابضاً بالنشاط والاستقامة صادماً، وذلك لأنه يستند إلى القوة الإلهية والعناية الربانية التي تكفلت بحفظه، قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)(6)، على أن هناك المئات من المبادئ والأفكار قد زالت من الوجود، وطوى الزمان صفحتها وأصبحت أثراً بعد عين، بعد تعرضها لأقل بقليل مما تعرض له الدين الإسلامي، بالرغم من امتلاكها للعدة والعدد.

إن هذا الكتاب (ثلاثون سؤالاً في الفكر الإسلامي) لسماحة الإمام آية الله العظمى السيد محمد الحسيني (أعلى الله درجاته) قد تناول جملة من القضايا الفكرية والمسائل الحيوية من قبيل: الدولة، الأقليات، الأحزاب، الأمة الواحدة وغيرها من المسائل التي هي مطرح اهتمام كثير من الأحزاب والمفكرين.

إن مؤسسة المجتبى إذ تقوم بطبع ونشر هذا الكتاب القيم ترى لهو جزء من الوفاء تجاه هذا المرجع الكبير الذي ضحى بكل غالٍ ونفيس من أجل إعلاء كلمة الدين الحنيف، نسأل الله أن ينفع به كما نفع بغيره والحمد لله رب العالمين.

 

مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر  

بيروت لبنان  ص.ب: 5951 / 13

الهوامش:

(1) المناقب: ج1 ص56 فصل فيما لاقى من الكفار في رسالته.

(2) سورة الكهف: 109.

(3) سورة لقمان: 27.

(4) راجع تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي.

(5) بحار الأنوار: ج2 ص280 ب33 ح44.

(6) سورة الحجر: 9.