تحقــــــــــــقيق

التجمعات الثقافية..وسلطة التبني

علي عطوان

الثقافة فعل حركي.. وهي لذلك تسعى، دائما، لتفعيل ديمومة حركيتها باتخاذ كل ما يمكن ان يدعم هذا المسعى ويصيب فيه شكلا ومضمونا، محاولة لبسط حدود مساحتها المؤثرة، خصوصا اذا ما توفرت لها افاق من الحرية تؤمن بالغاء (تابوات) كانت تحكم انطلاقها وانفتاحها على الآخر.. لذا فهي تجد وتجتهد، في العمل على تعدد قنواتها الثقافية تلك، باستيلاد منظمات ومنتديات واتحادات وتجمعات ثقافية نوعية تضاف الى الكم النوعي الموجود اصلا. والثقافة العراقية، بعد ما تعرضت له وما طالها من التهميش والعبث والتسييس، ومحاولة تدجينها على يد سياسة النظام البائد، نزعت في سعي مخلص، الى ايجاد مثل هذه القنوات الثقافية الفاعلة، إذ انطلق المثقف العراقي لارساء دعائم التاسيس فقامت على يديه تجمعات ثقافية عديدة تشكلت في اطيافها مثل البيوتات الثقافية والاتحادات والتجمعات وغيرها. وهذا أمر بحد ذاته يعد شيئا كبيرا على مستوى الثقافة، غير أن مشكلة الثقافة هي انها في الغالب قطاع مستهلك، الأمر الذي يتطلب من هذه التجمعات الثقافية تمويلا كبيرا لغرض إستمرار انشطتها وعملها وتلك مسالة عسيرة ولاشك، ربما تؤدي الى خلل كبير في ادائها، وقد يسير بها ذلك إلى أن تتجه إلى مراكز تمويل معينة، تكون في نهاية الأمر خاضعة لهيمنتها غير المبررة، فلا يمكنها والحال هذه أن تتجاوز تلك العقبة لتحاور الآخر من خلال خطاب قد لاتؤمن به أساسا.

وهذا ما دفعنا الى أن نتوجه، إلى بعض رؤساء مثل هذه التجمعات الثقافية بأسئلة حول، كيفية قدرة هذه التجمعات على تجاوز سلطة التبني لمحاورة الاخر، وما هي مبررات قيام مثل تلك التجمعات، بالإضافة لإستطلاعنا آراء بعض المثقفين والأدباء حول ذلك الموضوع، فكانت الإجابات متنوعة ومختلفة.

فحول مبررات قيام مثل تلك التجمعات أجابوا:

ظهور هذه المنظمات بشكل عام، ظهور طبيعي

د. عبد جاسم الساعدي- رئيس جمعية الثقافة للجميع.

- ظهور هذه المنظمات بشكل عام، هو ظهور طبيعي فالبعض أراد أن يخدم المجتمع بصورة تطوعية ولذلك نجد المنظمات متنوعة، في الصحة في الثقافة في المراة في الطفل... وقد ازداد عددها بشكل كبير، ولكن وضعها في رأيي هو وضع راكد في محله لأنه يحتاج إلى عناية خاصة وإهتمام، وخصوصا في المهارات الأساسية في الإدارة والحاسبات والاتصالات، التي تكاد تكون مفقودة حتى من قبل الوزارات كالمجتمع المدني وحقوق الانسان، ولكن نأمل أن تنفتح هذه الجهات المسؤولة على المنظمات وأيضا تمنحها القوة والفاعلية في بنائها.

إنها ضرورة حضارية واجتماعية تفرضها عملية التقدم الفكري والثقافي والاجتماعي.

محمود شاكر محمود- نائب رئيس التجمع الثقافي في شارع المتنبي.

-   حقيقة مسألة مبررات قيام تلك التجمعات، مرتبطة بشكل أساسي بسقوط النظام نفسه، فسقوط النظام بتشخيصنا هو الاعلان الفعلي لتأسيس هذه التجمعات لاننا لو رجعنا الى تجربتنا السابقة، حتى في حياة النظام كانت هذه التجمعات موجودة ولكن على شكل نباتات أو تجمعات صغيرة في المقاهي العامة وغيرها لأننا نعتقد أنها ضرورة حضارية واجتماعية تفرضها عملية التقدم الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي للبلد.

المنتدى جاء كرد فعل للحصار الثقافي على المثقف العراقي والقمع الموجود.

علي المطيري- رئيس البيت الثقافي.

