عودة إلى صفحة مكتبة النبأ

إتصلوا بنا

شارك في الكتابة

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

فقه العولمة.. دراسة إسلامية معاصرة

الفصل الثالث: العولمة والمسائل الشرعية

( مسائل حول العولمة السياسية في الإسلام )

نعم للشورى

مسألة: لا يجوز الاستبداد في الحكم، ولا البقاء فيه طويلاً من دون إرادة الشعب له، ولا توارث الحكم خلفاً عن سلف، ولا التلاعب بالآراء أو حصر المرشحين في القائمين بالحكم، ولا ما أشبه ذلك من الأمور التي تجري اليوم في بلاد المسلمين وكثير من بلاد العالم، وذلك لأن الحكم في الإسلام بالنسبة لغير المعصومين (عليهم السلام)  هو بالتناوب، وبالكفاءات، وبالتصويت الحر الذي تتنافس فيه الأحزاب الحرة، وبالتعددية الحقيقية لا الحزب الواحد، وبأكثرية الآراء، وبالشورى، كما يجب توفير بقية الشروط الشرعية أيضاً.

عن الإمام الصادق(ع) قال: (لا يطمعن القليل التجربة المعجب برأيه في رئاسة)(163).

وعنه(ع) قال: (ثلاث هن قاصمات الظهر، رجل استكثر عمله ونسي ذنوبه وأعجب برأيه)(164).

وورد فيما أوصى به الإمام الصادق(ع) سفيان الثوري: (وشاور في أمرك الذين يخشون الله عز وجل)(165).

وعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله(ع) قال: سمعته يقول: (قم بالحق ولا تعرض لما فاتك، واعتزل ما لا يعنيك، وتجنب عدوك، واحذر صديقك من الأقوام إلا الأمين، والأمين من خشي الله، ولا تصحب الفاجر، ولا تطلعه على سرك، ولا تأمنه على أمانتك، واستشر في أمورك الذين يخشون ربهم)(166).

التعددية السياسية

مسألة: ينبغي للمسلمين وربما وجب عليهم، في حياتهم وخاصة السياسية، اتخاذ أسلوب التعددية السياسية والحزبية المتنافسة على البناء والتقدم، لا المتناحرة فيما بينها كما تعارف عند بعض المسلمين في هذا اليوم حيث تشكلت فيهم أحزاب وجماعات تعمل بدل التنافس في الخير والتقدم، على ضرب بعضهم البعض.

وفي الحديث: (إن رسول الله (ص) مر بقوم من الأنصار يترامون، فقال رسول الله (ص): أنا في الحزب الذي فيه ابن الأدرع، فأمسك الحزب الآخر وقالوا: لن يغلب حزب فيه رسول الله (ص)، قال: ارموا فإني أرمي معكم فرمى مع كل واحد رشقاً، فلم يسبق بعضهم بعضاً)(167).

 

الحريات الأساسية

مسألة: لا تجوز مصادرة حريات الناس التي جاء بها الإسلام وجعلها من أوليات حياة الإنسان، فإن الإنسان المسلم حر في كافة شؤونه، وفي كل الدول الإسلامية: سواء في السفر والإقامة، أو الزراعة والتجارة، أو البناء والعمران، أو الكسب والعمل، أو نشر الكتب والمقالات، أو المجلات والجرائد، أو تأسيس محطات البث والإعلام، أو تأسيس الأحزاب والجمعيات، أو التأليف والخطابة، أو اختيار السكن والزواج، فإنه حر في جميع النشاطات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية وغيرها، إلا في المحرمات الشرعية، ولا يحق لأحد منعه من الأمور المذكورة.

قال رسول الله (ص): (الناس مسلطون على أموالهم)(168).

ومن القاعدة الفقهية: (وعلى أنفسهم)(169).

وقال أمير المؤمنين(ع) : (لا تكن عبد غيرك و قد جعلك الله حراً)(170).

وقال (ع): (الحر حر و إن مسه الضر)(171).

وقال(ع): (ليس للأحرار جزاء إلا الإكرام)(172).

 

حرمة الأشخاص والأموال

مسألة: لا يجوز أي نوع من مصادرة الأموال، أو إلقاء القبض على الأشخاص وسجنهم، أو إخراجهم من البلد ونفيهم، إلا في الموارد المقررة شرعاً، وعند ذلك يجب العمل وفق الضوابط الشرعية المذكورة في الفقه.

عن أبي عبد الله(ع) قال: (إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين أن ائت هذا الجبار فقل له إنني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال وإنما استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين فإني لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً)(173).

وعن أبي عبد الله (ع) قال: (العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم)(174).

وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: (من أكل مال أخيه ظلماً ولم يرده إليه أكل جذوةً من النار يوم القيامة)(175).

لا عنف ولا إرهاب

مسألة: يحرّم الإسلام الغدر والاغتيال وكل ما يسمى اليوم بالعنف والإرهاب، فانه لا عنف في الإسلام، بل الإسلام هو دين السلم والسلام، والصلح والوئام.

ولا يجوز أي عمل يوجب إيذاء الناس وإرعابهم، والغدر بهم وبحياتهم، أو يؤدي إلى تشويه سمعة الإسلام والمسلمين، على تفصيل ذكرناه في كتاب (اللاعنف في الإسلام)(176).

فإن الرفق واللين مستحب في كل الأمور، وفي خصوص الحكم واجب، والعُنف والخُرق مكروه في كل الشؤون، وفي خصوص الحكم حرام.

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال، وقوراً عند الهزاهز، صبوراً عند البلاء، شكوراً عند الرخاء، قانعاً بما رزقه الله، لا يظلم الأعداء، ولا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في تعب، والناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل أمير جنوده، والرفق أخوه، والبر والده)(177).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (من زي الإيمان الفقه، ومن زي الفقه الحلم، ومن زي الحلم الرفق، ومن زي الرفق اللين، ومن زي اللين السهولة)(178).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله(ص): (يجيء كل غادر يوم القيامة بإمام مائل شدقه حتى يدخل النار)(179).

وعن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله(ع) قال: سألته عن قريتين من أهل الحرب لكل واحدة منهما ملك على حدة اقتتلوا ثم اصطلحوا ثم إن أحد الملكين غدر بصاحبه فجاء إلى المسلمين فصالحهم على أن يغزو معهم تلك المدينة، فقال أبو عبد الله(ع): (لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا ولا يأمروا بالغدر ولا يقاتلوا مع الذين غدروا، ولكنهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم، ولا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفار)(180).

وعن هشام بن سالم رفعه قال: قال أمير المؤمنين (ع): (لولا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس)(181).

وقال أمير المؤمنين(ع): (والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرةً، وكل فجرة كفرةً، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة)(182).

لا للتجسس

مسألة: يحرم التجسس على المسلمين ووضع الجواسيس عليهم، فان التجسس خلاف حرية الإنسان التي أقرها الإسلام، بل ورد الأمر بحسن الظن وحمل فعل الغير على محامل الخير.

عن أبي عبد الله(ع) قال: قال أمير المؤمنين(ع) في كلام له: (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا)(183).

وقال أمير المؤمنين(ع): (وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم(184) عندك أطلبهم(185) لمعايب الناس، فإن في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك والله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك)(186).

وقال رسول الله (ص): (إن الله تعالى حرم من المسلم دمه وماله وأن يظن به ظن السوء)(187).

حقوق الإنسان السياسية

مسألة: تجب رعاية حقوق الإنسان السياسية وغيرها على الوجه الذي أمر به الإسلام، فإن الإسلام ضمن أكبر الحريات السياسية للأفراد والأحزاب وما أشبه ضماناً لم يضمنه غيره من الأديان الأخرى، ولا سائر المبادئ الأرضية الأخر.

قال الصادق(ع): (السرور في ثلاث خلال: في الوفاء ورعاية الحقوق والنهوض في النوائب)(188).

وعن الحسن بن علي الجرجاني عمن حدثه عن أحدهما(ع) قال: (لاتدخل في شيء مضرته عليك أعظم من منفعته لأخيك)(189).

وقال أمير المؤمنين(ع): (ثم جعل من حقوقه حقوقاً فرضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافى في وجوهها ويوجب بعضها بعضاً ولا يستوجب بعضها إلا ببعض، فأعظم مما افترض الله تبارك وتعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله عزوجل لكل على كل، فجعلها نظام ألفتهم وعزاً لدينهم وقواماً لسنن الحق فيهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية من الوالي حقه وأدى إليها الوالي كذلك عز الحق بينهم، فقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن، وصلح بذلك الزمان وطاب بها العيش وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء)(190).

لا للتعذيب

مسألة: التعذيب حرام في الإسلام، ولا يجوز انتزاع الإقرار ممن يحتمل فيه الإجرام سياسيا كان أم غير سياسي بالضرب والتعذيب، بل يجب التوصل إليه بالطرق الشرعية، وإذا أقرّ في هذه الصورة فلا اعتبار به.

عن أبي عبد الله(ع) قال: (كان رسول الله (ص) إذا أراد أن يبعث سريةً دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (ص) لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأةً، ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها)(191).

وعن أمير المؤمنين(ع) في وصيته للحسن(ع): (يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون قُتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة، ولا تمثلوا بالرجل فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور)(192).

ثم أقبل على ابنه الحسن(ع) فقال: (يا بني أنت ولي الأمر وولي الدم، فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربةً مكان ضربة ولا تأثم)(193).

هكذا يؤخذ الاعتراف

وفي الحديث أن أمير المؤمنين(ع) دخل يوماً إلى مسجد الكوفة من الباب القبلي فاستقبله نفر فيهم فتىً حدث يبكي والقوم يسكتونه، فوقف عليهم أمير المؤمنين(ع) فقال للفتى: (ما يبكيك)؟

فقال: يا أمير المؤمنين إن أبي خرج مع هؤلاء في سفر للتجارة فرجعوا ولم يرجع أبي، فسألتهم عنه فقالوا: مات، وسألتهم عن ماله فقالوا: لم يخلف مالا، فقدمتهم إلى شريح فلم يقض لي عليهم بشيء غير اليمين، وأنا أعلم يا أمير المؤمنين أن أبي كان معه مال كثير.فقال لهم أمير المؤمنين(ع): (ارجعوا).

