عودة إلى صفحة مكتبة النبأ

إتصلوا بنا

شارك في الكتابة

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

الإمام المهدي(عجل الله فرجه) الغيب الشاهد

- المهدي والمسيح.. وأمل المستقبل -

إن أهل البيت (عليهم السلام) بهم من الشبه من الأنبياء الكثير، فكل إمام له تمازج وتشابه مع بعض الأنبياء في الشمائل أو في الحركة التاريخية أو أنواع المحن والبلايا، أو الفضائل والمواقف..

و يحدثنا التاريخ القصير الذي سجل للإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) أن هنالك شبه بنبي الله موسى  في خفاء حمل أمه به، وغيابه عنها لفترة، فيرد إليها، كما ذكر ذلك الإمام العسكري (ع)  عندما تساءلت السيدة حكيمة عن أثر الحبل رد عليها قائلاً: (إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل، لأن مثلها مثل أم موسى(عليه السلام) لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى(عليه السلام)، وهذا نظير موسى(عليه السلام)(1).
وسنسلط الضوء في هذا المقام على  نبي الله عيسى (عليه السلام)، والتداخلات مع سيرة الإمام المهدي (عج) .
فإننا نلحظ في المشاهد التاريخية، والأحاديث المنبئة بالظهور المقدّس للإمام الحجة (عج) أن هنالك تداخلات كثيرة للنبي عيسى (ع) بسيرة الإمام (عج)، وإليك عرضها:

التزاوج

 لقد كان الإمام المنتظر (عج) في تكوينه الخلقي الظاهر محل انصباب الديانتين (الإسلامية والمسيحية) عندما تزوّج أبوه الإمام الحسن العسكري (ع)، بالسيدة نرجس (ع).. فكان الإمام العسكري (ع) امتداداً من وصي رسول الله محمد (ص)، حيث ينحدر نسله من الإمام علي (ع) من ناحية الأب، ومن فاطمة الزهراء (ع) إلى رسول الله (ص) من ناحية الأم، كما نقل التاريخ عن أن أباه هو العسكري، وهو ذاته الذي سيظهر في آخر الزمان، كما أكّدت الروايات عن الرسول الأعظم (ص)، ففي صحيح أبي داود ـ عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة(2).
أما من ناحية الأم، فأمه السيدة نرجس بنت ملك الروم الذين يدينون بالمسيحية، وأمها تنتسب لشمعون وصي نبي الله عيسى بن مريم (ع)، فقد نقل أنها ردت على خادم الإمام الهادي الذي اشتراها من سوق الرق، عندما تعجّب من لثمها لكتاب الإمام المكتوب بلغتها الرومية وتقبله، قال لها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟

فقالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء(عليهم السلام) أعرني سمعك وفرغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، انبئك بالعجب(3).
وقد حصلت الخطبة والزواج في عالم الغيب، خطبها الرسول الأعظم (محمد) (ص)، من نبي الله عيسى (ع)، تقول السيدة نرجس وهي تحكي هذا الامتزاج في  رؤيتها التي رأتها أن: النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ قال وهو يعانق المسيح: يا روح الله إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمد(عليه السلام) ـ العسكري ـ ابن صاحب هذا الكتاب.
فنظر المسيح إلى شمعون وقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك رحم آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم).

قال: قد فعلت.

فصعد ذلك المنبر فخطب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجني من ابنه، وشهد المسيح(عليه السلام) وشهد أبناء محمد والحواريون.
ونتابع فصول الزواج الميمون.. فلقد حكت السيدة نرجس تلك الحادثة بعدما حدثت لها في عالم الرؤيا، ولكن الحوادث المتتابعة صدّقت تلك الحادثة، حيث أمرها الإمام العسكري في ذلك العالم، بالخروج مع المحاربين لتنتقل إلى سوق الرق، فيشتريها أحد أعوان الإمام الهادي (ع) لينقلها إليه.. وقد حدث كل ذلك.. وعند وصول بشر وهو المبعوث من قبل الإمام لشراء السيدة نرجس من سوق الرق، يقول: ( فلما انكفأت بها ـ أي السيدة نرجس ـ إلى سر من رأى دَخَلَت على مولاي أبي الحسن(عليه السلام) فقال: كيف أراكِ الله عز الإسلام وذل النصرانية وشرف محمد وأهل بيته(عليهم السلام)؟

قالت: كيف اصف لك يا بن رسول الله ما أنت أعلم به مني.

قال: فاني أحببت أن أكرمك، فما أحب إليك: عشرة آلاف دينار، أم بشرى لك بشرف الأبد.

قالت: بشرى بولد لي.

قال لها: ابشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

قالت: ممن؟

قال: ممن خطبك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) له ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرومية.

قالت: من المسيح ووصيه؟

قال لها: ممن زوجك المسيح(عليه السلام) ووصيه؟

قالت: من ابنك أبي محمد(عليه السلام).

فقال: هل تعرفينه؟

قالت: وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيدة النساء(صلوات الله عليها).

قال: فقال مولانا: يا كافور ادع أختي حكيمة، فلما دخلت قال لها: ها هي، فاعتنقتها طويلا وسرت بها كثيراً، فقال لها أبو الحسن(عليه السلام): يا بنت رسول الله خذيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن، فانها زوجة أبي محمد وأم القائم(عليه السلام)(4).

 وهكذا بدأت علاقة نبي الله عيسى (ع) بالإمام المنتظر (عج) و قد ولد المولود الموعود ثمرة لذلك الزواج المبارك .

