|
||||
الإرهاب والإرهاب في العراق |
||||
أ.د. متعب مناف | ||||
يعرف الإرهاب قاموسياً (fair child p.319) بأنه تكنيك (وسيلة) تحاول عن طريقها الجماعات المعزولة اجتماعياً البحث عن قوتها والدفاع عن محاولتها للتسلط. وتتحقق هذه الوسيلة، الإرهاب (Terror) عن طريق العنف (Violence) أو التهديد بالعنف ثم بالإكراه والسريّة والاختطاف لسحق الخصوم الأقوياء وخنق معارضاتهم في الوقت الذي يجري فيه تخويف (Intimidate) اكبر عدد من الناس، وهو وسيلة عالية من وسائل الضغط الاجتماعي. لذا فالإرهاب وسيلة (Technique) وبذلك تكون هناك غايات لابد من أن يسعى إليها، ويمكن أن تصبغَ الغايات لتبدو مقبولة كما في الشعار الذي رفع لتبرير تسلط الدولة التي قرنت بين وجودها ووجود (الأمة)، لذا فقد تم بناء معادلة تخويف قَبِلها التاريخ لأن غاياتها مبررة هي: إن في تلك الوسيلة صلاح الأمة! فأي أمة يكون صلاحها بقتل أبنائها بغية إضعاف معارضتهم ومقاومتهم لسلطة الدولة أي تحقيق أمن الدولة عن طريق تحويل أفراد شعبها إلى رعايا مما يكرس قمعها لهم ويبرر التخلص ممن يقف ضدها، بأن في قتلهم صلاح الأمة (السلطة). والتاريخ يصف فترات تم فيها تبييض الرُعب وإرهابه وذلك في الفترة التي استردت فيها الملكيّة في فرنسا عافيتها بعد العصر النابوليوني، حيث سادت فترة الرعب الأبيض (White terror) ضماناً أن الرعب وإرهابه في الفترة الأسبق كان أما دموياً أو مخيفاً (أسود). تصاعد إرهاب الدولة (إن في قتلك صلاح الأمة) أشرت إحدى بدايات عَسْف الدولة (coercion) ومن ثم تبرير استخدامها للإرهاب (التخويف) وسيلة لإخضاع مواطنيها وبالأخص عندما لم ترتفع الدولة (state) إلى مستوى وظائفها وفي المقدمة منها الارتقاء بتابعيها (شعبها/ مجتمعها) إلى مستوى المواطنة بديموقراطية دون مِنّة أو تسلط، لأن مثل هذه المواطنة هي النمط المثالي (ideal type) الذي يمكن أن يرقى إليه مواطن الدولة بعد أن يكون قد كُفل حقه دستورياً وحددت أبعاد المواطنة (citizenship) تشريعياً وقانونياً، وهي ليست امتيازاً وإنما حقوق وواجبات وإنجازات والتزامات. وبذلك يرقى (المواطن) على الانتماءات طبقية أو إثنية قومية أو مذهبية أو عشائرية، بل وحتى نقابية لكي يجيّر ولاءه وكل هذا الولاء للدولة التي تدخله في العملية السياسية ناخباً ومرشحاً ومُمثلاً، ونقل هذه الفعالية إلى المجتمع إنساناً ومبدعاً يعبّر بفاعليته عن مستواه المحلي والجهوي منطلقاً إلى مجالات أَرْحَب في الأولوية منها أن يكون مواطناً عالمياً. ومثل هذه المطامح في نقل الانتماء إلى ولاء للدولة ثم العالم. وليست مثل هذه (الطموحات) من قبيل ثورة الآمال المتصاعدة وإنما معاناة وتحمل مسؤوليات وخط قطعه المجتمع الإنساني على طريق طويل من التضحية والعمل والإنجاز. لقد كان النمط الأولي للدولة (Proto Type) نمطاً سلطوياً أي أنها كانت قوة (Power) تحولت في شرق العالم الممتد من العراق إلى الصين إلى سلطان إلى حد القول المأثور: إن الله ليزع بالسلطان (القوة والتسلط والقهر) مالا يَزَعُ بالقرآن! وفي الوقت الذي جمدت فيه الدولة عند حدود قوة السلطة في شرق العالم قديماً ومعاصرةً، فإنها أخذت بالتحول إلى سلطة القوة ثم إلى الدولة، وفي الغرب وبالأخص شمال البحر الأبيض المتوسط الذي تحلقت حوله الفلسفات شمالاً والأديان جنوباً والأيديولوجيات غرباً وعبوراً إلى الأطلسي. لقد توزع عَسْف وعنف وإرهاب الدولة في العالم القديم والأوسط والحديث والمعاصر في شرق العالم وغربه وبقيت الدولة سلطة وسلطانا في الشرق تتصرف