|
فقه العولمة.. دراسة إسلامية معاصرة |
الفصل الثاني: العولمة الإسلامية الفطرة الاجتماعية مسألة: قد خلق الله تعالى الإنسان على فطرة اجتماعية، فهو أبداً يهوى العولمة ويسعى للتعولم، وإليه أشار قول الله تعالى في القران الحكيم: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا انّ اكرمكم عند الله اتقاكم) (1). فكل الفصول الثلاثة من الآية المباركة طبيعية للبشر، حيث إنّ الذي يعمل أكثر وبكيفية أحسن، يكون أكرم ذاتاً، والأكرمية الذاتية تتبعها الأكرميّة العرضية، فإن كل ما بالغير ينتهي إلى ما بالذات كما يقوله الحكماء. مضافاً إلى ذلك إنّ الإنسان يميل إلى هذه الجهة: جهة التعارف والتآلف، وينحو نحو هذا الاتجاه الفطري الموهوب، وقد ورد عن رسول الله (ص): (خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف) (2). فالإنسان مهما كان بلده وموطنه هو إنسان، وله نفس المشاعر والأفكار الجسدية التي يحملها كل إنسان آخر، وإنما الاختلاف غالباً في الأفكار والآراء، وللفكر موازين و مقاييس، والميزان الصحيح والمقياس المستقيم هو الذي ذكره الله تعالى، وبيّنه العقل: من أنّ للكون إلهاً واحداً قادراً عادلاً حكيماً، إلى آخر ما ذكر في توحيد الله سبحانه وتعالى وكذلك في سائر أصول الدين من العدالة والنبوة والإمامة والمعاد في يوم القيامة، وكل شيء ينحرف عن هذا المعتقد السليم فهو انحراف عن الفطرة والعقلانية. العولمة الصحيحة أمر لابدّ منه مسألة: إن العولمة الصحيحة هدف إنساني لا غناء عنه إلاّ بنشره وتعميمه، ولا طريق للإنسانية أمامها إلاّ بالدخول فيها والانتماء إليها، علماً بأنّه لم يكن الدخول فيها قد بدأ في هذه الأيام، بل منذ إرسال الأنبياء أولي العزم (ع) وأخذت تتبلور وتتكامل منذ بدء عهد الرسالة الإسلامية، ففي يوم الأحزاب عندما كان رسول الله (ص) والمسلمون معه يحفرون الخندق حول المدينة ليأمنوا جانب العدو استعصى عليهم حجر صلد، فضربه رسول الله (ص) بمعوله فانقدحت منه شرارة وسطع منها نور، فقال (ص) وهو يبشر المسلمين: إني رأيت فيه قصور الحيرة ومدائن كسرى، ثم ضربه ثانية وثالثة، فانقدحت في كل ضربة شرارة، وسطع منها نور كذلك، وفي كل مرة يقول (ص) لأصحابه بأنه رأى فيها هدفا من الأهداف العالمية، حيث بشّر المسلمين بأنهم يصلون إلى تلك البلاد وينشرون الإسلام فيها، فإن الإسلام دين عالمي(3). وبالفعل، فقد وصلوا إلى تلك المناطق البعيدة، ونشروا الإسلام فيها، وهم في طريقهم إلى تحقيق ما وعدهم الله من ظهور الإسلام على كل الأديان، لما في الإسلام من محاسن الأديان كلها وخلو الأديان من محاسن الإسلام. ويؤيد ذلك تنبؤات بعض كُتّاب الغرب ومحققيهم فقد قال أحدهم في كتابه: إنه لا يمرّ علينا مائة عام إلا ونرى البريطانيين يدخلون في الإسلام. وقال آخر منهم: إنه لا يمرٌ مائة عام إلاّ والمسلمون يأخذون بزمام أمريكا. هذا بالإضافة إلى ما نعتقده نحن من أنه سيظهر الإمام المهدي (عج) ليحقق تطبيق الإسلام على جميع أرجاء المعمورة وذلك قوله سبحانه: (ليظهره على الدين كله) (4) فإن الإسلام لابد له من يوم يأخذ فيه بزمام العالم كله، أخذا صحيحا تحت لواء الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ومن يدرس الإسلام ويرى حقائقه الناصعة، ويدرس في المقابل الانحرافات في غيره، لابد أن يعترف بذلك. كما يعترف من يرى نور الشمعة ويرى نور المصباح الكهربائي بأن نور المصباح غالب، وسوف يتغلب على نور الشمعة ويحلّ محلها، لأن من الواضح أن الطاقة الكهربائية نافعة للإنسانية جميعا نفعا كبيراً، بينما ليست الطاقة المتولدة من الشمعة أو ما أشبه مثلها، وكذلك من يرى السفر على الوسائل البدائية والقديمة من البغال والحمير، ويرى السفر بالوسائل المتطورة الحديثة من القاطرات والطائرات، ولعله يأتي في المستقبل شيء يفوق هذه الوسائل الحديثة الموجودة الآن، فإنه يصح له أن يقول: إن المستقبل للوسائل الحديثة، وذهاب دور القديمة منها وزوالها. وهكذا بالنسبة للعولمة الصحيحة. كيف تكوّنت العولمة؟ مسألة: إن الله تعالى جبل الإنسان وفطره على العولمة، وأرسل إليه نظاماً عالمياً يحمل طابع الكونية في فكره وثقافته، وفي اقتصاده وسياسته، ومن هنا تكوّنت العولمة. إن الإسلام هو أول من جاء بأسس العولمة الصحيحة، وبلّغ لها، ودعا إليها، قال الله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (5) وحيث إن كلمة: (من) في الآية الكريمة من كلمات العموم، فالخطاب موجه إلى كل أهل الأرض، وجميع أهل العالم، ولا يمكن أن يكون الخطاب من الله الحكيم موجها إلى كل أهل الأرض، إلا إذا كان الإسلام الذي أنزله الله تعالى في كتابه، وبعث به رسوله الحبيب محمد(ص) جامعاً لكل أسس العولمة الصحيحة، وشاملاً لجميع القوانين الصالحة لإدارة العالم كله على نهج عادل وقويم، موفراً لكل أهل العالم فرداً وجماعة الرغد والدعة، والأمن والاستقرار، والسعادة والعيش الهنيء، والإسلام فعلاً هو كذلك، وإلا لما دعا الله تعالى ـ وهو الحكيم المطلق ـ العالم كله إليه، وحذّر من التديّن بغيره من الأديان والمبادئ الأخرى. ويؤيد ذلك قوله تعالى مخاطباً رسوله الكريم(ص): (وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (6). وقوله سبحانه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (7). فالرسول الحبيب(ص) رسول إلى الناس كافة، وليس لبعضهم دون بعض، ورحمة مهداة للعالمين، وليس لعالم دون آخر، كما قال(ص) : (إنما أنا رحمة مهداة) (8). العولمة وأول من طرح فكرتها مسألة: الإسلام هو أول من طرح فكرة العولمة الصحيحة، وأول من أقام صلبها بنظام اقتصادي سليم، وأول من جاء بمستلزماتها ومقوماتها، وأول من رصّ أسسها وأحكم قواعدها، وقد طبّق الرسول الأعظم (ص) العولمة الصحيحة التي جاء بها الإسلام، وحقق نظام اقتصادها السليم، وسعى لتبيينها وتحديد مسارها ومعالمها، فجعل بأمر الله تعالى الدين واحداً، والمعبود واحداً، والكتاب واحداً، والاقتصاد واحداً، والتاريخ واحداً، والقبلة واحدة، والسنّة واحدة، والشريعة واحدة، واللغة واحدة ومشتركة بين الجميع، مما يحقق الأسرة الواحدة والبيت الواحد. إنّه شرع الأذان ـ مثلاً ـ إعلاماً للصلاة ورتّب فصوله باللغة العربية، وبحكمة فائقة، وجعله شعاراً للإسلام، إنه يدعو فيه كل يوم عدة مرات، إلى أوليات العولمة الصحيحة، وملاكاتها القويمة: إلى تمجيد الله وتوحيده، وإلى الإيمان بالرسول ورسالته، والى توحيد الإمامة والولاية في أهل بيته، وإلى الصلاة بين يدي الله الواحد الأحد، بلسان واحد، ولغة واحدة، وباتجاه قبلة واحدة، وعلى سنّة واحدة، وشريعة واحدة، وكم في هذا وحده من إيحاء للنفس على الشعور المشترك بالعمل المشترك، وتربية لها على العولمة الصحيحة وحب الآخرين؟. إنه لو لم يكن في الإسلام ما يدعو إلى العولمة الصحيحة سوى الأذان، الذي أشرنا إلى القليل من معانيه الكثيرة، لكان الإسلام وحده هو الجدير بأخذ زمام العالم، ونشر رحمة عولمته الحكيمة والعادلة على كل الشعوب وجميع الناس. نعم، لقد جاء الرسول الحبيب(ص) بأسس العولمة الصحيحة، وطبّقها بحكمة عالية كانت باستطاعتها تغطية كل العالم بظلال رحمتها، وجناح عدلها، غير أن الحكام غير الشرعيين الذين علوا منبر رسول الله(ص) وصادروا حق علي أمير المؤمنين(ع) وأولاده المعصومين، مثل حكام بني اُمية، وبني مروان، وبني العباس، وبني عثمان، غيّروا وبدّلوا كل شيء جاء به رسول الله (ص)، حتى الأذان الذي جاء به جبرئيل إليه(ص). فإنّهم حذفوا بعض فصوله، وزادوا عليه وبدّلوا تبديلاً، كما وإنهم بدّلوا كل ما استطاعوا تبديله، فحرموا العالم رحمة العولمة الصحيحة وعدلها. وهكذا تقدم الزمان، ونزلت الأجيال في شرق الأرض وغربها، وهي محرومة من عولمة الإسلام، حتى تململ الغرب وتحرك من تحت سياط الاستبداد وخرج من ظلمات القرون الوسطى ليرى النور، فلم يبصر شيئاً سوى مظالم الحكام وظلمات الخلافة الجائرة، ولم يبصر ـ ومع الأسف الشديد أو لم يحاول الإبصار ـ ليرى نور الإسلام، ونور كتابه ومنهجه، ونور قوانينه وأحكامه، ونور رسوله (ص) وأهل بيته(ع)، ونور العولمة الصحيحة التي جاءوا بها وسعوا في تطبيقها، ولذلك حنقوا على الإسلام وعلى كل شيء من العولمة التي جاء بها، وقضوا على الخلافة العثمانية، وقسموا العالم إلى الكتلة الشرقية والكتلة الغربية، ولما ذاقوا وبال هذا التقسيم عملوا على توحيد العالم، فحذفوا الكتلة الشرقية من الخارطة، وقرّروا توحيد العالم تحت عولمة غربية بقيادة الولايات المتحدة. العولمة الصحيحة ومقوماتها مسألة: من اللازم علينا إذا أردنا ـ نحن المسلمين ـ تحقيق العولمة الصحيحة بالمعنى الإسلامي أن نعيد الاعتبار للإنسان والإنسانية كما أمر به الإسلام، وأن نحيي الخُلق الإسلامي، ومفاهيم الحوار الحر بين كل الأطراف كما كان جارياً مع كل الأديان والمذاهب على طول التاريخ الإسلامي، وذلك: انطلاقاً من مبدأ الأخوة الإسلامية العامة والشاملة، غير المنحصرة في ضيق القوميات والعرقيات، ولا المحدودة بالحدود الجغرافية والإقليمية. يعني: على غرار ما أسسه الرسول(ص) في المدينة المنورة بعد الهجرة، وذلك بعد أن رصّ قواعده في مكّة المكرّمة، فقد ورد في التاريخ إن النبي(ص) آخى بين المسلمين مرّتين، مرّةً في مكة المكرّمة ومرّة في المدينة المنوّرة، وآخى بين الرجال كما آخى بين النساء، أخوّة جامعة لكل معاني الأخوة وحقوقها. وهناك الكثير من الروايات في باب الأخوة وحقوقها، نشير إلى بعضها. قال أبو جعفر(ع): (من حق المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته، ويواري عورته، ويفرج عنه كربته، ويقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله وولده) (9). وعن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟ قال: (له سبع حقوق واجبات ما منهن حق إلا وهو عليه واجب، إن ضيع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه من نصيب). قلت له: جعلت فداك وما هي؟ قال: (يا معلى إني عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل. قلت: لا قوة إلا بالله. قال: أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك. والحق الثاني: أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته وتطيع أمره. والحق الثالث: أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك. والحق الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته. والحق الخامس: أن لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى. والحق السادس: أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه وتصنع طعامه وتمهد فراشه. والحق السابع: أن تبر قسمه وتجيب دعوته وتعود مريضه وتشهد جنازته وإذا علمت أن له حاجةً تبادره إلى قضائها ولا تلجئه أن يسألكها ولكن تبادره مبادرةً فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك) (10). وعن عبد الأعلى بن أعين قال: كتب بعض أصحابنا يسألون أبا عبد الله(ع) عن أشياء وأمروني أن أسأله عن حق المسلم على أخيه، فسألته فلم يجبني، فلما جئت لأودعه فقلت: سألتك فلم تجبني؟ فقال: (إني أخاف أن تكفروا إن من أشد ما افترض الله على خلقه ثلاثاً إنصاف المرء من نفسه حتى لا يرضى لأخيه من نفسه إلا بما يرضى لنفسه منه ومواساة الأخ في المال وذكر الله على كل حال ليس سبحان الله والحمد لله ولكن عند ما حرم الله عليه فيدعه) (11). وعن أبي عبد الله (ع) قال: (ما عبد الله بشيء أفضل من أداء حق المؤمن) (12). وعن أبي عبد الله(ع) قال: (المسلم أخو المسلم وحق المسلم على أخيه المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه ولا يروى ويعطش أخوه ولا يكسى ويعرى أخوه فما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم) (13). وقال(ع): (أحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك، وإذا احتجت فسله، وإن سألك فأعطه، لا تمله خيراً، ولا يمله لك، كن له ظهراً فإنه لك ظهر، إذا غاب فاحفظه في غيبته، وإذا شهد فزره وأجله وأكرمه، فإنه منك وأنت منه، فإن كان عليك عاتباً فلا تفارقه حتى تسأل سميحته، وإن أصابه خير فاحمد الله، وإن ابتلي فاعضده، وإن تمحل له فأعنه، وإذا قال الرجل لأخيه أف انقطع ما بينهما من الولاية، وإذا قال أنت عدوي كفر أحدهما، فإذا اتهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء) (14). وعن أبي عبد الله(ع) قال: (للمسلم على أخيه المسلم من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا غاب، ويسمته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويتبعه إذا مات) (15). وعن أبي المأمون الحارثي قال: قلت لأبي عبد الله(ع): ما حق المؤمن على المؤمن؟ قال: (إن من حق المؤمن على المؤمن المودة له في صدره، والمواساة له في ماله، والخلف له في أهله، والنصرة له على من ظلمه، وإن كان نافلة في المسلمين وكان غائباً أخذ له بنصيبه، وإذا مات الزيارة إلى قبره، وأن لا يظلمه، وأن لا يغشه، وأن لا يخونه، وأن لا يخذله، وأن لا يكذبه) (16). وعن أبان بن تغلب قال: كنت أطوف مع أبي عبد الله(ع) فعرض لي رجل من أصحابنا قد سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إلي أن أدع أبا عبد الله (ع) وأذهب إليه فبينا أنا أطوف إذ أشار إلي أيضاً، فرآه أبو عبد الله (ع) فقال: (يا أبان إياك يريد هذا؟). قلت: نعم. قال: (ومن هو؟). قلت: رجل من أصحابنا. قال: (هو مثل ما أنت عليه). قلت: نعم. قال: (فاذهب إليه فأقطع الطواف). قلت: وإن كان طواف الفريضة. قال: (نعم). قال: فذهبت معه، ثم دخلت عليه بعد فسألته فقلت: فأخبرني عن حق المؤمن على المؤمن؟ فقال: (يا أبان دعه لا تريده). قلت: بلى جعلت فداك، فلم أزل أردد عليه. فقال: (يا أبان تقاسمه شطر مالك)، ثم نظر إلي فرأى ما دخلني، قال: (يا أبان أما تعلم أن الله قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟). قلت: بلى جعلت فداك. قال: (إذا أنت قاسمته فلم تأثره بعد تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر) (17). وعن عيسى بن أبي منصور قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) أنا وابن أبي يعفور وعبد الله بن طلحة فقال ابتداءً منه: (يا ابن أبي يعفور قال رسول الله (ص): ست خصال من كن فيه كان بين يدي الله عز وجل وعن يمين الله). فقال ابن أبي يعفور: وما هن جعلت فداك؟ قال: (يحب المرء المسلم لأخيه ما يحب لأعز أهله، ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعز أهله، ويناصحه الولاية. فبكى ابن أبي يعفور وقال: كيف يناصحه الولاية؟ قال: (يا ابن أبي يعفور إذا كان منه بتلك المنزلة بثه همه، ففرح لفرحه إن هو فرح، وحزن لحزنه إن هو حزن، وإن كان عنده ما يفرج عنه فرج عنه، وإلا دعا الله له) (18). عن محمد بن عجلان قال: (كنت عند أبي عبد الله (ع) فدخل رجل فسلم، فسأله (كيف من خلفت من إخوانك؟). قال: فأحسن الثناء وزكى وأطرى. فقال له: (كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم). فقال: قليلة. قال: (فكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم؟). قال: قليلة. قال: (فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟). فقال: إنك لتذكر أخلاقاً قل ما هي فيمن عندنا. قال: فقال: (فكيف تزعم هؤلاء أنهم شيعة) (19). وعن أبي إسماعيل قال: قلت لأبي جعفر (ع): جعلت فداك إن الشيعة عندنا كثير، فقال: (فهل يعطف الغني على الفقير وهل يتجاوز المحسن عن المسيء ويتواسون؟).فقلت: لا. فقال: (ليس هؤلاء شيعةً، الشيعة من يفعل هذا) (20). وعن معلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن حق المؤمن؟ فقال: (سبعون حقاً لا أخبرك إلا بسبعة، فإني عليك مشفق أخشى ألا تحتمل). فقلت: بلى إن شاء الله. فقال: (لا تشبع ويجوع، ولا تكتسي ويعرى، وتكون دليله وقميصه الذي يلبسه، ولسانه الذي يتكلم به، وتحب له ما تحب لنفسك، وإن كانت لك جارية بعثتها لتمهد فراشه وتسعى في حوائجه بالليل والنهار، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا وولايتنا بولاية الله عز وجل) (21). وعن أبي عبد الله(ع) قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولايخونه ويحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاقد على التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل رحماء بينكم متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله (ص) ) (22). وعن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص) (حق على المسلم إذا أراد سفراً أن يعلم إخوانه وحق على إخوانه إذا قدم أن يأتوه) (23). وعن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (تواصلوا وتباروا وتراحموا وتعاطفوا) (24). نعم انطلاقاً من مبدأ الأخوة الإسلامية بما لها من الحقوق التي هي ما بين واجب ومستحب، وانتهاءً إلى توحيد التاريخ الإسلامي الهجري، وتوحيد اللغة العربية لغة القرآن والوحي، بذلك سنحصل على ثقافة واقعية إسلامية، وأسلوب صحيح لتكوين مجتمع إسلامي قويم على أساس من الفكر الإسلامي المنفتح، والمتجاوب مع كل تيّارات الحداثة، والتطورات الإيجابية، والمستجيب لكل رغبات الإنسان المادية والروحية المشروعة، وفي ظل ذلك يكون تعميق الوعي الروحي والمعنوي، وتفتح الوعي المادي والتجريبي. الرسالة العالمية والعولمة الإسلامية مسألة: رسالة الإسلام عالمية، فلم يكن الإسلام يوماً للعرب وحدهم، ولم يكن القرآن يوماً لقريش وحدها، ومن هنا فإن الحديث عن العولمة الإسلامية حديث جميل وشيق للغاية، إذ قد جاء الإسلام بها منذ أيامه الأولى، ومن حين بزوغ شمسه المنيرة على الكون. وقد أكد القرآن الكريم على هذا المعنى، وأيدته الأحاديث النبوية الكريمة والسيرة النبوية الشريفة، وهي كثيرة نستعرض منها ما يلي: 1: قال الله تعالى في صفة القرآن الذي هو دستور السماء لأهل الأرض: (إن هو إلا ذكر للعالمين)(25). 2: وقال تعالى مباهياً بما أنزل من دستور وبمن أنزل عليه من رسول(ص): (تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً) (26). 3: وقال سبحانه وهو يصف رسوله الكريم(ص) ورسالته المباركة: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (27). 4: وقال سبحانه في بيان مهمة الرسول الأعظم(ص): (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) (28). 5: وقال جلّ وعلا في أجر الرسالة والرسول(ص): (وما تسألهم عليه من أجرٍ إن هو إلا ذكر للعالمين) (29). 6: وقال عزّوجلّ في صفة الكعبة والبيت الحرام: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين) (30). 7: قال تعالى: (إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين) (31). 8: وقال سبحانه: (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين * لينذر من كان حياً) (32). 9: وقال عز من قائل: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) (33). 10: وقال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) (34). إلى غيرها من الآيات والروايات. ومن هذه الآيات المباركة وغيرها تتجلى الرسالة العالمية، وتتضح العولمة التي جاء بها الإسلام رحمة للناس كل الناس، وليس لطبقة خاصة، كأصحاب الشركات والاستثمارات الذين لا يرون إلا مصالحهم، ولا يعملون إلا من أجل منافعهم، وان تضرر الآخرون من الأكثرية الساحقة. الأحاديث الشريفة والعولمة مسألة: يستفاد من الأحاديث الكريمة المروية عن رسول الله (ص) وأهل بيته الطاهرين(ع) مقومات العولمة الإسلامية، فترى مخاطبتها لكل العالم، ولكل الأجيال، بلا حرج، وخاصة في ما يخصّ التماسك والترابط الاجتماعي، والتحابب والتوادد العاطفي، وتحويل المجتمع الإنساني الكبير إلى أسرة صغيرة واحدة، يسودها الحب والحنان، والرحمة والإحسان. فعن مرازم قال: قال أبو عبد الله(ع): (عليكم بالصلاة في المساجد وحسن الجوار للناس وإقامة الشهادة وحضور الجنائز، إنه لابد لكم من الناس إن أحداً لايستغني عن الناس حياته والناس لابد لبعضهم من بعض) (35). وعن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله (ع): كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس؟ قال: فقال: (تؤدون الأمانة إليهم وتقيمون الشهادة لهم وعليهم وتعودون مرضاهم وتشهدون جنائزهم) (36). وفي حديث آخر قال قلت له: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ قال: (تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون فو الله إنهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم) (37). وعن حبيب الخثعمي قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (عليكم بالورع والاجتهاد واشهدوا الجنائز وعودوا المرضى واحضروا مع قومكم مساجدكم وأحبوا للناس ما تحبون لأنفسكم أ ما يستحيي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره) (38). وعن أبي أسامة زيد الشحام قال: قال لي أبو عبد الله (ع):( اقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام وأوصيكم بتقوى الله عزوجل والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (ص)، أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً أو فاجراً، فإن رسول الله (ص) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره وقيل هذا أدب جعفر، فو الله لحدثني أبي(ع) أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي (ع) فيكون زينها آداهم للأمانة وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث إليه وصاياهم وودائعهم تسأل العشيرة عنه فتقول من مثل فلان إنه لآدانا للأمانة وأصدقنا للحديث) (39). وعن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (ع) (من خالطت فإن استطعت أن تكون يدك العليا عليهم فافعل) (40). وعن أبي الربيع الشامي قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) والبيت غاص بأهله فيه الخراساني والشامي ومن أهل الآفاق فلم أجد موضعاً أقعد فيه، فجلس أبو عبد الله (ع) وكان متكئاً ثم قال: (يا شيعة آل محمد اعلموا أنه ليس منا من لم يملك نفسه عند غضبه ومن لم يحسن صحبة من صحبه ومخالقة من خالقه ومرافقة من رافقه ومجاورة من جاوره وممالحة من مالحه، يا شيعة آل محمد اتقوا الله ما استطعتم ولا حول ولا قوة إلا بالله) (41). وعن أبي عبد الله (ع) قال: (كان أبو جعفر (ع) يقول: عظموا أصحابكم ووقروهم ولا يتهجم بعضكم على بعض ولا تضاروا ولا تحاسدوا وإياكم والبخل كونوا عباد الله المخلصين) (42). العولمة في السيرة النبوية مسألة: السيرة النبوية الشريفة وسيرة أهل بيته المعصومين (ع)، تؤكد على العولمة الإسلامية، فترى الرسائل التي بعثها الرسول الأكرم(ص) إلى رؤساء العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام ليسلموا في دنياهم وآخرتهم، وينذرهم عاقبة التمرد والاستبداد، ويحمّلهم أوزار رعاياهم وشعوبهم إن هم بقوا على كفرهم، إلى غيرها مما يفصح عن دعوتهم إلى الانتماء إلى الأسرة الواحدة، والبيت الواحد، ألا وهو أسرة التوحيد، وبيت العدل والمحبة. فقد أرسل (ص) رسالة إلى كسرى أبرويز بن هرمز، بيد عبد الله بن حذاقة السهمي. ورسالة إلى هوذا ملك اليمامة بيد سليط بن عمر العاري. ورسالة إلى ملك الحبشة بيد عمر بن أمية. ورسالة إلى النجاشي الأول بيد محمد بن أبجر. ورسالة إلى المقوقس حاكم الأقباط بيد حاطب بن أبى بلتعة. ورسالة إلى إمبراطور الروم هرقل، وعامله الحارث الغساني، بيد شجاع ابن وهب. وكان هؤلاء هم