عودة إلى صفحة مكتبة النبأ

إتصلوا بنا

شارك في الكتابة

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

الإمام المهدي(عجل الله فرجه) الغيب الشاهد

- رعاية الله لنهاية التاريخ -

هل أن نهاية التاريخ ستكون بهيمنة قوى بشرية تنتهج النهج النفعي والمصلحي، وتكون الأرض حينئذ تحت رعاية بشرية متكبرة ومتجبرة ؟ أم أنها غير ذلك ؟
لقد أجاب بعض مفكري الغرب كـ(فوكوياما)، بأن هذا هو زمن نهاية التاريخ (أي القرن الواحد والعشرين) وهو بهذه الصورة من الهيمنة الغربية على مقدرات العالم، فإن الإنسان التاريخي حسب ما يدّعيه هو ذلك الغربي الذي يزقّ في صغره مفاهيم الهيمنة ويتربى على الثقافة النفعية المادية، أمّا الذي يرأس هذا العالم بمن حواه فهو الشخص الذي يتربع على عرش السلطة الأمريكة، وحيث أن القطب الآخر (الإتحاد السوفياتي) قد انهار، فلا منافس ولا ندّ ولا مستحق ولو مستقبلاً لهذه الإدارة العالمية .
وأجاب بعض عن السؤال كـ(هنتيجتون) بأن نهاية التاريخ لابد أن تكون بيد الغرب لتقدّمه وتميّزه وإن كان ذلك بعد حين .. ولا يخفى ما لهذه النهاية التي يبشّر لها من ظلم وعدوان على الإنسان، وتحطيم لأبسط قواعد العدالة الإنسانية .. والمشهد السياسي المعاصر أبلغ شاهد على ذلك ..
 ونحن لا نختلف معهم على حتمية أن يكون للتاريخ نهاية، بل على العكس، إن نهاية التاريخ هي من النبؤات التي ذكرها القرآن الكريم،وأكّدها الرسول وأهل بيته بأحاديث متواترة .. يقول تعالى: (ونريد أن نمّن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)(1)، وقال عز وجل ( ليظهره على الدين كله)(2) .
إلا أن الاختلاف الجذري بيننا وبينهم هو في ماهية النهاية، وزمانها .. فأما الزمان فعلمه عند الله عز وجل، يظهره متى رأى الظروف مواتية، ففي الحديث عن الرسول (ص): (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أمتي ومن أهل بيتي يواطئ أسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(3) .

وأما ماهية النهاية وصفتها، فلا تكون إلا برعاية إلهية محاطة بألطاف الله عز وجل، كما هي دلائل الآيات أن الله هو الذي سيختار من يبوئه ويمكّنه من الأرض في قوله عز وجل: (ونجعلهم أئمة)، (ونجعلهم الوارثين) .. مما يدلّ أن الهيمنة والتمكين على مقدرات الأرض إنما ستكون بجعل إلهي، لا بتقديرات بشرية زائفة .
وهذه الرعاية الإلهية هي بظهور الإمام صاحب الزمان (عجل الله فرجه).

فحسب المتواتر من الأحاديث عند المسلمين أنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوماً واحداً لطوّل الله ذلك اليوم، ليخرج فيه الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً .
فتحقق الرعاية الإلهية لنهاية التاريخ إنما هي من الرعاية الإلهية للإمام المنتظر (عج) حيث أحاطت الرعاية الإلهية بالإمام قبل أن يولد وقبل عالم الأرحام وفي ولادته وطفولته وصباه، وفي غيبتيه الصغرى والكبرى  وهو مستودع عند الله عزّ وجل ليتربى في كنفه، هكذا تحدّثنا مقاطع التاريخ المهدوي..

