|
الإمام المهدي(عجل الله فرجه) الغيب الشاهد - رعاية الله لنهاية التاريخ - |
هل أن نهاية التاريخ ستكون بهيمنة قوى بشرية تنتهج
النهج النفعي والمصلحي، وتكون الأرض حينئذ تحت رعاية بشرية متكبرة ومتجبرة
؟ أم أنها غير ذلك ؟
وأما ماهية النهاية وصفتها، فلا تكون إلا برعاية
إلهية محاطة بألطاف الله عز وجل، كما هي دلائل الآيات أن الله هو الذي
سيختار من يبوئه ويمكّنه من الأرض في قوله عز وجل: (ونجعلهم أئمة)،
(ونجعلهم الوارثين) .. مما يدلّ أن الهيمنة والتمكين على مقدرات الأرض إنما
ستكون بجعل إلهي، لا بتقديرات بشرية زائفة .
فحسب المتواتر من الأحاديث عند المسلمين أنه لو لم
يبق من الدنيا إلا يوماً واحداً لطوّل الله ذلك اليوم، ليخرج فيه الإمام
المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت
ظلماً وجوراً . الرعاية قبل عالم التكوين
يقول الرسول الأعظم (ص): (أنظر في أي شيء تضع ولدك
فإن العرق دسّاس)(4)،مما يبيّن أهمية اختيار الزوجة الصالحة ذات المميزات
الحسنة والأصل الحميد، لتكون أمّا صالحة للأبناء، فالأم وعاء للجنين، ومن
أحسن اختيار الوعاء من حيث المواصفات الذاتية والخارجية، كمادّة الوعاء
المصنوع منها، ونظافته، فستكون المادّة التي يحويها متأثرة بتلك المواصفات
.. والأم ركن أساسي في تكوين الأبناء .
بعد أن استيأس الرهبان و القساوسة عندما أراد أبوها
أن يزوجها من ابن عمها فجمع كبراء قومه والرهبان والقساوسة، (تسافلت
الصلب(6) من الأعلى فلصقت بالأرض وتقوضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار،
وخر الصاعد من العرش مغشياً عليه، فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم). فنظر المسيح إلى شمعون وقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم). قال: قد فعلت. فصعد ذلك المنبر فخطب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجني من ابنه، وشهد المسيح(عليه السلام) وشهد أبناء محمد والحواريون.
فلما استيقظت أشفقت من أن أقص هذه الرؤيا على
أبي وجدي مخافة القتل، فكنت أسرها ولا أبديها لهم، وضرب صدري بمحبة أبي
محمد(عليه السلام) حتى امتنعت من الطعام والشراب، فضعفت نفسي ودق شخصي
ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي وسأله عن
دوائي، فلما برح به اليأس قال: يا قرة عيني وهل يخطر ببالكِ شهوة فأزودكها
في هذه الدنيا. فانتبهت وأنا أنول وأتوقع لقاء أبي محمد(عليه السلام). فلما كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمد(عليه السلام) وكأني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبك. فقال(عليه السلام): ما كان تأخري عنك إلا لشركك، فقد أسلمت وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله تعالى شملنا في العيان، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية. الرعاية في الأرحام لقد نال الإمام المنتظر الرعاية الإلهية منذ أن كان في رحم أمه، فقد كانت الأوضاع السياسية وقتئذ معبئة بالهواجس المستقبلية عند بني العباس الذي يريدون إخماد نور الله، لعلمهم بأن الرسول (ص) قد أنبأ بالإمام الثاني عشر من ولد الإمام الحسن العسكري سيستخلفه الله في الأرض، فأخفى الله ظهور أثر الحمل على أمه، فمن يراها لم يشر أنها حبلى.. يحدثنا التاريخ أن ليلة موعد ولادة الإمام المنتظر (عج) كانت السيدة حكيمة عمة الإمام العسكري في بيت الإمام وعندما أرادت الرحيل، قال لها العسكري (ع): لا يا عمّتاه، بيتي الليلة عندنا فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عزّ وجل، الذي يحي الله عز وجل به الأرض بعد موتها تحكي لنا حكيمة:
قلت: ممن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحبل
. قالت: فوثبتُ إليها فقبّلتها ظهراً لبطن، فلم أر بها أثر حبل، فعدت إليه (ع) فأخبرته بما فعلت . فتبسّم (ع) ثم قال لي: إذا كان وقت ولادتها يظهر لك الحبل، لأن مثلها مثل أم موسى (ع) لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأن فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى (ع)، وهذا نظير موسى (ع) .