|
||||
ردك على هذا الموضوع | ||||
البنية الفكرية والدينية للإرهاب |
||||
الشيخ علي عبد الحسين كمونة* | ||||
إن العمليات الإرهابية التي يتعرض لها عراقنا يوميا والتي تسفر عن قتل العشرات من المدنيين الأبرياء تدفعنا للوقوف والتأمل في مسألة الإرهاب والتفكير فيها وبحث كل جوانبها وحيثياتها لاسيما وان هذه الظاهرة الخطرة قد احتلت اليوم مركز الصدارة في تعاطينا السياسي والإعلامي والشعبي، ولا غرابة في أن نكون متحمسين أكثر من ذي قبل لمراجعة هذه المسألة التي تحولت أيضا إلى مصدر جديد من مصادر التهديد لأمننا السياسي والإداري والسيكولوجي، الذي نحلم بان ننعم به في عراقنا الجديد. ومن البداية علينا الإشارة إلى أن مسألة الإرهاب باتت مسالة خطيرة ومعولمة أو ذات أبعاد عالمية بحيث تستحق التناول والدراسة في جوانب عديدة لم نهتم بها كثيرا من قبل في أوساطنا الثقافية أو لم نولها الاهتمام المطلوب، كما علينا أيضا رصد أبعادها وتجلياتها المختلفة ذلك لان هذه المسألة، أي الإرهاب، وبقدر تجسيده العيني والفيزيقي لنفسه على ارض الواقع وعن طريق عمليات وممارسات مختلفة ترهب الإنسان وتقتل الحياة، يعتبر أيضا حدثا معقدا بحاجة إلى التنظير والتفكير فيه خصوصا عندما نبتغي كشف وتعرية أسسه الفكرية و الدينية وعناصره المؤدلجة، التي تتسلح بها وتعتمد عليها الجماعات والأطراف الواقفة وراء العمليات والأفعال الإرهابية. وانطلاقا من هذه المسألة فنحن هنا لسنا بصدد تعريف الإرهاب، لأنه معلوم تماما لدى الجميع بأنه لعبة مخيفة ودموية وقاتلة تهدد الحياة وتخرق حقوق الإنسان في العيش وتقضي على السلام والأمان في أية مساحة وقعت أو على ارض أي مجتمع جربت، لذلك يجب التركيز فقط على الأسباب والعوامل الفكرية والدينية التي تشجع الإرهاب وتجعله أسلوبا من الأساليب الممارسة في تأجيج وتوجيه الصراعات الإيديولوجية أو تشديد وتصعيد النزاعات السياسية والسلطوية أو الدينية والطائفية وهذا يعني أن علينا أن نبحث في مصادر تكون العقيدة الاجتماعية لدى الإنسان والمجتمعات المعنية سعيا لتفكيكها أو بحثا عن إيجاد العناصر التي قد تكون مسؤولة فيها أكثر من غيرها عن ولادة وبلورة الإرهاب. ولأن بحثنا هنا عن الإرهاب يأتي تحديدا في سياق الوقوف على البنى الفكرية والدينية التي تغذي الإرهاب وتسوغه لاسيما العمليات الإرهابية التي تمارسها الحركات والجماعات الإسلامية الأصولية المتطرفة في عالمنا وبصورة خاصة في المناطق الشيعية، لذلك سنركز هنا على علاقة الدين غير المباشرة أو الأديان عموما بالإرهاب، وهناك طبعا سبب آخر اعتبره ثانويا يقف وراء تركيزنا هذا على هذه المسألة، وهو وضعيتنا المعرفية المتردية في فهم الوجود المختلف للأشياء والحقائق المتعلقة بالإرهاب، إذ ثمة مناقشات وسجالات كثيرة اليوم نسمع عنها أو نتابعها في أوساطنا الثقافية والسياسية أو في وسائطنا الإعلامية حول مدى علاقة الدين الإسلامي، مثلا، بظاهرة الإرهاب دون أن نلاحظ في الكثير منها أي احترام أو التزام حقيقي بالحد الأدنى من الموضوعية أو