ردك على هذا الموضوع

المؤثرات الأجنبية في النص المسرحي العربي

د.فاطمة بدر

 

(يتعين على مسرحنا أن يغرب كل ما يعرضه) بريخت

لقد أكد لنا بريخت على عجز المسرح الأرسطي (الكلاسيكي) في توصيل رسالة تستفز المتلقي، وتثير غضبه، وتحرضه على أن يكون عضواً فعالاً، يريد تغيير الواقع، لذا صبّ جلّ اهتمامه في كتابه (نظرية المسرح التعليمي) على تحطيم الإيهام، والتأكيد على أن ما يجري على خشبة المسرح ما هو إلا تمثيل في تمثيل، فضلاً عن تأكيده على طرح قضية معينه تستهدف تنبيه المتلقي وإثارته، ودفعه إلى إثارة الواقع من خلال المؤثرات السمعية والبصرية، أو من خلال التأكيد على مفاهيم أساسية تمنح النص جمالية، فضلاً عن كونها رسالة صيغت بأسلوب مقنّع لإحداث التواصل بين المتلقي والكاتب.

لابد من الإشارة إلى أن مفهوم التغريب هو وليد الشكلانية الروسية، والشكلانيين الجيك والبولنديين، الذي ينص على أن نقل الشيء من متواليته في الواقع إلى متوالية جديدة في الفن يصبح غرائبياً (1).

لقد صاغ بريخت هذا المصطلح نظرياً وحققه عملياً في الكثير من مسرحياته، مؤكداً على شيئين، الأول تحويل الشيء إلى شيء خاص يثير الغرابة والغموض والدهشة (2)، والثاني إلغاء الإيهام أو (يتعين على الممثل أن ينسى كل ما تعلمه، عندما كان يحاول أن يحقق بواسطة تمثيله الاندماج الانفعالي للجمهور) (3).

إن استخدام المؤثرات البريختية تتفاوت في تأثيرها، وأهميتها في نسيج النص، ودرجة تغريبها من كاتب إلى آخر ومن مسرحية إلى أخرى، ومن المؤثرات البريختية، إعلان المؤلف الضمني عن خيالية العمل المسرحي، ولا واقعيته في مقدمة أو خاتمة المروي، وتغيير الأنماط السائدة في المسرح مثل الاختلاط بين المؤدِّين والمتفرجين، وبروز الراوي وتعدد الشخصيات والمشاهد، وسرعة تحولها، وبروز تقنية المسرحية داخل المسرحية، وكشف سر اللعبة المسرحية أمام الجمهور، وخروج بعض الشخصيات من أدوارها مثل الحوار بين المؤلف والمخرج، أو المخرج بوصفه راوٍ مع الجمهور، وجود نصوص تتأمل ذاتها، ووجود إشارات إلى مرجعيات النص المسرحي، وأحيانا يعاد الموروث عبر منظور عصري، ويصاغ بأبعاد فكرية وسياسية وفلسفية جديدة، وبذلك يتحول النص المرجعي إلى موضوع عام، يعالج قضايا إنسانية مما يزيد من فاعلية النص، وينتج قراءات تأويلية وانفتاح النص إلى إحالات نصية لا حصر لها.

إن تطويع المدونة التاريخية والدينية والأدبية، وجدت في المسرح منذ القدم إلا أن طريقتي التقديم والوظيفة اختلفت الآن، كانت المرجعيات في النص المسرحي تقوم على عرض المادة التاريخية بشكل محاكاة، إما وظيفتها فهي التطهير (الإمتاع والتسلية)، أما اليوم فقد أكدت المرجعيات على معاني النصوص التاريخية بإطلاق الكلمة، وإحالتها إلى دلالات على وفق رؤى مغايرة رؤى أيديولوجية وسياسية وفلسفية.

يضفي الطابع التاريخي على النص قيمة جمالية، لذا لا يتقيد الكاتب بالوقائع التاريخية وتسلسلها، إنما يضيف عليها شيئاً يمنحها هذا الشيء القيمة الجمالية التي تزيد من عملية التواصل والتفاعل بين الكاتب والمتلقي.