فردهم معه ووقف على شريح فقال: (ما يقول هذا الفتى يا شريح؟).

فقال شريح: يا أمير المؤمنين إن هذا الفتى ادعى على هؤلاء القوم دعوى فسألته البينة فلم يحضر أحداً فاستحلفتهم.

فقال أمير المؤمنين(ع): (هيهات يا شريح ليس هكذا يحكم في هذا).

قال شريح: فكيف أحكم يا أمير المؤمنين فيه؟

قال أمير المؤمنين(ع): (أنا أحكم فيه ولأحكمن اليوم فيه بحكم ما حكم به بعد داود النبي(ع) أحد).

ثم جلس (ع) في مجلس القضاء ودعا بعبيد الله بن أبي رافع وكان كاتبه وأمره أن يحضر صحيفةً ودواةً ثم أمر بالقوم أن يفرقوا في نواحي المسجد ويجلس كل رجل منهم إلى سارية، وأقام مع كل واحد منهم رجلا وأمر بأن تغطى رؤوسهم وقال لمن حوله: (إذا سمعتموني كبرت فكبروا).

ثم دعا برجل منهم فكشف عن وجهه ونظر إليه وتأمله وقال: (أتظنون أني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى، إني إذاً لجاهل) ثم أقبل عليه فسأله، فقال: مات يا أمير المؤمنين، فسأله كيف كان مرضه وكم مرض وأين مرض وعن أسبابه في مرضه كلها وحين احتضر ومن تولى تغميضه ومن غسله وما كفن فيه ومن حمله ومن صلى عليه ومن دفنه.

فلما فرغ من السؤال رفع صوته وقال: (الحبس الحبس) وكبر، وكبر من كان معه فارتاب القوم ولم يشكوا أن صاحبهم قد أقر.

ثم دعا برجل آخر فقال له مثل ما قال للأول فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إنما كنت واحداً من القوم ولقد كنت علم الله كارهاً لقتله وأقر بالقتل.

ثم دعاهم واحداً واحداً فأقروا أجمعين ما خلا الأول، وأقروا بالمال فردوه وألزمهم ما يجب في القصاص.

فقال شريح: يا أمير المؤمنين كيف كان حكم داود في مثل هذا الذي أخذته عنه؟

فقال (ع): (مر داود(ع) بغلمان يلعبون وفيهم غلام منهم ينادونه (يا مات الدين) فيجيبهم، فوقف عليه داود(ع) فقال: يا غلام ما اسمك؟

فقال: مات الدين.

قال: ومن سماك بهذا الاسم؟

قال: أمي.

قال: وأين أمك.

قال: في بيتها.

قال: امض بين يدي إليها.

فمضى الغلام واستخرج أمه، فقال لها داود(ع): هذا ابنك؟

قالت: نعم.

قال: ما اسمه؟

قالت: مات الدين.

قال: ومن سماه بهذا الاسم؟

قالت: أبوه.

قال: وأين أبوه؟

قالت: خرج مع قوم في سفر لهم بتجارة فرجعوا ولم يرجع فسألتهم عنه، فقالوا: مات، وسألتهم عن ماله، فقالوا: ذهب، فقلت: أوصاكم في أمري بشيء، فقالوا: نعم أوصانا وأعلمنا بأنك حبلى فمهما ولدت من ولد فسميه مات الدين.

قال: وأين هؤلاء القوم؟

قالت: حضور.

قال: امضي معي إليهم، فجمعهم وفعل في أمرهم مثل الذي فعلته وحكم بما حكمت.

وقال للمرأة: سمي ابنك هذا عاش الدين)(194).

لا تضربوهم

وفي الحديث: انه أقبلت قريش وبعثوا عبيدها ليستقوا من الماء، فأخذهم أصحاب رسول الله (ص) وقالوا لهم: من أنتم؟

قالوا: نحن عبيد قريش.

قالوا: فأين العير.

قالوا: لا علم لنا بالعير.

فأقبلوا يضربونهم وكان رسول الله (ص) يصلي فانفتل من صلاته فقال: (إن صدقوكم ضربتموهم وإن كذبوكم تركتموهم عليّ بهم) فأتوه بهم فقال لهم: (من أنتم؟)

قالوا: يا محمد نحن عبيد قريش.

قال: (كم القوم؟)

قالوا: لا علم لنا بعددهم.

قال: (كم ينحرون كل يوم جزوراً؟)

قالوا: تسعة أو عشرة.

فقال (ص): (تسعمائة أو ألف)(195).

حرمة الظلم

مسألة: لا يجوز الظلم سواء من الحاكم أو غيره، فانه من أشد المحرمات شرعاً، كما يجب التحلي بالعدل والإنصاف.

عن أبي بصير قال: دخل رجلان على أبي عبد الله (ع) في مداراة بينهما ومعاملة، فلما أن سمع كلامهما قال: (أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم) ثم قال: (من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع وليس يحصد أحد من المر حلواً، ولا من الحلو مراً، فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما)(196).

 وعن أبي جعفر(ع) قال: (لما حضر علي بن الحسين(ع) الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به، قال: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله)(197).

وقال أمير المؤمنين(ع): (وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد، وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية فإن سخط العامة يجحف(198) برضى الخاصة وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة)(199).

وعن أبي عبد الله (ع) قال: (قال رسول الله (ص): اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة)(200).

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(ع) قال: قال: (من عذر ظالماً بظلمه سلط الله عليه من يظلمه فإن دعا لم يستجب له ولم يأجره الله على ظلامته)(201).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (قال أمير المؤمنين(ع): اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان)(202).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن، ما أوسع العدل إذا عدل فيه وإن قل)(203).

وعن أبي جعفر(ع) قال: (إن لله جنةً لا يدخلها إلا ثلاثة، رجل حكم على نفسه بالحق ورجل زار أخاه المؤمن في الله ورجل آثر أخاه المؤمن في الله)(204).

أهم واجبات الحاكم والحكومة

مسألة: من أهم ما يجب على الحاكم والحكومة الإسلامية أن تتعامل مع شعبها أفضل وأنظف تعامل إنساني يمكن تعامله مع الشعوب، وذلك في جميع المجالات، وبما للكلمة من معنى.

ويشاهد ذلك بوضوح في حكومة رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع).

ماذا تظنون؟

عن أبي عبد الله(ع) قال: (لما قدم رسول الله(ص) مكة يوم افتتحها، فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست فأخذ بعضادتي الباب فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ما ذا تقولون وما ذا تظنون؟

قالوا: نظن خيراً ونقول خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت.

قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد.

فقال العباس: يا رسول الله إلا الأذخر فإنه للقبر والبيوت؟

فقال رسول الله (ص): إلا الأذخر)(205).

مع عكرمة بن أبي جهل

وفي التاريخ أنه هرب عكرمة بن أبي جهل إلى اليمن حتى ركب البحر، فجاءت زوجته أم حكيم بنت الحارث بن هشام إلى رسول الله (ص) في نسوة... فقالت أم حكيم امرأة عكرمة: يا رسول الله إن عكرمة هرب منك إلى اليمن خاف أن تقتله فأمنه.

فقال (ص): (هو آمن).

فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتى قدمت به على حي فاستغاثت بهم عليه، فأوثقوه رباطا وأدركت عكرمة، وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة فركب البحر فهاج بهم فجعل نوتي السفينة يقول له أن أخلص.

قال: أي شي‏ء أقول.قال: قل لا إله إلا الله.

قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا.

فجاءت أم حكيم على هذا من الأمر فجعلت تلح عليه وتقول: يا ابن عم جئتك من عند خير الناس وأوصل الناس وأبر الناس لا تهلك نفسك، فوقف لها حتى أدركته فقالت: إني قد استأمنت لك رسول الله (ص) فأمنك.

قال: أنت فعلت.

قالت: نعم أنا كلمته فأمنك، فرجع معها.

فلما دنا من مكة  قال رسول الله (ص) لأصحابه: (يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا، فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت).

فلما وصل عكرمة ودخل على رسول الله (ص) وثب إليه (ص) وليس عليه رداء فرحا به ثم جلس فوق عكرمة بين يديه ومعه زوجته منقبة فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني؟

فقال: (صدقت أنت آمن).

فقال عكرمة: فإلى م تدعو؟

فقال: (إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة) وعد خصال الإسلام.

فقال عكرمة: ما دعوت إلا إلى حق وإلى حسن جميل ولقد كنت فينا من قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا وأعظمنا برا، ثم قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

فقال رسول الله (ص): (لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدا إلا أعطيتكه).

قال: فإني أسألك أن تغفر لي كل عداوة عاديتكها أو مسير أوضعت فيه أو مقام لقيتك فيه أو كلام قلته في وجهك أو أنت غائب عنه.

فقال: (اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها وكل مسير سار فيه إلي يريد

بذلك إطفاء نورك، واغفر له ما نال مني ومن عرضي في وجهي أو أنا غائب عنه).

فقال عكرمة: رضيت بذلك يا رسول الله، ثم قال: أما والله لا أدع نفقة كنت أنفقها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الإسلام وفي سبيل الله ولأجتهدن في القتال بين يديك حتى أقتل شهيدا.

قال: فرد عليه رسول الله (ص) امرأته بذلك النكاح الأول(206).

مع أسرى صفين

أسر أمير المؤمنين علي (ع) أسرى يوم صفين فخلى سبيلهم، فأتوا معاوية، وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسرى أسرهم معاوية: اقتلهم، فما شعروا إلا بأسراهم قد خلى سبيلهم علي(ع).