العالم المعاصر للرسول (ص) آنذاك. وكان مضمون هذه الرسائل واحداً وإن اختلفت ألفاظها، وكلها تحكي عن الدعوة إلى الإسلام، والصلح، ومستقبل الحق والأمن والسلام في الدنيا والآخرة. رسالة النبي (ص) إلى هرقل فكانت رسالة النبي (ص) إلى هرقل عظيم الروم: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، عبده ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسين(43)(ق يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولايتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) (44)). رسالة النبي (ص) إلى كسرى وكانت رسالة النبي (ص) إلى كسرى ملك إيران: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس: سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أدعوك بداعية الله عزوجل، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس). رسالة النبي (ص) إلى النجاشي وكانت رسالة النبي (ص) إلى ملك الحبشة: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأضخم ملك الحبشة: بسلمٍ أنت، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتو الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، حمله من روحه ونفخ كما خلق آدم بيده ونفخه، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وإن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمي جعفر ونفراً من المسلمين، فإذا جاءك فأقرهم ودع التجبر، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عزوجل، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي، والسلام عليكم وعلى من اتبع الهدى). رسالة النبي (ص) إلى النجاشي الثاني وكانت رسالة النبي (ص) إلى النجاشي الثاني: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من النبي (ص) إلى النجاشي عظيم الحبشة: سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني رسوله، فأسلم تسلم (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) (45) فإن أبيت فعليك إثم النصارى). رسالة النبي (ص) إلى المقوقس وكانت رسالة النبي (ص) إلى المقوقس كبير القبط: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم القبط، و (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) (46)). رسالة النبي (ص) إلى ملك مصر روي أن النبي (ص) كتب رسالة ثانية إلى المقوقس ملك مصر، وكان نصها: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى صاحب مصر، أما بعد، فإن الله أرسلني رسولاً، وأنزل علي قرآناً، وألزمني بالاعذار والإنذار ومقاتلة الكفار، حتى يدينوا ديني، ويدخل الناس في ملتي، وقد دعوتك إلى الإقرار لوحدانيته، فإن فعلت سعدت، وإن أبيت شقيت، والسلام). رسالة النبي (ص) إلى صاحب دمشق وكانت رسالة النبي (ص) إلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر: سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله وصدق، وإني أدعوك أن تؤمن بالله وحده لاشريك له، يبقى لك ملكك). رسالة النبي (ص) إلى ملك البحرين وكانت رسالة النبي (ص) إلى المنذر بن ساوي ملك البحرين: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي: سلم أنت، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله ممن أحب ذلك من المجوس فإنه آمن، ومن أبى فعليه الجزية). رسالة النبي (ص) إلى ملك اليمامة وكانت رسالة النبي (ص) إلى هوذة بن علي ملك اليمامة: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي: سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، فاسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك). رسالة النبي (ص) إلى ملوك عمان وكانت رسالة النبي (ص) إلى جعفر و عبد النبي ملكي عمان: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى جعفر وعبد النبي الجلندي: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافةً لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام، فإنه زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما). وكان رسول الله (ص) يراعي بالإضافة إلى العبارات الأدبية والكلامية في رسائله، الأبعاد التبليغية، والأهداف السياسية والدبلوماسية، فترى الأمور التالية ظاهرة في رسائله ورسله:1: الشجاعة والاعتماد الكامل بالنفس، فالشخص الدبلوماسي والرجل السياسي لابد أن يكون مطمئناً ومعتمداً اعتمادا كاملاً على شخصيته في إبلاغ ندائه وثقافته ورسالته لمخاطبيه. 2: الألقاب الرسمية المناسبة في تلك الرسائل، مثل: إلى هرقل عظيم الروم، إلى كسرى عظيم فارس، عظيم القبط، وغير ذلك. 3: الترغيب والتهديد المعقول والمناسب في ضمن رسالة واحدة، مثل: (أسلم تسلم). 4: الاستناد إلى الاستدلال والمنطق، عندما يكون مخاطبوه من أهل الكتاب، ومن له ثقافة عالية، مثل: الرسالة التي بعثها إلى النجاشي ملك الحبشة. 5: إبلاغ النداء النهائي للإسلام، وتحرير الإنسان، ونفي الاستثمار، وتشاهد هذه النقطة في خاتمة رسالته بآية: (يا أهل الكتاب) (47). 6: بقاء واستمرارية أعمال الحاكمية والقدرة ونفوذ السلطة في حالة الاستجابة لنداء الإسلام وقبول حاكمية الدولة الإسلامية، كما يظهر من رسالته إلى هوذة بن علي ملك اليمامة، والحارث بن أبي شمر الغساني ملك دمشق، والتأكيد عليهما في الرسالتين. 7: الاطمئنان من بسط نفوذه (ص) وانتصار النداء، كما يظهر جلياً في ذيل رسالته إلى هوذة بن علي مشيراً إليه بقوله (ص): (واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر). وكانت ردود الفعل من قبل رؤساء الدول على نداء النبي (ص) التبليغي متفاوتاً، فبعضهم استجاب لندائه العالمي الرباني، مثل: النجاشي الذي استجاب لدعوة التوحيد وتشرف بالدين الجديد، وأرسل هدية أيضاً إلى النبي (ص). ولكن البعض الآخر أصر على تكبره وتجبره من قبول دعوة التوحيد، والاستخفاف بنداء النبي (ص)، مثل خسرو برويز ملك إيران حتى بعث اليه (ص) برسالة تهديد. والبعض الآخر كان متردداً في هذا الأمر، بين قبوله أو رفضه، مثل قيصر والمقوقس، اللذين كانا يخشيان ملتهما. كما بعث رسول الله (ص) برسائل أخرى إلى رؤساء القبائل والشيوخ، وأدت النتيجة إلى انتصاره (ص) وبسط دولته العادلة ونفوذه على جميع أراضي الجزيرة العربية، وكانت قبائل العرب تأتي إليه (ص) جماعات جماعات وأفواج أفواج معلنين عن استقبالهم لدين الإسلام والانضمام تحت راية التوحيد، كما قال تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم، إذا جاء نصر الله والفتح* ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً* فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان تواباً) (48). ومن هنا يعرف أن دعوة الإسلام عالمية حيث يمكن تلخيص روح الرسالة الإسلامية في شعار التوحيد وهو(لا إله إلا الله) وهذا سر علو الإسلام وعطائه العالمي. ولا ريب في أن أساس العقيدة الإسلامية المتمركزة في ذلك الشعار الخالد يمتلك أروع وأقوى إمكانية على المدى المتواصل عالمياً. ثم إن انتشار الإسلام وبسرعة فائقة، ورغبة ملحة من الشعوب، في أكثر مناطق المعمورة، هو مصداق بارز للعولمة الإسلامية التي تنسجم مع فطرة الإنسان، وبكل أبعادها الفكرية والثقافية، والدينية والتعبدية، والسياسية والعسكرية، والاقتصادية والتجارية، وغير ذلك من الأبعاد الحيوية الأخرى. ولقد حاربت كل من الإمبراطوريتين: الفرس والروم، الإسلام والمسلمين، وأخذت تجاهه مواقف عدائية، ورفضت الدين الجديد، والحضارة الجديدة، وذلك بدوافع من الخوف على معتقداتهم وان كانت سقيمة، والحذر من فقدان ما تركه لهم الآباء والأجداد وان كان هشاً، فحرموا بذلك أنفسهم وشعوبهم رحمة الإسلام وعدله، حيث إنهم لم يعيروا أهمية للثقافة الإسلامية، ولا للمعلومات الحضارية، ولا للقوانين السماوية التي جاء بها الإسلام لإسعاد الإنسان وإرغاد عيشه، وإعزاز شخصه فرداً ومجتمعاً. العولمة وحقوق الإنسان مسألة: ينبغي الالتفات إلى أن العولمة التي جاء بها الإسلام هي آخر صيغة في قاموس الحقوق ـ بما فيه من حقوق الإنسان ـ من حيث الصحة والأمانة، والجامعية والشمول، ولما كان وما يكون، ولم تكن هناك صيغة كهذه تجمع بين العدل والأخلاق والنمو والازدهار. قال الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) (49). ومما يدل على ذلك رسالة الحقوق للإمام زين العابدين(ع) (50)، وخطب أمير المؤمنين (ع) ورسائله في نهج البلاغة كعهده(ع) إلى الأشتر النخعي(51) وما أشبه. قال الراوي: وعظنا رسول الله (ص) موعظة ذرفت العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا، قال: (لقد تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ بعدها إلا هالك، ومن يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي بعدي وسنة الخلفاء الراشدين من أهل بيتي، فعضوا عليهم بالنواجذ وأطيعوا الحق ولو كان صاحبه عبدا حبشيا، فإن المؤمن كالجمل الألوف حيث ما قيد استقاد) (52). وقال الإمام الصادق (ع) : (أغلق أبواب جوارحك عما يقع ضرره إلى قلبك، ويذهب بوجاهتك عند الله تعالى، ويعقب الحسرة والندامة يوم القيامة، والحياء عما اجترحت من السيئات، والمتورع يحتاج إلى ثلاثة أصول: الصفح عن عثرات الخلق أجمع، وترك خطيئته فيهم، واستواء المدح والذم، وأصل الورع: دوام محاسبة النفس، والصدق في المقاولة، وصفاء المعاملة، والخروج من كل شبهة، ورفض كل عيبة وريبة، ومفارقة جميع ما لا يعنيه، وترك فتح أبواب لايدري كيف يغلقها، ولا يجالس من يشكل عليه الواضح، ولا يصاحب مستخف الدين، ولا يعارض من العلم ما لا يحتمل قلبه ولا يتفهمه من قائله، ويقطع عمن يقطعه عن الله عز وجل تعالى شأنه) (53). نعم إن الإسلام قد سن حقوق الإنسان، حقوقاً رفيعة ولائقة به وبكرامته، ودافع عنها وناضل من أجلها. وقد جعل الإسلام، الإنسان وحقوقه، هو المركز والمحور لعولمته التي جاء بها، وذلك نظراً لما يكون بين العولمة وحقوق الإنسان من ترابط وثيق، ومن تأثير كبير لكل واحد منهما على الآخر، ومن توقف نجاح وفوز، بل سعادة وسيادة كل منهما على الآخر، مما جعلهما كتوأمين لا ينفكّان. نعم إن العلاقة بين حقوق الإنسان والعولمة قد تداخلت بشكل ملحوظ، وترابطت بصورة وثيقة، وذلك لأن العولمة وبكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أخذت تؤثر تأثيراً كبيراً وعميقاً على حقوق الإنسان في كل هذه الأبعاد المذكورة من سياسة واقتصاد، وثقافة واجتماع، وغير ذلك. وقد أصبحت العولمة في إطارها العلمي النظري، الذي يدعو إلى تزايد التبادل، وتحقيق الاعتماد المتبادل على مستوى العالم، وإدارة المصالح المشتركة للبشرية ولصالح الناس، تبدو وكأنها ضرورة لا غنى عنها في التعامل مع كثير من قضايا حقوق الإنسان، بعد اتساع هذه الحقوق وتداخلها على مستوى العالم. أجل يلزم أن تكون حقوق الإنسان بما للكلمة من معنى جزءً من القانون الدولي، ولم تعد الانتهاكات اليومية التي تحدث لحقوق الإنسان في أي مكان من العالم، من الشؤون الداخلية للدولة، بل تصبح من اهتمامات المجتمع الدولي ككل، وتتطلب تدخله فيها، فإن ذلك من حق الشعوب المضطهدة على عاتق المنظمات العالمية تجاه حكوماتهم الغاشمة وحكامهم الظالمين، رغم إن مقاييس هذا التدخل ما زالت غامضة ومثيرة للكثير من الجدل، والكبير من المناقشة. إن دائرة حقوق الإنسان قد اتسعت اليوم اتساعاً كبيراً، بحيث أصبحت تتناول قضايا لا يمكن معالجتها في نطاق إقليمي محدود، وإنما يجب معالجتها على مستوى العالم، مثل الحق في تحقيق السلام الذي أصبح يحتاج إلى تصميمات أوسع نطاقاً من الدول المتنازعة والأطراف المتخاصمة. وهكذا يكون الحق في تحقق التنمية، الذي أضحت فيه مسؤولية الدول القادرة متجلية واضحة تجاه الدول