إن عرض أحداث عصرية حاضرة في قالب تاريخي، يجعل المتلقي يقظاً، ويفكر ملياً ثم يحكم إيقاظ وعيه بالحاضر وإحالته إلى الماضي، وهذا ما يحيد بالمتلقي إلى عدم الاندماج بسحر الإيهام، لأن (الوعي) سيفصل بينه وبين الأحداث، لأن الأحداث وقعت في الماضي وليس الآن، وأخيراً هناك بعض المؤثرات طرزتها بعض النصوص المسرحية حاولت تسليط الضوء عليها لأهميتها، وقد دخلت على المسرح كما دخلت على بقية الأجناس الأدبية مثل: وجود الهامش بوصفه بنية متميزة داخل البنية الكلية للنص، لها وظيفة قطع التسلسل الزمني للأحداث، وقطع سلسلة أفكار المتلقي عند النظر إلى أسفل الصفحة لمعرفة ما مدون ولخلق نوع من التغريب، إذ يشكل الهامش عاملاً متميزاً لمساعدة المتلقي على التفاعل مع النص المسرحي، إذ تضيء الهوامش للمتلقي المناطق المعتمة في النص، وتمده بمعلومات إضافية، فضلاً عن الجمالية، كما خضع النص المسرحي إلى متغيرات في الشكل الطباعي، فقد استعان الكتاب بالصورة البصرية بدلاً من الصورة اللفظية، من خلال انتماء إلى الألعاب الكتابية أي مزج الخطوط المختلفة، ومدى تأثيرها على العين.

إن تحويل شكل الكتابة من اللون الغامق إلى اللون الفاتح، يعد عاملاً أساسياً في إعطاء المسحة الجمالية للعمل الفني، وهذا ما يثير المتلقي، ويخلخل عملية الاستقبال لديه.

تهدف المؤثرات التغريبية إلى هدم جدار الوهم، فضلاً عن الوعي بالمسرح كأداة للتغيير والتفكير في الحل لاستدرار الشفقة والعطف. يعلن المؤلف الضمني في مقدمة مسرحية (مقام إبراهيم وصفية) إعلاناً عن طقس مسرحي لفاجعة شعبية بقوله هذا:

(طقس مسرحي لفاجعة شعبية جرت وقائعها في حي من أحياء مدينة حلب، التي شهدت عبر تاريخها الطويل أحداثاً محزنة، وأخرى تدخل البهجة على القلب، بتجاور التاجر البشع مع المحب النبيل، ويتعانق نشيد المبتهلين بصراخ المعذبين، وتختلط الحقيقة بالأسطورة، فلا يلتئم جرح، ولا يدخل يقين إلى قلب عسير إلا باستيقاظ التأريخ عبر الكلمات أو الفعل) (4)، ويعمق التغريب عندما يأتي الراوي (المعلق) للتعليق(على الأحداث، ولطرح الأسئلة على المتلقي وإيقاظ عقله، ليتصادم مع المحكي والمشخص، وهو في هذا يمارس دوراً تعليمياً) (5).

إذ يعلّق المعلم على المشاهد بوصفه راوياً، فضلاً عن قيادته لفريق التمثيل، لذا يسود النص التساؤلات وطرح الأفكار والتأكيد على أن هذا العمل هو عمل فني، وكله تمثيل في تمثيل. هناك نوع من التغريب يعقد فيه الراوي اتصالا مع الجمهور في خطاب مباشر معروض يغرب الأحداث باعترافه بأن ما يقدمه اليوم في مسرحية ما هي إلا مسرحية واقعية، وبعد هذا التغريب من أشد أنواعه كما في مسرحية (ماضي اسمه المستقبل) لمحمد تميد إذ يخاطب جمهوره بقوله:

(الراوي: أيها السيدات والسادة، المسرحية التي نقدمها لكم اليوم مسرحية واقعية، وكل تشابه بين شخوصها وأبطالها الحقيقيين من عظماء التأريخ والبطولات هو من قبيل الصدفة، ولا دخل للمؤلف في تصوره) (6).

لقد أفاد النص المسرحي من طرائق التشكيل الفلكلوري، ومن صيغ قصصه، إذ تبدأ المسرحية بمقدمة تعريفية اتصالية مع المروي له (الجمهور) وعلى غرار الأنساق السردية القديمة التي تنحو منحى قص الخبر، إذ يتسم هذا النص- من حيث ارتباطه بلغة المحكي القديم- بسمات التلفظ الشفوي الذي يشترط وجود راوٍ، ومروٍ، ومروي له، ويقع المروي هنا خارج الحكاية، لذا نراه يخاطب المروي له مستخدماً ضمائر الخطاب: (أيها السيدات والسادة) وبهذا يكون المروي له شبه ممسرح وغير محدد الملامح، وليس له صفات محدودة، لذا يقتصر تواجده خارج الحكاية، ويقع بمستوى أعلى من مستوى الشخصيات.