فقال معاوية: يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الأمر، ألا تراه قد خلى سبيل أسرانا، فأمر بتخلية من في يديه من أسرى علي (ع) وكان علي إذا أخذ أسيرا من أهل الشام خلى سبيله إلا أن يكون قد قتل أحدا من أصحابه.

وكان أمير المؤمنين علي (ع) لا يجهز على الجرحى ولا على من أدبر بصفين(207).

مهمة الحاكم

مسألة: مهمة الحاكم والحكومة في الإسلام هي: إدارة البلاد والعباد، إدارة تؤدي إلى عمران البلاد وازدهارها، وصلاح العباد وتقدمهم تقدماً مطلوباً في جميع مجالات الحياة، ومن ذلك يلزم على الحاكم والحكومة أن تكون انتخابية واستشارية، ومتواضعة وخدومة، وحكومة الرسول (ص) وأمير المؤمنين (ع) خير أسوة في ذلك.

قال أمير المؤمنين(ع) في كتابه لمالك الأشتر لما ولاه مصر: (ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولهم محاباةً وأثرةً فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقاً وأصح أعراضاً وأقل في المطامع إشراقاً وأبلغ في عواقب الأمور نظراً، ثم أسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك، ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية وتحفظ من الأعوان فإن أحداً منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهداً فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة، وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا فإن شكوا ثقلا أو علةً أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، ولا يثقلن عليك شيء خففت به المئونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمداً فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبةً أنفسهم به فإن العمران محتمل ما حملته وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر)(208).

لا للخيانة والغلول

مسألة: يحرّم الإسلام الخيانة والغلول حرمة شديدة، وخاصة خيانة الحكام وغلولهم بالنسبة إلى شعوبهم، فإنها من أشد المحرمات كما جاء في القرآن والروايات الشريفة.

قال تعالى: )وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)(209).

وقال سبحانه: )يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)(210).

وقال عز من قائل: )إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)(211).

وقال جل وعلا: )إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً)(212).

عن عمار بن مروان قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن الغلول، فقال: (كل شيء غل من الإمام فهو سحت، وأكل مال اليتيم سحت، والسحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، ومنها أجور القضاة، وأجور الفواجر، وثمن الخمر والنبيذ والمسكر والربا بعد البينة فأما الرشوة يا عمار في الأحكام فإن ذلك الكفر بالله العظيم ورسوله)(213).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (قال رسول الله (ص): ليس منا من أخلف بالأمانة)(214).

وقال رسول الله (ص): (الأمانة تجلب الرزق، والخيانة تجلب الفقر)(215).

حسن التعامل حتى مع الأعداء

مسألة: يجب حسن التعامل مع الآخرين، أو يستحب ـ كل بحسبه ـ وهذا الحكم يجري حتى في التعامل مع الأعداء والكفار، وقد ذكرنا في بعض كتبنا: ان الإسلام بعد الحث على وجوب أو استحباب رعاية حق المؤمن والمسلم والرفق به أخذ يحث ويوصي حتى بالنسبة إلى الأعداء، كما يلاحظ ذلك بوضوح في سيرة رسول الله (ص) والأئمة الأطهار  وقد أشرنا إلى بعض ذلك في كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) (216).

عن أبي الحسن موسى(ع) قال: (الرفق نصف العيش)(217).

وعن ثعلبة بن ميمون عمن حدثه عن أحدهما(ع) قال: (إن الله رفيق يحب الرفق)(218).

وعن تميم الداري قال: قال رسول الله)ص): (من يضمن لي خمسا أضمن له الجنة) قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: (النصيحة لله عزوجل والنصيحة لرسوله والنصيحة لكتاب الله والنصيحة لدين الله والنصيحة لجماعة المسلمين)(219).

مع الأقليات الدينية

مسألة: ينبغي للحاكم والحكومة الإسلامية أن تتعامل بالتي هي أحسن حتى مع غير المسلمين مما يصطلح عليهم اليوم بالأقليات، ولافرق بين كون الأقليات أديانا كالنصارى، أو غير أديان كالبرهمية على تفصيل ذكرناه في الفقه.

قال أمير المؤمنين(ع): (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)(220).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (بعث النبي)ص) خالد بن الوليد إلى البحرين، فأصاب بها دماء قوم من اليهود والنصارى والمجوس، فكتب إلى رسول الله )ص) أني أصبت دماء قوم من اليهود والنصارى فوديتهم ثمانمائة ثمانمائة وأصبت دماء قوم من المجوس ولم تكن عهدت إليّ فيهم عهداً؟

قال: فكتب إليه رسول الله(ص): أن ديتهم مثل دية اليهود والنصارى وقال: إنهم أهل كتاب)(221).

وعن سماعة قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن مسلم قتل ذمياً؟ قال: فقال(ع): (هذا شي‏ء شديد لا يحتمله الناس فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد وعن قتل الذمي، ثم قال: لو أن مسلماً غضب على ذمي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم إذ يكثر القتل في الذميين ومن قتل ذمياً ظلماً فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذمياً حراماً ما آمن بالجزية وأداها ولم يجحدها)(222).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (ليس بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراح إنما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين، لأنهم يؤدون الجزية إليه كما يؤدي العبد الضريبة إلى  سيده)(223).

وعن أمير المؤمنين(ع) قال: قال رسول الله (ص): (لا تدخلوا على نساء أهل الذمة إلا بإذن)(224).

وقال(ع): (من آذى ذميا فكأنما آذاني)(225).

حسن التعامل مع جميع الدول

مسألة: يجب على الحاكم والحكومة الإسلامية أن تحافظ على حسن تعاملها مع جميع الدول، سواء المجاورة منها أو البعيدة، مسلمة أو غير مسلمة، وأن تراعي جميع المعاهدات الدولية التي تعقدها مع الدول الأخرى، حتى غير الإسلامية منها، فان الإسلام قد أمر باحترام كل ذلك.

قال تعالى: )وأوفوا بالعقود)(226).

وقال سبحانه: )أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون)(227).

وقال عزوجل: )الموفون بعهدهم إذا عاهدوا)(228).

وقال تعالى: )وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا)(229).

وقال سبحانه: )واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد)(230).

وقال تعالى: )والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)(231).

وقال رسول الله (ص): (المؤمنون عند شروطهم)(232).

وفي حديث آخر: (المسلمون عند شروطهم)(233).

مضافاً إلى روايات حسن الجوار فإنها تشمل ذلك في الجملة.

عن أبي أسامة قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: (عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاةً إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً)(234).

وعن أبي مسعود قال: قال لي أبو عبد الله (ع): (حسن الجوار زيادة في الأعمار وعمارة الديار)(235).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (قال رسول الله (ص): أعوذ بالله من جار السوء في دار إقامة تراك عيناه ويرعاك قلبه إن رآك بخير ساءه وإن رآك بشر سره)(236).

وعن أبي مالك قال: قلت لعلي بن الحسين(ع): أخبرني بجميع شرائع الدين؟ قال: (قول الحق والحكم بالعدل والوفاء بالعهد)(237).

وعن الحسين بن مصعب قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: (ثلاثة لا عذر لأحد فيها: أداء الأمانة إلى البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين)(238).

وعن النبي(ص) قال: (تقبلوا لي بست أتقبل لكم بالجنة، إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفوا أيديكم وألسنتكم)(239).

وعن الصادق (ع) عن آبائه قال: قال رسول الله(ص): (أقربكم غدا مني في الموقف أصدقكم للحديث وآداكم للأمانة وأوفاكم بالعهد وأحسنكم خلقا وأقربكم من الناس)(240).

وقال (ع): (إن العهود قلائد في الأعناق إلى يوم القيامة فمن وصلها وصله الله، ومن نقضها خذله الله، ومن استخف بها خاصمته إلى الذي أكدها وأخذ خلقه بحفظها)(241).

وعن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: (كن منجزاً للوعد موفياً بالنذر)(242).

لا إكراه في الدين

مسألة: لا يجبر الإسلام أحداً على أن يسلم، فإنما هو بالاقتناع والرضى، وليس بالجبر والإكراه. قال تعالى: )لا إكراه في الدين)(243).

وفي حديث الرفع قال (ص): (رفع عن أمتي ... ما استكرهوا عليه)(244).

ومن هنا أسلم الناس في عهد رسول الله (ص) وكان منهم عامة اليهود في المدينة المنورة حيث رأوا أخلاق رسول الله (ص) وحسن تعامله معهم وعدم جبرهم على الإسلام.

عن أبي عبد الله (ع): (أن النبي (ص) قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، وعليّ أولى به من بعدي، فقيل له ما معنى ذلك؟ فقال: قول النبي (ص) من ترك ديناً أو ضياعاً فعلي ومن ترك مالا فلورثته، فالرجل ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال، وليس له على عياله أمر ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة، والنبي وأمير المؤمنين (ع) ومن بعدهما ألزمهم هذا فمن هناك صاروا أولى بهم من أنفسهم وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله(ص) وإنهم آمنوا على أنفسهم وعلى عيالاتهم)(245).

وعن أبي جعفر (ع) قال: (دخل يهودي على رسول الله (ص) وعائشة عنده فقال: السام عليكم.

فقال رسول الله (ص): عليكم.

ثم دخل آخر فقال مثل ذلك، فرد (ص) عليه كما رد على صاحبه.

ثم دخل آخر فقال مثل ذلك، فرد رسول الله (ص) كما رد على صاحبيه.

فغضبت عائشة فقالت: عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود، يا إخوة القردة والخنازير!

فقال لها رسول الله (ص): يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء، إن الرفق لم يوضع على شيء قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه.

قالت: يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم السام عليكم؟

فقال: بلى، أ ما سمعت ما رددت عليهم قلت عليكم، فإذا سلم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم وإذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك)(246).

