عودة إلى صفحة مكتبة النبأ

إتصلوا بنا

شارك في الكتابة

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

فريضة الحج عند الإمام الشيرازي (قده)

خامساً: الخطاب السياسي للحج

منذ سنوات مديدة والإمام الشيرازي يوجه كل عام بيانات إلى حجاج بيت الله الحرام يضعهم أمام مسؤولياتهم الدينية والدنيوية.

ومع أن بيانات الإمام الشيرازي مصبوغة بصيغة سياسية عادة، لأنه كان المرجع النهضوي الذي وضع الأمة أمام مسؤولياتها منذ أربعة عقود، أي منذ أن استلم زمام المرجعية الدينية بعد وفاة والده المعظم (ره)، فعلى رغم اصطباغها بالصبغة السياسية لكن لم تفقد محتواها الروحي والمناقبي.

يقول في إحدى بياناته مؤكدا على الجانب الروحي: إنّ الحج هو الوقت المثالي لتعميق الارتباط بالله سبحانه وتعالى، وإيجاد حالة من الإحساس الداخلي بأنه عزوجل وعلا يراقب الإنسان ليلا ونهارا، سرا وجهارا، في كل  صغيرة وكبيرة، وإذا أحس الإنسان بأنه في محضر الله دائما وبمرأى منه ومشهد، وبأنه عالم الغيب والشهادة، وهو المهيمن القادر، والأول والآخر، والظاهر والباطن، انعكس ذلك على كل جوانب حياته الفردية والاجتماعية، وعلى جوارحه وجوانحه، فيصبح عندئذ مثالا للمتقي الزاهد عن ملذات الحياة، والصابر على الأذى في ذات الله، المضحي بالغالي والنفيس دون أي تلكؤ أو تماطل في طريق إحياء  ما أندرس من معالم الدين وهداية المستضعفين.

وبعد أن تتوثق العلاقة بين العبد وربه يأتي الدور للقيام بالمسؤوليات الكبرى، وهي مسؤولية الأمة، يقول في هذا الصدد: والحج هو فرصة هامة لتعاضد الجهود وتكاتف وتعاون الاخوة الكرام للتخطيط لانتشال المسلمين من واقعهم المأساوي المر.

قال تعالى: (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى)(1)، وأيضا (وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ)(2).

وفي الحديث: (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم)(3).

ثم يشرع الإمام الراحل (ره) في سرد المشاكل التي يعاني منها المسلمون والتي يجب مواجهتها، وموسم الحج أفضل فرصة للتفكير بحلول لها، مشاكل التفرق والتشتت والاستبداد والتخلف والعجز عن ملاحقة ركب الحضارة.

ومنشأ هذه المآسي هو الابتعاد عن التعاليم الإسلامية، وترك القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وسيرة أهل البيت (ع).

يذكر الإمام الشيرازي (ره) في بيانه إلى حجاج بيت الله الحرام:

إن جذور مشاكل المسلمين تعود إلى إعراضهم عن العديد من آيات القرآن الحكيم مثل:

آية (الشورى)، قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ)(4) وقال عزوجل: (وَشاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)(5).

وآية (الأمة الواحدة)، قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)(6).

وآية (الحرية) المستفادة من قوله سبحانه: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ)(7).

وآية (الأخوة)، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(8).

وقد أنذر الله سبحانه عباده بترك هذه الآيات: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى)(9).

وقد وفى بوعده حيث سلط عليهم من لا يرحمهم في بلدانهم وأخرهم حتى عن من (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ)(10).

 


(1) سورة المائدة: 2.

(2) سورة النصر: 3.

(3) الكافي: ج2 ص163 باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم ح1.

(4) سورة الشورى: 38.

(5) سورة آل عمران: 159.

(6) سورة الأنبياء: 92.

(7) سورة الأعراف: 157.

(8) سورة الحجرات: 10.

(9) سورة طه: 124.

(10) بيان الإمام الشيرازي إلى حجاج بيت الله الحرام.