وتبلغ المؤثرات التغريبية أعلى درجة في مسرح سعد الله ونوس في مسرحيته (حفلة سمر من أجل 5 حزيران). إذ يتولى المخرج (الراوي) عملية السرد وإذا بالمتفرج أو الجمهور يتحول من جمهور متفرج إلى جمهور مشارك. المخرج: كلنا عشنا هذه الصورة، وأنا لا أدعي تقديم نسخة وثائقية عما حدث، نحن هنا في سياق عمل مسرحي.. أترى؟(7).

يقول عبد الرحمن منيف (إن مشاركة الجمهور في مسرح ونوس حوّل الجمهور من جمهور متفرج إلى جمهور مشارك، وبذلك رمى كرة النار في حضن كل من كان في الصالة ليترك أثراً أو علامة يحملها ذلك المتفرج إلى الخارج، حتى يراه الناس لكي يروا حقيقتهم) (8).

ومن الإيغال في التغريب إعلان الراوي المشارك في الحدث بتعريف نفسه بضمير المتكلم كما في مسرحية (حكاية الطيب صفوان بن لبيب وما جرى له من العجيب والغريب) يقول: (أنا احمد بن سنان الحمّال، دوماً تحت الأحمال والأثقال... وفي رأسي صداع نقص عيشي.... سمم حياتي... وكم فكرت بالانتحار للتخلص من الفقر والعار، ولولا الصغار.. آه ما أقسى أن يكون للواحد منا صغار.. رأسي.. رأسي (أحدهم هو الأمير بن همام يضع فوق رأسه أحمالاً ثقيلة) مولاي... آه مولاي خفف عني بعض الحمل- أعود إليه ثانية.. (ابن همام لا يبالي يستمر في وضع الأحمال، حتى يكاد أنفه يلامس التراب). مولاي.. آه مولاي.. آه الصداع يفلق رأسي (يتلوى.. فسقطت عنه الأحمال، فينهال عليه الأمير ضرباً بالسياط) (9).

نستشف من هذا النص أن تقديم الشخصية لنفسها تضطلع بمهمة إيديولوجية سياسية توضح معاناة الحمّال، وما يلاقيه من عبودية وحرمان وبؤس على يد مولاه، وفي مسرحية (الزنج وثورة صاحب الحمار) يصرح الراوي عن نفسه بضمير المتكلم أيضا قوله:

(أنا أبو يزيد مخلد، المعروف بصاحب الحمار، أنا أبن البلد الذي قاوم استعمار بني عبيد، وأحتج على قمعهم، وزعزع ملكهم، وقاوم عسفهم، أنا الرجل الضعيف الذي حكم عليه التأريخ الملعون بالحضارة والمهانة.. والخسارة) (10).

إن تصريح الراوي عن نفسه يومئ إلى وظيفتين: وظيفة مرجعية توثيقية توضح شخصية مخلد صاحب الحمار من جهة، ووظيفة إيديولوجية سياسية، توضح معاناة العبيد وما آل إليه وضعهم من مهانة وظلم وتعسف، وبيان جهادهم وقوة عزيمتهم ومقاومتهم للظلم والاستبداد من جهة أخرى.

يتوجه الراوي في مسرحية (كلب مقتول على الرصيف) لمحمد زفزاف- إلى المتلقي محدثاً التغريب بتقديم نفسه حاملاً رسالة إيديولوجية سياسية تشير إلى خرق العدالة، وإلى العدوان الإسرائيلي، إذ يمثل الكلب الأسود- إسرائيل يقول:

(سيداتي، سادتي، لقد ورد على لسان إحدى هؤلاء النساء اللاتي خرجن الآن اسم علي، أنا هو بلحمه ودمه- لقد شاء المؤلف أن يجعلني بطلاً، لأنني قتلت كلباً، لا تضحكوا أنا بالفعل بطل شجاع- تعرفون أن كلباً من هذا النوع تحميه القوانين، فهذا الكلب الأسود الذي اتهمت بقتله، الذي قتلته بالفعل، يحميه قانون- ولكنني بموقفي الشجاع، استطعت أن أقضي عليه بمطرقتي الغليظة هذه- ذلك أن هذا الكلب تجاوز حدود الشراسة، وأصبح مخيفاً- وقد تتساءلون، سيداتي، سادتي، عن نوع البطولة- فأقول إن البطولة تتجلى في خرق قانون مصنوع لا يمثل عدالة، ولا شك أنكم فهمتم وجه البطولة في الأمر، وكيف أني أستحق هذا النعت بعد قتلي للكلب الأسود) (11).