العفو هو الطابع العام

مسألة: ينبغي على الحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية إذا قامت، إصدار العفو العام عن كل من أجرم قبل قيام الحكم الإسلامي، كما عفا النبي(ص) عن أهل مكة، وعفا أمير المؤمنين (ع) عن أهل البصرة، فان العفو هو الطابع العام للسياسة الإسلامية، ويدل على ذلك عمومات أدلة العفو وغيرها مضافاً إلى سيرتهما الطاهرة. وهكذا بالنسبة إلى المجرمين بعد قيام الدولة، ولكن بالمقدار الذي لا يخل بحقوق الناس والأمن العام.

قال أمير المؤمنين(ع) في رسالته إلى الأشتر النخعي ـ كما سبق ـ: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحرب الله، فإنه لا يد لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته، ولا تندمن على عفو)(247).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (قال رسول الله(ص): عليكم بالعفو، فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزاً فتعافوا يعزكم الله) (248).

وعن أبي جعفر(ع) قال: (ثلاث لا يزيد الله بهن المرء المسلم إلا عزاً الصفح عمن ظلمه وإعطاء من حرمه والصلة لمن قطعه)(249).

وعن أبي جعفر(ع) قال: (إن رسول الله (ص) أتي باليهودية التي سمت الشاة للنبي (ص) فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت إن كان نبياً لم يضره، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه، قال: فعفا رسول الله (ص) عنها)(250).

 

حقن الدماء وحفظها

مسألة: يحرم في الإسلام حرمة مغلظة دم المسلم بل دم الإنسان مطلقا ـ إلا ما خرج بالدليل ـ وعرضه وماله، فالسياسة الإسلامية غير ملوثة بسفك الدماء والسجن والتعذيب وما أشبه، بل تمنع عن ذلك منعا باتاً إلا في أقصى موارد الضرورة كماً وكيفاً، وذلك حسب الموازين المقررة في الشريعة.

قال أمير المؤمنين(ع): (إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شيء أدنى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود(251) البدن، وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك(252) سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة فإن في الوكزة(253) فما فوقها مقتلةً، فلا تطمحن(254) بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم)(255).

وعن أبي جعفر(ع) قال: (قال رسول الله(ص): أول ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء، فيوقف ابني آدم فيفصل بينهما، ثم الذين يلونهما من أصحاب الدماء، حتى لا يبقى منهم أحد ثم الناس بعد ذلك حتى يأتي المقتول بقاتله فيتشخب في دمه وجهه فيقول هذا قتلني، فيقول أنت قتلته، فلا يستطيع أن يكتم الله حديثاً)(256).

وعن أبي جعفر(ع) قال: (ما من نفس تقتل برة ولا فاجرة إلا وهي تحشر يوم القيامة معلقاً بقاتله بيده اليمنى ورأسه بيده اليسرى وأوداجه تشخب دماً يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني، فإن كان قتله في طاعة الله يثيب القاتل وذهب بالمقتول إلى النار، وإن قال في طاعة فلان قيل له اقتله كما قتلك ثم يفعل الله فيهما بعد مشيته)(257).

وقال رسول الله (ص) : (من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة وهو آيس من رحمة الله)(258).

وقال النبي (ص): (من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوبا على جبهته آيس من رحمة الله)(259).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (من أعان على مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي)(260).

وعن أبي جعفر(ع) قال: (من أعان على مسلم بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة آيس من رحمة الله)(261).

وقال(ع): (من أعان على مؤمن فقد برئ من الإسلام)(262).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة بين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله تعالى)(263).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (يجيء يوم القيامة رجل إلى رجل حتى يلطخه بدم والناس في الحساب فيقول: يا عبد الله ما لي ولك، فيقول أعنت عليّ يوم كذا  بكلمة فقتلت)(264).

وعن أبي حمزة عن أحدهما (ع) قال: (أتي رسول الله(ص) فقيل له: يا رسول الله قتيل في مسجد جهينة! فقام رسول الله(ص) يمشي حتى انتهى إلى مسجدهم.

قال: وتسامع الناس فأتوه، فقال(ص) : من قتل ذا؟

قالوا: يا رسول الله ما ندري؟

فقال: قتيل من المسلمين بين ظهراني المسلمين لا يدرى من قتله! والله الذي بعثني بالحق لو أن أهل السماوات والأرض شركوا في دم امرئ مسلم ورضوا به لأكبهم الله على مناخرهم في النار، أو قال على وجوههم)(265).

وعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: (إن العبد يحشر يوم القيامة وما يدمي دما فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا رب إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دما، قال: بلى سمعت من فلان بن فلان كذا وكذا فرويتها عنه فنقلت عنه حتى صار إلى فلان الجبار فقتله عليها فهذا سهمك من دمه)(266).

وعن أبي سعيد الخدري قال: (وجد قتيل على عهد رسول الله (ص) فخرج(ع) مغضبا حتى رقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يقتل رجل من المسلمين لا يدرى من قتله والذي نفسي بيده لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مؤمن أو رضوا به لأدخلهم الله في النار، والذي نفسي بيده لايجلد أحد أحدا ظلما إلا جلد غدا في نار جهنم مثله والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أكبه الله على وجهه في نار جهنم)(267).

وقال رسول الله (ص): (لو أن رجلا قتل بالمشرق وآخر رضي بالمغرب كان كمن قتله واشترك في دمه)(268).

وقال(ع): (من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله وكان كمن هدم الكعبة والبيت المقدس وقتل عشرة آلاف من الملائكة وأول ما يحكم الله تعالى في الدماء)(269).

وعن فضالة عن أبان عمن أخبره عن أبي عبد الله(ع) أنه سئل عمن قتل نفسا متعمدا، قال: (جزاؤه جهنم)(270).

وعن حمران قال: قلت لأبي جعفر(ع) قول الله عزوجل: )من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) (271) وإنما قتل واحدا؟ فقال: يوضع في موضع من جهنم إليه منتهى شدة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعا كان إنما يدخل ذلك المكان ولو كان قتل واحداً كان إنما يدخل ذلك المكان)  قلت: فإن قتل آخر؟ قال: (يضاعف عليه)(272).

وعن أبي عبد الله(ع) : (في رجل قتل رجلا مؤمنا قال: يقال له مت أي ميتة شئت إن شئت يهوديا وإن شئت نصرانيا وإن شئت مجوسيا)(273).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (قال رسول الله(ص): إن أعق الناس على الله تعالى من قتل غير قاتله ومن ضرب من لم يضربه)(274).

وعن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: (أوحى الله عزوجل إلى موسى بن عمران (ع) يا موسى قل للملأ من بني إسرائيل إياكم وقتل النفس الحرام بغير حق، فإن من قتل منكم نفسا في الدنيا قتله الله في النار مائة ألف قتلة مثل قتلة صاحبه)(275).

وعن عبد الرحمن بن أسلم عنه قال: قال أبو جعفر(ع): (من قتل مؤمنا متعمدا أثبت الله تعالى عليه جميع الذنوب وبرئ المقتول منها وذلك قول الله تعالى: )أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار)(276))(277).

وقال أمير المؤمنين (ع): (من أعان على مسلم ـ مؤمن ـ فقد برئ من الإسلام)(278).

 

إكرام الوفود والدبلوماسيين

مسألة: ينبغي للحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية إكرام الوفود وتقسيم الجوائز وتوزيع الهدايا بينهم وإن لم يكونوا مسلمين، وذلك اقتداءً برسول الله(ص) وأمير المؤمنين (ع) فانهما كانا يفعلان ذلك في أيام حكومتيهما، وقد ذكرنا بعض تفصيل ذلك في المجلد الثاني من كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم).

فيما أوصى به أمير المؤمنين(ع) عند وفاته: (أوصيك بحسن الجوار وإكرام الضيف ورحمة المجهود وأصحاب البلاء وصلة الرحم وحب المساكين ومجالستهم)(279).

وقال أبو عبد الله(ع) لداود بن سرحان: (يا داود، إن خصال المكارم بعضها مقيد ببعض، يقسمها الله حيث يشاء، تكون في الرجل ولا تكون في ابنه، وتكون في العبد ولا تكون في سيده، صدق الحديث وإعطاء السائل والمكافأة بالصنائع وأداء الأمانة وصلة الرحم والتودد إلى الجار والصاحب وقرى الضيف ورأسهن الحياء)(280).

وعن الحسين بن نعيم قال: قال لي أبو عبد الله(ع): (أتحب إخوانك يا حسين) قلت: نعم، قال: (تنفع فقراءهم) قلت: نعم، قال: (أما إنه يحق عليك أن تحب من يحب الله أما والله لا تنفع منهم أحدا حتى تحبه، تدعوهم إلى منزلك؟) قلت: ما آكل إلا ومعي منهم الرجلان والثلاثة وأقل وأكثر، فقال أبو عبد الله(ع): (فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم) فقلت: أدعوهم إلى منزلي وأطعمهم طعامي وأسقيهم وأوطئهم رحلي ويكونون علي أفضل منا، قال: (نعم إنهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك)(281).

القائد الإسلامي

مسألة: ينبغي للقائد الإسلامي رعاية سلوكه وتعامله أكثر من غيره، وذلك في كل الشؤون، وفي مختلف الجوانب، وخاصة في عفوه عن أعدائه وأعداء حكومته مما يعبر عنهم اليوم بالمعارضة، ولقد كان رسول الله (ص) والإمام أمير المؤمنين(ع) وأهل بيته الطاهرون ، المثل الأعلى في هذا المجال.