الغيبة

من الأمور المشتركة عند الإمام المنتظر (عج)، وعيسى (ع)، هي الغيبة والرفعة إلى الله، فقد رفع الله تعالى نبيه عيسى بن مريم (ع) بعد أن كان مطارداً من قبل اليهود حال دعوته فيهم إلى الله عز وجلّ، لئلا يظفروا به ويقتلوه، فعن أبي جعفر الباقر (ع): (لما كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون رفع فيها عيسى بن مريم إلى السماء..)(5) .
قال تعالى: (وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا إتباع الظن، وما قتلوه يقينا . بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً)(6).
وكذلك الإمام المنتظر (عج) قد رفعه الله تعالى وغيّبه عن أنظار الناس، بعد المطاردة ومحاولات القتل والوأد التي قام بها الحكام المتجبرون .
إلا أن الإمام المهدي كانت له غيبتان، قال الإمام علي ابن أبي طالب (ع): (وإن للقائم منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى فلا يثبت على إمامته إلا من قوي يقينه وصحّت معرفته)(7)، فابتدأت الغيبة الأولى وهي الصغرى  منذ العام (260) إلى العام (329)، كانت الصلة فيها بين الإمام (ع) و الشيعة عبر النوّاب الأربعة الخاصين الذين عيّنهم الإمام (ع)، ثم بعد وفاة آخرهم ابتدأت الغيبة الكبرى والتي هي مستمرة إلى وقتنا هذا، عسى الله أن يوفقنا لرؤيته ونصرته .

 فكان وجه الشبه بين الإمام والنبي في غيبتهما، وطول عمرهما، مع توافق الأسباب الداعية إلى الغيبة، من الظروف السياسية والمطاردات الجائرة، ومحاولات القتل..

و في المستقبل

وتستمر العلاقة بين الإمام المنتظر والمسيح إلى أن يظهرا إلى العالم بعد غيبتهما الطويلة، حيث أن الروايات تؤكد ظهورهما في زمان واحد، ولغاية مستقبلية إلهية واحدة، هي تمكين دين الله تعالى، وتوحيده، ليكون الدين كله لله .
في نزول وظهور النبي عيسى (ع)، يقول الرسول (ص): (ليس بيني، وبينه ـ يعني عيسى (ع)، نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع، إلى الحمرة والبياض، ينزل بين مصرتين، كأن يقطر وإن لم يصبه بلل )(8).
أما الإمام المهدي (عج)، فروايات ظهوره كثيرة نذكر منها ما هو مرتبط بظهور عيسى (ع)، قال النبي (ص): ( يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم كأنه يقطر من شعره الماء، فيقول له المهدي: تقدّم صل بالناس، فيقول: إنما أقيمت لك الصلاة، فيصلي خلف رجل من ولدي: وهو المهدي )(9) .
ينبغي أن تلفت انتباهنا هذه العلاقة التي ابتدأت بالتزاوج، والاشتراك في الغيبة، إلى الظهور في زمان واحد، ومن أهم الملاحظات هي تلك التي تنبئ بظهور الحضارة الإسلامية على كافة العالم، بمن فيهم أهل الديانات المختلفة، ولا يخفى أن الديانة الأوسع في عالمنا المعاصر هي المسيحية، ثم الإسلام، وأمّا أسباب القوة والتمكّن فهي بيد الحضارة الغربية التي تنتمي للديانة المسيحية، فظهور المسيح في آخر الزمان له أثر بالغ على المسيحيين، خصوصاً عندما يصلي خلف الإمام المنتظر ويقر بإمامته، فإن الأحاديث تذكر أنه سيؤمن الكثير منهم .

فقد قال رسول الله (ص): (المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحق بشيراً لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنوره ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب)(10).  
الأمر الذي ينبغي الاستفادة منه هو خلق الجسور بين الحضارتين الغربية والإسلامية على أساس الدين، والإيمان بالله واليوم الآخر، ليتم التعاون على محاربة الإلحاد، ومكافحة الزنا والجريمة، وكل الرذائل التي تنكرها الديانتين .
فمشاهدات أولية للمعول الذي يهدم المجتمعات ويستغل من خلاله الناس من أجل الإفساد، هو تفشي ظلم الإنسان للإنسان عبر سياسات وقوانين جائرة، وإشاعة الزنا و الاتجار بالرق الأبيض لخلخلة المجتمعات وهدمها، وكل المحرمات التي اتفقت عليها الديانات، ولعل ذلك مصدر تقارب يؤدّي إلى بعث العقيدة الإسلامية بالدعوة بالتي هي أحسن في أوساط المجتمعات الغربية والمشركة التي لا تؤمن بالدين الإسلامي القويم.
 

الهوامش:

(1)  الإمام المهدي (ع)، للإمام الشيرازي .

(2) المهدي في السنة، آية الله السيد صادق الشيرازي، ص38.

(3) الإمام المهدي (ع)، لفمام الشيرازي

(4) الإمام المهدي (ع)، للإمام الشيرازي .

(5) الأنبياء، حياتهم وقصصهم، عبد الصاحب الحسني العاملي، ص488.

(6) سورة النساء، آية 157ـ158

(7) المهدي في السنة، آية الله السيد صادق الشيرازي، ص 66

(8) الروض الفسيح في بيان الفوارق بين المهدي والمسيح، الشيخ محمد باقر الالهي القمي.

(9) المهدي في السنة، آية الله السيد صادق الشيرازي، ص73

(10) المهدي في السنة، ص32

العودة إلى صفحة المحتويات>>