عودة إلى صفحة مكتبة النبأ

إتصلوا بنا

شارك في الكتابة

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

الإمام المهدي(عجل الله فرجه) الغيب الشاهد

- تشريف الإمام  (عجل الله تعالى فرجه) -

إن وجود الإمام المعصوم في الأمة هو المصدر الشرفي لها، فهو الذي يحدّد معالمها ويكوّن كيانها  ويضفي عليها شرعية مستمدّة من منبع الوجود جل وعلا، فالتكوين الذي يضفيه الإمام المعصوم هو تكوين متسامٍ عن المادّيات الزائلة، وقريب من العنويات الإلهية الباقية، .. هذا الشرف الأبدي الذي اختارته السيدة نرجس عليها لسلام بعد قدومها من رحلة السفر الشاقّة ومعاناة الأسر الأليمة، حينما سألها الإمام الهادي (ع) قائلاً: فإني أريد أن أكرمك، قأيّما أحب إليك: عشرة آلاف دينار، أم بشرى لك بشرف الأبد ؟

قالت: بل البشرى.. (رغم أن المبلغ لم يكن قليلاً حينها بل يعدّ ثروة طائلة، فقد اشتراها الإمام من سوق الرّق بمأتين وخمسين ديناراً فقط، وما يقدّمه الإمام لها الآن أضعافاً مضاعفة، يعادل شراء أربعين جارية بل أكثر إذا ما قيست النسبية بينهن وقتها).. فتختار السيدة نرجس شرف الأبد .. وهي متلهفة لسماع هذا الشرف من فم الإمام .. فقال عليه السلام: فابشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً(1)..
فهذا الشرف الإلهي هو الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) الذي يغيّر المعادلات في أي أمة تتشرّف برعايته وهي مدركة حقه ومكانته، باعتباره الإمام المعصوم المفترض الطاعة، المجسّد للقيم الإلهية بأجلى صورها..
وتمر أيام الزمن ويتزوج الإمام الحسن العسكري (ع) من السيدة نرجس، فتحمل بإمام العصر والزمان (عج) .. فتأتي لها السيدة الطاهرة حكيمة عمة الإمام (ع) ليلة النصف من شعبان، وهي مدركة تماماً مدى التغيير للمعادلات الذي يصنعه مقام الإمام ومدى الشرف الذي يسبغه على المرتبط به  .. فألقت السلام على أهل البيت وجلست .. فجاءت نرجس تنزع خف حكيمة وتقول لها: يا سيدتي وسيدة أهلي، فأنكرت نرجس قولها .. وقالت: ما هذا يا عمة!

فقالت حكيمة: (( إن الله تعالى سيهب لك في ليلتنا هذه غلاما سيدا في الدنيا والآخرة ))(2).

هكذا غيّر شرف الإمام (عج) المعادلات، فهل تغيرها في واقعنا بعد أن شرفنا الله بولاية إمام زماننا ؟ !

 يتحقق ذلك عندما نجسّد تعاليم القرآن وأهل البيت (ع) في واقعنا .. و نهتدي بهديهم .. لا بما تمليه علينا أهواؤنا وعصبيّاتنا البغيضة.

شرف الرؤية

إن قيمة المسئولية تشمل فيما تشمل (نعمة البصر) بكل تفاعلاتها من الواجبات والاستحقاقات، يقول الله تعالى في تثبيت المسئولية البصرية: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)(3).

وفي ما يتفرّع منها من واجبات وموانع يقول الإمام زين العابدين (ع) في رسالة الحقوق: (وأما حق بصرك: فغضّه عمّا لا يحل لك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصراً، أو تستفيد بها علماً، فإن البصر باب الاعتبار).