الرؤية العلمية والمنطقية للأشياء والاسوأ من كل ذلك، هو إثارتنا لكل تلك المناقشات و الحوارات بطريقة سطحية وأحيانا سوقية أو بمنطق كلامي اصطلاحي فارغ من المعنى إضافة إلى أنها لا تمت بصلة من حيث النظرة المعرفية للأمور ومنطق المقاربة الفكرية بقراءة الإرهاب وأبعاده أو كشف عناصر وخيوط علاقة الدين غير المباشر به. ولهذا السبب ارتأينا أن نناقش الموضوع من خلال الإشارة إلى خطوط عامة من حقائق غير مفكر فيها، أو الممتنعة عن التفكير على حد تعبير الباحث علي حرب التي هي في النهاية حقائق كبيرة ليست إلا من نتاج رأسمالنا الرمزي و الديني وعناوينه وخطاباته الرئيسية. وأولى هذه الخطوط هي: أن نعترف بتركيبة جميع الأديان السماوية والتي تتجسد من جهة في رجوع كل دين إلى مرجعيته النصية المتمثلة في الكتاب الذي عادة ما نسميه كتاب الله أو الكتاب المقدس الذي يحمل كلمات الله للبشرية، ومن جهة أخرى في تبعية كل دين لأحاديث الأنبياء والرسل والتي هي بمثابة ترجمة لما يمليه الله على المؤمنين، هذا فضلا عن تسلح كل دين وتحوله إلى حامل لرسالة أو خطاب عبر التشريعات الدينية أو الأحكام الفقهية و المنظومات الأخلاقية المستندة على القيم والمعايير الدينية، ولاشك أن هذه التركيبة للأديان السماوية والتي تتجسد في كل ما أسلفناه هي تركيبة حاضرة وكامنة في كل دين، حيث تتساوى جميع الأديان السماوية من هذه الناحية ولا تختلف عن بعضها البعض في أي شيء إلا في بعض الأوجه التي تتعلق بطبيعة الكتاب المنزل أو الجهات المخاطبة فيه أو زمن تنزيل الكتاب أو بعض من الدعوات الدينية الأخرى التي تجعل الأديان السماوية مختلفة عن بعضها البعض في أمور ثانوية جدا ولكن الأهم دائما في هذا المضمار هو انه مهما كانت الاختلافات ظاهرة للعيان أو معطية لكل دين هويته أو خصوصيته فهي لا تلغي في أخر الأمر الحقائق الرئيسية التي تشكل بالنسبة للأديان السماوية نقاطا للالتقاء التي تتمثل، قبل كل شيء، في إنتاج كل دين في أخر المطاف للشيء الذي نطلق عليه عبارة (المقدس) وهذه العبارة أو بالأحرى فكرة التقديس هذه أو إحدى احتمالاتها، هي أن تنتج للإنسان فكرة أخرى تتمثل اليوم، كما تشهد على ذلك الحقائق الدامغة على ارض الواقع في التعاطي مع العالم والأشياء بمنطق رهيب هو بكلمة منطق الخير و الشر أو المؤمن والملحد أو أهل الدين وأهل الكفر، وهذا ما يعتبر بحد ذاته تفريغا لقيمة الذات ومعنى الإنسانية أو ربما تبريرا لمحو الإنسان من الوجود، فالناطق باسم الواجبات المقدسة هو عادة من يعد نفسه أيضا الحارس على قيم الخير والشر والساهر على حمايتها دون أن يولي معرفيا وفكريا أي اهتمام حقيقي بواقع الكلمات التي يروج لها أو يعسكر ورائها، بعبارة أخرى، انه ينظر إلى قيمة الإنسان من خلال نظرته المغلقة للعالم و الأشياء أو من خلال اختزاله الساذج للأمور عبر تأويلاته الفقيرة وتفسيراته القاصرة للنصوص و فهمه الخاطئ للخطابات الدينية، معتبرا نفسه مساندا للدين ومسنودا بنصوصه المقدسة وهذا هو سر الإرهاب أو مصدره الرئيسي، فالإرهابي