التي تنعدم فيها إمكانات التنمية لنقص الموارد وفقد المواد الخام. وكذلك يكون الحق في امتلاك بيئة نظيفة، عديمة التلوث، فإن ما يحدث من حرائق في الغابات وغيرها يؤثر على العالم أجمع من حيث تلويث البيئة وفساد المناخ والأجواء. المطالبة بحقوق الإنسان مسألة: لقد علا جهاراً وفي كل أرجاء الأرض صوت المطالبة بالحقوق السياسية وكذلك المدنية للإنسان، ونال دعماً كبيراً في عصر العولمة، وإن كانت هناك سياسات حاكمة على هذه النداءات حيث لا ترضى إلا بمصالحها لا مصلحة الإنسان بما هو إنسان. لقد أصبحت حقوق الإنسان هي لغة العصر التقدمية، للعوامل والأسباب التي نذكر بعضها، علماً بأن الإسلام هو الذي بين أفضل حقوق الإنسان وضمنها له. السبب الأول: سهولة الاتصالات والارتباطات وسرعة تناقل الأخبار والمعلومات، بحيث أصبحت الكرة الأرضية على أثرها كقرية صغيرة، وأسرة واحدة، فإن في وصول أخبار الانتهاكات وهدر الكرامات، وبسرعة فائقة من أدنى الأرض إلى أقصاها، وذلك عبر الفاكس والإنترنت وما أشبه، إضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة التي جعلت كل الناس في الأرض يعيشون في رؤية وعلى مسمع من الجميع، هو نوع انتصار للإنسان ولحقوقه الضائعة، وإن كان الانتصار الحقيقي والكامل للإنسان لا يتحقق إلا في ظل الإسلام وعولمته العادلة، التي تجمع بين النمو والإزدهار والعدل والأخلاق. نعم، بعد هذا التقدم الكبير في الارتباطات أصبح من الصعب إخفاء الانتهاكات التي يمارسها الحكام ضدّ الشعوب بالنسبة إلى حقوق الإنسان، وهذا يعتبر تطوراً هاماً وكبيراً يؤدى إلى تحقق الحريات الإنسانية، ورعاية حقوق الإنسان مستقبلاً، ويؤدي أيضاً إلى صعوبة إقامة الأسوار الحديدية مرة أخرى ومن جديد حول أي مجتمع من المجتمعات، وذلك بعد هذه الثورة في الاتصال، والقفزة في المعلومات والارتباطات المدهشة. السبب الثاني: حدوث منظمات وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن المنظمات الدولية وجمعيات حقوق الإنسان في العالم بما فيها منظمات وجمعيات العالم الثالث، استطاعت ولو بقدر من أن توصل صوت الإنسان إلى أخيه ومن إيجاد بعض الضغوط الدولية على من لا يحترم حقوق الإنسان، علماً بأنه من اللازم استقلالية هذه الجمعيات اقتصادياً وإعلامياً وسياسياً وما أشبه،حتى لا تخضع في عملها للدول الكبرى أو ما أشبه. وعند ذلك يكون من السهل اليسير التحرك دولياً في مواجهة الانتهاكات المحلية، كما ويمكن خارجياً أن تجعل صوتاً عالمياً لمن يحرم من صوته، وفى هذا السبيل يمكن تجنيد جميع منظمات حقوق الإنسان في العالم كله للوقوف ضد هذه الانتهاكات ومساندة نشطاء حقوق الإنسان والدفاع عنهم. ويمكن أن تصبح هذه المنظمات والجمعيات الحقوقية المنتشرة في الأرض بذرة صالحة لشجرة مثمرة، تثمر مجتمعاً مدنياً، على مستوى العالم، ولقد أدت شبكات الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة بما فيها الفاكس والجوّال والميديا العالمية دوراً هاماً في إقامة هذه المنظمات والجمعيات واستمراريتها. نعم إن هناك بعض التلكؤ في تحقيق أهداف هذه المنظمات والجمعيات ناتجة عن عدم استقلالية بعض هذه المنظمات، ونفوذ بعض الدول الكبرى فيها، مضافاً إلى رفض بعض الحكومات المعاصرة لمنظمات حقوق الإنسان، أو حاصلة من ملاحقتها لها باستمرار، مما اضطر الكثير من هذه المنظمات إلى أن تستمد العون من الخارج، حتى أصبحت على اثر ذلك كأنها امتداد لتلك المنظمات الخارجية، وخسرت عندها التفاعل الحقيقي مع المؤسسات الوطنية والشعبية، كما وفقدت التعامل الصادق مع تلك الحكومات المعاصرة وشعوبها. ولكن مع كل ذلك فقد حققت هذه المنظمات على اثر الضغط الإنساني الموجود، نجاحاً نسبياً، لكنه ليس بالمستوى المطلوب، الذي يطالب به الإسلام من حقوق الإنسان بما هو إنسان لكي يستطيع التقدم في مختلف مجالات الحياة خاصة ما يرتبط بالانفتاح في الحكم، ورعاية حقوق المعارضة، والتعددية السياسية، ونفي الاستبداد عند الحكام، واحترام حقوق الإنسان لدى الجميع. السبب الثالث: حصول ثورة تجارية عالمية ذات كرامة اقتصادية، والكرامة الاقتصادية تأتي بالكرامة الإنسانية، فإن التوسع المثير في حقل التجارة العالمية، والثورة التجارية هذه قد ضاعفت فُرص الاتصال بين المجتمعات المنفتحة والمجتمعات المنغلقة. ومن المعلوم: أن هذا الاتصال المتكرر مع مختلف المؤسسات الاقتصادية الدولية يدفع إلى التعارف الأكثر، والتقدم الأكبر في مجال الوعي بالحريات الأولية من الانفتاح ونفي الاستبداد، علماً بان معظم الدول الغربية والشرقية، ومجموعة الدول الأوروبية، والمؤسسات العالمية الغربية المهتمة بعمليات التحول إلى اقتصاد السوق وصناديق التنمية، تتظاهر بالربط بين المساعدات التي تقدمها للدول النامية، وبين سجل حقوق الإنسان والتحولات السياسية: من نفي الاستبداد ودعم الانفتاح في هذه الدول. واللازم أن تصبح قضية الدفاع عن حقوق الإنسان أمر حقيقي لا يمكن لأحد أن يتجاوزه. ومن الواضح أن ازدهار الحريات ونفي الاستبداد يؤثر إيجابياً على حقوق الإنسان ويسبب كرامته السياسية والمدنية. المسلمون والعولمة الغربية مسألة: يلزم على الأمة الإسلامية ومثقفيها أن تتخذ الأسلوب المناسب تجاه مساوئ هيمنة العولمة الغربية. فإن ما تقدم من تصريحات بوش الأب، واعترافات الخبير الأمريكي، والمواقف العملية للحكام الأمريكان، بل المواقف العملية لحكام الغرب والشرق كلهم، تتطلب منا ونحن في جانب آخر من العالم أن نحدّد موقفنا من هذه الهيمنة الغربية الظالمة، كما إن علينا ونحن نعيش في البلدان الإسلامية أن نقرر طريقة مواجهة هذا التحدي، وأسلوب هذه المواجهة، آخذين بالحسبان ما نحن مقبلين عليه من القرن الواحد والعشرين قرن تعارف الثقافات وتقاربها، واختيار الأحسن منها، كما قال تعالى: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا…) (54). وقال سبحانه: (فبشر عبادِ الذين يستعمون القول فيتبعون أحسنه) (55). ويجب أن يكون ذلك بأساليب أكثر نجاحاً من تلك التي واجهنا بها سابقاتها، مثل مواجهة هجمات نابليون بونابرت على مصر أواخر القرن الثامن عشر، أو تلك التي قوبل بها سقوط الأمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى أوائل القرن العشرين. والأسلوب الناجح هو اتباع سياسة رسول الله (ص) والإمام أمير المؤمنين (ع) من سياسة السلم واللاعنف والاكتفاء الذاتي والتطور العلمي والعملي وما أشبه. نصيب المسلمين من العولمة مسألة: إن نصيب المسلمين من العولمة الغربية إذا لم ينتبهوا ولم يتداركوا الأمر بالرجوع إلى القوانين الإسلامية المنسية، هو الغزو الاستعماري بنسبة أو بأخرى في العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية وما أشبه، وقد ذكر (بول اشميد) وهو عالم ألماني، في كتاب له كتبه قبل نصف قرن تقريباً يحذّر فيه الغربيين من المسلمين، ويحرّضهم على إشعال الحروب الصليبية وإعادتها ضدّهم، ويعلّل ذلك بأن المسلمين سوف يتغلبون عليهم لولا تدارك الأمر، وذلك لنقاط القوة الموجودة عند المسلمين، ثم يلخصها في أربع نقاط كالتالي: 1: قوة اقتصادهم، للثروات الطبيعية والمعدنية التي يمتلكونها. 2: كثرة نسلهم، وازدياد عددهم، حيث إنهم يعملون بما أوصاهم نبيّهم(ص) بقوله: (تناكحوا تناسلوا تكثروا، فإنّي اُباهي بكم الاُمم يوم القيامة ولو بالسقط) (56). 3: موقعهم الجغرافي المهم، فإن منطقتهم منطقة حساسة، تتربع على الوسط الرابط بين طرفي العالم، وتشرف على المياه الدافئة، وما إلى ذلك. 4: وثّابية دينهم، وانتشاره السريع، واستقطابه للجماهير، وذلك بسبب ما يحمله من سهولة ومرونة، وانفتاح وحرية، ومنطق وعقلانية، وجد واجتهاد، وحركة واستمرار، إنه يدعوهم للنشاط الدائم، والابداع المستمر، والابتكار المتطور. نعم إن الإسلام يؤكد على التنافس في الخير والتقدم، قال تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها كعرض السماء والأرض) (57). وقال سبحانه: (وسارعوا إلى مغفرة من ربّكم وجنة عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين) (58). وقال تعالى: (فاستبقوا الخيرات) (59). وعن أبي عبد الله (ع) قال: (من استوى يوماه فهو مغبون) (60). مضافاً إلى روايات المحاسبة التي تحث على عمل الخير والتقدم الأكثر يوماً بعد يوم، فعن أبي عبد الله (ع) قال: (إن النهار إذا جاء قال يا ابن آدم اعمل في يومك هذا خيراً أشهد لك به عند ربك يوم القيامة فإني لم آتك فيما مضى ولا آتيك فيما بقي فإذا جاء الليل قال مثل ذلك) (61). وعن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (المغبون من غبن عمره ساعةً بعد ساعة) (62). وعن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة) (63). وعن أبي الحسن الماضي(ع) قال: (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسناً استزاد الله وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه) (64). وعن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين (ع) يقول: (ابن آدم إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة من همك وما كان الخوف لك شعاراً والحزن لك دثاراً ابن آدم إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عزوجل فأعد جواباً) (65). وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين(ع) قال: (من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم) (66). وعن أبي ذر في وصية النبي (ص) أنه قال: (يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب فهو أهون لحسابك غداً، وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض، لا تخفى منك على الله خافية، إلى أن قال: يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه، أمن حل أم من حرام، يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عزوجل من أين أدخله النار) (67). وقال الإمام الحسن بن علي العسكري (ع) عن آبائه (ع) عن علي (ع) عن النبي (ص) قال: (أكيس الكيسين من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت، فقال رجل: يا أمير المؤمنين كيف يحاسب نفسه؟ قال: إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه وقال يا نفسي إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبداً والله يسألك عنه بما أفنيته، فما الذي عملت فيه، أ ذكرت الله، أم حمدته، أ قضيت حوائج مؤمن فيه أنفست عنه كربه، أحفظتيه بظهر الغيب في أهله وولده، أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه، أكففت عن غيبة أخ مؤمن، أعنت مسلماً ما الذي صنعت فيه، فيذكر ما كان منه، فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله وكبره على توفيقه، وإن ذكر معصيةً أو تقصيراً، استغفر الله وعزم على ترك معاودته) (68). وهذا كله مما جعل المسلمين الأولين يقفزون إلى الامام قفزات كبيرة و سريعة، وينشرون الإسلام في أقصى نقاط الارض، وأبعد مناطق المعمورة، وذلك كما هو مذكور في التاريخ. ثم إن الغربيين ومنذ اتفاقية وعد بلفور في سنة ألف وثلاثمائة وستين هجرية تقريباً، وبعد مئات الاتفاقيات، بَنَوْا على استعمار البلاد الاسلامية واستثمار المسلمين، أي: اتفقوا على مبدأ السيطرة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والاعلامية لبلاد الاسلام والشعوب المسلمة، وهذا ما حصل فعلاً وذلك للاطماع الاستعمارية في تلك الجهة، وقبول الاستعمار في هذه الجهة لقلة الوعي والابتعاد عن القوانين الإسلامية وعدم أهلية الحكام. نعم، إن الغربيين بصورة عامة والأمريكان بصورة خاصة يسعون في فرض هيمنتهم وتقليص الشخصية غير الغربية وغير الامريكية وتحجيم دورها، وخاصة الشخصية الإسلامية في مجتمع العولمة الجديدة، ولكن مع كل ذلك فإن للعولمة الإسلامية المطابقة مع الفطرة الإنسانية كل أسباب النمو والتقدم والإزدهار، فعلينا نحن المسلمين السعي لتعريف العالم بها. البلدان الإسلامية والعولمة الاقتصادية مسألة: إن النظام الاقتصادي العالمي، المعبّر عنه بالعولمة الاقتصادية، يشكل تأثيراً كبيراً على البلدان الإسلامية واقتصادياتها، إذ وراء هذه العولمة خبراء اقتصاديون وحكام سياسيون لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية ومنافعهم الفردية، وهذا ينذر الإنسانية كلها وليس المسلمين فحسب بالشر والخطر. وعليه: فالعالم الإسلامي مهدد كله بأخطار العولمة الاقتصادية، ولكنه في نفس الوقت نراه يعيش حياة التناحر والتآكل، والترهل والتهميش، فاقداً لأي موقف صحيح وهادف للدفاع أو للهجوم. إن محاولات الضغط والكبت، والاستضعاف والاستثمار التي تحاك ضد البلدان الإسلامية إنما هي من أجل زلزلة أمنها، وزعزعة استقرارها، وتعطيل مؤهلاتها، وسحق كفاءاتها، كي يُلجئوها إلى الدخول في تيار العولمة الغربية بأضرارها، وبالسباحة القهرية وفقها، والانتماء إلى التدويل الشامل للاقتصاد، أو العولمة الاقتصادية بعبارة أخرى. أثر العولمة على البلدان الإسلامية إنّ الكلام الساخن حول ظاهرة العولمة وحول أثرها الاقتصادي على البلدان الإسلامية لا يزال قائماً بين ثلاثة آراء فكرية أو أكثر: 1: الرأي القائل بتحبيذ العولمة وتحسينها على وجه العموم، ويستدلون له بأنهم سيستفيدون من التقدم التقني، والتطور الصناعي المتسارع، والتكامل الاقتصادي العالمي، ويأملون باستصلاح حال الناس اقتصادياً، وحصول ملايين البشر على حياة فضلى، مع إذعانهم بأن العولمة هذه تستلزم خسارة البلدان الإسلامية لبعض الشيء من سيادتها على اقتصادها وتوجيهه كما تريد وكيف تشاء. هذا ولا يخفى إن المدافع عن هذا الرأي هم: قسم من رجال الأعمال، وأمريكا، والمؤسسات الثلاث للعولمة: الصندوق والبنك الدوليين والمنظمة العالمية للتجارة. 2: الرأي القائل بواقعية العولمة وموضوعيتها، وإنها نتيجة طبيعية للتطور العلمي والتقني، وقوى الإنتاج الرأسمالي، إنها تؤدي على التقارب بين مختلف الاقتصادات، إنهم يرون للعولمة هذه المحسنات، ويرون إلى جانبها مساوئ أيضاً، من أهمها هو: أن الذي يحصل على منافعها قليل من الدول التي لا يتجاوز عدد سكانها 20% من إجمالي سكان العالم، بينما أضرارها تمس أغلب البلدان النامية، وتسبب زيادة مشاكلها الاقتصادية، وتقضي على التنمية فيها. ثم إن المدافع عن هذا الرأي هم: قسم من القوى اليسارية، وهواة الاشتراكية المقيمين في البلاد الرأسمالية، وبعض أصحاب الفكر القاطنين في بلاد العالم الثالث. 3: الرأي القائل بشرارة العولمة ومضارها، وإنها من تبعات النظام الرأسمالي العالمي، لأنها تقصد تعويض اقتصادات الدول الرأسمالية عن تقلّص أسواقها الداخلية، بنقل أكثر عمليات الإنتاج ـ وخاصة الصناعات المنحطّة والمضرة للبيئة والناس ـ إلى البلدان النامية، مع إمسا قيادة الإنتاج في العالم بيدها. وعليه فالرأسمالية تريد حلّ مشاكلها الاقتصادية عن طريق عولمة الاقتصاد، بمعنى: أنها تريد تصدير مشكلاتها الاقتصادية إلى بلدان العالم الثالث، لتتخلص هي منها، وتلقي بثقلها عليهم وإن أدى ذلك إلى خلق مجتمع طبقي بغيض فيهم. ولا يخفى: إن المدافع عن هذا الرأي هم: القسم الأعظم من أصحاب القوى السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، في البلدان النامية، المطلعة على ما يعانيه الناس من ويلات النظام الطبقي غير العادل، المؤدي الى الفقر والحرمان، والجهل والأمية، والمرض والتبعية، والسلب والنهب لثروات بلدان العالم الثالث عن طريق الشركات متعددة الجنسيات، وبواسطة التبادل التجاري غير المتكافئ وغير العادل. موقفنا تجاه العولمة مسألة: من المهم أن نعرف نحن المسلمين مخاطر العولمة الحديثة وأضرار سيطرة أمريكا وغيرها من الدول الغربية على العولمة الجديدة، فإن هذه العولمة لا تفكّر إلاّ في نفسها، ولا تبصر الأمور إلاّ بالمنظار المادي البحت، وتخطط للقضاء على الإسلام والمسلمين، لأنها تراهما يدعوان إلى عولمة صحيحة، لاتبتني على الهيمنة والاستثمار، والاستبداد والاستضعاف، وإنما تبتني إلى جانب النمو والازدهار على المُثل والقيَم، وعلى العدل والقسط، وعلى الرحمة والرأفة، وعلى التعاون والتوادد، وعلى التباذل والتواصل. علماً بأن البقاء إنما يكون للذي بنى أساسه على العدل والقسط، والعاقبة إنما تكون للذي رصّ بنيانه على قواعد الفطرة والعقلانية، بينما الذي أسس بنيانه على خلاف ذلك، كان مصيره الزوال والسقوط، كما سقط النظام الشيوعي، وبادت الاشتراكية وزالت إلى غير رجعة. ولكن مع ذلك فإن الدنيا دار أسباب ومسببات وكانت وستكون للعاملين فيها وقد قال الله سبحانه: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) (69). وقال عزوجل: (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء) (70). وعليه: فإن كان المسلمون هم العاملون ـ عملاً مرضياً لله ورسوله، ومطابقاً للقرآن والإسلام ومؤطراً بإطار العصر ومتطلبات الحياة الجديدة ـ انتصر الإسلام وساد الدنيا، وعم الجميع رحمته وعدله. وإن كان العاملون هم الغربيون، وهم اليوم كذلك، أي: على خلاف المسلمين المتقاعسين عن العمل، انتصر الغرب وسادوا الدنيا، وعمّ الجميع أضرارهم وظلمهم، كما هو اليوم حال الدنيا وحال أهلها، ففي كل نقطة من نقاط الدنيا وخاصة في بلدان العالم الثالث حرب ودمار، وجوع وفقر، ومرض وحرمان، وظلم واستبداد، وإلى آخر ما في قائمة الشقاء من ألفاظ وكلمات. وهذه هي أيضاً سنّة الله تعالى في الحياة، حيث جعل الدنيا للعاملين، سواء كانوا من أهل الحق كالمسلمين، أو من أهل الباطل كالمستعمرين. كما إن سنة الله تعالى هذه قد جعلها سبحانه في الدنيا للاختبار والامتحان، حيث إن الدنيا دار اختبار واختيار، وللإنسان أن يختار الحقّ أو الباطل، وأن يعمل أو يتقاعس عن العمل، وأن يكون مخلصاً في عمله أو مرائياً، وأن يجدّ في عمله أو يتماهل، فحيث إن الدنيا دار اختبار واختيار، يمدّ الله تعالى كلا الفريقين: أهل الحق، وأهل الباطل، بالأسباب والوسائل، وبالحول والطَول، كما قال تعالى: (كلاً نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك) (71). وذلك ليُري الله تعالى الناس أنفسهم المخلص منهم من المرائي، والمحق من المبطل، وليوقفهم على مدى قدر أنفسهم، ويعرّفهم مبلغ استحقاقهم من الأجر والثواب أو العذاب والعقاب، حتى لا يقول أحد يوم القيامة: ليس هذا هو ما استحقّه من الثواب والجنة، أو من العقاب والنار. نعم هذه هي سنّة من سنن الله تعالى في الحياة، وقدره وقضاؤه، ولكن هناك سنة أخرى وهو الوعد بالفتح والنصر المطلق للمسلمين المؤمنين وذلك في زمن ظهور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فعند ذلك سيأتي الله بالفتح، وينصر الحقّ وأهله، ويدحض الباطل وأهله، وينقذ الناس من الشقاء والعذاب، ومن الجهل والفقر، ويذيقهم رغد العيش، وسعادة الحياة، وحلاوة الأمن والاستقرار، وذلك كما أخبر تعالى في كتابه الكريم حيث قال: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) (72). وكما قال سبحانه: (وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً) (73). وكما قال عزّوجلّ: (قل جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد) (74). وعسى أن يكون ذلك اليوم قريبا إن شاء الله، فتعم العولمة الصحيحة تحت ظل الإسلام الحكيم كل بقاع الأرض، وتنشر رحمتها على كل الأنام، وتقضي على العولمة المعاصرة الظالمة. مجابهة العولمة الاقتصادية الغربية مسألة: إن الله تعالى جعل المسلمين أمة واحدة بقوله سبحانه: (إن هذه أمتكم أمة واحدة) (75)، وجعل لها حضارة عريقة، وأسلوباً جديداً في الأمور الحيوية، ومنهجاً حديثاً في الشؤون الاقتصادية حيث قال تعالى: (فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون) (76) ورزقهم رغبة ملحّة في بناء مستقبل أجيالهم. وعليه: فلابدّ لنا نحن المسلمين أن نترك السياسات الاقتصادية القطرية الضيقة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، إلى سياسة التكتل الاقتصادي الاسلامي الضخم، لمواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية العملاقة، ولابد من اغتنام الفرصة وانتهازها للدخول في النظام العالمي الجديد: العولمة، وتحديها بوضع أسس التعاون الاقتصادي الإسلامي، وإراءة نظام اقتصادي كامل وشامل، يجمع بين النمو والإزدهار، والعدل والأخلاق. وهنا لابد من الإشارة إلى بعض الإجراءات التي بواسطتها يمكن مواجهة العولمة الغربية، وصد أمواج فسادها ودمارها. الإجراء الأول: مسألة: يلزم طرح أصول الاقتصاد الإسلامي المستنبط من القرآن الكريم والسنة الشريفة، من مثل قوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) (77). ومثل قوله سبحانه: (وأحل الله البيع وحرم الربا) (78). ومثل قوله عزوجل: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) (79). ومثل قوله تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم* للسائل والمحروم) (80). ومثل قوله سبحانه: (وأقرضوا الله قرضاً حسنا) (81). ومثل قول النبي (ص): (الناس مسلطون على أموالهم) (82). ومثل قوله (ص): (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه) (83). ومثل قوله (ص): (الأرض لله ولمن عمرها) (84). ومثل قوله (ص): (من سبق إلى ما لا يسبقه إليه المسلم فهو أحق به) (85). ومثل قوله (ص): (من ترك ضياعاً فعليّ ضياعه(86)، ومن ترك ديناً فعليّ دينه) (87). إلى غيرها من الآيات والروايات الشريفة. ثم دعوة اقتصادي العالم إلى مدارسته ومذاكرته وإراءة أفضل الطرق إلى تطبيقه وتنفيذه، فإن الاقتصاد الإسلامي قد أثبت جدارته في إنقاذ البشر من الفقر، وإرغاد العيش للجميع، وهو اليوم قادر على تحقيق أمنيات الناس في الحياة من كل الجهات المادية بل وحتى المعنوية أيضاً، وذلك لأنه قانون السماء الذي جاء به الوحي لإنقاذ أهل الأرض من الفقر والحرمان. الإجراء الثاني: مسألة: يلزم العمل لإيجاد مركز إسلامي اقتصادي عالمي، يقوم بتقييم السبل التطبيقية، واقتراح السياسات الاقتصادية الإسلامية، ويسعى لتحجيم وتحديد الاختلافات الموجودة بينها، وهذا بحاجة إلى جمعية استشارية تضم خبراء الاقتصاد الإسلاميين للتفكير في الأساليب والسياسات الاقتصادية الإسلامية في ظل المتغيرات الدولية والعالمية. الإجراء الثالث: مسألة: يلزم العمل لتعديل السياسات النقدية والمالية، والصادرات والواردات في التجارة الخارجية التي تخالف القوانين الإسلامية، فيجب توفيقها مع الاقتصاد الإسلامي القويم. الإجراء الرابع: مسألة: يلزم دعم ما تقدمه البلدان الإسلامية من الإصلاحات الاقتصادية في مجال التطبيق، المنطبقة مع الاقتصاد الإسلامي، وذلك تسهيلاً للحضور الفاعل في مجال التكتلات الاقتصادية العالمية. الإجراء الخامس: مسألة: يلزم العمل على قيام سوق إسلامية لرأس المال وحركته على مستوى البلدان الإسلامية، ووضع إطار تطبيقي يتلاءم مع المتغيرات الحاصلة في الأسواق العالمية للاقتصاد. الإجراء السادس: مسألة: يلزم العمل على ارتقاء القدرات البشرية، والإمكانات التقنية، وذلك على مستوى البلدان الإسلامية. الإجراء السابع: مسألة: يلزم العمل لتحرير المبادلات التجارية من كل القيود والمضايقات، مثل: انتقال عناصر الإنتاج، والمنتجات وقوة العمل، والأشخاص، ورأس المال المؤطر بإطار الاقتصاد الإسلامي فيما بين البلدان الإسلامية، فلا جمارك ولا ضرائب بين البلاد الإسلامية، مضافاً إلى حرية الملكية الشخصية في إطارها الإسلامي الصحيح، وحرية الإرث بلا فرض الضرائب عليه. الإجراء