البيت الثقافي هو احد المنظمات غير الحكومية التي تهتم بالثقافة العراقية، والمنتدى جاء كرد فعل للحصار الثقافي على المثقف العراقي والقمع الموجود، والبيت يتميز بنهج خاض من حيث أن له نهجا يركز على المقموعين والمهمشين والمعنيين، أنا أعتقد أن المنظمات الحرة في المجتمعات الديمقراطية تطورت لدينا في العراق، حيث أن وزارة الثقافة ستلغى والمجتمع المدني يقوم بمهاما عن طرق مؤسساته، فالمجتمع العراقي مجتمع معسكر كحال المجتمع العربي.

هذه المؤسسات للخروج من صبغة ولون الحرب وخلق وسط ثقافي جديد

يوسف المحمداوي- رئيس المنتدى الثقافي الاسلامي.

إن مبررات قيام مثل هذه التجمعات حسب إعتقادي للخروج من المألوف الذي اصطبغ به الوسط الثقافي بصبغة ولون الحرب ولخلق وسط ثقافي جديد والمنتدى طرح برنامجا عمليا ابداعيا مخلصا للثقافة العراقية كما أعتقد أن قيام هذه التجمعات هو لخلق حالة من التوافق مع التغيير الحاصل في حياة الإنسان العراقي بشكل عام بعد إنهيار الصنم.

وعن سؤالنا حول خضوع الكثير من هذه التجمعات الثقافية، لسلطة التبني من قبل جهات معينة، و كيفية تجاوز تلك السلطة، لمحاورة الآخر، أجابوا:

على التجمعات الثقافية أن تتوفر على الإستقلالية الكاملة.

د. عبد جاسم الساعدي

نحن دائما نؤكد في جمعيتنا على الإستقلالية وعلى التجمعات، أن تتوفر على هذه الإستقلالية الكاملة حتى الإستقلالية المالية، كما إنها من المفروض أن تكون مستقلة ولا تخضع لشروط إذ هناك مخاوف جدية من هيمنة الأطراف الدولية على هذه المنظمات والتجمعات، ولهذا لابد من إيلاء هذا الأمر أهمية كبيرة بعدم تبعية هذه المنظمات إلى السلطة أو الى الاتجاهات السياسية أو الدينية وأن تكون مستقلة تعمل من أجل الإنسان من أجل المجتمع وتعالج مضاعفات النظام السابق.

سيكون النجاح مستقبل التجمعات المستقلة ذات الشخصية المتميزة الواضحة.

محمود شاكر محمود.

إن هذا السؤال جيد جدا، حقيقة لأن هذا باعتقادي أحد الأسس التي قامت عليها هذه التجمعات، فالذي نعرفه أن المجتمع العراقي مر بفترة مريرة وطويلة وترسخت فيه، من خلال تقاليد سلبية جدا في العلاقة وخصوصا بين الثقافة والسلطة، والثقافة والسياسة، وعلى الدوام كانت الثقافة عبارة عن إحدى ركائز السلطة، ونحن الأن بعد سقوط النظام والسلطة نعتقد أن واحدا من أشكال هذا السقوط هو فشل هذا النمط من العلاقة بين الثقافة والسياسة لذلك تجمعاتنا تسعى إلى إقامة علاقة متوازنة هي أن تكون السياسة، على العكس، تابعة للثقافة ومنقادة لها.. وليس العكس أن الأشكال السابقة وأنماط المثقفين السابقين الذين تربوا على تلك التقاليد بالتاكيد سوف يدافعون عن موقعهم وسوف ينشئون انماطا من التجمعات تكون إرادتها مرتهنة بارادة التيار الفلاني والاتجاه الفلاني، ونحن نعتقد أن هذه التحربة في طريقتها إلى الإخفاق، وسيكون النجاح مستقبل التجمعات المستقلة ذات الشخصية المتميزة الواضحة.

يجب ان لا يخضع التجمع الثقافي لسلطة معينة أو جهة معينة.

علي المطيري.

ان بيتنا العراقي هو منظمة غير حكومية كما أسلفت ويمول من قبلي بشكل خاص كما نعتمد على التبرعات لاعضائنا، إن التمويل موجود لدى مؤسسات المجتمع المدني ولكن نحن خارج هذا الاطار، لكي لانخضع لسلطة احد، فالبيت غير مؤدلج وغير خاضع لأي نهج فكري سوى العراق، ونحن لدينا طرحنا الفكري الذي يمثل العامة ولدينا أيضا تصور خاص عن المثقف ودوره فنحن ضد أن يكون التجمع الثقافي، أي تجمع، خاضع لسلطة معينة أو جهة معينة.

إن الذي يقول أن التجمعات غير مدعومة من جهة معينة هو واهم.

يوسف المحمداوي.