نستشف من النصوص السابقة أن السرد يكتمل بتناوب الشخصيات الثلاثة إذ تقدم المرأة الأولى للجمهور شخصية كاتب المسرحية، وتوضح المرأة الثانية أدوارهن في المسرحية وتقدم المرأة الثالثة الثيمة المسرحية وهي (موت أحد الملوك) وهي ثيمة تكاد تكون عادية، ولكن طريقة العرض جعلتها مثيرة وغريبة، مما استوقفت الكاتب أو الشاعر في كتابتها.

إن اقتحام الرواة الثلاثة المحكي بين الحين والآخر، والتأكيد على وهمية الحدث زاد من تغريب الحدث، وتبعيد المتلقي. ويغرب الحدث بالإشارة إلى مرجعيات تاريخية تراثية فضلاً عن وظيفته الإيديولوجية السياسية.

يقول الراوية أن مؤرخه الرسمي، أثبت في أحد أبحاثه الرصينة المذيلة بالمراجع الهامة كدائرة المعارف البريطانية، ومختار الصحاح، وتقويم العبقري الفلكي وأحوال التدبير المنزلي، والمحلاة بالصور الزنكوغرافية لتصور توقيعات الملك، وبطاقاته الشخصية والعائلية، أثبت هذا المؤرخ الحصيف أن المملكة لم تعرف طوال تاريخها ملكاً غيره، وإن اسمه على مر الأزمان المختلفة كان أنوبيس الأول، وجورجياس التاسع، وابن طولون الثالث، ولويس الرابع والثلاثين، وعبد الرحمن الخامس... وإلى آخره) (12).

يحدث التغريب عند الإشارة إلى مرجعية الحكاية في مقدمة المسرحية كما في مسرحية (نهارات الليالي الألف) إذ وردت فقرات أو إحالات في الصفحات الأولى من المسرحية تشير إلى ما يأتي:

أستلهم المؤلف فكرة هذه المسرحية من المحاكمة التي جرت في مصر عام 1985، لكتاب ألف ليلة وليلة وقد أفاد من المواضيع المنشورة في الأعداد الثلاثة التي خصصتها مجلة (فصول) لذلك الكتاب، ولا سيما الوثائق الخاصة بمحاكمة الدكتور محمد حسام محمود لطفي- وقد ضمنت المسرحية فقرات منها- كما أفاد من الدراسة التي كتبها الدكتور مهند يونس عن الكتاب نفسه بعنوان (الصمت بين ليلتين) المنشورة في جريدة الثورة العراقية بتاريخ 24/2/1993 و 2/6/1993 (13).

ويمكن أن نجد إشارة إلى مرجعيات الحكاية في مسرحية (الزنج وثورة صاحب الحمار)، إذ يسرد الطبري ما كتبه (في تأريخ الرسل والملوك) في شأن ثورة الزنوج فيقول:

(أيها الناس أنصتوا يرحمكم الله لا تعتمدوا كتابي إني غالط، فثورة الزنج لم تكن فتنة وعلي بن محمد لم يكن خارجياً، عملة السباخ لم يكونوا عبيداً راجعوا التأريخ: راجعوا التراث رب أنعمت فزد) (14). وفي مسرحية (الزمن المقتول في دير العاقول) نجد تواريخ حقيقية تمثل سيرة المتنبي منذ صباه حتى مقتله وهي عبارة عن مرويات تاريخية.

ومن المؤثرات التغريبية تحديث التاريخ، وإعلان الكاتب بمقصديته، كما في مسرحية (الزنج وثورة صاحب الحمار) بقوله:

(أنا مؤلف ديوان ثورة الزنج، لقد ألفتُ هذا الديوان المسرحي على ضوء الثورات والانتفاضات، والانقلابات التي جرت.. في النصف الثاني من القرن العشرين، وفي عدد من بلدان العالم) (15).