الثامن: مسألة: يلزم العمل على استشراف آفاق المستقبل، ورسم صورة مستقبلية لموقع البلدان الإسلامية في المحيط الاقتصادي الإقليمي والدولي، وتحديد مفهوم معيّن للأمن الإسلامي، وتصوير إمكان قيام السوق الإسلامية المشتركة، وما يرتبط بها من الحرية الاقتصادية، والمنافسة، والحماية، والدعم. الإجراء التاسع: مسألة: يلزم العمل من أجل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي الاقتصادي في البلدان الإسلامية، ووضع أسس لبناء القدرة التنافسية علماً بأن التنافس التجاري والصناعي يعد من أهم عناصر التنمية الشاملة في البلدان الإسلامية. الإجراء العاشر: مسألة: يلزم السعي للاستفادة من التجارب الاقتصادية العالمية في مجابهة العولمة كالتجربة الصينية وغيرها. أجل إن في التجربة الصينية وتعاملها مع العولمة الغربية درساً هاماً، وعبرة بليغة لجميع الدول النامية بصورة عامة، والأقطار الإسلامية بصورة خاصة، فإن الصين تمكنت من ممارسة عملية التنمية بجناحيها: الاقتصادي والاجتماعي، معتمدة على إمكاناتها الداخلية وطاقاتها الذاتية بالدرجة الأولى، ومحاولة إصلاح اقتصادها الاشتراكي إصلاحاً جذرياً، ومتعاملة مع العولمة بعقل مفتوح ومن موقع قوة الاقتصاد الصيني، فأضحت بذلك ذات سوق متحركة، وفي نفس الوقت قادرة على أن تجذب الاستثمارات الخارجية الخاصة والعامة إليها، حتى أصبحت تنافس الاقتصاد الغربي في كثير من الموارد. نعم، إن المستقبل هو للتكتلات الاقتصادية والجمعيات الاستثمارية العظمى، فإن الدنيا تخطو خطوات كبيرة نحو عالم التقنية والمعلوماتية، ونحو الشركات الكبرى والمعامل الأم، ونحو عالم الإدارة المحنكة والقرار النافذ، ومن هذا المنطلق ينبغي للبلدان الإسلامية أن تخطو خطوات سريعة وحاسمة، كبيرة وجبارة، لتحقيق هدف التكامل في تطبيق الاقتصاد الإسلامي، وإراءة صورة الوحدة الاقتصادية الإسلامية، التي بدونها لن يقدر المسلمون على إقامة اقتصاد ناجح ومتين، يتحدى الآخرين على البقاء والمنافسة في عالم الاقتصاد المعاصر، ودنيا المبادلات التجارية الناشطة. الحكام من وراء ضعف المسلمين مسألة: إن العولمة الإسلامية رغم توفرها على كل مستلزمات العولمة الصحيحة، واشتمالها على الكفاءات الذاتية، حيث إنها تجمع بين النمو والازدهار، والعدل والأخلاق، وهي الأمور المقومة للعولمة الصحيحة، والتي لم تتوفر في العولمة الغربية وغيرها، إلا أنها لسوء تصرف الحكام المتطفلين على الإسلام، وسوء تعامل الحكومات الأموية والعباسية والعثمانية المتسلطة على المسلمين بلا شرعية، بقيت العولمة الإسلامية مقصورة على البلاد الإسلامية، ومحصورة بين جوانحها، بل وضائعة أيضا حتى بين المسلمين أنفسهم، وما ذلك إلا بذنب من الحكام المستبدين، والحكومات الظالمة، التي استلمت مركز القيادة الإسلامية بلا شرعية، ولا تأييد من المسلمين، فجنت على الإسلام بهجر عولمته، وعلى المسلمين بنسيانها واتباع مظاهر العولمة الغربية. العولمة والتعولم مسألة: لا يخفى إن المسلمين وعلى اثر الظروف القاسية التي مرّت بهم، واستبداد حكامهم، ودكتاتورية حكوماتهم، وعدم تطبيقهم الإسلام تطبيقاً صحيحاً، حيث اكتفى بعضهم من الإسلام بإجراء حدوده وقوانينه الجزائية فقط وذلك من دون مراعاة الشروط التي يلزم توفرها، مما أدى إلى تشويه سمعة الإسلام، وتمويه حقيقته الناصعة، فتسبّب ابتعاد المسلمين عن واقعهم، ورفع أيديهم عن ظواهرهم الإسلامية، وسرعة تهافتهم على الظواهر المستوردة، شرقية كانت أم غربية، فقد أصبح كثير منهم جراء ذلك لا يحتاجون إلى من يدعوهم إلى التعولم، إذ هم اليوم متعولمون وداخلون في العولمة الحديثة، فترى أسماءهم عبارة عن: محمد وأحمد وحسن وحسين وعلي وزهراء وفاطمة، ولكنّهم يتشبثون بالمظاهر الشرقية أو الغربية في كثير من اُمورهم. مثلاً: يتبعونهم في الوجبات السريعة المتواجدة على شكل سلسلة مطاعم، وكذلك في الأثاث والأجهزة، وفي الكلام واللغة، وفي السلوك والسيرة، وفي الشكل والصورة، وفي الهندام والمظهر، وفي التزيين والتجميل، وفي الأزياء والألبسة، وفي العلاقات والعشرة، وفي باقي أمورهم وسائر شؤونهم. إذن: فنحن داخلون في العولمة الغربية بالمفهوم الغربي، في كثير من خصوصياتنا ومزايانا، لا أننا نريد أن نتعولم وندخل في العولمة. هذا وقد نهى نبي الإسلام (ص) المسلمين عن التشبّه بغير المسلمين كما هو معروف، فكيف بمزاولة كل خصوصيات الحياة عندهم؟ وقد جاء في الحديث: (من تشبّه بقوم عُدّ منهم) (88)، فكيف بمن أصبح مثل قوم في جميع خصوصياتهم؟ فهو جزء منهم، لا أنه محسوب عليهم. أجل، لقد أصبح الكثير من المسلمين اليوم متعولمين سلبياً بما للكلمة من معنى، يعني: إنهم أضحوا يقلدون الغربيين في سيّئاتهم وسلبياتهم، دون تطورهم وتقنيتهم، إنهم تركوا العلم والعمل، والفن والصنعة التي تقدموا فيها ببركة الإسلام، وأخذوا منهم الميوعة والاستهتار، والمجون والخلاعة، والمسكرات والمخدّرات، والإدمان والفساد، وكل السلبيات والسيّئات التي أفسدت الغرب وأنهكته، وأعجزت الغربيين عن معالجتها وإصلاحها، إذ ليس لها علاج إلا في تعاليم الإسلام، ولا إصلاح إلا باتباع نهج القرآن، وقد ابتعد الناس عن الإسلام والقرآن جهلاً وربما عناداً، ولذلك لا يجدون لأزماتهم حلاً، ولا لفسادهم إصلاحاً، ولا لمرضهم علاجاً. لقد أخذ المسلمون فساد الغرب، فابتلوا بمرضهم ودائهم، ووقعوا في أزماتهم ومآسيهم، إنهم تركوا تعاليم الرسول(ص) في الزواج المبكّر، وتكوين الأسرة المبكّرة، فابتلوا بالعزوبة، وبويلاتها من أمراض نفسية وجسدية، وفردية واجتماعية. وقد روى سلمان عن رسول الله(ص) : بأن البنت إذا بلغت كانت كالثمرة إذا أينعت، فإذا لم تقتطف الثمرة فسدت، فكذلك البنت إذا لم تزوّج، ثم إنها إذا لم تزوج وارتكبت فاحشة، كتب إثمها على أبيها وكل من كان أمرها بيده ولم يزوّجها. وفي حديث آخر: إن رسول الله(ص) كان إذا رأى شاباً سأله عن أمرين: إنّه متزوج أم أعزب، وإنّه ذو شغل أم عاطل؟ فإذا قال: لا شغل لي قال(ص): سقط من عيني(89)، وإذا قال: لا زوجة لي، شدّد معه رسول الله(ص) وأمره بأن يتزوج ولا يبقى عزباً (90). وفي حديث آخر: إن رسول الله(ص) كان يسأل النساء أيضاً عن أنهنّ متزوجات أم لا؟ وإذا لم تكن إحداهنّ متزوجة سعى(ص) في زواجها. هذا مضافاً إلى ما جعل الإسلام من الأهمية للمرأة، وما أعطاها من العزّة والكرامة، وما منحها من العناية والشرافة، إنه أعلى شأنها ومقامها، وعرفها بالريحانة، وبالقوارير، وعلى الإنسان مداراة الرياحين والرفق بالقوارير. فعن أبي عبد الله (ع) قال في رسالة أمير المؤمنين (ع) إلى الحسن(ع): (لا تملك المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها فإن ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة) (91). و عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (ع) ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً، قال: (يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها) (92). وقال أبو عبد الله (ع): (كانت امرأة عند أبي (ع) تؤذيه فيغفر لها) (93). وعن أبي عبد الله (ع) قال: (اتقوا الله في الضعيفين) يعني بذلك اليتيم والنساء(94). وعن يونس بن عمار قال: زوجني أبو عبد الله (ع) جاريةً كانت لإسماعيل ابنه، فقال: (أحسن إليها) فقلت: وما الإحسان إليها، فقال: (أشبع بطنها واكس جثتها واغفر ذنبها) (95). وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال: (قال رسول الله (ص): أوصاني جبرئيل (ع) بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة) (96). وعن أبي جعفر(ع) قال: (قال رسول الله (ص): أ يضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها) (97). وقال رسول الله (ص): ( عيال الرجل اُسراؤه، وأحبّ العباد إلى الله عزّوجلّ أحسنهم صنعاً إلى اُسرائه) (98). وقال (ص): ( ألا خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي) (99). وقال (ص): (أحسن الناس إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله وأنا ألطفكم بأهلي) (100). روي أنّ رسول الله (ص) قال : (ألا اُخبركم بشرّ رجالكم)؟ فقلنا: بلى. فقال: (إنّ من شرّ رجالكم البهّات البخيل الفاحش، الآكل وحده، المانع رفده، الضارب أهله وعبده، الملجئ عياله إلى غيره، العاقّ بوالديه) (101). - بين العولمتين الإسلامية والغربية مسألة: إن الفرق بين العولمتين أعني: العولمة الإسلامية والعولمة الغربية، هو كالفرق بين الاستقامة والانحراف، إذ في العولمة الغربية يكون الهدف صبّ العالم في منهج غربي خاص به اقتصادا واجتماعا، وسياسة وثقافة، وتربية وسلوكا، إلى آخر هذه القائمة، وذلك لتحصيل الربح المادي الأكثر. ومن المعلوم: أن كل ذلك الذي يحتويه المنهج الغربي من الفساد والأضرار مخالف للدليل المنطقي والقانون العقلي والفطري، فلا الاقتصاد صحيح، ولا السياسة صحيحة، ولا السلوك سليم، ولا الثقافة سليمة، ولا الاجتماع مستقيم، ولا التربية مستقيمة، وهكذا. والدليل على عدم الصحة والاستقامة هو: نسيان جانب الروح، بل تناسيه، مع أن جانب الروح هو الجانب الأهم بالنسبة إلى بقية الجوانب في الإنسان، فإنه على أكثر التقادير للروح نصف الأهمية، وللبدن النصف الآخر، ولكن مع كل ذلك نرى خصوصيات العولمة الحديثة منحصرة في البدن فقط مضافاً إلى انحصاره أيضا لصالح البعض لا الإنسان بما هو إنسان. نعم إنّ العولمة الغربية المنحصرة في البدن والماديات مخالفة للعقل والعقلانية والفطرة السليمة، فإنهم يجعلون الآثار للشهوات المنحطة، والمُتع الرخيصة، ويتغافلون عن عواقبها الوخيمة، وتبعاتها المدمّرة، التي تجر الويلات على الفرد والمجتمع. ثمّ إن من الواضح: أن الذي قد أخذ بزمام العولمة في الحال الحاضر هو: الغرب بما فيه أمريكا، واليابان، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى سعي أمريكا الحثيث والجاد لفرض هيمنتها في كل الشؤون على النظام العالمي، ولا يخفى ما في ذلك من المآخذ والمشاكل، والمآسي والويلات. ثم إن للغرب آليات لهذا الشيء، مثل منظمة التجارة العالمية، وهي تسعى لفرض هذه الآليات على الجميع، كالشركات المتعددة الجنسيات، والحلف الأطلسي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومجلس الأمن، ووسائل الاتصالات والإعلام، والأبحاث الإلكترونية، والأبحاث الكيماوية، وشبكات القنوات الفضائية، وشبكات الانترنيت، وهذا التصرف من دون ملاحظة مصالح الإنسانية غير صحيح كما لا يخفى. أما العولمة في الإسلام فهي نزعة إنسانية، وطريقة فطرية بشرية، قد أسس أساسها الرسول الأعظم(ص) بأمر من الله تعالى، مع تقويم منه للمنحدرات والإعوجاجات، وقد صرّح القرآن الحكيم بذلك ودعا إليه في آيات متعددة كقوله تعالى: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) (102). وقوله سبحانه: (وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (103). وقوله تعالى: (بشيراً ونذيراً) (104) حيث أطلق التبشير والإنذار، فكل انحراف وراءه إنذار، وكل استقامة بين يديها بشارة. وقوله تعالى: (وما أرسلناك إلاّ كافة للناس) (105). ولذا فقد أرسى الإسلام أساس العلم وجعله لخدمة الإنسان، وليس العلم للعلم، أو لخدمة الظلم والعدوان، بينما نشاهد اليوم أنّ العلم صار بعضاً منه للعلم، كما فعل أصحاب النظريات العلمية الجافة والعقيمة، التي لا تمتّ إلى الإنسان ومنافعه بصلة، وبعضاً للتحريف والتدمير كما فعل مخترعو وسائل التجسس والتعذيب، وصانعوا القنبلة الذرّية والنووية والجرثومية وما أشبه ذلك. العولمة الإسلامية وأهم مميزاتها مسألة: العولمة الإسلامية تمتاز بامتيازات هامة على العولمة الغربية وذلك في مختلف الأصعدة، وجميع المجالات النظرية والتطبيقية، والمادية والمعنوية، ولعل أهم ما يميز هذه العولمة ومن جوانب متعددة هو ما يلي: 1: يميز العولمة الإسلامية من حيث الإطار النظري العام: المفهوم الديني أو الوازع الإلهي الذي يهذّب النفوس ويطبع القلوب على محبة الآخرين، وإيصال النفع إليهم، ودفع الضرّ والشرّ عنهم، وذلك لأن الإسلام دين سماوي وليس موضوعاً من الموضوعات البشرية. 