هو في آخر الأمر ليس إلا ذلك الكائن الذي يأتي ليقول لنا: أنا ممثل الله على الأرض أو المراقب والمحقق في تجسيد الخير والشر على هذا الكوكب، وما افعله وأمارسه من خراب ودمار وقتل بحقكم، إنما هو عبارة عن أدائي لواجب، ما هو إلا واجب مقدس. بمعنى آخر يمكن القول أن الإرهابي لا يطبق ما يشرعه الدين أو تتطلبه كلمات إشكالية الطابع ككلمات الخير و الشر، وإنما هو يصب جام حقده وغضبه القاتل والمرهب على الإنسان والمجتمع والعالم، وذلك تحت ذريعة التمسك بالخير أو مواجهة الشر على حد مفاهيمه المغلقة، انه يبحث عن سند متعال أو خلق سند مقدس يحجب به ما يدور في خلده وفكره الظلامي في التعامل مع الدنيا أو تجاه العالم، ويغطي به أيضا على أفعاله وممارساته الهمجية إزاء كل من لا يوافقه فكريا وعقائديا في تصوره بأنه هو للإنسان والمجتمع والعالم. فالإرهابي يفشل دائما في إيجاد لغة أخرى لإثبات وجوده أو للتعاطي مع الوجود والذات والآخر، لأنه يفتقر إلى اللغة أصلا، كما أنه لا يؤمن بالاختلاف في وجهات النظر، أو الاختلاف في تفسير الخير والشر، أو في تفسير الكون والطبيعة والعالم، لأنه أحادي الرؤية للأشياء أو اصطفائي التفكير في العالم أو عدواني المنطق في التقييم، لذا نلاحظ انه سرعان ما يلجأ إلى خياره المفضل المتمثل بالإرهاب والعمليات الإرهابية التي تستهدف في الكثير من الأحيان أناسا أبرياء لا دخل لهم في الصراعات السياسية والإيديولوجية أو العقائدية كما يشهد على ذلك قتل المئات من المدنيين الأمنيين في مناطق مختلفة من العالم وذلك من قبل الحركات الأصولية والجماعات الإرهابية الإسلامية في العمليات الانتحارية التي نفذتها. ويعتمد الإرهاب لتبرير بربريته وهمجيته إزاء الإنسان، كما انه يعيد إلى ذاكرتنا وأذهاننا أيضا هذا النموذج، مدى التماثل والتقابل في النماذج الإرهابية ذات الطابع الديني أو التي تتخذ من الدين مرجعا أساسيا وملهما لها واعني هنا نموذج إرهاب النظام السابق في العراق والمعروف بالإرهاب البعثي الذي كان يمارسه في العراق ضمن سياسات شوفينية وإجراءات قمعية وإعدامات سرية وعلنية أو عن طريق القتل الجماعي بالأسلحة المتطورة والمحظورة، وقد كان النظام البعثي غالبا ما يمارس كل تلك النماذج المتعددة والمختلفة من الإرهاب والممارسات الإرهابية تحت شعارات دينية أو تسميات إسلامية فضلا عن تشبث البعث في السنوات الأخيرة بنظام سيمولوجي ديني شامل لترميز سياساته وخطاباته أو سلطته المتمركزة في الحزب والدولة بالرموز والإشارات الدينية البحتة، فالنظام البعثي المخلوع كان ينوي من وراء هذا الحجاب الديني تسويغ ما يمكن تسويغه من السياسات القمعية والممارسات الإرهابية التي اتبعها بحق الشعب العراقي من اجل بقائه على سدة الحكم ومواصلة سيطرته المطلقة على البلاد، لكنه في آخر المطاف فشل كليا في تحقيق تواصل لهذا الهدف السلطوي أو الوصول إلى غاياته الشوفينية والعنصرية لا لشيء إلا لأنه كان يتلاعب بكل ما هو ديني. *الأمين العام لمجلس أهالي مدينة كربلاء المقدسة |
||||
|
||||
|