ومن المؤثرات التغريبية في مسرحية (بعد أن يموت الملك) عصرنة التأريخ باستخدام أفكار وتعبيرات حديثة وزجها في النص المسرحي كقوله:

(لعل هذا الحل هو ما يسمونه في الأيام الحديثة بالتسوية بين الأطراف المتنازعة، أو المصالحة بين الاتجاهات المتباينة أو بالتعبير العامي (قسمة البلد بلدين)) (16).

ومن المؤثرات التغريبية كتابة نصوص تتأمل ذاتها كما في مسرحية (رسائل قاضي اشبيلية) إذ يدون قاضي اشبيلية مذكراته أو ما يسمى بطريقة الوثائق، إذ يمكن سرد قصة عبر يوميات أو رسائل كما في هذه المسرحية، وتقع هذه المسرحية في عشرة مشاهد، إذ يتصف المشهد الأول من المسرحية بالتركيز على واقعة التاجر (نور الدين) بعد بيعه تعويذة كتبت لابنة أحد الملوك على جوهرة، فأوقعته هذه الحادثة بمرض أودى به إلى هجر السوق وترك العمل احتجاجاً على أساليب البيع، وتنكره لها.

الهامش

يعد الهامش بنية متميزة داخل البنية الكلية للنص، وبوصفه دالاً وظيفياً في النص، كما يعد الهامش نصاً موازياً للمتن بوصفه (عتبة أولية ندخل بها إلى أعماق النص، وفضاءاته الرمزية المتشابكة) (17)، لكنه في الغالب بنية فضائية لها وظيفتان أولهما تقطيع التسلسل الزمني للأحداث، وثانيهما تقطيع سلسلة أفكار القارئ عند النظر إلى أسفل الصفحة لمعرفة ما مدون، ولخلق نوع من التغريب، إذ يتم تقسيم فضاء الصفحة إلى مستويين:

1- المستوى الأول (الأعلى- المتن).

2- المستوى الثاني (الأسفل- الهامش).

يفصل بينهما خط غامق يعد بمثابة الإعلان البصري عن منع اللاتجانس، يمكن تقسيم وظائفه في المسرحية، إذ يحيل الهامش في مسرحية (السؤال أو حكاية الطيب صفوان) إلى وظيفة توثيقية مرجعية تراثية، إذ تورد إشارة إلى مرجعية الحكاية كقوله:

(فليرجع إلى المجلد الأول من ألف ليلة وليلة حيث حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهما) (18) وورد في الهامش ذكر الحكاية أنها جاءت في ألف ليلة وليلة مثبتة في آخر الكتاب فنعود إلى آخر الكتاب لنجد إشارة إلى اسم الكتاب، وذكر صفحاته وسنة طبعه، ومكان طباعته بقوله:

(ألف ليلة وليلة... مطبعة بولاق 1252هـ - المجلد الأول الصفحات 73-74-75-105 الطبعة الأولى، أعادت طبعه بالأوفسيت مكتبة المتنبي، ببغداد) (19).

إن وظيفة الهامش التوثيقية يمكن الاستغناء عنها، لأنها في سياق نصي محدد، تتعامل مع البنية الأصلية مفسرة دلالة النص،وتشكل هذه الوظيفة عاملاً متميزاً لمساعدة القارئ على المزيد من التفاعل مع النص المسرحي، ويبلغ درجة تفاعله وفهمه درجة التمثيل، وبذلك يدخل في نطاق الفهم العميق ويتجاوزه بتغلغله في أدق البنيات، فضلاً عن قبوله الخالص بما يجري في النص.

نجد المسرحية (حفلة سمر من أجل 5 حزيران) هامشاً واحداً وظيفته تفسيرية شارحة- وهي بنية لها دلالة متميزة في النص، تضيء للقارئ المناطق المعتمة في النص، وتمده بمعلومات إضافية توضيحية، فضلاً عن غرضها الجمالي، نجد في المتن عبارة (المتفرجون 2، 3، 4، 5، وبالإضافة إليهم المتفرجون في الصالة) (20) ورد في الهامش تفسير لهذه العبارة بـ (سأسمي أصواتهم بالمجموعة).