وفق آلية جمعت بين الترغيب والترهيب، فالترهيب هو الغاية والوسيلة وقد يقرن بالترغيب الذي لا يلعب أكثر من دور أو وسيلة فقط. وقد حفل شرقنا بالترهيب الذي هَمّش وافرز وازاح ثم سلط هذا الإرهاب كما نسميه راهناً وذلك لابقاء المهمشين والمفرزين والمزاحين في الزوايا حصراً وسجناً لهم إن لم يكن استئصالاً وتصفية. يؤثر على ذلك أو يرشح عنه مأثور موزون كالآتي: وعلى عَدَوك يا أبن عم محمد رصدان ضوء الصبح والاظلام فإذا تنبه رعته وإذا غفا سلت عليه سيوفها الأحلام ويمثل هذا المأثور نمط السلطة التي سادت في تلك العصور الشرقية التي تربع على دست السلطة فيها (حاكم) هو وإن استمد شرعيته كونه يتصل بنسب أو سبب إلى مصدر الشريعة (النبوة) إلا أن ما ترتب على هذه النسبة هو الأهم ممثلاً بجناحي التسلط: وهما الترغيب (ضوء الصبح) والترهيب (الاظلام). والإنسان التابع إنما هو في مجال عسف جناحي التسلط فهو مُرَغّب/ مُرَهّبٌ في صباحه أي أثناء اليقظة التي قد يسترد فيها وَعْيه، فهناك عيون ترصده وأذان تسمعه. هذا الترهيب الممزوج بالترغيب يعيشه التابع/ العدو/ المعارض طوال يومه خائفاً متوقعاً متوجساً. أما إذا جنَّ الظلام فإن التابع لم يتحلل من هذا الترهيب كي يخلد إلى الراحة ويزيل عنه كابوس الخوف النهاري، وإنما يتسلل عليه الإرهاب ليلاً ليتحول الظلام حوله إلى اظلام وبذلك تبدو الأحلام- وهي ذات طبيعة ذاتية- لتتحول هي الأخرى إلى أداة قمع للسلطة نفسها فتَسِلُّ عليها سيوفها التي هي سيوف السلطان التي اراد أن يفلت منها ليلاً بعد أن تحملها نهاراً. وهذا قمة ما تفعله السلطة فهي تحاصره نهاراً وتشل حركته في أن يحلم بأن يكون معارضاً للدولة ليلاً، خوفاً من أن يتكرر عليه حلمه فينقله إلى عالم الواقع. أما في غرب الأرض فقد كانت مثل هذه السلطات المتعسفة سائدة ثم قامت الحركات والثورات والاحتجاجات كي تكسر مثل هذه الحصارات وينطلق الإنسان دون ترغيب أو ترهيب لا تجعله ينفرد بقراره كمواطن. لقد عمل مونتسكيو (Montesquieu) على تهشيم الكتلة الصلدة للسلطة محولاً اياها إلى دولة وبذلك فصل بين السلطات: التنفيذية والتشريعية والقضائية، واعتبر مثل هذا الفصل روحاً للقوانين (1748م) ووسيلة لتحجيم كتلة الدولة/ السلطة وقطع الطريق على إعادة الكتلوية إلى جسم السلطة، بأن جعل كلا من هذه السلطات رقيباً على الآخر في الوقت الذي تعمل فيه السلطات منفصلة وسيلة ومتصلة هدفاً لبناء دولة فاعلة تنهض على مواطنة مسؤولة. إلا أن فترات الحروب والنزاعات بين الأمم/ الدول/ الأديان في مراحل التاريخ الوسيط والحديث والتي اضيفت إليها صدامات الإيديولوجيات والحضارات/ الثقافات في المعاصر، دفعت بالدول وهي صاحبة القرارات الأكثر فاعلية لتحديد مصائر البشر بأن تتحول إلى السلطة إن لم يكن التسلط. لقد وجدت العديد من الجهات والأجهزة التي مرّعن طريقها إرهاب الدولة: مثل cid الإمبراطورية البريطانية و M16 حاضراً و cheka روسيا القيصرية KGB الاتحاد السوفيتي و CIA الولايات المتحدة والموساد الإسرائيلي وفي الشرق السافاك في عهد الشاه والساماك في عهد حكومة جمهورية إيران الإسلامية ودوائر المخابرات والمعلومات التي حكمت العراق لثلاثة عقود ونصف، مخابرات الدول العربية تحت مسميات البوليس السياسي في عصر الملكيّة والمخابرات العامة بعد(1952) ومثيلاتها من الأجهزة والجهات التي تحصي على الإنسان كل حركاته والتي تعمّد بعضها لو أن هذا الإنسان يتنفس من منْخَر واحد. ويمكن أن يوضح إرهاب الدولة ضمن حدود المثلث السلوكي التالي رقم (1).
