|
||||
ردك على هذا الموضوع | ||||
الإسلام والإرهاب |
||||
د. خليل الربيعي | ||||
لم يرد مصطلح الإرهاب في القرآن الكريم، وإنما وردت لفظة (الرهبة) من خلال مشتقاتها، ولكن ليست ذات دلالة اصطلاحية تترادف مع المصطلح الشائع الآن، وإنما لها دلالة اصطلاحية لما يطلق عليه في الاستراتيجية (الردع) الذي يعني تخويف الطرف الآخر عن طريق خلق شعور لديه بأن مخاطر الإقدام على عمل يضر مصلحة الآخر أكبر بكثير مما قد يجنيه جراء الإقدام على تنفيذ خطته. وإذا أدركنا أن مصطلح الإرهاب ينصرف إلى استخدام أو التهديد باستخدام القوة (غير المشروعة) ضد أبرياء (مدنيين) لتحقيق أهداف سياسية تتعدى دائرة الفعل المباشر لتشمل أطرافاً أخر، فإن الإسلام يرفض هذا النمط من التعامل سواء أكان على مستوى الفرد أم على مستوى الأمة والأمم الأخرى، انطلاقاً من مبادئ أساسية مهمة منها اختصاص العقوبة بالفاعل وعدم جواز تعديها للآخر، ولعل قوله تعالى (ولاتزِرُ وازرة وزِر أخرى) (فاطر/18) خير تأكيد على ذلك، وأن السلم مقدم على الحرب في العلاقة مع الآخر. ومع هذه الحقيقة، فإن الفكر الإسلامي (باعتباره قراءة بشرية للمعطى الإلهي)، والذي يخضع لعوامل ذاتية وأخرى موضوعية، يحمل في داخله الفكر الإرهابي (إذا صح التعبير)، على الأقل في بعض القراءات الشاذة، لا سيما الفكر التكفيري الذي ارتبط بالخوارج في الفترة الأولى من فترات الإسلام، ولكنه تحول فيما بعد إلى عناوين تطلق على حركات سياسية ودينية على مر الزمان، حتى أننا نجد من يطلق هذا العنوان على الحركات السلفية التكفيرية في هذا الزمان. وساهمت عوامل دولية ومحلية (إسلامية) لإبراز الإسلام بصورة الدين الإرهابي، يمكن أجمالها بالآتي: أولاً: الدوافع الدولية. ارتبط ظهور الإرهاب الإسلامي- على الأقل- في صورته الإعلامية الغربية بمرحلة انهيار القطبية الثنائية، وسعي الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب ترتبط بطبيعة الحضارة الأمريكية إلى خلق بديل يعيد العالم إلى الثنائية (ولكن ليست القطبية التنافسية)، وإنما إلى القطبية التصارعية، ولم يعد أمام الولايات المتحدة من بديل سوى الإسلام ليس كدين وإنما كممارسات وأفكار إسلامية، مع إدراك الولايات المتحدة بأن واقع الإسلام والمسلمين لا يقوى على هذه المواجهة في ظل التفوق العلمي والعسكري بين الطرفين. وتعود عملية الاختيار لأسباب منها عالمية المشروع الإسلامي (والدين يقف بالضد على الأقل من الناحية الفكرية والنفسية من العولمة الأمريكية)، في حين أن باقي التيارات الفكرية لا تتصف بهذه الصفة، فضلاً عن أن الواقع يؤكد الوجود الإسلامي في أغلب مناطق العالم وتحديداً في المناطق ذات القيمة الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية. ومع وجود تيارات ساهمت بشكل أو بآخر على تشجيع أمريكا على السير قدماً في مشروع استبدال الخطر الأحمر بالخطر الأخضر، وربما من بينها التيارات التي تعاملت بـ(دعوى التقاء المصالح) مع الاستخبارات الأمريكية وتلقت دعماً إعلامياً ولوجستياً واستخباراتياً منها في مدة الصراع مع الوجود السوفيتي في أفغانستان، فإن المساحة الأوسع من التيارات الإسلامية تتخذ موقف الرفض لأي موقف أمريكي. وربما الذي ساعد على هذا الاختيار هو استحضار الإرث التاريخي التصارعي للعلاقة ما بين الطرفين، وما لهذا الاستحضار من إسقاطات على ذهنية المخطط الأمريكي والاستراتيجي، والتي تكشف عدم رغبة الطرفين تجاوز هذا الإرث أو