قال الحسن(ع) لأبيه أمير المؤمنين (ع) بعد أن أخذ المسلمون ابن ملجم المرادي (لعنه الله): (هذا عدو الله وعدوك ابن ملجم قد أمكن الله منه وقد حضر بين يديك، قال: ففتح أمير المؤمنين(ع) عينيه ونظر إليه وهو مكتوف وسيفه معلق في عنقه، فقال له بضعف وانكسار صوت ورأفة ورحمة: يا هذا لقد جئت عظيما وارتكبت أمرا عظيما وخطبا جسيما، أبئس الإمام كنت لك حتى جازيتني بهذا الجزاء؟ ألم أكن شفيقا عليك، وآثرتك على غيرك، وأحسنت إليك وزدت في إعطائك؟ ألم يكن يقال لي فيك كذا وكذا فخليت لك السبيل ومنحتك عطائي وقد كنت أعلم أنك قاتلي لا محالة ولكن رجوت بذلك الاستظهار من الله تعالى عليك، يا لكع وعل أن ترجع عن غيك فغلبت عليك الشقاوة فقتلتني يا شقي الأشقياء؟

قال: فدمعت عينا ابن ملجم لعنه الله تعالى وقال: (يا أمير المؤمنين )أفأنت تنقذ من في النار)(282).

قال له: صدقت.

ثم التفت (ع) إلى ولده الحسن(ع) وقال له: ارفق يا ولدي بأسيرك وارحمه وأحسن إليه وأشفق عليه، ألا ترى إلى عينيه قد طارتا في أم رأسه وقلبه يرجف خوفا ورعبا وفزعا.

فقال له الحسن (ع) : يا أباه قد قتلك هذا اللعين الفاجر وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به، فقال له: نعم يا بني نحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلا كرما وعفوا والرحمة والشفقة من شيمتنا لا من شيمته، بحقي عليك فأطعمه يا بني مما تأكله واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدما، ولا تغل له يدا، فإن أنا مت فاقتص منه بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة، وتحرقه بالنار ولا تمثل بالرجل فإني سمعت جدك رسول الله (ص) يقول: (إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور) وإن أنا عشت فأنا أولى بالعفو عنه وأنا أعلم بما أفعل به فإن عفوت فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلا عفوا وكرما)(283).

وروى أبو محمد الحسن بن محمد العلوي بإسناده قال: وقف على علي بن الحسين (ع) رجل فأسمعه وشتمه فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: (قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه).

قالوا: نفعل فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: )والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)(284)، فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً.

قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به فقال: (قولوا له هذا علي بن الحسين) قال: فخرج إلينا متوثبا للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافئاً له على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين (ع): (يا أخي إنك كنت قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت فإن كنت قد قلت ما فيّ فأستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك).

قال: فقبل الرجل بين عينيه وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك، وأنا أحق به)(285).

وروي عن علي بن الحسين(ع): أنه دعا مملوكه مرتين فلم يجبه ثم أجابه في الثالثة، فقال له: (يا بني، أما سمعت صوتي) قال: بلى، قال: (فما بالك لم تجبني) قال: أمنتك، قال: (الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني)(287).

 

مع المعارضة السياسية

مسألة: ينبغي للحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية السماح للمعارضة بأن تعيش في كنف الإسلام، وظلال الحكم الإسلامي، وحقوقها محفوظة ما دام لم تشهر السيف والسلاح ضد المسلمين، وهكذا كان يتعامل رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) مع أفراد المعارضة.

روي انه دخل الزبير وطلحة على علي (ع) فاستأذناه في العمرة، فقال (ع): (ما العمرة تريدان) فحلفا له بالله أنهما ما يريدان غير العمرة.

فقال لهما: (ما العمرة تريدان وإنما تريدان الغدرة ونكث البيعة) فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولا نكث بيعة يريدان وما رأيهما غير العمرة.

قال لهما: (فأعيدا البيعة لي ثانية) فأعاداها بأشد ما يكون من الإيمان والمواثيق فأذن لهما.

فلما خرجا من عنده قال (ع) لمن كان حاضرا: (والله لا ترونهما إلا في فتنة يقتتلان فيها).

قالوا: يا أمير المؤمنين فمر بردهما عليك.

قال: )ليقضي الله أمرا كان مفعولا) (287).

لما خرج الزبير وطلحة من المدينة إلى مكة لم يلقيا أحدا إلا وقالا له ليس لعلي في أعناقنا بيعة وإنما بايعناه مكرهين، فبلغ عليا (ع) قولهما فقال: (أبعدهما الله وأغرب دارهما، أما والله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم والله ما العمرة يريدان ولقد أتياني بوجهي فاجرين ورجعا بوجهي غادرين ناكثين والله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء يقتلان فيها أنفسهما فبعدا لهما وسحقا)(288).

وعن أمير المؤمنين علي (ع) قال: لما رجع الأمر إليه أمر أبا الهيثم بن التيهان وعمار بن ياسر وعبيد الله بن أبي رافع فقال: (اجمعوا الناس ثم انظروا ما في بيت مالهم فأقسموه بينهم بالسوية) فحسبوا فوجدوا نصيب كل واحد منهم ثلاثة دنانير فأمرهم يقعدون للناس ويعطوهم، قال: وأخذ مكتله ومسحاته ثم انطلق إلى بئر الملك فعمل فيها، فأخذ الناس ذلك القسم حتى بلغوا الزبير وطلحة وعبد الله بن عمر أمسكوا بأيديهم وقالوا: هذا منكم أو من صاحبكم؟

قالوا: بل هذا أمره لا نعمل إلا بأمره.

قالوا: فاستأذنوا لنا عليه.

قالوا: ما عليه إذن هو ذا ببئر الملك يعمل.

فركبوا دوابهم حتى جاءوا إليه فوجدوه في الشمس ومعه أجير له يعينه فقالوا له: إن الشمس حارة فارتفع معنا إلى الظل.

فارتفع (ع) معهم إليه فقالوا له: لنا قرابة من نبي الله وسابقة وجهاد، إنك أعطيتنا بالسوية ولم يكن عمر ولا عثمان يعطوننا بالسوية، كانوا يفضلوننا على غيرنا.

فقال علي(ع): (أيهما عندكم أفضل عمر أو أبو بكر؟)

قالوا: أبو بكر.

قال: (فهذا قسم أبي بكر، وإلا فدعوا أبا بكر وغيره، وهذا كتاب الله فانظروا ما لكم من حق فخذوه).

قالا: فسابقتنا؟

قال: (أنتما أسبق مني بسابقتي؟).

قالوا: لا.

قالا: قرابتنا بالنبي (ص)؟

قال: (أهي أقرب من قرابتي؟).

قالوا: لا.

قالوا: فجهادنا؟

قال: (أعظم من جهادي؟).

قالوا: لا.

قال: (فو الله ما أنا في هذا المال وأجيري هذا إلا بمنزلة سواء).

قالا: أفتأذن لنا في العمرة؟

قال: (ما العمرة تريدان، وإني لأعلم أمركم وشأنكم، فاذهبا حيث شئتما، فلما وليا قال: )فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (289))(290).

 

النزاهة في الحكم

مسألة: ينبغي للحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية النزاهة الكاملة عن حب الدنيا وجمع الأموال، فإن المال إذا كان بيد الحاكم والحكومة، أفلس الناس وعاشوا الفقر والجهل والمرض والموت، وإذا كان بيد الناس كان علامة على سلامة الحاكم والحكومة، وقد خصص بيت المال للتوزيع العادل على الناس.

ومن هنا انتفى الفقر في حكومة أمير المؤمنين (ع) حتى أنه رأى يوماً عاجزاً يتكفف فسأل متعجباً: (ما هذا؟) ولم يقل: من هذا، ثم أجرى له من بيت مال المسلمين راتباً حتى لا يبقى فقير واحد في الحكومة الإسلامية.

عن محمد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين (ع) قال: مر شيخ مكفوف كبير يسأل فقال أمير المؤمنين(ع): (ما هذا)، فقالوا: يا أمير المؤمنين نصراني، فقال أمير المؤمنين(ع): (استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه أنفقوا عليه من بيت المال)(291).

وقال الإمام علي بن أبي طالب(ع): (من دخل في الإسلام طائعاً وقرأ القرآن ظاهراً فله في كل سنة مائتا دينار في بيت مال المسلمين وإن منع في الدنيا أخذها يوم القيامة وافيةً أحوج ما يكون إليها)(292).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (لما ولي علي(ع) صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما إني والله ما أرزؤكم من فيئكم هذا درهماً ما قام لي عذق بيثرب فليصدقكم أنفسكم أ فتروني مانعاً نفسي ومعطيكم، قال: فقام إليه عقيل فقال له: لتجعلني وأسود بالمدينة سواءً؟ فقال: اجلس أما كان هاهنا أحد يتكلم غيرك وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى)(293).

وعن أبي مخنف الأزدي قال: أتى أمير المؤمنين(ع) رهط من الشيعة، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الأموال ففرقتها في هؤلاء الرؤساء والأشراف وفضلتهم علينا حتى إذا استوسقت الأمور عدت إلى أفضل ما عودك الله من القسم بالسوية والعدل في الرعية، فقال أمير المؤمنين(ع): (أتأمروني ويحكم أن أطلب النصر بالظلم والجور في من وليت عليه من أهل الإسلام، لا والله لا يكون ذلك ما سمر السمير وما رأيت في السماء نجماً والله لو كانت أموالهم ملكي لساويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم)(294).

الساسة وحياة التقشف

مسألة: ينبغي للحكومة الإسلامية والحاكم الإسلامي الزهد في الدنيا، والعزوف عنها، وعدم الافتتان بها، أو الانغماس فيها، وترك مباهجها وزخارفها، تجنّباً للوعيد الذي توعّد به الله الحكام المترفين، من النار والأغلال إذا هم لم يزهدوا في الدنيا، وعليهم الاقتداء برسول الله (ص) وأهل بيته الطاهرين  الذين واسوا بأنفسهم أضعف رعيتهم في المسكن والملبس، والمأكل والمشرب.