خوف
جهل تعصب مثلث رقم(1) فهناك الخوف من أن يقترب التابع/ الإنسان وأجهزتها ليتعرف على ما يدور في أوساطها لإبعاده من أن يكون معنياً بذلك، رغم أن أكثر ما يحال في مثل هذه الأوساط موجّه للحد من حركة وفاعلية هذا التابع/ الإنسان، ما يسهّل إرهابه وبالتالي التسلط عليه. وهناك الجهل وهو لازمة اساسية لتوظيف الخوف وتفعيل الإرهاب في الوقت نفسه. فالتابع الجاهل هو أكثر انقياداً من غيره وتعتبر الأُميّات باشكالها الكتابية والثقافية من أكثر العوامل التي تخفف من سقف التطلعات والتوقعات إلى الحد الذي تجعل منه واطئاً وضاغطاً للإنسان لتدفع به من ثم إلى أن يقنع و(القناعة كنز) بابسط مقومات حياته لأنه يجهل الكثير مما يمكن أن يرقى بتابعيته إلى مستوى المواطنة الإنساني. وبذلك يلعب الجهل دوراً أساساً في تكريس الحالة الخائفة التي نشأ عليها الإنسان التابع في أُسرته ومجتمعه مما ينزع عن الإنسان أهم اسلحته وهو العمل على تطوير واقعه والاحتجاج (Protest) وهو التعبير المفتاح لرد الوعي للإنسان ودفعه لأخذ موقعه في العمل والتغيير. فإذا كان الخوف الذي يعمل على تواري الإنسان وراء سلطته والجهل الذي يجعله لا يعرف خلاصاً إلا عن هذه السلطة، فإن التعصب إنما يكمل هذه الثلاثية المَقيتَة الضاغطة على الإنسان والنازعة منه إنسانيته. والتعصّب إنما يفتح الباب إلى ما يسمى بالوقت الحاضر بالدعاية والرعاوة (Propaganda) إذ في الوقت الذي يعمل فيه الجهل على خفض طموح الإنسان وإبقائه تابعاً للسلطة ينشدها الخلاص، فإن التعصب إنما يحول الجهل إلى تجهيل أو كما يقول المأثور: (فنجهل فوق جهل الجاهلينا) وهو أعلى درجات الجهل التي تفقد الإنسان وقوفه على أرض الواقع وتدخله في (دوامة) الضياع والتوهان، عندها ينقطع عن عالم السبب ليقابل الجهل بالجهل أو ما يسمى راهناً وفي عصر العولمة بالأفق الافتراضي (Virtual) عندها تستوى لدى الإنسان الأنوار والظُلَم مما يمكن للرعاوة الحديثة أن تمر معمولاتها عليه وكالآتي: الشرق قديم ولكنه أَصيل والتراث هوية ولكنه بحاجة إلى تجديد، وتجديده صَعْب إن لم يكن مستحيلاً، لأنه اختراق للهوية. ونحن وأصالتنا ضحايا مؤامرة، والمؤامرة كبيرة لأنها مقاسة بحجمنا الكبير، وإنساننا عظيم ولكنه محكوم بالحظ، والحظ قسمة لا نصيب منها إلا القليل لأننا غير قانعين، والقناعة كنز ولكن يصعب تصريفه في سوق التكنولوجيا المتقدمة وعولمتها. ورزقك ما تحوش ولو ركضت ركض الوحوش، ولكن عليك أن تسعى، فهل السعي بديل مقبول للركض. وعجائب الدنيا السبع، خمس منها عندنا، واثنتان خارج عالمنا، أما عجائب الحاضر التي لا حصر لها، فليس لنا منها حتى عجيبة واحدة. ويزداد مثل هذا التجهيل على ألسنة رجال التنوير وعصر النهضة (الشرقي) إذ أقَرّ معظم هؤلاء، وفي مقدمتهم الطهطاوي ومحمد عبده بأنهم وجدوا في بلاد الفرنجة (فرنسا) مسلمين ولم يجدوا إسلاماً، أما في