2: ويميز العولمة الإسلامية من الناحية التطبيقية، نظراً لما سبق من سوء تصرف الحكام المستبدين والحكومات الظالمة المتطفّلة على الإسلام والمسلمين: المعاناة من ضعف وقصور حادّين، فهو بحاجة إلى مدارسة الأخصائيين من علماء الدين والدنيا لإراءة أفضل الطرق التطبيقية، المؤدية إلى الاستفادة المستقيمة والصحيحة من مواد العولمة الإسلامية، القادرة على إرغاد حياة البشر، وإسعاد بني الإنسان دنياً وآخرة، فإن العولمة الإسلامية هي وحدها من بين الجميع، الجامعة للنمو والإزدهار، والعدل والأخلاق.3: ويميز العولمة الإسلامية من الجانب المادي والمالي: عدم المراباة، فإن عدم المراباة هو الميزة الجوهرية للاقتصاد الإسلامي، حيث لا يَظلم صاحب رأس المال ولا يُظلم، كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ* وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (106). وهذه الميزة اللاربوية هي من مفاخر وخصائص هذا الاقتصاد السماوي السليم، وبها يتميز ويتفرد وبشكل واضح عن الاقتصاد الرأسمالي وعن الاقتصاد الشيوعي والاشتراكي البائد، وقد أخذت العديد من البنوك في العالم نظريات البنك اللاربوي في الإسلام، الذي هو واقعاً مصداق البنك التساهمي، والذي لايحيف بزبائنه، بل يتحمل كل منهم كلاً من الربح والخسارة، مع الخضوع لمتغيرات السوق وتقلباته. 4: ويميز العولمة الإسلامية من الجانب المعنوي والأخلاقي: عدم الاحتكار، فإن عدم الاحتكار هو ميزة جوهرية أخرى للاقتصاد الإسلامي، إذ لا زالت السياسة الاقتصادية العالمية الإسلامية من يومها وحتى هذا اليوم خاضعة كلياً لحركة السوق التجارية: من بضائع وأمتعة، وأموال ونقود، ومسكوكات فضية وذهبية، ومواد غذائية وصناعية، وغير ذلك، ويحكمها قانون العرض والطلب، والتسويق والتدويل، ولم يكن للاحتكار تداولاً في الأسواق العالمية الإسلامية. 5: ويميز العولمة الإسلامية أيضاً: حياد الاقتصاد في النظام العالمي في الاقتصاد الإسلامي، فإنه لا يعترف بالسيادة القومية أو السيادة الاقتصادية لدولة على أخرى؟. 6: ويميز العولمة الإسلامية عن غيرها: خضوع النظام الاقتصادي وتأطير العمل التجاري الإسلامي لأحكام الدين وقوانين الشرع الحنيف، وتظهر هذه الميزة وأهميتها في حالات الطوارئ وغيرها، فإن الاقتصاد يكون حينئذ أحد مقومات حكم الجهاد الإسلامي وركائزه الركيزة وهكذا عند بروز حالات المجاعة والزلازل والفيضانات وما أشبه. وبكلمة واحدة نقول: إن العولمة الاقتصادية الإسلامية قد حملت بين جوانحها كل مقومات السعادة والحضارة، والتقدم والرقي، والإزهار والتطور، ونفي الفقر والحرمان، من الحكومة الشرعية، والاقتصاد الأمين، والقوانين المالية العادلة، والوحدة العالمية بكل أبعادها الحضارية، إلى الآداب الإنسانية الراقية، والقواعد الأخلاقية التقدمية. وخلاصة القول: إن العولمة الإسلامية حملت الحضارة بكل أبعادها، وجمعت بين النمو والإزدهار، والعدل والأخلاق. من مشتركات العولمتين مسألة: إن العولمتين الإسلامية والغربية قد تشتركان ـ إن صح التعبير ـ في بعض من الأسس العلمية، والبنى التحتية، سواء على الصعيد العلمي النظري، أم على الصعيد الخارجي التطبيقي. والتعبير الأدق إن الإيجابيات الموجودة فهي من بركة الإسلام وتعاليمه، فحرية الشركات الضخمة، وحرية التجارة وقوانين العمل، وحرية هجرة الأيدي العاملة، وحرية انتقال رؤوس الأموال، وحرية المضاربات التجارية، والمواد الأساسية من حقوق الإنسان، كلها أحكام شرعية بيّنها الإسلام وطُبقت في حكومة رسول الله (ص) والإمام أمير المؤمنين (ع). وهذا المشتركات هي جزء من النظام الاقتصادي العالمي والإسلامي، بصورة عامة، وإن كان هناك بعد كبير وبون شاسع في مسألة الجانب الإنساني والمجال الأخلاقي وما أشبه فيما بين النظامين بصورة خاصة. ويمكن القول: بأن مجتمع شبه الجزيرة، مركز الوحي والإسلام، ونزول الرسالات والقرآن هو من أوائل المجتمعات ذات الخصوصية التجارية العالمية في ذلك اليوم، أو حسب الاصطلاح الحديث ذات الخصوصية الاقتصادية في هذا اليوم، فرحلتا الشتاء والصيف المعروفتين، واللتين تعرض القرآن الكريم لذكرهما(107) أصبحتا الآن من ذكريات تاريخ مجتمع شبه الجزيرة، فقد كانتا في حد ذاتهما تنظيماً اقتصادياً واعياً ودقيقاً، وفق جدول زمني دقيق، بل كانتا حركة ناشطة، ومسيرة حثيثة، وانتفاضة اقتصادية شعبية عارمة، ذات صبغة اقتصادية شاملة، فقد كان جميع التجار صغارهم وكبارهم، يشتركون وبصورة جادة في هاتين الرحلتين المعروفتين وليس كبار التجار فقط، أو المضاربين في السلع والأمتعة، أو المسافرين والسائحين فحسب. - العولمة الإسلامية ضرورة ملحة مسألة: إن العولمة الصحيحة التي جاء بها الإسلام هي ضرورة ملحة، وخاصة في مثل هذا العصر، عصر الارتباطات والمواصلات السريعة. إن عملية تصدير الثقافة والمعلومات، وتصدير الفن والتقنية، وتصدير المواد الخام والمواد الأولية، لا تختلف عن سائر العمليات التجارية الأخرى، فكل واحد منها له تقنياته وأساليبه، وما كان منها محرّماً فيمكن تنظيم قوانين لبيان حرمتها حتى تجتنب، أو تعديلها وفق ما هو جائز وحلال، وهكذا وهلّم جرّاً. وعليه: فمن الممكن بدل أن نقف تجاه العولمة الغربية موقفاً سلبياً مطلقاً، أن نأخذ ببيان الثقافة الإسلامية وقوتها ثم تسريبها إلى هذه العولمة، كما إنّا بحاجة ملحة أيضاً إلى أن ندرس بدقة مقومات هذا النظام الجديد، كي نستطيع تطبيق ما يمكن تطبيقه بالنسبة إلى عالمنا واقتصادنا، وأنفسنا ومجتمعنا، واجتناب ما هو ضار منها ومحرم في شريعتنا. ومن الواضح إن النظام العالمي الجديد في الاقتصاد، والقوانين التجارية العالمية، والأنظمة المالية، وحركة السوق، وما أشبه ذلك، لم تحدث فجأة واعتباطاً لمجرد رغبات تجار أو شركات، ولم توجد دفعة وعفواً لتلبية نداء رئيس معيّن أو قائد مشخّص، بل جاء هذا النظام العالمي الاقتصادي الجديد نتيجة تحركات تجارية واقتصادية استمرت عقود عديدة ونتيجة عمل متواصل، وحركة دؤوبة، وثورة اقتصادية متنامية، في مختلف المجالات من النظري والعلمي، والخارجي والتطبيقي، والتقني والتجريبي. ومن المعلوم أيضاً: أن هذا النظام الاقتصادي العالمي الجديد، جاء حصيلة تلاؤم المعادلات الاقتصادية والسياسية، والدولية والعالمية، كما أنه جاء نتيجة تفاعل الحركات الاقتصادية على الساحة الخارجية، السلبية منها والإيجابية أيضاً، علماً بانا لسنا بعيدين كثيراً عن كل تلك الحركات والمعادلات الدولية والعالمية، ابتداءً فيها من عصبة الأمم ومجموعة دول الكومنولث، وانتهاءً بها إلى الأمم المتحدة، هذا في مجال السياسة الدولية، وابتداءً من منظمات الغات والفاو منتهياً إلى منظمة التجارة العالمية، والأوبك والأوابك، وهذا في المجال التجاري، وبدءً بصندوق النقد الدولي، منتهياً إلى البنك الدولي في مجال النقد والمال، وبدءً باليونسكو وانتهاءً بحركات حقوق الإنسان في المجال الثقافي. وهكذا وهلم جرا، حتى القنوات الفضائية والحاسوب والإنترنت حالياً، وما سيأتي مستقبلاً يكون أكثر مصداقية مما نحن عليه اليوم. - السوق الإسلامية العالمية مسألة: من الضروري في العولمة الاقتصادية تشكيل السوق الإسلامية المشتركة، التي تعم جميع البلاد الإسلامية من دون جمارك ولا حدود ولارسومات ولا ضرائب إلا بمقدار ذكره الشارع المقدس، وهذا مما يوجب نمو الاقتصاد وازدهاره ، فإن الاقتصاد لن يكون بنظر الاقتصاديين اقتصاداً بالمعنى الصحيح ولا اقتصاداً بالمعنى السليم إلا إذا كان متطوراً نامياً، وذلك حتى يكون قادراً على حل أية مشكلة اجتماعية واقتصادية كهبوط الدخل وسقوط العائد اليومي للفرد، والبطالة وما أشبه ذلك. مضافاً إلى أن شجرة الاقتصاد والتجارة والسوق معلولات اجتماعية على ما ذكره البعض، كما أن شجرة البرتقال والليمون والتفاح معلولات زراعية، ولابد لكل شجرة من النمو والازدهار وإلاّ فالذبول والخمول، ثم الموت والهمود حتمي، وشجرة الاقتصاد والتجارة لم يوجدا إلاّ لينموا ويعيشا، لا ليموتا ويضمحلاّ. هذا ولو ألقينا نظرة سريعة على حركة السوق الإسلامية المعاصرة لوجدنا أن كثيراً من النظريات الاقتصادية العالمية غير الصحيحة هي بنفسها مستخدمة فيها، وهي تنافي حرية الإنسان الاقتصادي وتخالف القوانين الحيوية الإسلامية كقانون: (حيازة المباحاة) و(الأرض لله ولمن عمرها) وقانون (السبق) (108) وما أشبه. فنظرية الضرائب الثقيلة والسياسات التجارية التصديرية والاستيرادية، ونظرية الجمارك، ونظرية البنك الربوي وما أشبه ذلك، وكذلك بعض نظريات التكتلات الاقتصادية، فإنها غير مختلفة عن تلك التي هي موجودة في أوروبا وأمريكا. أجل إن مسألة السوق الإسلامية المشتركة، التي نقول بضرورتها، لأنها تعد خطوة بسيطة من خطوات التكتل الاقتصادي، ومرحلة أولية من مراحل العولمة الإسلامية، ليست هي أقل حظاً ولا أضعف قدراً من السوق العربية المشتركة، فإن هذه السوق ما زالت تبدو وكأنها حبر على ورق يتجاذبها المجتمعون في مجالس الجامعة العربية، لأنها بقيت خاضعة لمتطلبات الحكام والرؤساء، ومعه لا يمكن لمثل هذه السوق أن تستقل لنفسها وتنمو وتزدهر. - كلمة لابد منها مسألة: الحاجة توجب للأمة أن تكون أسيرة ورهينة، كما هو واضح، وهنا لابد من التصريح بالحقيقة المرُة التالية وهي: ما تواجه الأمة الإسلامية من الضعف والتأخر في المجال العلمي والتكنولوجي وما أشبه. وهذا مما يؤثر كثيراً في انتشار العولمة، فإن كل صاحب عولمة يسعى إلى تحقيق عولمته الخاصة، والذي يقدر على أن يصنع التقنية ويبدعها هو الذي يقدر على تحقيق عولمته وتطبيقها، لا كل من يمتلك التقنية أو يستعملها فقط. وقد ورد في الحديث الشريف: (احتج إلى من شئت تكن أسيره) (109). ومن لم يبتدع التقنية يحتاج في اقتنائها إلى غيره، فيكون أسيره، والمسلمون قد أصبحوا اليوم وللأسف الشديد من المستهلكين فقط لا من المبدعين، مما ينبغي لهم أن يكونوا كما كانوا في الأمس هم أول مبتدع ومبتكر في كل المجالات. نعم لابد أن يهتم المسلمون في رفع مستوى وعيهم، وسطح علمهم، حتى يدركوا معنى الآية الكريمة: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) (110) ويعلموا تحليلها العلمي والعملي الدقيق، ويعلموا أن الحاسوب والإنترنت من وسائل القوة، وكذلك الفضائيات، ويعرفوا أن علم الرياضيات والهيئة من مقومات القوة، ويعرفوا أن علم النفس والاجتماع، وعلم الحيوان والنبات، وعلوم الوراثة والهندسة والطب وغيرها من العلوم العصرية من مقومات القوة، بل إنها جميعاً من الواجبات الكفائية على المسلمين، والتي إذا تركها المسلمون جميعاً أثم الجميع بتركها. وقد كان المسلمون يوماً هم السبّاقون في هذا المجال وكل المجالات الحيوية الأخرى، وذلك عندما كان الغرب يعيش في ظلام القرون الوسطى وجاهلية الجهلاء، فعليهم أن يستعيدوا اليوم ما كانوا عليه بالأمس فإنهم سينتصرون إن شاء الله تعالى. أجل، إن من اللازم على المسلمين أن يعرفوا أن العلم هو من أهم الوسائل إلى معرفة الله القادر الحكيم، والخالق العليم، وأن القرآن الكريم استهل عند نزوله بالعلم وأمر به، وانه أراد من الرسول (ص) أن يقول في دعائه: -(وقل رب زدني علماً) (111) مع كثرة ما علّمه الله تعالى من علوم الأولين والآخرين، وأنه أراد من الناس أن يتفكروا في آيات الله تعالى وفيما خلق الله تعالى