عن أبي عبد الله(ع) قال: (إذا أراد الله تبارك وتعالى بعبد خيراً زهده في الدنيا وفقهه في الدين وبصره عيوبه، ومن أوتي هذا فقد أوتي خير الدنيا والآخرة) وقال: (لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا وهو ضد لما طلب أعداء الحق) قلت: جعلت فداك مما ذا؟ قال: (من الرغبة فيها) وقال: (ألا من صبار كريم فإنما هي أيام قلائل ألا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا)(295).

وقال أبو عبد الله(ع) : (أوحى الله إلى موسى(ع) أن عبادي لم يتقربوا إلي بشيء أحب إلي من ثلاث خصال، قال موسى (ع): وما هي؟ قال: يا موسى الزهد في الدنيا والورع عن المعاصي والبكاء من خشيتي، قال موسى (ع): يا رب فما لمن صنع ذلك؟ فأوحى الله إليه: يا موسى أما الزاهدون فأحكمهم في الجنة، وأما البكاءون من خشيتي ففي الرفيع الأعلى، وأما الورعون عن المعاصي فإني أناقش الناس ولا أناقشهم)(296).

وقال أمير المؤمنين في نهج البلاغة: (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز)(297).

وفي النهج أيضا: (ولقد كان في رسول الله (ص) كاف لك في الأسوة ودليل لك على ذم الدنيا وعيبها وكثرة مخازيها ومساويها)(298).

وقال(ع) في ذم الدنيا في خطبة خطبها: (اعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت وموقوفون على أعمالكم ومجزون بها، ) )فلا تغرنكم الحياة الدنيا)(299) فإنها دار بالبلاء محفوفة، وبالعناء معروفة، وبالغدر موصوفة، وكل ما فيها إلى زوال، وهي بين أهلها دول وسجال، لا تدوم أحوالها ولا يسلم من شرها، بينا أهلها منها في رخاء و سرور إذ هم منها في بلاء و غرور، أحوال مختلفة وتارات متصرفة، العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها وتقصمهم بحمامها وكل حتفه فيها مقدور وحظه منها موفور واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم باعا وأشد منكم بطشا وأعمر ديارا وأبعد آثارا، فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تغلبها وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية، فاستبدلوا بالقصور المشيدة والستور والنمارق الممهدة الصخور والأحجار المسندة في القبور التي قد بني للخراب فناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والإخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى وأكلتهم الجنادل والثرى فأصبحوا بعد الحياة أمواتا وبعد غضارة العيش رفاتا، فجع بهم الأحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم إياب، هيهات هيهات )إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)(300) فكان قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الأمور وبعثرت القبور وحصل ما في الصدور ووقفتم للتحصيل بين يدي ملك جليل فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والأستار وظهرت منكم العيوب والأسرار هنالك )تجزى كل نفس بما كسبت)(301) إن الله عزوجل يقول: )ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى)(302) وقال: )ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا)(303) جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه متبعين لأوليائه حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله إنه حميد مجيد)(304).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها، وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار السلام)(305).

وعن حفص بن غياث عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: (جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا)(306).

وقال أبو جعفر(ع) : (ملك ينادي كل يوم: ابن آدم لد للموت واجمع للفناء وابن للخراب)(307).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله (ص): (ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثلها كمثل الراكب رفعت له شجرة في يوم صائف فقال(308) تحتها ثم راح وتركها)(309).

وعن أبي عبد الله(ع) قال: (مكتوب في التوراة: ابن آدم كن كيف شئت كما تدين تدان، من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه القليل من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مئونته وزكت مكسبته وخرج من حد الفجور)(310).

وقال أمير المؤمنين(ع): (إن الله جعلني إماماً لخلقه ففرض علي التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقير بفقري ولايطغي الغني غناه)(311).

وفي احتجاج أمير المؤمنين(ع) على عاصم بن زياد حين لبس العباء وترك الملاء وشكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين(ع) أنه قد غم أهله وأحزن ولده بذلك، فقال أمير المؤمنين(ع): (عليّ بعاصم بن زياد)، فجيء به، فلما رآه عبس في وجهه فقال له: (أما استحييت من أهلك، أما رحمت ولدك، أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها، أنت أهون على الله من ذلك، أو ليس الله يقول: )والأرض وضعها للأنام * فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام)(312)، أوليس الله يقول: )مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان) إلى قوله ) )يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)(313)، فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال، وقد قال الله عزوجل: )وأما بنعمة ربك فحدث)(314)).

فقال عاصم: يا أمير المؤمنين فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي ملبسك على الخشونة؟

فقال: (ويحك إن الله عزوجل فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره). فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء(315).

الحكم والتأسي بالمعصومين (عليهم السلام)
مسألة: يجب على الحكومة الإسلامية والحاكم الإسلامي أن يتأسوا برسول الله(ص) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في النزاهة والأمانة أيام إدارة الحكم.

قال أمير المؤمنين (ع) : (والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً، أو أجرّ في الأغلال مصفداً، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قفولها ويطول في الثرى حلولها، والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعاً، ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكداً وكرر عليّ القول مردداً، فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقاً طريقتي، فأحميت له حديدةً ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه، أ تئن من الأذى ولا أئن من لظى، وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل البيت، فقال: لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية، فقلت: هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني أمختبط أنت أم ذو جنة أم تهجر، والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين)(316).

وقال أمير المؤمنين (ع): (في قوله تعالى: ) )فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة)(317) يا معاشر شيعتنا اتقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطبا وإن لم تكونوا بالله كافرين فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين، وإنه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا إلا ثقل الله في تلك النار سلاسله وأغلاله ولن يقله يكفه منها إلا بشفاعتنا ولن نشفع إلى الله تعالى إلا بعد أن نشفع له في أخيه المؤمن فإن عفا شفعنا وإلا طال في النار مكثه)(318).

وقال رسول الله(ص): (من أرضى الخصماء من نفسه وجبت له الجنة بغير حساب، ويكون في الجنة مدائن من نور، وعلى المدائن أبواب من ذهب مكلل بالدر والياقوت، وفي جوف المدائن قباب من مسك وزعفران، من نظر إلى تلك المدائن يتمنى أن يكون له مدينة منها، قالوا: يا نبي الله لمن هذه المدائن؟ قال: للتائبين النادمين المرضين الخصماء من أنفسهم، فإن العبد إذا رد درهما إلى الخصماء أكرمه الله كرامة سبعين شهيدا، فإن درهما يرد العبد إلى الخصماء خير له من صيام النهار وقيام الليل، ومن رد درهما ناداه ملك من تحت العرش يا عبد الله استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك)(319).

لا للحرب

مسألة: الحرب في الإسلام هي خلاف الأصل، ولذا يقتصر فيها على أقصى موارد الضرورة، وقد راعى الإسلام في الحرب أخلاقيات عالية لم تر البشرية مثلها قط رغم كثرة المنظمات الدولية اليوم التي تدعي بأنها تراقب الحروب، وتندد بالانتهاكات التي تتكرر فيها.

عن أبي عبد الله(ع) قال: (كان رسول الله (ص): إذا بعث سريةً دعا بأميرها فأجلسه إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه ثم قال: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقطعوا شجرةً إلا أن تضطروا إليها، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأةً، وأيما رجل من أدنى المسلمين وأفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإذا سمع كلام الله عز وجل فإن تبعكم فأخوكم في دينكم، وإن أبى فاستعينوا بالله عليه وأبلغوه مأمنه)(320).

وعن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع) قال: (قرأت في كتاب علي (ع) أن رسول الله (ص) كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب أن كل غازية غزت بما يعقب بعضها بعضاً بالمعروف والقسط بين المسلمين وانه لايجار حرمة إلا بإذن أهلها وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وحرمة الجار كحرمة أمه وأبيه لا يسالم مؤمن دون مؤمنين في قتال في سبيل الله إلا على عدل

وسواء)(321).

وعن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لعلي بن الحسين(ع) : إن علياً (ع) سار في أهل القبلة بخلاف سيرة رسول الله(ص) في أهل الشرك، قال: فغضب ثم جلس ثم قال: (سار والله فيهم بسيرة رسول الله (ص) يوم الفتح، إن علياً(ع) كتب إلى مالك وهو على مقدمته في يوم البصرة بأن لا يطعن في غير مقبل ولا يقتل مدبراً ولا يجيز على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن)(322).

أسرى الحروب

مسألة: ينبغي للقائد المسلم والجيش الإسلامي حسن التعامل مع أسرى الحرب، فإن التعامل مع الأسرى في الإسلام هو أفضل تعامل عرفته البشرية إلى اليوم.

عن أبي عبد الله(ع) قال: (لما قدم رسول الله (ص) مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست فأخذ بعضادتي الباب فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ما ذا تقولون وما ذا تظنون؟

قالوا: نظن خيراً ونقول خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت.

قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف (ع): )لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين)(323)، ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد)(324).

وعن الشعبي قال: لما أسر علي (ع) الأسرى يوم صفين فخلى سبيلهم أتوا معاوية وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسرى أسرهم معاوية: اقتلهم فما شعروا إلا بأسراهم قد خلى سبيلهم علي(ع)، فقال معاوية: يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الأمر أ لا ترى قد خلى سبيل أسرانا، فأمر بتخلية من في يديه من أسرى علي(ع) وقد كان علي(ع) إذا أخذ أسيراً من أهل الشام خلى سبيله إلا أن يكون قد قتل من أصحابه أحداً فيقتله به(325).

 

القانون الإسلامي العالمي

مسألة: إن القانون في الإسلام من أحسن ما يكون وأكمله وهو القانون الذي يصلح أن يكون عالمياً، كما شهد به الخبراء وعلماء القانون، مضافاً إلى الواقع الخارجي والتاريخ الماضي والمعاصر، ومن ثم يجب أن يكون تطبيق هذا القانون أيضا من أحسن ما يكون، علماً بأن تشريع القوانين خاص بالشارع المقدس، وليس لغيره سوى التطبيق. قال تعالى: )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)(326).

وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله (ص) لما نزلت هذه الآية قال: (الله أكبر الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وولاية علي ابن أبي طالب من بعدي)(327).

وعن عبد العزيز بن مسلم قال: كنا مع الرضا(ع) بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي(ع) فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم(ع) ثم قال: (يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عزوجل لم يقبض نبيه(ص) حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء، بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال عز وجل: )ما فرطنا في الكتاب من شيء)(328) وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره(ص): )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)(329) وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض (ص) حتى بيّن لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق وأقام لهم علياً (ع) علماً وإماماً وما ترك لهم شيئاً يحتاج إليه الأمة إلا بينه)(330).

وعن جعفر بن محمد(ع) أنه سئل عما يقضي به القاضي؟ قال: (بالكتاب).

قيل: فما لم يكن في الكتاب؟

قال: (بالسنة).

قيل: فما لم يكن في الكتاب ولا في السنة؟

قال: (ليس شيء من دين الله إلا وهو في الكتاب والسنة، قد أكمل الله الدين، قال الله تعالى: )اليوم أكملت لكم دينكم)(331)، ثم قال(ع): (يوفق الله ويسدد لذلك من شاء من خلقه وليس كما تظنون)(332).

 

الحدود الجغرافية تناقض العولمة

مسألة: الحدود الجغرافية المصطنعة بين بلاد الإسلام من المحرمات الشرعية، بل إن الحدود الجغرافية هي تناقض صريح للعولمة المبتنية على جعل العالم بيتاً واحداً وأسرة واحدة، وإنما تكون هذه الحدود المصطنعة محرمة لأنها توجب تبديد شمل المسلمين وتفريق جمعهم وهي مضادة لوحدتهم التي صرح بها القرآن الحكيم في أكثر من آية وصرحت بها الأحاديث الشريفة العديدة.

قال تعالى: )إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)(333).

وقال سبحانه: )وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)(334).

ومن هنا جاء التعبير في الروايات عن البلاد الإسلامية بدار الإسلام في قبال دار الشرك او دار الكفر أو دار الحرب، مما يدل على أنه لا حدود جغرافية بين البلاد الإسلامية.

كقوله (ع) في حديث: (فمن كان منهم في دار الإسلام)(335).

وفي حديث: (أن رسُول الله (ص) نهى عن قتال النساء والولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلوا فإن قاتلت أيضا فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللا فلما نهى عن قتلهن في دار الحرب كان في دار الإسلام أولى)(336).

وفي حديث آخر: (إنما أخرجُوهُم من الشرك إلى دار الإسلام)(337). 

وقال (ع): (وليس لهُ أن يُخرجها من دار الإسلام إلى غيرها)(338).

وقال(ع): (إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها)(339).

وقال(ع): (أيهما أعظم حرمة دار الإسلام أو دار الشرك)(340).

وعن أبي عبد الله(ع) : (في رجل كان له عبد فأدخل دار الشرك ثم أخذ سبيا إلى دار الإسلام)(341).

وعنه (ع) قال: (الناس كلهم في دار الإسلام المخالفون وغيرهم أهل هدنة ترد ضالتهم وتؤدى أمانتهم ويوفى بعهدهم، إن الأمانة تؤدى إلى البر والفاجر، والعهد يوفى به للبر والفاجر وأد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ولا تأخذن ممن جحدك مالا لك عليه شيئا بوجه خيانة)(342).

وعن جعفر بن محمد (ع) قال: (إذا خرج الحربي إلى دار الإسلام فأسلم ثم لحقته امرأتُه فهما على النكاح)(343).

وعن أبي عبد الله(ع) : (أنه كان يورث الحميل، والحميل ما ولد في بلد الشرك فعرف بعضُهُم بعضا في دار الإسلام وتقاروا بالأنساب)(344).

وعن الإمام علي(ع) أنه قال: (إذا سبي الرجل وامرأته من المشركين فهما على النكاح ما لم يكن أحدهما سبي و أحرز في دار الإسلام دون الآخر فإذا كان ذلك فلا عصمة بينهما)(345).

وعن يونس عن أبي الحسن الرضا(ع) قال: قلت له: جعلت فداك إن رجلا من مواليك بلغه أن رجلا يعطي السيف والفرس في سبيل الله فأتاه فأخذهما منه وهو جاهل بوجه السبيل ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز وأمروه بردهما، فقال: (فليفعل) قال: قد طلب الرجل فلم يجده وقيل له قد شخص الرجل، قال: (فليرابط ولا يقاتل) قال: ففي مثل قزوين والديلم وعسقلان وما أشبه هذه الثغور، فقال: (نعم) فقال له: يجاهد؟ قال: (لا إلا أن يخاف على ذراري المسلمين) فقال: أرأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم، قال: (يرابط ولا يقاتل وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه وليس للسلطان) قال: قلت: فإن جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال: (يقاتل عن بيضة الإسلام لا عن هؤلاء لأن في دروس الإسلام دروس دين محمد(ص))(346).

وعن أبي بصير قال: سألته عن الإنفاء من الأرض كيف هو؟ قال: (ينفى من بلاد الإسلام كلها)(347).

قال صاحب أوائل المقالات: أقول إن الحكم في الدار على الأغلب فيها وكل موضع غلب فيه الكفر فهو دار كفر وكل موضع غلب فيه الإيمان فهو دار إيمان وكل موضع غلب فيه الإسلام دون الإيمان فهو دار إسلام(348).

============================

(164) معاني الأخبار: ص343 باب معنى قاصمات الظهر ح1.

(165) الخصال: ج1 ص169 باب الثلاثة ح222.

(166) وسائل الشيعة: ج12 ص31-32 ب16 ح15564.

(167) غوالي اللآلي: ج3 ص266 ق2 باب السبق والرماية ح5.

(168) نهج الحق: ص494 المسألة الثامنة ف7.

(169) انظر موسوعة الفقه، كتاب القواعد الفقهية، قاعدة السلطنة.

(170) نهج البلاغة، الرسائل: 31 ومن وصية له (ع) للحسن بن علي (ع) كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين.

(171) غرر الحكم ودرر الكلم: ص335 ق4 ب1 ف5 ح7711.

(172) غرر الحكم ودرر الكلم: ص335 ق4 ب1 ف5 ح7713.

(173) الكافي: ج2 ص333 باب الظلم ح14.

(174) وسائل الشيعة: ج16 ص55-56 ب80 ح20965.

(175) بحار الأنوار: ج72 ص331 ب79 ح66.

(176) يقع الكتاب في 248 صفحة وهو من إصدارات مركز الجواد للتحقيق والنشر. ويشتمل على الفصول التالية: اللاعنف في القرآن، اللاعنف في الحديث الشريف، اللاعنف في سيرة الرسول الأعظم )ص)، اللاعنف في سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، اللاعنف في المجتمع، اللاعنف السياسي، من معالم اللاعنف، اللاعنف والمرأة، ماذا عن العنف، و...

(177) الكافي: ج2 ص47 باب خصال المؤمن ح1.

(178) وسائل الشيعة: ج12 ص159 ب106 ح15945.

(179) الكافي: ج2 ص337 باب المكر والغدر والخديعة ح2.

(180) وسائل الشيعة: ج15 ص69 ب21 ح20003.

(181) الكافي: ج2 ص336 باب المكر والغدر والخديعة ح1.

(182) نهج البلاغة، الخطب: 200 من كلام له (ع) في معاوية.

(183) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص209.

(184) أشنؤهم: أبغضهم.

(185) الأطلب للمعائب: الأشد طلباً لها.

(186) نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (ع) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها.

(187) كشف الريبة: ص21 ف1.

(188) تحف العقول: ص323 من كلام له (ع) سماه بعض الشيعة نثر الدر.

(189) الكافي: ج4 ص33 باب في آداب المعروف ح3.

(190) بحار الأنوار: ج74 ص356-357 ب14 ح32.

(191) تهذيب الأحكام: ج6 ص138 ب60 ح1.

(192) نهج البلاغة، الرسائل: 47 من وصية له (ع) للحسن والحسين )ع) لما ضربه ابن ملجم (لعنه الله).

(193) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص189 باب رسم الوصية ح5433.

(194) مستدرك الوسائل: ج17 ص385-387 ب16 ح21644.

(195) راجع تفسير القمي: ص260 سورة الأنفال – غزوة بدر.

(196) الكافي: ج2 ص334 باب الظلم ح22.

(197) وسائل الشيعة: ج16 ص48 ب77 ح20945.

(198) يجحف برضا الخاصة: يذهب برضاهم.

(199) نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (ع) كتبه للاشتر النخعي، لما ولاه على مصر وأعمالها.

(200) بحار الأنوار: ج72 ص330 ب79 ح63.

(201) الكافي: ج2 ص334 باب الظلم ح18.

(202) الكافي: ج1 ص85 باب أنه لا يعرف إلا به ح1.

(203) وسائل الشيعة: ج15 ص293 ب37 ح20550.

(204) عدة الداعي: ص188 ب4 ق2 الرابع عشر الدعاء للإخوان والتماسه منهم.

(205) الكافي: ج4 ص225-226 باب أن الله عزوجل حرم مكة حين خلق السماوات والأرض ح3.

(206) راجع شرح نهج البلاغة: ج18 ص9-10 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة.

(207) انظر وقعة صفين: ص518-519 معاملة الأسرى.

(208) نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (ع) كتبه للاشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها.

(209) سورة آل عمران: 161.

(210) سورة غافر: 19.

(211) سورة الحج: 38.

(212) سورة النساء: 107.

(213) معاني الأخبار: ص211 باب معنى الغلول والسحت ح1.

(214) الكافي: ج5 ص133 باب أداء الأمانة ح7.

(215) الكافي: ج5 ص133 باب أداء الأمانة ح7.

