|
الإمام المهدي(عجل الله فرجه) الغيب الشاهد - الانتظار ثبات على الولاية - |
إن من العقائد الثابتة لدينا أن الأرض لا تخلو من حجة إلى يوم القيامة، ولكن الظروف التي ألمّت بالشيعة في عصور الأئمة عليهم السلام اقتضت أن يكون الإمام الثاني عشر غائباً عن أنظارنا إلى أن يحين الفرج بإذن الله تعالى.. ورغم غيابه (عج) إلا إن ارتباطنا لا ينبغي أن ينقطع أو يتجمّد كما هي ادعاءات البعض .. لأنه (عج) ليس غائباً عن معادلات التأثير المرتبطة بواقعنا والمرتبطة (بالكون).. فقد (سئل النبي ( ص ) هل ينتفع الشيعة بالقائم عليه السلام في غيبته؟ فقال: إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللّها السحاب)(1)، فكما أن الشمس تواصل عطاءها ودورها حتى حينما تتوارى خلف السحب، كذلك الإمام المنتظر (عج) يواصل عطاءه ويبقى نوره متوهجاً..في غيبته .. وأول ما ننتفع به هو تماسك الكون وتأثيره الكوني فيه ففي الحديث: (لو لا الحجة لساخت الأرض بأهلها)، وكما قال الإمام المنتظر نفسه (عج):( وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء)(2). كما أن له (عج) ارتباط وثيق بمدى تمسك المؤمنين بإيمانهم، حيث لابد أن يمهد لخروجه بالعمل الجاد الدءوب... ومن ارتباطنا بالإمام الغائب في التوسّل إلى الله وطلب الشفاعة منه، قال رسول الله (ص): (الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيكم، وأهل بيت نبيكم..)(3). وانتظارنا لخروجه ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً ونحن متمسكين بمبادئه ونعمل على التمهيد إلى ظهوره بإيمان وصبر لهو أفضل العبادة.. كما في الحديث عن رسول الله: (ص): (أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله عزوجل). وقول الصادق (ع): (المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله (ص) يذبّ عنه). البعد العقيدي للانتظار
لقد كثرت الروايات حول قيمة انتظار القائم من
آل محمد (ص)، إذ عبرت أنه من أفضل الأعمال في عصر غيبته (عليه السلام)، كما
عن الرسول الأعظم (ص):(إن أحب الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج)*،
وقوله (ص):(أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج)، وعن أبي الحسن الرضا عن
آبائه: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:(أفضل أعمال أمتي
انتظار الفرج من الله عزّ و جلّ)، بل قد جاء عن أمير المؤمنين(عليه السلام)
انه قال:(المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله)(4) . ولاشك أن هذا المعنى لهو ما ينبغي على المؤمنين تأديته، وهو مأخوذ كما هو واضح، ليس من المعنى اللغوي لكلمة الانتظار إنما من القرينة المقامية لانتظار الإمام المعصوم (ع) ويكون المعنى اللغوي مساعداً عليه فـ (كلمة الانتظار قد أُشتقت من (نظر) كما قال صاحب المفردات:(نظر: النظر تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته وقد يراد به التأمل والفحص وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص .....والنظر الانتظار يقال نظرته وانتظرته وأنظرته) . ونود أن نشير إلى بعد إضافي آخر لمفهوم الانتظار من الناحية العقيدية، ليعطي سعة لما ورد، وهو معنى لا يقل أهمية عن الأول إن لم يكن أكثر أهمية، لأنه يرتبط بالأساس العقيدي الذي تدور مدارات قبول الأعمال وعدمها بمقدار سلامته. المعنى الذي نستخلصه للانتظار هو (البقاء على الإيمان بالعقيدة بالمهدي (عج) في عصر الغيبة) طوال حياة الإنسان، ورغم التشكيكات الضاغطة التي تتقاذف من أفواه بعض المشككين، ولا يخفى ما للبقاء على الإيمان بالمهدي (عج) من أهمية تتصل ببعد الإمامة التي تختتم به (ع)، إذ عدم الإيمان به يعد خرقاً لعقيدة الإمامة التي تؤمن بإثني عشر إماماً بعد الرسول الأعظم (ص)، كما نصّت بذلك النصوص الصحيحة. ونحدد الوجوه التي تدل على هذا المعنى بالآتي: الانتظار.. اعتقاد