الشكل الطباعي

خضعت بعض المسرحيات العربية إلى متغيرات في الشكل الطباعي، إذ تم تحويل شكل الطباعة المسرحية من اللون الغامق إلى اللون الفاتح وبالعكس، أو مزج الخطوط المختلفة- ضمن الألعاب الكتابية - يعد عاملاً أساسياً في إعطاء المسحة الجمالية للعمل الفني بوصفة حركة جديدة في نطاق النص البصري، وتحديداً لنوع من الموازنة اللونية والخطية المؤثرة على التركيب الشكلي للنص، وعلى العين، لأن مزج الألوان والخطوط يتجلى بصرياً.

يستمد المبدع المسرحي عالمه من الأفعال والتعليقات والحواشي التي تقتحم السياق والتحويرات الطباعية، لتنبه القارئ بأنه إزاء عمل يراد منه أن يؤدي وظيفة تنشيط ذهنية بدلاً من الوظيفة الترويحية وتزجية الوقت فضلاً عن بث تقنيات جديدة تشكل إقحاماً شكلياً على المستوى التقني للمسرحية.

يمزج صلاح عبد الصبور في مسرحيته (بعد أن يموت الملك) الخطوط المختلفة إذ يضع تدخلات المؤلف الضمني بخط ناعم حجمه أقل من حجم الحوار المشهدي أو الحدث عموماً، أما أسماء الشخصيات فيكتبها بخط كبير وغامق. في مسرحية (حفلة سمر من أجل 5 حزيران) يلجأ الكاتب إلى تحويل عملية الكتابة بتغيير السياق والتحول من شكل إلى آخر باستخدام اللون الغامق عند كتابة (تدخلات المؤلف الضمني) أو تعليقاته، ويوضع بين قوسين، ويستخدم اللون الفاتح عند كتابة (الحوار المشهدي).

إن هذه المتغيرات تؤثر على شكل النص ومعماريته، فضلاً عن إرباك القارئ ودفعه إلى التوتر، وإرباك الخلفية النصية التقليدية، وقد يكون الغرض من هذه الانحرافات هو نوع من التعبير عن الحرية، والتحرر من القيود.

تضع بعض المسرحيات كلمات المؤلف الضمني بين قوسين كما في مسرحية (نهارات ليالي الألف) وهذه العلامات تؤدي وظيفة فاعلية تسهم في جذب القارئ فضلاً عن كونها وسيلة جمالية تزين النص، وتنبه القارئ بصرياً، كما تحيل نظام قصدي يحرك سكونية النص بتنوع الوسائل.

 


الاحالات:

1- قراءات في الأدب والنقد د.شجاع العاني (التغريب وانفتاح النص في قص ما بعد الحداثة)، ص 84، إتحاد الكتاب العرب دمشق.

2- ينظر مسرح التغيير (مقالات في منهج برشت الفني) اختيار ومراجعة قيس الزبيدي، 130، دار ابن رشد، بيروت، 1980م.

3- نظرية المسرح الملحمي، برتولد بريخت، ترجمة جميل نصيف، 234، عالم المعرفة، بيروت.

4- مقام إبراهيم وصفية لـ (وليد اخلاصي)، مجلة الأقلام، العدد 26، 1980.

5- خطاب التجريب في المسرح العربي، د.عبد الرحمن زيدان، 264، مطبعة سندي، مكناس، ط1، 1997.

6- ماضي اسمه المستقبل، نص مسرحي في عشرة تراكيب، آفاق المغرب ع 3. 1989، ص 105-118.

7- حفلة سمر من أجل 5 حزيران، سعد الله ونوس، دار الآداب، بيروت.

8- لوعة الغياب، عبد الرحمن منيف، ص 21.

9- السؤال أو حكاية الطبيب صفوان بن لبيب، محيي الدين حميد، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1976.

10- الزنج وثورة صاحب الحمار، ص 117.

11- كلب مقتول على الرصيف، محمد زفراف، مجلة المعرفة، دمشق، ع 105، 1970، ص 170-171.

12- بعد أن يموت الملك، صلاح عبد الصبور، ص 6.

13- نهارات الليالي الألف، عبد الخالق الركابي، دار الشؤون الثقافية، العراق، بغداد، 2001م، ص7.

14- الزنج وثورة صاحب الحمار.

15- م.ن، ص69.

16- بعد أن يموت الملك، صلاح عبد الصبور، ص142.

17- السؤال أو حكاية الطبيب صفوان، 9.

18- م.ن، 184.

19- حفلة سمر من أجل 5 حزيران، 52.

20- بعد أن يموت الملك، 25.