أعتقد أن الذي يقول أن التجمع الفلاني لا ينتمي أو غير مدعوم من جهة معينة فهو وأهم، لان من المستحيل ان تكتب وانت لا تملك قلما أو ورقة أو مصباحا تضيء به ليل كتاباتك.. أما كيفية تجاوز هذه السلطة أي سلطة التبني ومحاورة الآخر فنحن مخيرون بين أمرين إثنين: الأول أن تعود سياسة الثقافة الواحدة، التي عمل بها النظام السابق وهذا فيه ما فيه وعليه ما عليه، كما رأينا، والثاني احتيال مقنع نزاهة وتمسكن وطرق أبواب العديد من الجهات لضمان ديمومة العمل وبالتالي فان كلا الأمرين مسك ختامهما فشل مقنع بالنجاح ولذلك لايمكن تجاوز هذه السلطة والهيمنة..

وحول ما الذي يمكن تضيفه هذه التجمعات الثقافية إلى الثقافة بشكل عام، كانت الإجابات:

أعتقد إنها تضيف أشياء كثيرة جدا..

د. عبد جاسم الساعدي.

أعتقد انها تضيف أشياء كثيرة وكبيرة جدا فاولا إنها تفعل الحركة وتفعل الحيوية وتنشط العلاقات مع المنظمات والتجمعات الأخرى، لأن العراقيين خرجوا من ظلمة وسجن ومن كهوف، فلهذا لابد من إستخدام الحوار وإستخدام الكلمة والإعتراف بالآخر، إنها ستضيف إذا كانت لديها برامج ثقافية وفنية صحيحة، والأمر يحتاج إلى وقت وإلى الكثير من الجلسات والندوات وعلى صعيد جمعيتنا قمنا باصدار مجلة (السؤال) ونحن بصدد العدد الثالث منها وهي تعني أساسا بمنظمات المجتمع المدني وثقافة الإنسان في الحوار والحرية.

إن مجرد عملية التجمع وبلورة وجهات نظر، هي بحد ذاتها خطوة كبيرة...

محمود شاكر محمود.

ماقدمته هذه التجمعات من شيء جديد، أرى أنه يجب علينا ونحن نطرح هذا السؤال أن نقرر أن الفترة التي اتيح فيها العمل لهذه التجمعات هي فترة مازالت قصيرة، وغي قابلة للحكم عليها أولا، وثانيا حتى هذه الفترة القصيرة كانت مشبعة بروح التمزق الأمني والنشاط الإرهابي وعملية التفكك المريرة للنظام السابق، وفي مثل هذه الظروف لايمكن الحكم على النشاط الثقافي، غير اننا نعتقد ان مجرد عملية التجمع وبلورة وجهات نظر محددة يتفق عليها أشخاص معينون، كرؤيا مشتركة للثقافة العراقية ودورها ومستقبلها هي بحد ذاتها خطوة كبيرة للأمام..

البعض من التجمعات لسد العوز النفسي المليء بالاحباط نتيجة التهميش..

يوسف المحمداوي.

في نظري أن بعض هذه التجمعات تأسس لسد العوز النفسي المليء بلاحباط نتيجة التغيب والتهميش، وبعضها الآخر لغرض الإبتزاز أو الإستفادة المادية بأسم الثقافة والدليل هناك أكثر من ثلاثين مؤسسة ثقافية وهمية تحت عنوان منظمات المجتمع المدني وعلى صعيد المنتدى الثقافي الاسلامي فقد أقمنا مهرجانا وندوات فكرية وبرامج ثقافية كثيرة.

وقد رأينا كذلك ان نستطلع اراء بعض المثقفين والادباء حول ظاهرة التبني الثقافي تك ولغرض اضاءة جوانب اخرى منها فيما اضافته للثقافة:

د. علي عبد الامير- روائي ومترجم.

إن ظهور مؤسسات ثقافية وفنية وأدبية خارج المؤسسات الرسمية أمر ضروري لأجل إشاعة روح الحوار وإشاعة ثقافة متعددة الأطياف لأن زمن الثقافة ذات الوجه الواحد قد ولى إلى الأبد، وأرى من الضروري إقامة مثل هذه التجمعات والمؤسسات الثقافية التي تساعد على إغناء وإثراء الحركة الفنية والأدبية والثقافية في كافة أبعادها وأعتقد أنها ظاهرة صحية سبقتنا إليها دول عديدة في العالم العربي والاوربي وغيرهم في ما يخص سلطة التبني أعتقد أن هذا يعتمد بشكل أساسي على هذه النخبة التي تترأس هذه التجمعات دون الوقوع في فخ الانصياع والخضوع للاخر في تواجهاته الفكرية والسياسية ومن الضروري أن يبقى العراقي عراقيا وان نشيع لغة الحوار من دون أن ندع فكرة معينة أو حزب معين يبتلع هذه المؤسسة او يرغمها على تبني توجهاتها الفكرية التي تجر المرء ليتخلى عن قناعاته.