 فعملية النظر تتحرّك في فلك المسئولية بجميع آفاقها، ومن أهمها الالتزام بحقوقها والارتقاء بإسهاماتها لبناء شخصيّة الإنسان عن طريق (الاعتبار) وهو تحويل كل ما تراه العين إلى قيم معرفية يعتبر بها في حياته، ولذلك قال أمير المؤمنين (ع):

(وإنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار)(4) لأن (الاعتبار منذر ناصح)(5) كما يقول (ع).
 ويختلف النظر للأشياء من حيث قيمة النظر وفائدته حسب قيمة الأشياء ذاتها، من جهة، وحسب مقدرة الإنسان على تحويل النظر إلى مكسب .. فالنظر إلى المنكرات مثلاً سوء محض، فينبغي تحويل النظر إليه إلى تعوّذ من الشيطان .. والنظر إلى الكعبة المشرّفة، حسن محض، (فالنظر لها عبادة) كما في الحديث، ويزيد تلك الرؤية حسناً، الدعاء بالمأثور حال النظر إليها.

ولا شك أن النظر للأشياء الحسنة المحضة من توفيقات الله تعالى، وتشريف للإنسان بحسب استحقاقاته الذاتية والموضوعية، وكلما يكون المنظور ذا قيمة أكبر كانت شروط الاستحقاق أكثر، وبالتالي كان شرف الرؤية أعظم.

 ولذلك فإن في ولادة الإمام المنتظر (عج) نظراً للظروف السياسية، وتمهيداُ للغيبة الصغرى والكبرى لم يكن الإذن بالنظر إليه إلا من الإمام العسكري (ع) الذي يأذن للخواص برؤية وجهه الكريم .. فكما جاء في التاريخ: عن عمر الأهوازي قال: أراني أبو محمد ابنه ـ عليهما السلام ـ وقال: هذا إمامكم من بعدي)، و عن الخادم الفارسي قال: (كنت بباب الدّار خرجت جارية من البيت ومعها شيء مغطّى، فقال لها أبو محمد: اكشفي عما معك فكشفت فإذا غلام أبيض حسن الوجه فقال: هذا إمامكم من بعدي، قال: فما رأيته بعد ذلك)(6).

وقال الخادم الفارسي: (كنت بباب الدار فخرجت جارية من البيت ومعها شيء مغطى، فقال لهاأبو محمد: أكشفي عمّا معك فكشفت فإذا غلان أبيض حسن الوجه فقال: هذا إمامكم من بعدي، قال: فما رأيته بعد ذلك)(7) .
كذلك النظر إليه وهو غلام، فقد أخرج عن يعقوب بن منفوس قال: (دخلت على أبي محمد الحسن العسكري وعلى  باب البيت ستر مُسبل فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الأمر بعدك ؟ فقال ارفع الستر فرفعته فخرج غلام فجلس على فخذ أبي محمد (ع) وقال لي أبو محمد: هذا إمامكم من بعدي، ثم قال: يا بني أدخل البيت فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثم قال: يا يعقوب انظر في البيت فدخلته فما رأيت أحداً)(8).

فشرف رؤية الإمام المنتظر (عج) شرف عظيم، وشروطه كبيرة، وقد كانت في حياة الإمام العسكري (ع)، وقبل الغيبة الشروط كبيرة، فكيف بها حال الغيبة، فإن من يوفق لهذا الشرف إنما يكون له دلالات ذاتية في الشخص نفسه، أو لأسباب موضوعية مهمة، أو كلاهما معاً.

 ومن أجل معرفة بعض شروط استحقاق الرؤية، يروي لنا التاريخ أن الإمام العسكري عندما أراد اختيار الشخص الذي يريده أن يبتاع (أم الإمام المهدي) السيدة الطاهرة نرجس، وهي في سوق الرق، قد اختار أحد أصحابه بمواصفات معيّنة، خاطبه الإمام (ع) بها قائلاً: يا بشر إنك من ولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، أنتم ثقاتنا أهل البيت وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالاة بها: بسرّ أطلعك عليه وأنفذك في ابتياع أمة .. فالولاية لأهل البيت (ع) والثبات عليها من أهم شروط الرؤية.