(216) يقع الكتاب في مجلدين، ويتناول البحث عن حياة رسول الله  )ص) وسيرته العطرة. طبع عدة مرات.

(217) وسائل الشيعة: ج15 ص270 ب27 ح20483.

(218) بحار الأنوار: ج72 ص63 ب42 ح33.

(219) مستدرك الوسائل: ج12 ص387 ب21 ح14366.

(220) نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (ع) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها.

(221) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص121 باب المسلم يقتل الذمي أو العبد أو المدبر ح5250.

(222) تهذيب الأحكام: ج10 ص188 ب14 ح35.

(223) علل الشرائع: ج2 ص541 ب327 ح1.

(224) الجعفريات: ص82 باب الاستئذان على أهل الذمة.

(225) شرح نهج البلاغة: ج17 ص147.

(226) سورة المائدة: 1.

(227) سورة البقرة: 100.

(228) سورة البقرة: 177.

(229) سورة الإسراء: 34.

(230) سورة مريم: 54.

(231) سورة المؤمنون: 8، سورة المعارج: 32.

(232) تهذيب الأحكام: ج7 ص371 ب31 ح66.

(233) الكافي: ج5 ص169 باب الشرط والخيار في البيع ح1.

(234) الكافي: ج2 ص77 باب الورع ح9.

(235) وسائل الشيعة: ج12 ص129 ب87 ح15846.

(236) الكافي: ج2 ص669 باب حق الجوار ح16.

(237) مستدرك الوسائل: ج11 ص316 ب37 ح13139.

(238) الخصال: ج1 ص123-124 باب الثلاثة ح118.

(239) بحار الأنوار: ج72 ص94 ب47 ضمن ح9، والبحار: ج74 ص115 ب6 ح5.

(240) الأمالي للشيخ الطوسي: ص229 المجلس8 ح403.

(241) غرر الحكم ودرر الكلم: ص252 ق3 ب2 ف2 الوفاء بالنذر ح5277.

(242) غرر الحكم ودرر الكلم: ص252 ق3 ب2 ف2 الوفاء بالنذر ح5284.

(243) سورة البقرة: 256.

(244) مستدرك الوسائل: ج6 ص423 ب26 ح7136.

(245) بحار الأنوار: ج16 ص260 ب9 ح49.

(246) الكافي: ج2 ص648 باب التسليم على أهل الملل ح1.

(247) نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (ع) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها.

(248) مشكاة الأنوار: ص228 ب5 ف3 في العفو.

(249) الكافي: ج2 ص108-109 باب العفو ح10.

(250) وسائل الشيعة: ج12 ص170 ب112 ح15985.

(251) القود: القصاص وإضافته للبدن لأنه يقع عليه.

(252) أفرط عليك سوطك: عجل بما لم تكن تريده: أردت تأديباً فأعقب قتلاً.

(253) الوكزة بفتح فسكون الضربة بجمع الكف بضم الجيم: أي قبضته وهي المعروفة باللكمة.

(254) تطمحن بك: ترتفعن بك.

(255) نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (ع) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها.

(256) الكافي: ج7 ص271 باب القتل ح2.

(257) ثواب الأعمال: ص278 عقاب من قتل نفساً متعمداً.

(258) مستدرك الوسائل: ج18 ص211 ب2 ح22528.

(259) نهج الحق: ص312 نماذج أخرى من نسب معاوية وأنسابه وهم الشجرة الملعونة.

(260) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص163.

(261) المحاسن: ج1 ص103 ب40 ح80.

(262) مستدرك الوسائل: ج18 ص214 ب2 ضمن ح22538.

(263) غوالي اللآلي: ج1 ص365 ب1 المسلك الثاني ح57.

(264) بحار الأنوار: ج7 ص217 ب8 ح124.

(265) بحار الأنوار: ج101 ص383 ب 2 ح3.

(266) المحاسن: ج1 ص104-105 ب44 ح84.

(267) الأمالي للمفيد: ص216-217 المجلس25 ح3.

(268) روضة الواعظين: ج2 ص461 مجلس في ذكر قتل النفس والزنى.

(269) أعلام الدين: ص410 باب ما جاء من عقاب الأعمال.

(270) وسائل الشيعة: ج29 ص14 ب1 ح35032.

(271) سورة المائدة: 32.

(272) معاني الأخبار: ص379 باب نوادر المعاني ح2.

(273) تهذيب الأحكام: ج10 ص165 ب11 ح36.

(274) ثواب الأعمال: ص278 عقاب من قتل نفساً متعمداً.

(275) المحاسن: ج1 ص105-106 ب45 ضمن ح87.

(276) سورة المائدة: 29.

(277) ثواب الأعمال: ص278-279 عقاب من قتل نفساً متعمداً.

(278) غرر الحكم ودرر الكلم: ص456 ق6 ب5 ف1 ذم الظلم ح10409.

(279) بحار الأنوار: ج71 ص411 ب30 ح22.

(280) الأمالي للطوسي: ص301 المجلس11 ح597.

(281) المحاسن: ج2 ص390-391 ب1 ح28.

(282) سورة الزمر: 19.

(283) بحار الأنوار: ج42 ص287-288 ب127 كيفية شهادته (ع) ووصيته.

(284) سورة آل عمران: 134.

(285) الإرشاد: ج2 ص145-146 باب ذكر طرف من الأخبار لعلي بن الحسين (ع).

(286) إعلام الورى: ص261-262 الركن الثالث ب3 ف4.

(287) سورة الأنفال: 42و44.

(288) شرح نهج البلاغة: ج1 ص232-233 أمر طلحة والزبير مع علي بن أبي طالب (ع) بعد بيعتهما له.

(289) سورة الفتح: 10.

(290) الخرائح والجرائح: ج1 ص186-187 ب2 في معجزات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).

(291) تهذيب الأحكام: ج6 ص292-293 ب92 ح18.

(292) وسائل الشيعة: ج6 ص185 ب9 ح7685.

(293) الكافي: ج8 ص182 خطبة لأمير المؤمنين (ع) ح204.

(294) وسائل الشيعة: ج15 ص105-106 ب39 ح20077.

(295) مستدرك الوسائل: ج12 ص43-44 ب62 ح13470.

(296) مكارم الأخلاق: ص316 ب10 ف3 في البكاء.

(297) نهج البلاغة، الخطب: 3 من خطبه له (ع) وهي المعروفة بالشقشقية.

(298) نهج البلاغة، الخطب: 160 من خطبة له (ع).

(299) سورة لقمان: 33.

(300) سورة المؤمنون: 100.

(301) سورة غافر: 17.

(302) سورة النجم: 31.

(303) سورة الكهف: 49.

(304) بحار الأنوار: ج70 ص117-118 ب122.

(305) الكافي: ج2 ص128 باب ذم الدنيا والزهد فيها ح1.

(306) وسائل الشيعة: ج16 ص12 ب62 ح20831.

(307) بحار الأنوار: ج70 ص64 ب122 ح32.

(308) أي نام قليلاً، من القيلولة.

(309) الكافي: ج2 ص134 باب ذم الدنيا والزهد فيها ح19.

(310) وسائل الشيعة: ج21 ص531 ب15 ح27777.

(311) بحار الأنوار: ح40 ص336 ب98 ح17.

(312) سورة الرحمن: 10-11.

(313) سورة الرحمن: 19-22.

(314) سورة الضحى: 11.

(315) الكافي: ج1 ص410-411 باب سيرة الإمام (ع) في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر ح3.

(316) نهج البلاغة، الخطب: 224 من كلام له (ع) يتبرأ من الظلم.

(317) سورة البقرة: 24.

(318) مستدرك الوسائل: ج12 ص101 ب77 ح13630.

(319) بحار الأنوار: ج101 ص295-296 ب10 ح14.

(320) الكافي: ج5 ص30 باب وصية رسول الله  )ص) وأمير المؤمنين (ع) في السرايا ح9.

(321) تهذيب الأحكام: ج6 ص140-141 ب61 ح5.

(322) وسائل الشيعة: ج15 ص74 ب24 ح20012.

(323) سورة يوسف: 92.

(324) بحار الأنوار: ج21 ص135 ب26 ح26.

(325) مستدرك الوسائل: ج11 ص50 ب21 ح12406.

(326) سورة المائدة: 3.

(327) بحار الأنوار: ج37 ص249 ب52 أخبار الغدير وما صدر في ذلك اليوم.

(328) سورة الأنعام: 38.

(329) سورة المائدة: 3.

(330) الكافي: ج1 ص198-199 باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته ح1.

(331) سورة المائدة: 3.

(332) دعائم الإسلام: ج2 ص535 كتاب آداب القضاة ح1900.

(333) سورة الأنبياء: 92.

(334) سورة المؤمنون: 52.

(335) الخصال: ج1 ص274 باب الخمسة ح18.

(336) الكافي: ج5 ص29 باب وصية رسول الله  )ص) وأمير المؤمنين (ع) في السرايا ح6.

(337) تهذيب الأحكام: ج6 ص162 ب75 ح6.

(338) الاستبصار: ج3 ص183 ب118 ح6.

(339) غوالي اللآلي: ج3 ص367 باب النكاح ح341.

(340) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص69 باب حد السرقة ح5125.

(341) تهذيب الأحكام: ج6 ص160 ب74 ح4.

(342) مستدرك الوسائل: ج14 ص9-10 ب2 ح15953.

(343) دعائم الإسلام: ج2 ص251 كتاب النكاح ف13 ح947.

(344) مستدرك الوسائل: ج17 ص216 ب6 ح21185.

(345) دعائم الإسلام: ج2 ص252 كتاب النكاح ف13 ح953.

(346) الكافي: ج5 ص21 باب الغزو مع الناس إذا خيف على الإسلام ح2.

(347) وسائل الشيعة: ج28 ص318 ب4 ح34853.

(348) أوائل المقالات: ص94 ب81 القول في حكم الدار.

الرجوع إلى قائمة محتويات الكتاب