الرعاية قبل عالم التكوين

يقول الرسول الأعظم (ص): (أنظر في أي شيء تضع ولدك فإن العرق دسّاس)(4)،مما يبيّن أهمية اختيار الزوجة الصالحة ذات المميزات الحسنة والأصل الحميد، لتكون أمّا صالحة للأبناء، فالأم وعاء للجنين، ومن أحسن اختيار الوعاء من حيث المواصفات الذاتية والخارجية، كمادّة الوعاء المصنوع منها، ونظافته، فستكون المادّة التي يحويها متأثرة بتلك المواصفات .. والأم ركن أساسي في تكوين الأبناء .
وفي قصة اختيار الزوجة الصالحة لإمام معصوم كالإمام الحسن العسكري (ع)، ولتكون خير أم لإمام العصر المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)، فقد تدخلت العناية الإلهية في ذلك الاختيار،  ووقع الاختيار على السيدة نرجس (ع) والتي كان امتدادها إلى وصي النبي عيسى (ع) .
وهي التي تقول معرفة نفسهاً: (أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون)(5).
وقصة الاختيار طويلة نكتفي بالإشارة لبعض فصولها:

بعد أن استيأس الرهبان و القساوسة عندما أراد أبوها أن يزوجها من ابن عمها فجمع كبراء قومه والرهبان والقساوسة، (تسافلت الصلب(6) من الأعلى فلصقت بالأرض وتقوضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار، وخر الصاعد من العرش مغشياً عليه، فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم).
تقول نرجس بعد تلك الحادثة: (ورأيت في تلك الليلة كان المسيح(عليه السلام) وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبراً من نور يباري السماء علواً وارتفاعاً في الموضع الذي كان نصب جدي فيه عرشه، ودخل عليهم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وختنه ووصيه(عليه السلام) وعدة من أبنائه(عليهم السلام)(7).
فتقدم المسيح(عليه السلام) إليه(صلى الله عليه وآله وسلم) فاعتنقه، فيقول له محمد(صلى الله عليه وآله وسلم): يا روح الله إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى ابي محمد(عليه السلام) ابن صاحب هذا الكتاب.

 فنظر المسيح إلى شمعون وقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم).

قال: قد فعلت.

 فصعد ذلك المنبر فخطب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجني من ابنه، وشهد المسيح(عليه السلام) وشهد أبناء محمد والحواريون.

 فلما استيقظت أشفقت من أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل، فكنت أسرها ولا أبديها لهم، وضرب صدري بمحبة أبي محمد(عليه السلام) حتى امتنعت من الطعام والشراب، فضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي وسأله عن دوائي، فلما برح به اليأس قال: يا قرة عيني وهل يخطر ببالكِ شهوة فأزودكها في هذه الدنيا.
 فقلت: يا جدي أرى أبواب الفرج علي مغلقة، فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومنّيتهم الخلاص، رجوت أن يهب لي المسيح وأمه عافية.
 فلما فعل ذلك تجلدت في إظهار الصحة في بدني قليلاً وتناولت يسيراً من الطعام، فسر بذلك واقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم، فأريت بعد أربع عشرة ليلة كان سيدة نساء العالمين فاطمة(عليها السلام) قد زارتني ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيدة نساء العالمين أم زوجك أبي محمد(عليه السلام)، فأتعلق بها وابكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد(عليه السلام) من زيارتي.
فقالت سيدة النساء(عليها السلام): إن ابني أبا محمد لا يزورك وأنت مشركة بالله على مذهب النصارى، وهذه أختي مريم بنت عمران، تبرأ إلى الله تعالى من دينك، فان ملت إلى رضا الله و رضا المسيح(عليه السلام) ومريم(عليها السلام) وزيارة أبي محمد إياك فقولي: اشهد أن لا اله إلا الله وان أبي محمداً (ص) رسول الله.
فلمّا تكلمت بهذه الكلمة ضمتني إلى صدرها سيدة نساء العالمين(عليها السلام) وطيبت نفسي وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمد فإني منفذته إليك.

فانتبهت وأنا أنول وأتوقع لقاء أبي محمد(عليه السلام).

 فلما كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمد(عليه السلام) وكأني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبك.