أرض الكنانة (مصر) فقد وجدوا إسلاماً ولم يجدوا مسلمين، وهم يقرون بالحقيقة القائلة بعدم إمكانية الفصل بين الدين والتدين. والسؤال المهم الذي يطرح في الحاضر وعلى صعيد صراع الحضارات والأديان أو حواراتها، هو الفرق بين الدين (Religion) وبين ما حول الدين (Around Religion) فالأديان لا خلاف عليها وبالأخص السماوية المنزلة، إذ إن المتبنيات فيها معلومة ومحددة ومثبتة، فالحلال حلال والحرام حرام. وهذا ما يسمى بالأصول التي يجمع ويلتزم بها أهل الديانة وهذا ينسحب على أركان الدين التي تكون ثابتة في الأخذ بها والتعامل وفقها، فهناك الصلوات ومواقيتها والصوم والزكاة والحج، وهذه هي فحوى الدين، أما ما حول الدين فيكمن فيه الاختلاف لأنه خاضع لتغير الأحوال، لذا ففيه تكثر الآراء (الاجتهادات) التي تحكمها ضغوط الحاجة ومدى معرفة من يتعامل بها من العلمية والأعلمية وفوق كل ذي علم عليم. واللافت للنظر أن الباحث المتخصص في شؤون الحضارات/ الثقافات والديانات (culturalist) يرى أن الطقسية إذا انسحبت من الأصول إلى الفروع وتغيرت الأحوال ولم تتغير الأحكام، ولم يتبنَ الخطاب الديني الحوار (Dialogues) وتم الجمود على المسكوت عنه، وتجاوز على مساحة المرغوب فيه، وبرزت سطوة المنهي عليه، فإن ذلك قد يسهم في زيادة فاعلية التعصب الذي يجعل من الفروع أصولاً، ومن الآراء (الاجتهادات) ثوابت كونها الأقرب إلى الفعل، مما يسهّل تفعيلها وتحويلها إلى متبنيات أو مرجعيات (جديدة) قد تكون صلتها بالأصول ضعيفة لأنها في الأساس تدور حول الدين. لقد دخلت الإيديولوجيات على خط التعصب وإلى حد ما إلى دائرة الجهل فحولته إلى تجهيل، إن الإيديولوجيات ورغم أنها محدودة في فعلها وتبريرية في تفاعلها لأنها تعتمد الإقصاء والتهميش فإنها الأخرى تحاول الدوران على المثالية (Utopia) أي أنها تعتمد الصناعة الفكرية والاختراق المعرفي أكثر من تعاملها مع الثابت من الحقائق، هذه الحقائق المتحركة (الإيديولوجيات)، ورغم محاولة إنهائها إلى حد اعتبارها منقضية (End of Ideology)، فإن تأثيرها مازال فاعلاً. والنازية والفاشية والرأسمالية، بل وحتى الشيوعية، أنما حاولت أن تصعد بإيديولوجياتها (فكروياتها) التي هي مجرد وسائل (Means) لرفع شأن ورفاه الشعوب/ المجتمعات وأفرادها، إلى صعيد (مثاليات) تأخذ شكل مرجعيات للفعل يترتب على تحويرها أو تغييرها لكي تتفق والأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والفكرية المتغيرة، الاتهام بالانحراف (Revisionism). إن مثل هذا الاتهام وقبله التكفير والخروج على الأصل والنص وتشويه المتعارف (الأثر) إذا أمكن تمريره من خلال عقول مبتدعة (Innovators) ضماناً أن تستلم الرسالة (Message) عقول شابة مازالت مساحات الفعل فيها محدودة، فإن النتائج (Outcomes) هي الانفعال الذي يفضي إلى الاستياء والاغتراب واليأس فالعنف ثم الإرهاب.