(8) فكان وقت الحمل في لحظات الغيب عند الله وفي رعايته سبحانه. الرعاية طفلاً وصبيّاً بعد ولادته عجل الله تعالى فرجه كان يتنقّل بين الغيب والشهود، فكان في وقت الغيب مستودعاً عند الله تعالى، فيظهر أحياناً لبعض الخلّص من موالي أهل البيت (عليهم السلام)، هكذا يحدثنا تاريخ الإمام المنتظر منذ ولادته وحتى غيبته الصغرى عام 260 للهجرة وهو عام بداية الغيبة الصغرى.. تقول حكيمة وهي تحكي قصة اللحظات الأولى للولادة للإمام الموعود (ع): فرأيت اضطراباً في نرجس فضممتها إلى صدري وسمّيت عليها، فصاح أبو محمد (ع) وقال: اقرئي عليها (إنّا أنزلناه في ليلة القدر)، فأقبلت عليها وقلت لها: ما حالك ؟ قالت: ظهر بي الأمر الذي أخبرك به مولاي فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجاب الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ، وسلّم عليّ قالت: حكيمة: ففزعت لمّا سمعت. فصاح بي أبو محمد (ع): لا تعجبي من أمر الله عز وجل، إن الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجة في أرضه كباراً، فلم يستتمّ الكلام حتى غيبت نرجس، فلم أرها كأنه ضرب بيني وبينها حجاب. فعدوت نحو أبي محمد (ع) وأنا صارخة فقال لي: أرجعي يا عمّه فإنك ستجدينها في مكانها قالت: فرجعت فلم البث أن كشف الحجاب الذي كان بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشّى بصري، وإذا أنا بالصبي (ع) ساجداً على وجهه، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبابته نحو السماء وهو يقول:
(أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن جدي
محمداً رسول الله، وأن أبي أمير المؤمنين، ثم عدّ إماماً إماماً إلى أن يلغ
إلى نفسه، فقال: اللهم أنجز لي وعدي، وأتمم لي أمري، وثبّت وطأتي، وأملأ
الأرض بي عدلاً وقسطاً)(9). كذلك النظر إليه وهو غلام، فقد أخرج عن يعقوب بن منفوس قال: (دخلت على أبي محمد الحسن العسكري وعلى باب البيت ستر مُسبل فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الأمر بعدك ؟ فقال ارفع الستر فرفعته فخرج غلام فجلس على فخذ أبي محمد (ع) وقال لي أبو محمد: هذا إمامكم من بعدي، ثم قال: يا بني أدخل البيت فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثم قال: يا يعقوب انظر في البيت فدخلته فما رأيت أحداً)(13) وفي الغيبة الصغرى والكبرى بعد أن كان الإمام منذ ولادته وحتى وفاة أبيه العسكري (ع) متردداً بين الغيب والشهود، متقلباً في رعاية الله، ومستودعاً في كنفه عز وجل، جاءت الغيبة الصغرى لتكون غيبة تمهيدية للغيبة الكبرى، وكما أخبر بهاتين الغيبتين الإمام علي ابن أبي طالب (ع) إذ قال: (وإن للقائم منا غيبتين احداهما أطول من الأخرى فلا يثبت على إمامته إلا من قوى يقينه وصحّت معرفته)(14)، فابتدأت الغيبة الأولى وهي الصغرى منذ العام (260) إلى العام (329)، كانت الصلة فيها بين الإمام (ع) و الشيعة عبر النوّاب الأربعة الخاصين الذين عيّنهم الإمام (ع)، وهم: (1) أبو عمرو عثمان بن سعيد الذي كان وكيلاً للإمام الحسن العسكري (ع) . وبعد وفاته أصبح نائباً للإمام الحجة ( عجل اللـه فرجه) . (2) وبعد وفاته عام ( 266) نصب الإمام الحجة ابنه أبا جعفر محمد بن عثمان ليصبح نائباً للإمام خلال خمسين عاماً . (3) أما النائب الذي استخلفه محمد بن عثمان فقد كان حسين بن روح ومنذ عام ( 304) وعبر اثنين وعشرين عاماً كان مرجعاً عاماً للطائفة من قبل الإمام الحجة (ع) .
(4) وبعد أن لبى حسين بن روح نداء ربه، عين الإمام
أبا الحسن علي بن محمد السمري نائباً عنه، وبقي في منصبه ثلاث سنوات، ولما
اقترب من أجله سئل عمّن ينوبه فأخبر بانتهاء الغيبة الصغرى بوفاتـه(15) .
(بنيّ، أنت المهديّ، وأنت حجّة الله على الأرض
..)(16) .. الهوامش: (1) سورة القصص، آية 5 (2) سورة التوبة، آية 33 (3) المهدي في السنة، ص45 (4) الطفل بين الوراثة والتربية، الشيخ محمد تقي الفلسفي ج1، 61 (5) الإمام المهدي (ع)، للإمام الشيرازي. (6) جمع صليب (7) الإمام المهدي (عج)، للإمام الشيرازي . (8) الإمام المهدي (ع)، للإمام الشيرازي، ص 6. (9) الإمام المهدي (ع) للإمام الشيرازي، ص 6. (10) المهدي (عج)، للإمام الشيرازي، عن البحار ج51ص14ب1ح14 (11) قادتنا كيف نعرفهم، السيد محمد هادي الميلاني ج7،ص214.. (12) المصدر نفسه. (13) المصدر نفسه. (14) المهدي في السنة، آية الله السيد صادق الشيرازي، ص 66 (15) الإمام المهدي قدوة وأسوة ـ آية الله السيد محمد تقي المدرسي. (16) شمس المغرب، محمد رضا حكيمي، ص16. (17) شمس المغرب، محمد رضا الحكيمي، ص14، عن (منتخب الأثر) للطف الله الصافي. (18) سورة يونس ـ آية 20 |