 فقال(عليه السلام): ما كان تأخري عنك إلا لشركك، فقد أسلمت وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله تعالى شملنا في العيان، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

الرعاية في الأرحام

لقد نال الإمام المنتظر الرعاية الإلهية منذ أن كان في رحم أمه، فقد كانت الأوضاع السياسية وقتئذ معبئة بالهواجس المستقبلية عند بني العباس الذي يريدون إخماد نور الله، لعلمهم بأن الرسول (ص) قد أنبأ بالإمام الثاني عشر من ولد الإمام الحسن العسكري سيستخلفه الله في الأرض، فأخفى الله ظهور أثر الحمل على أمه، فمن يراها لم يشر أنها حبلى..

 يحدثنا التاريخ أن ليلة موعد ولادة الإمام المنتظر (عج) كانت السيدة حكيمة عمة الإمام العسكري في بيت الإمام وعندما أرادت الرحيل، قال لها العسكري (ع): لا يا عمّتاه، بيتي الليلة عندنا فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عزّ وجل، الذي يحي الله عز وجل به الأرض بعد موتها

تحكي لنا حكيمة:

قلت: ممن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحبل .
فقال: من نرجس لا من غيرها.

قالت: فوثبتُ إليها فقبّلتها ظهراً لبطن، فلم أر بها أثر حبل، فعدت إليه (ع) فأخبرته بما فعلت .

فتبسّم (ع) ثم قال لي: إذا كان وقت ولادتها يظهر لك الحبل، لأن مثلها مثل أم موسى (ع) لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأن فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى (ع)، وهذا نظير موسى (ع) .(8)

فكان وقت الحمل في لحظات الغيب عند الله وفي رعايته سبحانه.

الرعاية طفلاً وصبيّاً

بعد ولادته عجل الله تعالى فرجه كان يتنقّل بين الغيب والشهود، فكان في وقت الغيب مستودعاً عند الله تعالى، فيظهر أحياناً لبعض الخلّص من موالي أهل البيت (عليهم السلام)، هكذا يحدثنا تاريخ الإمام المنتظر منذ ولادته وحتى غيبته الصغرى عام 260 للهجرة وهو عام بداية الغيبة الصغرى..

تقول حكيمة وهي تحكي قصة اللحظات الأولى للولادة للإمام الموعود (ع): فرأيت اضطراباً في نرجس فضممتها إلى صدري وسمّيت عليها، فصاح أبو محمد (ع) وقال: اقرئي عليها (إنّا أنزلناه في ليلة القدر)، فأقبلت عليها وقلت لها: ما حالك ؟

قالت: ظهر بي الأمر الذي أخبرك به مولاي

فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجاب الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ، وسلّم عليّ

قالت: حكيمة: ففزعت لمّا سمعت.

فصاح بي أبو محمد (ع): لا تعجبي من أمر الله عز وجل، إن الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجة في أرضه كباراً، فلم يستتمّ الكلام حتى غيبت نرجس، فلم أرها كأنه ضرب بيني وبينها حجاب.

فعدوت نحو أبي محمد (ع) وأنا صارخة

فقال لي: أرجعي يا عمّه فإنك ستجدينها في مكانها

قالت: فرجعت فلم البث أن كشف الحجاب الذي كان بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشّى بصري، وإذا أنا بالصبي (ع) ساجداً على وجهه، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبابته نحو السماء وهو يقول:

(أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن جدي محمداً رسول الله، وأن أبي أمير المؤمنين، ثم عدّ إماماً إماماً إلى أن يلغ إلى نفسه، فقال: اللهم أنجز لي وعدي، وأتمم لي أمري، وثبّت وطأتي، وأملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً)(9). 
و بعد أن ولد الإمام (كانت هناك طيور ترفرف على رأسه فصاح ـ الإمام العسكري ـ (عليه السلام) بطير منها فقال له: احمله واحفظه وردّه إلينا في كل أربعين يوماً. فتناوله الطائر وطار به في جو السماء واتبعه سائر الطير، ـ تقول حكيمة عمة الإمام العسكريـ فسمعت أبا محمدـ العسكري ـ يقول: استودعتك الذي استودعته أم موسى .
فبكت نرجس فقال لها: اسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك، وسيعاد إليك كما رد موسى إلى أمه، وذلك قوله عز وجل: (فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن) .
قالت حكيمة: فقلت ما هذا الطائر ؟
قال (ع): هذا روح القدس الموكل بالأئمة (عليهم السلام) يوفقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم .
وقد استمرت رعاية الله تعالى لمولانا الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) في صباه حيث كان الناس لا يشاهدونه كثيراً، فما رآه أحد إلا واختفى عنه بعد فترة وجيزة (10)..
وهكذا في صباه أخذ يتردد بين الغيب والشهود، بين الرعاية الخالصة لله، وبين الظهور لأمه وأبيه و لبعض الخواص من أصحاب الإمام العسكري (ع).
عن عمر الأهوازي قال: أراني أبو محمد ابنه رضي الله عنهما وقال: هذا إمامكم من بعدي)،  و عن الخادم الفارسي قال: (كنت بباب الدّار خرجت جارية من البيت ومعها شيء مغطّى، فقال لها أبو محمد: اكشفي عما معك فكشفت فإذا غلام أبيض حسن الوجه فقال: هذا إمامكم من بعدي، قال: فما رأيته بعد ذلك)(11) .
وقال الخادم الفارسي: (كنت بباب الدار فخرجت جارية من البيت ومعها شيء مغطى، فقال لها أبو محمد: أكشفي عمّا معك فكشفت فإذا غلام أبيض حسن الوجه فقال: هذا إمامكم من بعدي، قال: فما رأيته بعد ذلك)(12)

 كذلك النظر إليه وهو غلام، فقد أخرج عن يعقوب بن منفوس قال: (دخلت على أبي محمد الحسن العسكري وعلى  باب البيت ستر مُسبل فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الأمر بعدك ؟ فقال ارفع الستر فرفعته فخرج غلام فجلس على فخذ أبي محمد (ع) وقال لي أبو محمد: هذا إمامكم من بعدي، ثم قال: يا بني أدخل البيت فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثم قال: يا يعقوب انظر في البيت فدخلته فما رأيت أحداً)(13)

وفي الغيبة الصغرى والكبرى

بعد أن كان الإمام منذ ولادته وحتى وفاة أبيه العسكري (ع) متردداً بين الغيب والشهود، متقلباً في رعاية الله، ومستودعاً في كنفه عز وجل، جاءت الغيبة الصغرى لتكون غيبة تمهيدية للغيبة الكبرى، وكما أخبر بهاتين الغيبتين الإمام علي ابن أبي طالب (ع) إذ قال: (وإن للقائم منا غيبتين احداهما أطول من الأخرى فلا يثبت على إمامته إلا من قوى يقينه وصحّت معرفته)(14)، فابتدأت الغيبة الأولى وهي الصغرى  منذ العام (260) إلى العام (329)، كانت الصلة فيها بين الإمام (ع) و الشيعة عبر النوّاب الأربعة الخاصين الذين عيّنهم الإمام (ع)، وهم:

(1) أبو عمرو عثمان بن سعيد الذي كان وكيلاً للإمام الحسن العسكري (ع) . وبعد وفاته أصبح نائباً للإمام الحجة ( عجل اللـه فرجه) .

(2) وبعد وفاته عام ( 266) نصب الإمام الحجة ابنه أبا جعفر محمد بن عثمان ليصبح نائباً للإمام خلال خمسين عاماً .

(3) أما النائب الذي استخلفه محمد بن عثمان فقد كان حسين بن روح ومنذ عام ( 304) وعبر اثنين وعشرين عاماً كان مرجعاً عاماً للطائفة من قبل الإمام الحجة (ع) .