ويتدبروها، كي يعملوا ويعلموا أن: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (112). ثم يأخذوا بالعلم في جميع المجالات ليستعيدوا عزهم وكرامتهم التي وصلوا إليها ببركة الإسلام وتعاليم الرسول (ص) وأهل بيته الطاهرين (ع). - استقامة العولمة باستقامة أصحابها: مسألة: إن المسلمين يتميزون عن غيرهم بالعدالة، فقد أمرهم الله تعالى بذلك في كتابه الكريم، حيث يقول: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون ) (113)، وذلك ليس في السلوك فحسب بل في الفكر أيضاً، فلا ينبغي بعد أن أمرنا الله بهذه الصفة الإنسانية، وميزنا بهذه الميزة الحضارية أن نرجع إلى الأعقاب وأن نكون كالذين وصفهم الله تعالى في القرآن الحكيم بأنهم أشدّ كفراً ونفاقاً، ولا ينبغي أن ينطبق علينا شيء من تلكم المواصفات غير العادلة والخارجة عن السلوك الإسلامي والإنساني. إنما لا نريد ذلك لأن الله تعالى أراد لنا أن نكون شموليين، خارجين عن ضيق الفردية والأنانية، ناظرين برحابة صدر وسعة باع إلى العالم كله، متفكرين في إصلاحه وإسعاده. كما أراد الله تعالى للإسلام وعولمته الشمول والاستيعاب، فقد قال سبحانه: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة) (114). وقال عزوجل: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) (115). وقال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) (116). هذا وإذا أمعنا النظر في العلاقة بين العولمة الاقتصادية والبلدان الإسلامية، لما وجدناها أكثر ضرراً على المسلمين وعلى بلادهم من تناحرهم فيما بينهم، ومعاداة بعضهم لبعض، ومضادتهم مع أنفسهم، سواء كان هذا التناحر الذي ابتلوا به نتيجة القصور في الوعي، وغياب النظرة المستقبلية، أم كان نتيجة تحريض قوى خارجية، وتسويل شياطين الشرق والغرب، فإن كلا العاملين مذموم ومنفور، ينبغي التخلص منهما. ثم إنا إذا أمعنا النظر ثانياً في العولمة الاقتصادية لوجدنا الارتباط بين الاقتصاد المحلي المحدود الراكد، وبين الاقتصاد العالمي النامي المتحرك، وأنه لو طبق القوانين الإسلامية الاقتصادية لكان في صالح الجميع وأنه يعود عليهم بالخير والبركة، والحركة والنمو، حيث تطلع عليهم آفاق جديدة، وتنفتح لهم أسواق المشاركة، وتتوسع أمامهم أساليب العمل، وتتطور عندهم وسائل الإنتاج، وذلك لا يكون نتيجة لتوسع الطلب على قوى العمل، بل يكون نتيجة لتوفر المعلومات الحركية للسوق الدولية والعالمية، التي أقل ما ينتج عنها هو توفير فرص العمل لآلاف العمال، وترفيه حال آلاف العوائل والأفراد المرتبطين بأولئك العاملين. هذا ومن الواضح: إن أحداً لا يستطيع أن ينكر ما وفرته المعلومات الحركية للسوق من تكثير فرص العمل، فمثلاً صناعة أجهزة الراديو والتلفاز مثلاً، قد وفرت الآلاف من فرص العمل على أولئك الناس الذين يشتغلون حالياً في البرامج الإذاعية والتلفزيونية، من إعداد وإخراج، ومن تأليف وتصوير، ومن مراسلين ومذيعين، وغير ذلك، وعلى أولئك الذين يشتغلون في صيانة تلك الأجهزة الإلكترونية من آلاف المهندسين والتقنيين، وغير ذلك من الصناعات الجديدة والحديثة، إذن العولمة الاقتصادية توفر فرص العمل للكثيرين لكن بشرط أن توفر فيها الحريات الإسلامية.
============================ (1) سورة الحجرات: 13. (2) مستدرك الوسائل: ج8 ص450 ب88 ح9970. (3) راجع مجمع البيان، ج2 ص269، وفيه: إن النبي (ص) خط الخندق عام الأحزاب، وقطع لكل عشرة أربعين ذراعاً، فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي، وكان رجلا قوياً، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقال الأنصار: سلمان منا، فقال النبي(ص): (سلمان منا أهل البيت). قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحذيفة ونعمان بن مقرن المزني، وستة من الأنصار، في أربعين ذراعا، فحفرنا حتى إذا كنا بجب ذي ناب، أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة، كسرت حديدنا، وشقت علينا، فقلنا: يا سلمان! ارق إلى رسول الله (ص) وأخبره خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها، فان المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيه بأمره، فإنا لا نحب أن نجاوز خطه. قال: فرقى سلمان إلى رسول الله (ص) وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول الله، خرجت صخرة بيضاء مروة، من بطن الخندق، فكسرت حديدنا، وشقت علينا حتى ما يحتك فيها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمرك. فإنا لا نحب أن نجاوز خطك. قال: فهبط رسول الله (ص) مع سلمان الخندق، والتسعة على شفة الخندق، فأخذ رسول الله (ص) المعول من يد سلمان، فضربها به ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، حتى كان لكأنّ مصباحاً في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله (ص) تكبيرة فتح، وكبّر المسلمون، ثم ضربها رسول الله (ص) الثانية، فكسرها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، حتى كان لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبّر رسول الله (ص) تكبيرة فتح، وكبّر المسلمون، ثم ضربها رسول الله (ص) الثالثة، فكسرها فبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، حتى كان لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبّر رسول الله (ص) تكبيرة فتح، وكبّر المسلمون، وأخذ بيد سلمان ورقى. فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد رأيت شيئا ما رأيت منك قط. فالتفت رسول الله (ص) إلى القوم وقال: (رأيتم ما يقول سلمان؟). قالوا: نعم يا رسول الله. قال: (ضربت ضربتي الاولى، فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسرى، كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبرائيل إن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية، فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضربت ضربتي الثالثة أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل إن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا)، فاستبشر المسلمون، وقالوا: الحمد لله موعد صدق، وعدنا النصر بعد الحصر. فقال المنافقون: ألا تعجبون، يمنّيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق، ولا تستطيعون ان تبرزوا؟ فنزل القرآن: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) سورة الأحزاب: 12. وأنزل الله في هذه القصة: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير انك علي كل شيء قدير) سورة آل عمران: 26. (4) سورة التوبة: 33، سورة الفتح: 28، سورة الصف: 9. (5) سورة آل عمران: 85. (6) سورة سبأ: 28. (7) سورة الأنبياء: 107. (8) بحار الأنوار: ج16 ص115 ب6 ح44. (9) الكافي: ج2 ص169 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه ح1. (10) وسائل الشيعة: ج12 ص205 ب122 ح16097. (11) بحار الأنوار: ج71 ص242 ب15 ح41. (12) مستدرك الوسائل: ج9 ص39 ب105 ح10145. (13) الاختصاص: ص27. (14) الكافي: ج2 ص170 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه ح5. (15) بحار الأنوار: ج71 ص247 ب15 ح44. (16) وسائل الشيعة: ج12 ص207 ب122 ح16100. (17) مصادقة الإخوان: ص39-40 باب حقوق الإخوان بعضهم على بعض ح2. (18) الكافي: ج2 ص172 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه ح9. (19) وسائل الشيعة: ج9 ص428 ب27 ح12404. (20) بحار الأنوار: ج71 ص254 ب15 ح49. (21) الكافي: ج2 ص174 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه ح14. (22) وسائل الشيعة: ج12 ص203 ب122 ح16092. (23) بحار الأنوار: ج71 ص257 ب15 ح54. (24) الكافي: ج2 ص175 باب التراحم والتعاطف ح3. (25) سورة التكوير: 27. (26) سورة الفرقان: 1. (27) سورة الأنبياء: 107. (28) سورة سبأ: 28. (29) سورة يوسف: 104. (30) سورة آل عمران: 96. (31) سورة ص: 87 - 88. (32) سورة يس: 69 - 70. (33) سورة النحل: 89. (34) سورة الأنعام: 38. (35) الكافي: ج2 ص635 باب ما يجب من المعاشرة ح1. (36) وسائل الشيعة: ج12 ص5 ب1 ح15495. (37) وسائل الشيعة: ج12 ص6 ب1 ح15497. (38) الكافي: ج2 ص635 باب ما يجب من المعاشرة ح3. (39) وسائل الشيعة: ج12 ص5-6 ب1 ح16496. (40) الكافي: ج2 ص637 باب حسن المعاشرة ح1. (41) الكافي: ج2 ص637 باب حسن المعاشرة ح2. (42) بحار الأنوار: ج71 ص254 ب15 ح50. (43) الأريسين: جمع أريس، أي المزارع. (44) سورة آل عمران: 64. (45) سورة آل عمران: 64. (46) سورة آل عمران: 64. (47) سورة آل عمران: 64. (48) سورة النصر: 1- 3. (49) سورة المائدة: 3. (50) راجع مستدرك الوسائل: ج11 ص154 ب3 ح12664، بحار الأنوار: ج71 ص10 ب1 ح2، تحف العقول: ص255 رسالته (ع) المعروفة برسالة الحقوق. (51) نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (ع) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها. (52) إرشاد القلوب: ج1 ص37 ب5 في التخويف والترهيب. (53) مصباح الشريعة: ص40-41 ب18 في الورع. (54) سورة الحجرات: 13. (55) سورة الزمر: 17-18. (56) جامع الأخبار: ص101 ف58 في التزويج. (57) سورة الحديد: 21. (58) سورة آل عمران: 133. (59) سورة البقرة: 148، سورة المائدة: 48. (60) وسائل الشيعة: ج16 ص94 ب95 ح21073. (61) الكافي: ج2 ص455 باب محاسبة العمل ح12. (62) وسائل الشيعة: ج16 ص94 ب95 ح21072. (63) معاني الأخبار: ص342 باب معنى المغبون ح3. (64) بحار الأنوار: ج75 ص311 ب25 ح1. (65) الأمالي للطوسي: ص115 المجلس 4 ح176. (66) نهج البلاغة، قصار الحكم: 208. (67) مكارم الأخلاق: ص465 ب2 فصل 5 في وصية رسول الله (ص) لأبي ذر الغفاري. (68) وسائل الشيعة: ج16 ص98 ب96 ح21081. (69) سورة التوبة: 105. (70) سورة الإسراء: 20. (71) سورة الإسراء: 20. (72) سورة القصص: 5. (73) سورة الإسراء: 81. (74) سورة سبأ: 49. (75) سورة الأنبياء: 92. (76) سورة البقرة: 279. (77) سورة البقرة: 29. (78) سورة البقرة: 275. (79) سورة البقرة: 188. (80) سورة المعارج: 24-25 (81) سورة الحديد: 18 (وأقرَضوا)، سورة المزمل: 20 (وأقرِضوا) (82) بحار الأنوار: ج2 ص272 ب33 ح7 (83) غوالي اللآلي: ج1 ص222 ف9 ح98 (84) الكافي: ج5 ص279 باب في إحياء أرض الموات ح2 (85) مستدرك الوسائل: ج17 ص111 ب1 ح20905 (86) الضياع: العيال، انظر مجمع البحرين: ج4 ص367 مادة ضيع (87) تهذيب الأحكام: ج6 ص211 ب84 ح11 (88) مستدرك الوسائل: ج17 ص440 ب35 ح21804 (89) راجع مستدرك الوسائل: ج13 ص11 ب2 ح14581 (90) راجع مستدرك الوسائل: ج14 ص155-156 ب2 ح16359 (91) الكافي: ج5 ص510 باب إكرام الزوجة ح3 (92) وسائل الشيعة: ج20 ص169 ب88 ح25330، وسائل الشيعة: ج21 ص511 ب1 ح27718 (93) وسائل الشيعة: ج20 ص169 ب88 ح25330 (94) بحار الأنوار: ج76 ص268 ب103 ح4 (95) الكافي: ج5 ص511 باب حق المرأة على الزوج ح4 (96) وسائل الشيعة: ج20 ص170 ب88 ح25333 (97) الكافي: ج5 ص509 باب إكرام المرأة ح1 (98) من لا يحضره الفقيه : ج3 ص555 باب النوادر ح4909 (99) وسائل الشيعة : ج20 ص171 ب88 ح25340 (100) وسائل الشيعة : ج12 ص153 ب104 ح15928 (101) وسائل الشيعة : ج20 ص34 ب7 ح24958 (102) سورة الحجرات: 13 (103) سورة المائدة: 2 (104) سورة البقرة: 119، سورة سبأ: 28، سورة فاطر: 24 (105) سورة سبأ: 28 (106) سورة البقرة: 278-280 (107) سورة قريش: 2 (108) راجع كتاب (القواعد الفقهية) للإمام المؤلف (رحمه الله). (109) الإرشاد: ج1 ص303 ومن كلامه في وصف الإنسان. (110) سورة الأنفال: 60 (111) سورة طه: 114 (112) سورة فصلت: 53 (113) سورة النحل: 90 (114) سورة المؤمنون: 52 (115) سورة الحجرات: 13 (116) سورة الحجرات: 10 |