|
فريضة الحج عند الإمام الشيرازي (قده) |
ثانياً: ما هو الحج |
يصف الإمام الشيرازي (ره) الحج قائلاً: (الحج أقوى مظهر إسلامي)(1). فإن الإسلام له جوهر وعرض، وجوهره هو التوحيد والنبوة والإمامة، وخلاصة هذه الأمور الثلاثة هي الولاية، فالإسلام يتلخص في الولاية: أولا: الولاية لله ومن ثم للنبي (ص) ومن بعده للإمام علي (ع) هذا هو جوهر الإسلام، أما المظهر (العرض) فهو العبادات كالصلاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أقوى هذه العروض ـ على رأي الإمام الشيرازي ـ هو الحج. وقد أكتسب الحج هذه القوة من عدة زوايا: 1: الحج يتضمن كل العبادات فالحج يتضمن الصلاة، لأن فيه ركعتي الطواف التي تجب على الطائفين بعد أن انتهوا من الشوط السابع سواء في الحج أو العمرة. وفي الحج يصوم من لم يقدر على الهدي، قال تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (2). وكذا صوم بدل البدنة أي الإبل لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً وهو ثمانية عشر يوماً إن لم يتمكن من نحر بدنة، فإنه يجوز له أن يصومها وهو في سفر مكة. كما يستحب صوم ثلاثة أيام في المدينة المنورة لقضاء الحوائج، والأفضل إتيانها في الأربعاء والخميس والجمعة(3). وفي الحج يسرع الناس لأداء ما في ذمتهم من أموال لله كالخمس والزكاة، ومن أموال للناس كالدَين والأمانة والوديعة وما شابه ذلك. وفي الحج ينطلق المؤمن لأداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكلما رأى منكرا نهى عنه، وكلما رأى معروفا دعا إليه. وفي الحج يقوم الإنسان بزيارة النبي (ص) والأئمة الطاهرين (ع) والأولياء والصلحاء مما يكون في دائرة التولي والتبري. 2: الحج هو أقوى تعبير عن الولاية الولاية المطلقة لله سبحانه تعالى، وذلك من خلال الطواف والسعي والوقوف بين يدي الله في عرفات والمشعر الحرام، حيث يؤكد المؤمن عبرها أنه موحد، وأن الامتثال لأوامر الله وتعاليمه هو محور حياته، والحج بمافية من مناسك يمثل دورة كاملة في مسيرة التوحيد ونفي الشرك، وتتجلى في الحج الولاية المختصة(4) بالنبي (ص) حيث يقوم الحاج بالامتثال للحركات والسكنات التي قام بها رسول الله (ص) في حجة الوداع، ويبيت في منى كما فعل رسول الله (ص) في حجة الوداع، ويطوف كما طاف رسول الله (ص) ويسعى كما سعى رسول الله (ص) ويقف في عرفات كما فعل رسول الله (ص) ويقتفي كل أثر قام به رسول الله (ص) في الحج دون أدنى تغيير. وأيضا تتحقق في الحج الولاية الخاصة بالأئمة المعصومين (ع) ، حيث يبدي الحجيج استعدادهم لإطاعة أوامر الإمام الغائب المهدي المنتظر ـ أرواحنا لمقدمه الفداء ـ وهو الإمام المفروض طاعته على جميع المسلمين والذي سيظهر بأمر من الله تعالى في مكة المكرمة ليقود المسلمين إلى دولة الحق والصدق، ولما كان ظهوره في مكة فإن تقاطر المسلمين إلى بيت الله الحرام كل عام هو تعبير عن استعدادهم لان يكونوا جنودا للإمام المهدي المنتظر(عج) ينتظرون قدومه لينصروه على أعدائه. 3: الحج هو ترجمة للحياة الإسلامية السعيدة إن الحجاج الذين يفدون إلى بيت الله الحرام يشكلون مجتمعا إسلاميا متكامل الأوصاف والخصائص: مجتمعاً تذوب فيه الفروق والحواجز.. مجتمعاً متكاتفاً يساند بعضه بعضا.. مجتمعاً يرتدي لباسا واحدا، ويتجه صوب هدف واحد، ويطوف حول محور واحد.. مجتمعاً يعيش كله في بيت واحد، لأنهم أبناء أب واحد، وأم واحدة، هما آدم وحواء (ع). يقول الإمام الشيرازي عن مجتمع الحج: (والحج يمثل أرقى وأشرف تجمع للإنسانية لما يتضمنه من فوائد ومنافع روحية). هذا هو الحج عند الإمام الشيرازي، فيراه من أقوى المظاهر الإسلامية، وأهم عباداتها، حيث يتم فيها تجسيد التوحيد والنبوة والإمامة، ويتضمن لمختلف فروع الدين وتعاليمه الغراء. من هنا فالحج هو من أقوى مظاهر جوهر الإسلام الحنيف.
|