استبداله بالنمط التعاوني في تحقيق مصالح الإنسانية، وربما تكون الدراسات التي أعطت للإسلام هذه المكانة في الرؤية الاستراتيجية الأمريكية المستقبلية تنطلق من ذاك الإرث ممزوجاً بالتاريخ الظلامي للعلاقة المعاصرة بين الطرفين. وإذا كانت الولايات المتحدة- وبحكم فلسفتها للحياة- فتشت عن بديل يحرك فيها دوافع التأهب والاستعداد لصراع مستقبلي، فإن الفكر الإسلامي في زوايا منه وفرّ لها الفرصة الذهبية التي ساهمت في عملية الاختيار، رغم أن الإرهاب ظاهرة عالمية وغير مقترنة بالدين الإسلامي أو بالمسلمين ومنطقتهم، وهو أمر نود توضيحه في الفقرة اللاحقة. ثانياً: محفزات وصف الإسلام بالإرهاب (من الناحية الإسلامية) كما قررنا سابقاً أن الإسلام كدين يرفض الإرهاب، بل ويرفض استخدام القوة لمبررات تبشيرية، بل جعل إرادة الإنسان هي الفيصل في قبوله وعدمه (لا أكراه في الدين)، ولم يرتب أثراً حول حق الحياة في حالة الرفض إلا في الحالات التي يشكل فيها وجود الرافض خطراً على حياة المجموع أو انتهاك لحق الحياة لدى الآخر، وهي المعبر عنها قرآنياً بقتل النفس بدون وجه حق والإفساد في الأرض ولكن خطاب بعض التيارات الإسلامية حافل بعناوين الكراهية والحقد على الآخر، بل ورفض كل ما هو غير إسلامي، حتى العلم، أو نجد بعضهم يدعو إلى أمية الأمة الإسلامية بدعوى أن المدارس الحالية تدرس علوم غربية وتخربّ عقل الناشئة. إن توفر ثقافة الحقد والكراهية وأحياناً إلغاء الأخر (فكرياً ودينياً) مع وجود بيئة ساذجة تموج فيها الخرافات والأساطير وتعتمد على منهج النص دون إعمال للعقل فيه، ساهمت على خلق أو زيادة مساحة الفئة المعارضة للغرب في الإسلام، من خلال استغلال مواقف سياسية معينة للحكومات الأمريكية (كالصراع العربي- الصهيوني) واحتلال أفغانستان وما تلاه من احتلال العراق، في حين نجد أنها تقف موقف الرضا وتلهج بالحمد والثناء لأنظمة حكم متعفنة، أذاقت شعوبها الويل وهي سبب في تخلفها كما هو الحال في الموقف من نظام المجرم صدام حسين، والموقف الحالي إذ تتحالف قوى الظلام التكفيرية مع بقايا النظام في إشاعته الفوضى والرعب في العراق، دون أن تمتد أفعالها لتشمل قوات الاحتلال إلا نادراً. ولم يقتصر الأمر على الموقف السياسي، بل نجد أن الثقافة الإسلامية (عند بعض التيارات) تحاول جاهدة عزل أتباعها من خلال اعتماد مبدأ (عدم التشبه بالكفار)، بالرغم من أن هذا المبدأ حتى لو افترضناه صحيحاً لا يتصف بالإطلاق الموضوعي وربما الإطلاق الزماني، إذ نجد هذه التيارات تضع عصارة أفكارها الساذجة لتحرّض على أعياد اليهود والنصارى تحت عناوين تثير العامة من المسلمين كحرمة التشبه بأعياد المشركين، في حين أن الأمر يرتبط بطريقة إظهار علاقتهم مع زمان يختزن ذاكرتهم دروساً وعِبراً، ويلهم الحاضر تلك الدروس والعبر. كما أن ما يتصف به قطاع واسع من الإسلاميين هو بساطة التفكير السياسي وغياب عناصر التحليل لموقف الآخر، إذ في الوقت الذي تسعى الولايات المتحدة جاهدة لجعل الإسلام خطراً على البشرية، على الأقل في أذهان ساسة الغرب، قدّم هذا التيار ما يساعدها على ترسيخ هذا الأمر لدى أتباعها من خلال اقدام هذا التيار على جملة من العمليات الإرهابية ضد مصالح وأهداف دول غربية وفي مناطق ليست غربية كمهاجمة سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا ومهاجمة المدمرة كول في سواحل اليمن، وجاءت أحداث أيلول2001 لتخلق حالة من (الإسلاموفوبيا) لدى الغربيين إذ دفعت