(4) وبعد أن لبى حسين بن روح نداء ربه، عين الإمام أبا الحسن علي بن محمد السمري نائباً عنه، وبقي في منصبه ثلاث سنوات، ولما اقترب من أجله سئل عمّن ينوبه فأخبر بانتهاء الغيبة الصغرى بوفاتـه(15) .
خلال هذه الفترة، كان (عليه السلام) في عالم الغيب، فلا يظهر إلا لهؤلاء الأربعة ليشرف على أمور المسلمين ويوجههم الوجهة المرتضاة من الله تعالى .
وفي مشهد تاريخي يوضح بداية الغيبة الصغرى، يروي الفيلسوف الكبير والعالم الرباني أبو سهل النوبختي، وهو من خواص الإمام العسكري (ع) قوله: (طلب الإمام العسكري أن يؤتى له بولد حال مرضه، وقد كان المهدي آنذاك طفلاً . فجيء بالمهدي إلى أبيه، وأدّى السلام عليه، فنظرت إليه وإذا هو درّي اللون، وفي شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان.
خاطبه الإمام الحسن (ع) بقوله: (يا سيد أهل بيته اسقني الماء فإني ذاهب إلى ربي) فأتى له بالماء، ثم قام الطفل بتوضئة أبيه، بعد ذلك قال له الإمام العسكري (ع):

(بنيّ، أنت المهديّ، وأنت حجّة الله على الأرض ..)(16) ..
وفي المقابل جاء في الأثر (أن رهطاً من الشيعة ـ وكانوا أربعين نفراً ـ قد اجتمعوا يوماً عند الإمام الحسن العسكري (ع)، وطلبوا منه أن يريهم ويعرّفهم الحجة من بعده، ففعل الإمام ذلك، ورأوا هؤلاء ولداً خرج عليهم، مثل فلقة القمر، وكالبدر ليلة تمامه.
فقال العسكري: (هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه، ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وأنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان (بن سعيد العمري)، ما يقوله وانتهوا إلى أمره )(17).
وقد انتهت الغيبة الصغرى عند وفاة آخر نائب للإمام، لتبدأ مرحلة الغيبة الكبرى والتي يكون الإمام في عالم الغيب بشكل كلي، إلا أنه يظهر لبعض شيعته من الأولياء والمستحقين بصورة سريعة، فيتوارى خلف الغيب في رعاية الله تعالى، لأن (الغيب لله)،كما في قوله تعالى: (فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين)(18)، وما كان لله فهو في حصنه وأمانه، يربيه ويرعاه ويحفظه.
هذا هو الإمام الذي ستكون نهاية التاريخ على يديه، يأتي ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، لا بادعاءات وخداع كما هو الواقع المعاصر تحت هيمنة القوى البشرية الغربية المستكبرة، إنما ذلك القسط والعدل كله بقيادة إمام معصوم، ورعاية إلهية له منذ الولادة وحتى الظهور.
 

الهوامش:

(1) سورة القصص، آية 5

(2)  سورة التوبة، آية 33

(3) المهدي في السنة، ص45

(4) الطفل بين الوراثة والتربية، الشيخ محمد تقي الفلسفي ج1، 61

(5) الإمام المهدي (ع)، للإمام الشيرازي.

(6) جمع صليب

(7)  الإمام المهدي (عج)، للإمام الشيرازي .

(8) الإمام المهدي (ع)، للإمام الشيرازي، ص 6.

(9) الإمام المهدي (ع) للإمام الشيرازي، ص 6.

(10) المهدي (عج)، للإمام الشيرازي، عن البحار ج51ص14ب1ح14

(11)  قادتنا كيف نعرفهم، السيد محمد هادي الميلاني ج7،ص214..

(12)  المصدر نفسه.

(13)  المصدر نفسه.

(14) المهدي في السنة، آية الله السيد صادق الشيرازي، ص 66

(15) الإمام المهدي قدوة وأسوة ـ آية الله السيد محمد تقي المدرسي.

(16) شمس المغرب، محمد رضا حكيمي، ص16.

(17) شمس المغرب، محمد رضا الحكيمي، ص14، عن (منتخب الأثر) للطف الله الصافي.

(18) سورة يونس ـ آية 20

العودة إلى صفحة المحتويات>>