الإرهاب وإعلام الغرب والإسلام لقد سعت وسائل إعلام الغرب (الفاعلة) وما تضخه مراكز البحوث (المتخصصة) في الغرب وما تبنيه من صهاريج معرفة (Think Tanks) أن تقرن بين الإرهاب والإسلام وبالأخص بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر/2001 حيث تعرضت مراكز القرار العالمي/ الأمريكي الخاص بالمال والحرب إلى ضربة مفاجئة وقاتلة استخدمت فيها التكنولوجيا الحديثة بشكل طائرات ملغومة. لذا تحركت آلة الفكر الغربي بكل امكانات باحثيها وما نبشت من بحوث كي تَرُدَّ على هذه الضربة إعلامياً، فقرأت عن الإسلام واستعانت بالخبراء ومنهم من أهل الإسلام نفسه في حقول الدين والفلسفة والاجتماع والإدارة والتربية والقانون ووضعت تحت تصرفهم أضخم الامكانات ولخصت لهم دوائر معارف بأكملها وكتب ورسائل وتقارير وبحوث جامعية، وكان ناتج هذه التعبئة الفكرية/ الإعلامية/ العالمية الأمريكية أن قرن بين الإسلام والشر، فحولت الإسلام إلى نزعة شريرة (Devaluation)، ونسب الشر إلى الإسلام وبذلك أصبح (متهماً) وراء الهجوم على مركز التجارة العالمي ووزارة الحرب الأمريكية (البنتاغون). وبعد أن ضمن الباحثون تحديد من يقف وراء هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر أي أنهم وجدوا (الجاني) تحولوا إلى محاكمته فكرياً. وكانت الخطوة الأولى والتي بدأت بسؤال لماذا يكون الإسلام شريراً؟ وكان الجواب أن هناك عقبات في الإسلام نفسه تدفع به إلى مثل هذه النزعة. وبإشراكهم لباحثين من المسلمين استطاعوا كسبهم إلى جانبهم بحجة أن ما يحدث في المجتمعات الإسلامية (مجتمعات الدين والطاقة) يؤثر بشكل أو آخر على قرارات (حكام) هذه البلدان تجعلهم ينكفئون بقراراتهم نحو الداخل، مما ينعكس على لا فاعلية القرارات المتخذة على الصعيد العالمي، وبالتالي فإن أمن العالم يمكن أن يتعرض إلى توازنات قلقة قد تدفع به إلى الانهيار. لذا فإن الدول الفاعلة في اتخاذ القرار العالمي وأمريكا بالذات لها الحق في العمل على تغيير حكومات هذه البلدان الإسلامية وفي الشرق الأوسط العربي/ الإسلامي بالذات عن طريق تقديم (نماذج حكومات) بديلة لهم، وعليهم أن يبنوا على منوالها بذاتهم أو عن طريق القوى المُصَمّمة. وبذلك يتقارب/ يتماثل قرار هذه الحكومات/ الشعوب مع قرار دول العالم المهيمنة مما يعيد لأمن العالم توازنه الفاعل. ولكن لماذا تخلفت دول العالم العربي/ الإسلامي في قدرتها اتخاذ قرارات تسهم في الحفاظ على أمن العالم، تقترب في فاعليتها من تلك البلدان العالمية القرار؟ وجواب مراكز البحث الانكلو أمريكية أن هذه الدول التي تتمتع بالطاقة النفطية إنتاجاً وخزيناً هي الراعية للإرهاب، وهي وراء هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمر2001. وتؤكد مراكز البحوث هذه ومنها مركز الدراسات الدولية والستراتيجية (CSIS) في واشنطن وضمن تقرير أصدره في ربيع سنة 2004 أن إخفاق حكومات/ سلطات هذه الشعوب/ المجتمعات في اتخاذ قرارات ترقى إلى مستوى الفعل العالمي إنما يعود إلى عدم قدرة هذه المجتمعات على التحديث (Modernization) وذلك لغياب الديمقراطية (Democratization) في فعلها السياسي من أن يكون الحاكم مسؤولاً تجاه شعبه، وتراجعها في مجالات التعددية والشفافية وطغيان الفساد في إداراتها وغياب عامل التداول في تغيير نخبها الحاكمة. لذا فقد أنتج مركز الدراسات الستراتيجية والدولية بحثاً مثّل إدانة لحكومات وشعوب العالم الإسلامي وكالآتي: التحديث والديمقراطية/ الدمقرطة في العالم الإسلامي، عقبات ومعالجات فالتحديث أو العَصْرنة أَمر مفروغ منه والأسياد في الأرض عالمان مُحدَّث (غربي/ أمريكي) وغير محدث (إسلامي/ شرقي). وفي الوقت الذي يشعر فيه العالم الأول (المحدّث) بمسؤوليته تجاه السلم العالمي، فإن العالم (غير المحدّث) لا يشعر بمثل هذه المسؤولية تجاه السلم العالمي، لذا فهو يرعى الإرهاب معرضاً أمن العالم للخطر. ولكي لا تتكرر أحداث 11 أيلول/سبتمبر2001 يجري الحد من الإرهاب الذي يجتاح العالم مثله كمثل العولمة في فعلها، فإن التحديث لابد من أن يتحقق في العالم غير المحدث بذاته أو بالاكراه الخارجي. ولكن كيف يتم هذا التحديث لكي يتم الحد من الإرهاب؟ عندها تتحول دول/ مجتمعات العالم الإسلامي نحو الشعور بالمسؤولية تجاه السلم العالمي والحفاظ عليه فَتَعْمدُ إلى اتخاذ قرارات مسؤولة. هذا التحول نحو إدراك المسؤوليات واتخاذ قرارات مسؤولة لدول/ مجتمعات العالم الإسلامي يَعْني اعادة تشكيل حكوماتها وذلك بتطبيق الديمقراطية. إن ناتج مثل هذه البحوث ورغم ما تدعيه من حيادية وعلمية وموضوعية فيما تتوصل إليه من مقررات وما تقترحه من بدائل، فإنها إنما تعّمق المجابهة بين أقطار العالم شعوباً وأدياناً وحضارات، لذا فإنها تسهم وبشكل سلبي في تكريس صدام/ صراع الحضارات بدلاً من حواراتها. لذا فإن مثل هذه البحوث إنما تدفع إلى العنف والإرهاب لأنها تصادر حق الشعوب والمجتمعات والديانات في العالم اللاغربي في أن ترسم خطوط سيرها دون التشكيك بقدرتها على اتخاذ قرارات في صالح السلم العالمي. إن العالم الإسلامي والعربي والشرقي تحمل مسؤوليات حضارية وثقافية ودينية اتخذ فيها قرارات مصيرية للعالم ولنفسه وعلى مر التاريخ. ويحاول هذا العالم أن ينهض للتعامل مع متغيرات واستحقاقات العصر الراهن. لكن ما يقدم من وصفات ومشاريع تنطلق مما يسمى بعقدة التعالي الحضاري (Superiority Complex) إنما يعرض العالم كل العالم للمزيد من العقبات. لذا فإن مراكز البحوث في الغرب وأمريكا عليها أن تكون أكثر عقلانية ومسؤولية في التعامل مع العالم الإسلامي، فهناك عقبات بالفعل ومثل هذه العقبات التي يشكو منها العالم الاسلامي وغير الإسلامي تنفع معها الحلول (Solutions) وليس المعالجات (Remedies) إذ إن المعالجات توجه لمرض المجتمعات، لذا فإن الندية في التعامل يمكن أن يترتب عليها تكافؤ في التفاعل، إن شعوب/ مجتمعات العالم يمكن أن تعمل وبشراكة مُنصِفة لخير العالم.