1/ كما أن من ينتظر شخصاً، يقوم بالإعداد لقدومه،
فإن من ينتظر شخصاً فإنه يعترف به، إذ قد ورد في الانتظار أن الذي سيظهر
إمام من نسل الأئمة (ع)، وهو بُعد العقيدة عند الإنسان المنتظِر، فمن ينتظر
عالماً فذلك اعتراف بعلميته، ومن ينتظر ظالماً فإنه يعتقد بظلمه، وهكذا من
ينتظر إماماً من المؤكد أنه يعترف بإمامته. المنتظرون هم الشيعة صدقاً 2/ الأمر الذي يؤازر هذا المعنى بشكل قوي هو اقتران امتحان عقيدة المسلم في عصر الغيبة، بمسألة الانتظار، مما يدل على أن الانتظار يشكل بعد التمسك بتلك العقيدة المهدوية وأمان من الانحراف عنها إلى غيرها، وأن المنتظرين هم الثابتون على ولاية أهل البيت (ع) وهم الشيعة صدقاً لا بالاسم بل بالاعتقاد (الانتظار)، كما في هذا الحديث العالي الشأن: (عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي عن على بن الحسين عليه السلام قال تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم و الأئمة بعده يا أبا خالد إنَّ أهل زمان غيبته القائلون بإمامته المنتظِرون لظهوره أفضل أهل كل زمان لان الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول و الإفهام و المعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة وجعلهم في ذلك الزمان بمنزله المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله و سلَّم بالسيف أولئك المخلصون حقا و شيعتنا صدقا و الدعاة إلى دين الله سرا و جهرا و قال: انتظار الفرج من أعظم الفرج )(6). ففي هذا الحديث يصف المنتظرون بأنهم أوتوا من العقول و الأفهام والمعرفة ما يجعل عقيدتهم بالإمام المنتظر قوية، فكأنهم في عصر الغيبة في مشاهدة له عجل الله فرجه، وهذا هو المعنى الذي يظهر من مفهوم الانتظار. الثابتون في عصر الغيبة 3/ لقد ورد في الروايات عن أهل البيت (ع) أن الثبات على الولاية لها أجر عظيم، كما في الحديث عن علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام):(من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد)(7). وعن يمان التمّار قال: ( كنّا عند أبي عبد الله (ع) جلوساً فقال لنا: إن لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينة كالخارط للقتاد ثم قال: هكذا بيده، فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده ؟ ثم أطرق مليّاً، ثم قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق الله عبد وليتمسك بدينه )(8). الانتظار بالصبر 4/ أن بعض الروايات جاء فيها الانتظار مقروناً بالصبر، والصبر يدل على الثبات وعدم الانحراف عن العقيدة، كما عن الإمام الرضا(عليه السلام) انه قال:(إن دينهم الورع والعفة والاجتهاد.. والصلاح وانتظار الفرج بالصبر)، فالصبر أداة ووسيلة للانتظار. فمفهوم الانتظار الذي ينبغي أن يتمثله الإنسان المسلم، إضافة إلى ما يعنيه من العمل على التهيئة والإعداد للإمام المنتظر(عج) في الإصلاح والتغيير، كذلك هو الثبات على الولاية والتمسّك بالعقيدة المهدوية في زمن التشكيكات والمشككين، فإن انتظار المهدي ثبات على الولاية، والثبات على الولاية ثبات على الدين وهو أفضل أعمال الإنسان في زمن الغيبة.
الهوامش: (1) ميزان الحكمة، للريشهري، ج1، ص289. (2) المصدر نفسه. (3) ميزان الحكمة، للريشهري، باب الشفاعة. (4) الأحاديث الواردة من كتاب (الإمام المهدي (عج)، للإمام الشيرازي. (5) من دعاء الندبة. (6) بحار الأنوار ج 52 ص 122 رواية 4 باب 22. (7) الإمام المهدي (عج) للإمام الشيرازي. (8) الأصول في الكافي، للكليني، ج1، باب الغيبة. |