هذه الأحداث الشعوب إلى الاصطفاف وراء مقولة الخطر الإسلامي. وبين الحين والآخر تسمع تهديدات تصدر من هذه الجهة (الإسلامية) أو تلك لهذه الدولة الأوربية(رغم قناعتنا أنها لا تمتلك المصداقية في التنفيذ) ولا سيما بعد سعي الغرب للقضاء على الخلايا الناشطة لهذه المنظمات ومحاصرة الخلايا النائمة، إلا أن من شأن مثل هذه التهديدات أن تعزز القناعة بأن ما ذكره هنتنغتون يمثل حقيقة (على الأقل ما يرتبط منها بالصراع الإسلامي- الغربي). وفي الوقت الذي كان على تلك الحركات أن تعيد النظر في تفكيرها وممارساتها لتحصر المواجهة بينها وبين أمريكا (حكومة) فقط نجدها تمعن في تقديم الأدلة على إرهابية الإسلام، من خلال خطف الرهائن الأوربيين والآسيويين واعتماد أساليب في القتل يشمئز منها المسلم قبل غيره، بدعوى اخافة العدو، لتعزيز القناعة لدى الآخر بضرورة محاربة هذا التيار لإنقاذ المسلمين أولاً منه وخلق سياج أمني لأوربا وأمريكا يصد أمواج التخلف القادمة إليهم من هذا التيار. وزيادة على هذا، فإن التيارات ارتقت باستراتيجيتها من الإطار الوطني والقومي إلى الإطار العالمي، إذ أصبح العالم ساحة لنشاطاتها الإرهابية، الأمر الذي تطلب (على الأقل من وجهة النظر الأخرى) التحالف لمواجهته، وهو أمر ساهم في تعزيز اعتبار الإسلام مصدر خطر على البشرية في قادم زمانها، كما ساهم في خلق ما يسمى بـ(التقنين الدولي) لمعالجة مشكلة الإرهاب من خلال دخول الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية في مواجهة خطر الإرهاب الإسلامي وفق صياغة قرارات دولية لها طابع الإلزام. كما أن وجود الأقليات المسلمة في أوربا وأمريكا ساهم في دعم التوجه الإسلامي العالمي لمواجهة الآخر في عقر داره، إذ إن أغلب مَنْ خطط ونفذ أحداث أيلول كانوا من المسلمين المتواجدين في أوربا وأمريكا وهو أمر يعكس شيوع ثقافة قيمية تتعارض مع قيم الإسلام التي تدعو إلى مجازاة الإحسان بالإحسان وليس بالإساءة، فهم يطالبون الآخر بالالتزام بمبادئ حقوق الإنسان واحترام خيارات الشعوب، وهم يتجاوزن هذه الخيارات في ما يرتبط الأمر بالعالم الآخر، بدعوى صليبيته وعدم أهليته للبقاء ما لم يتحول إلى الإسلام. ولعل ثقافة (دار الحرب ودار السلام) التي لازالت تهيمن على الوسط الفكري والإسلامي تعكس لنا مدى الثنائية في التقسيم والذي يتجاهل رؤية الإسلام للآخر، إذ أن هؤلاء يحصرون الحرب بالآخر مهما كان موقفه من الإسلام، فضلاً عن أن الرؤية الإسلامية المعاصرة ينبغي لها أن تتحرك في ضوء معطيات الواقع الدولي المعاصر، ولا تكون أسيرة الاستقطاب الفكري السابق. وأخيراً مثلما سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيجاد بديل عن الاتحاد السوفيتي المنحل، فإن بعض التيارات الإسلامية هي الأخرى وجدت عدواً لها ينطلق من اعتبارات دينية ومن قراءات غير واعية لمجمل موضوع العلاقة مع أهل الكتاب، تمثل هذا العدو المزدوج بـ(الصليبية والصهيونية) وشكلوا تحالفاً فيما بينهم سمي بـ(الجبهة العالمية لجهاد اليهود والصهيونية) التي تشكلت من منظمات (جهادية) إسلامية تتباين في رؤيتها لأولويات العدو (الداخل أم الخارج)، ولكن يبدو أن ابن لادن استطاع أن يغير من هذه الأولويات ليجعلها تصب في اتجاه تقديم الخارج على الداخل، ومثل هذا الإجراء ساعد على الاستقطاب الدولي على الأقل في إطار رؤية الآخر، في حين أن هذه الجبهة لا تمتلك من مقومات البقاء فضلاً عن التنفيذ الكثير. |
||||
|
||||
|