- رسمية محيبس- شاعرة.

إن ظهور هذه التجمعات ظاهة صحية لأنها تستوعب الأدباء وطروحاتهم وإختلاف وجهات نظرهم ولكن هي إلى الأن لم تستوعب المشهد الثقافي كله الأن، لأنها مقتصرة على جماعات معينة، وذلك راجع إلى عدم إستتباب الأمن والوضع السياسي الذي سيؤثر تأثيرا كبيرا على إنتشارها وفاعليتها ودورها الحقيقي، كما أن خضوع هذه التجمعات لجهة معينة ظاهرة غير صحيحةوعلى المؤسسات الاعلامية والثقافية ان تتبنى هذه التجمعات لكي لا تلجأ إلى جهات أخرى تسيطر عليها.

 رشيد هارون- ناقد.

إن هذه التجمعات شأنها شأن الصحف الثقافية تتجمع وتكتب في الصحافة والصحافة لم تتغير فالمثقف العراقي الان قلق ومخرب أعتقد أن ليس هناك جدوى من هذه التجمعات أصلا لأن التجمعات تخرج تلقائيا وليس هناك رغبة داخلية في إخراج هذه التجمعات بل هناك رغبة خارجية رغبة الناشرين والتجار فلا أعتقد أن هناك جدوى لظهورها سوى إنها تنضم الى مؤسسات المجتمع المدني والحصول على مكاسب هي ليست أدبية ولا ثقافية في حقيقة الأمر.

فائز الشرع- ناقد وشاعر.

ظاهرة التجمعات الثقافية ليست وليدة الوضع الذي تمخض عن سقوط النظام بل كانت سابقا شكل صالونات ادبية خاصة ولكنها تتخذ طابعا اجتماعيا اكثر مما هو ثقافي، وبعد سقوط النظام برزت الكثير من التجمعات والروابط والاسباب شتى ربما لابراز اكبر قدر ممكن من الطاقات ولكني اشعر انها لم تقدم مشهدا مكتملا؟، بحيث اسيغت على الواقع الثقافي نوعا من التشظي، اما سلطة التبني فهذا قيد اخر يضاف الى هذه التجمعات لعاملين اساسيين:

1- يخص بعض الايديولوجيات لتمرير مصالحها وكأن يكون حزبا أو منظمة.

2- عامل إجتماعي فبعض الشخصيات تحاول البروز من خلال دور ثقافي أو شأن ثقافي لتمرير مصالحها.. والعامل الثاني يمكن إستثماره إستثمارا جيدا، عندما لاتعرض هذه الشخصية سلطتها أو سطوتها على الفعل الثقافي، بل تشارك بفعلها كظاهرة صحية أما أن تسبغ على نفسها بعدا ثقافيا لاتمتلكه فهذا غير ممكن وسلبي جدا.

جمال جاسم أمين- ناقد وشاعر.

بعد سقوط النظام ظهر شيء نعرفه هو الإنفجار الإعلامي، وكذلك حصل الإنفجار الثقافي ولذلك إضطرت فترة التهميش والتغييب التي عانى منها المثقف العراقي إلى فتح مراكز ثقافية أو روابط أو جمعيات، هي أولا للتعبير عن كبت سياسي حيث وجد المثقف نفسه ذا فعالية لأن يهتم بهذا الدور.

المشكلة أن هذا الانفجار الثقافي أحيانا يوحي بأنه لاينتمي للثقافة الا بشكلها التنظيمي لابصفتها ثقافة معبرة، أنا شخصيا أشجع الروابط الثقافية الجماعية بشرط أن يكون هناك محتوى أما الروابط الطارئة والتي تكون بدون محتوى مستغلة الغياب السياسي والغياب الاعلإمي والفراغ الثقافي فلن تجد لها إلا مكانا هشا يزول عندما يخرج المثقفون الحقيقيون لممارسة دورهم، وفي ما يخص التبني فأن المشكلة هي أن الثقافة لاتمول فليس هناك مثقف ينشئ تجمعا ويجد من يموله لذلك فالثقافة التي تمول تشير بوصلتها بإتجاه أجندة الممول.

وهذا مرض يضاف إلى أمراض الثقافة السابقة، إذن علينا أن نبحث عن تمويل للثقافة لا من جهة اهتمامها وهذه مسألة في غاية الصعوبة وعلى وزارة الثقافة وإتحاد الادباء أن يجدا مخرجاً مناسبا لهذه المشكلة.