عودة إلى صفحة مكتبة النبأ

إتصلوا بنا

شارك في الكتابة

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

الإمام المهدي(عجل الله فرجه) الغيب الشاهد

- في مولد الإمام المنتظر (عجل الله فرجه*) -

إن لكل قوم مناسبات، ومن مناسباتنا الخاصة هو اليوم المبارك، الذي ولد فيه منذ ما يقارب من1165عاماً الإمام المهدي المنتظر (عج)، الإمام الثاني عشر الذي نأمل على يديه الخلاص الحضاري من كل القيود التي خلقتها  حضارات الإنسان، لتحل محلها الحضارة الإلهية الحقة،  ذلك الإمام المهدي المنظر (عج) الذي غاب عن الأنظار ولم يغب عن القلوب وعن معادلات التأثير في حياة الإنسان.. كالشمس عندما تستتر وراء السحاب..
نحتفل في مولده، ولكن احتفالنا ليس كما يحلو لمن اتبع الشهوات أن يحتفل، عبر صخب الموسيقى وهستريا الرقص وشرب الخمر حتى الثمالة.. بل نحي هذه الذكرى عبر تجسيد شخصية  الإمام المنتظر وآبائه في شخصيتنا.. نحي هذه الذكرى عبر التذكير بأهدافه (عج) والتي من ضمنها إقامة العدل وإصلاح كل فاسد من أمور الناس، وإشاعة الخير ورفع الويلات التي تعاني منها شعوب العالم، والسعي لنبذ الحروب وإحلال السلام محلها.. ليس للمسلمين الشيعة فحسب، بل للعالم بأسره، لأن الإسلام عالمي الانطلاق، وعالمي في معالجاته للمشكلات الحضارية، كالفقر والجوع والجهل والظلم والاستبداد..
نحن نحتفل (فرحين) بمولد من سيعم القسط والعدل في العالم على يديه الشريفتين، ونحتفل (متضرعين) بالدعاء له بالظهور القريب والنصرة المظفرة، ونحتفل (مقتدين) نجسّد مبادئه في أرواحنا، لكي نسعى لتحقيق أهدافه الحضارية النبيلة.. ونرسم الرؤى المتقدمة في علاقاتنا بالحضارات والأقوام الأخرى.. وقد تمخضت في مجال علاقة الحضارات مع بعضها مجموعة من النظريات مثل (صدام الحضارات) للمفكر الأمريكي  صموئيل هنتجتون، ونظرية (نهاية التاريخ) للياباني فوكوياما..
ولنا نحن المسلمون الشيعة رأي في ما ينبغي أن تكون عليه الحضارات من علاقة.. فلا الصراع ولا النهاية.. ولا إلغاء الخصوصيات التي تختزلها كل حضارة وتميزها عن الأخرى.. إنما لابد أن تحكمها علاقة الخير من أجل الخير، والبناء من أجل التقدم، ومن أجل إحراز هذا الهدف لابد من خطوات تخطوها الحضارات..
أولها: التعارف، وهذا ما دعا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، فالاختلاف بين الشعوب حقيقة واضحة لا ينبغي أن نتغافلها، وفي ضل هذا الاختلاف ليس لنا إلا التعرّف على الحضارات الأخرى لكي نفهمها بوضوح، لأن (الناس أعداء ما جهلوا) كما قال الإمام علي (ع) وصي رسول الله محمد (ص).
وثانيها: الحوار، وهو المبدأ الذي ينطلق من إرادة الخير من الإنسان لأخيه الإنسان، فإذا اعتقد الإنسان أن ما يؤمن به هو الأفضل فلابد أن يدعوا أخاه الإنسان إليه، ولا يتم ذلك بالعنف والإكراه، إنما بالحوار الهادف كما أكده القرآن الكريم.. وبالتعارف والحوار تسير الحضارات نحو التكامل الحضاري الذي يخدم البشرية جمعاء .

 ومن مميزات الإسلام أنه جعل الإنسان محور الحضارة لكي تقوم بالإنسان ولمصلحة الإنسان، وذلك من خلال إطلاق بعدي (العقل والروح ) فالتطور المادي لابد أن يتسق مع مكانة الروح وهي السمة الربانية التي من أجلها حفظ الله تعالى كرامة الإنسان وفضله على كافة المخلوقات، فأي تطور في الحضارة يخلو عن إعطاء الروح مكانتها و قداسة إنسانية الإنسان، فلا تحمل في داخلها سمة التوازن، فيطغى الجانب المادي على الجانب المعنوي فتنهار الحضارة ولا تكون لها أي معنى، كما يحدث الآن في الغرب من تطور مادي كبير، وأما في الجانب المعنوي وما يحفظ للإنسان قيمته ومكانته معدومة في مجتمعاتهم، فالأسرة متفككة والأمراض النفسية شائعة إضافة إلى الشذوذ والأمراض الجنسية والإدمان وغيرها.. أما الإسلام فقد ضمن للنفس استقامتها وسموها كما ضمن للعقل مكانته ورفعته ووازن بينهما في داخل الإنسان .

وهذه مقتطفات من دعاء كان يدعو به الإمام المنتظر (عج) والذي نحن اليوم بصدد إحياء ذكرى مولده، يحمل في طيّاته بعض ما يؤمن صلاح الإنسان وتوازنه:

(( اللهم أكرمنا بالهدى والاستقامة وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة، وأملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة، وطهّر بطوننا من الحرام والشبهة، واكفف أيدينا عن الظلم والسرقة، وأغضض أبصارنا عن الفجور والخيانة، واسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة..

وتفضل على مشايخنا بالوقار والسكينة، وعلى الشباب بالإنابة والتوبة، وعلى النساء بالحياء والعفة، وعلى الأغنياء بالتواضع والسعة، وعلى الفقراء بالصبر والقناعة.. وعلى الأمراء بالعدل والشفقة، وعلى الرعية بالإنصاف وحسن السيرة).

 

الهوامش:

* ترجم هذاالمقال للّغة الإنجليزية ووزّع على الجاليات الأجنبية بشكل واسع عام1421هـ

العودة إلى صفحة المحتويات>>