إقرأ  باسم  ربك الذي خلق

 تقول حكيمة عمة الإمام  العسكري عليهما السلام فإذا كان اليوم السابع من الغياب _ ذهبت إلى سيدي الإمام الحسن العسكري لأرى الحجة (عجل الله تعالى فرجه)،  لأني اشتقت إليه، فرأيت مولاي الإمام في  المهد بزهو من نور كالقمر ليلة أربعة  عشر، فقال الإمام أبو محمد (ع):  هلمّي ابني، فقال الحجة (عج): اشهد أن لا  اله إلا الله وثنّى بالصلاة على محمد وأمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) حتى وقف على أبيه ثم  قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في  الأرض ونجعلهم أئمة)(9) في  إشارة لتجسيد الآية الشريفة  في  شخصه الشريف وتعبيراً عن الحقيقة الإلهية الناصعة في ختام الأئمة،  بأن يمنّ الله تعالى على الناس ويكمل لهم دينهم ويلقى حجته ليملئ الأرض قسطاً وعدلاً، انطلاقا  من الرسالة النبوية التي بدأها خاتم الأنبياء  محمد (ص)  وكما نزل الوحي بلطفه على رسولنا الكريم وهو  قائم يتعبد في الغار..

إقراء: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان  من علق اقرأ  وربك الأكرم الذي  علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)(10)، جاء قول الإمام العسكري (ع) لابنه الإمام المهدي  (ع) اقرأ يا بني مما  أنزل الله على أنبيائه  ورسله .. فتتابع  حكيمة (ع) حديثها فابتدأ سيدي  الحجة (عج) بمصحف آدم فقرأها بالسريانية وكتاب  إدريس(ع) وكتاب نوح (ع) وكتاب  هود وصالح  وصحف  إبراهيم (ع)  وتوراة موسى وزبور داوود وانجيل  عيسى وفرقان جدّي  رسول الله (ص) ثم قصص الأنبياء والمرسلين و إلى عهده عليه السلام(11)..

 فما أشبه  اقرأ النبوة بـ اقرأ الإمامة فقد جاءت اقرأ النبوة باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق .. وحذت اقرأ الإمامة حذوها وقرأت باسم الله تاريخ الإنسان من بدأ الخلق إلى الحجة البالغة بعهده (ع)  ومثلما بينت اقرأ النبوة كرم الله سبحانه وتعالى على الإنسان وإفاضته عليه بالعلم بعد ظلام الجهل( علّم الإنسان ما لم يعلم) أسفرت اقرأ الإمامة عن حقيقة أن الإمام الحجة (عج)  مستودع علم النبوة والرسالة ليمشي  بنوره في الناس، ويسير بسيرة جده رسول الله (ص)، وينتهج نهجه متابعاً المسيرة التي بدأها الرسول (ص) بنزول الوحي، ففي الحديث عن الرسول (ص): (المهدي رجل من عترتي يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي)(12).

 وعن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله يقول: (أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء)، قيل يا رسول الله (ص) فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟

قال (ص): نعم بعدي اثنا عشر إماماً تسعة من صلب الحسين أمناء معصومون ومنّا مهدي هذه الأمة ألا إنهم من أهل بيتي و عترتي من لحمي ودمي ما بال أقوام يؤذوني فيهم لا أنالهم الله شفاعتي)(13).

 

الهوامش:

(1) الإمام المهدي (ع) للإمام الشيرازي.

(2) النبي وأهل بيته قدوة وأسوة، آية الله السيد محمد تقي المدرسي، ص508.

(3) سورة الإسراء، آية 36

(4) نهج البلاغة، قصار الحكم 367ـ5

(5) نهج البلاغة، قصار الحكم 365

(6)  قادتنا كيف نعرفهم، السيد محمد هادي الميلاني ج7،ص214..

(7)  المصدر نفسه.

(8)  المصدر نفسه.

(9) الإمام المهدي (عج) للإمام الشيرازي .

(10) سورة القصص، آية 5

(11) سورة العلق

(12)  الإمام المهدي (عج) للإمام الشيرازي.

(13) المهدي في السنة، ص56

( )  نفس المصدر، ص33

العودة إلى صفحة المحتويات>>