الإرهاب عراقياً هذه هي خلفيات وآليات الإرهاب الذي يغطي شكلين منه: هما إرهاب الدولة على مستوى الدول والحكومات في عالمنا، وإرهاب العولمة الذي يمارس على صعيد الدول القوية والغنيّة (7Gs) في العالم. أما الإرهاب عراقياً فأنه نموذج جمع بين ما يمارس من تخويف/ ترهيب في الداخل الذي يمكن أن يطلق عليه الاستبداد والذي استشرى بفعل تسلط الدولة سابقاً التي لم ترق إلى أكثر من سلطة الحكومة التي تهمش وتستعلي وتتعسف، والاستعباد الذي تمارسه الدول القوية التي جعلت من نفسها الوصية على أمن العالم الذي انسحب على أمن دول الجنوب. لقد جعلت دور القرار العالمي من الوصاية وسيلة لشرعنة تدخلها في مصائر دول الجنوب ومنها العراق. لذا فقد تم تطوير الشخصية الإرهابية وذلك وفق مثلث جرى الإعداد له في مراكز (متخصصة) جمع بين المعطيات التالية وكالآتي:
الاستبداد
اليأس الغضب المثلث رقم (2) (مثلث اللعنة) هذا المثلث والذي يسمى بمثلث اللعنة الذي يجمع في رؤوسه بين الاستبداد عن طريق السلطة ويأس المواطن في أن تتحسن ظروفه فعلاً، بدأ بالأساسيات منها وكما في الشكل التالي رقم (2). لذا فإن اليأس إنما يتصاعد كلما تصاعد الاستبداد، والعاملان الاستبداد السلطوي مقروناً بيأس المواطن العادي من القبول بحدود معقولة من التسلط/ الاستبداد وذلك لإحكام سيطرة الدولة على دولاب الحياة في المجتمع وفسح المجال للمؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية بأن تأخذ مكانتها وترسم حدود فعالياتها، وبالتالي تمارس سلطاتها دستورياً وتشريعياً وقانونياً بما يضمن توفر حدود مقبولة من المواطنة تضمن للإنسان حقوقه المتعارف عليها إنسانياً وعالمياً. إن تزايد الاستبداد فعلاً وفاعلية دون أن يقابله ارتفاع في مستوى الإنجاز وعلى صعيد مفردات الحياة اليومية التي يحكمها عاملا الأمن والرفاه، إنما يحّول اليأس إلى إحباط(Frustration) عندها يتقاطع الاستبداد واليأس وتتحول هذه المقاطعة إلى محرك لإطلاق الرأس الثالث لمثلث اللعنة المتمثل بالغضب (Rage) الذي لا يلبث أن يتحول إلى عنف (Violence) الذي لا يلبث أن ينفجر بشكل إرهاب (Terror). كيف يعمل هذا المتصل غضب عنف/ اغتراب إرهاب على أرض الواقع؟ إن هذا المتصل الذي تحرك بفعل الاستبداد ثم تحول إلى غضب تصاعد إلى عنف يُحركه الاغتراب (Alienation) وانفجر بشكل إرهاب نجده ممثلاً بإحدى شخصيات الثقافة الشعبية العراقية علي بابا (Ali- Baba) الذي صُنّع وفق مقاسات نفسية واجتماعية بل وحتى تاريخية إلى حد الاستفادة بأبعاد الشخصية العراقية التي حددها الدكتور الوردي ولويها لكي تتفق ومواصفات هذه الشخصيّة. فالعراقي جسّاب وهّاب وهو متناشز في سلوكه، فهو يُحلّ المال العام في الوقت الذي يحرم فيه ماله الخاص. وكل ما جرى لهذا الوصف النفسي/ الاجتماعي للشخصية وتعميقاً للتناشز فقد ابطلت صفة (الوهاب) وابدلت بصفة (القَتّال) وبذلك قرن الجانب الذي يَجْسِـب (ينهب) بالجانب الذي يرتكب فعل القتل، وبذلك أمكن تصنيع هذه الشخصية ومن ثم إطلاقها. لقد تعددت المجالات التي تحركت فيها وما زالت تتحرك مثل هذه الشخصية في وسط مشحون بالاستبداد واليأس والغضب. فالحد من الإرهاب لا يتحقق إلا بتفكيك هذه الشخصية وبالأخص إبعاد الاستبداد عن اليأس وبذلك يتراجع الغضب الذي يمثل الشرارة التي تقدح الإرهاب. * مفكر وباحث أكاديمي |
||||
|
||||
|