ردك على هذا الموضوع

أمن المعلومات وحقوق الإنسان... رؤية حذر

محمد محمود مكاوي

 

لقد تدنت مؤشرات حقوق الإنسان العربية في مجالات عدة وتراءى لبعض إن ما يشهده العالم من تطور تكنولوجي بات من السهل لأي مستفيد عربي أن يهضم تلك المخرجات التقنية الحديثة دون الإصابة بعسر في الهضم.... ولعله يخيب ظني إذ أتوقع تدني مؤشر حقوق الإنسان من المعلومات، المعلومة التي أصيبت بانتكاسة اقتصادية شأنها شأن السلعة سواء في إنتاجها أو تسويقها أو جودتها، إلا أن الخطر الأكبر الذي يحيق بأمن المعلومات هو تفريغها من مضمونها وقيمتها والقدرة على حمايتها، ذلك أن الفرد العربي اعتاد على التلقين التقني دونما تفعيل أو مشاركة في تلقين مرتد (feed back) وتلك هي محك القضية وذاك هو الجذع الذي تترامى عليه كل أوراق الموضوع.

البيئة الرقمية، مجتمع المعلومات ومجتمع الأمية المعلوماتية، خريطة المعرفة في العالم العربي... مصطلحات جديدة لعالم آخر، تلك هي محاور الورقة التي قدمها الباحث في دراسة مستفيضة قدمت في مؤتمر بجامعة القاهرة في اكتوبر 2004 وناقشت التصور الحذر لسلبيات منظومة المعرفة الجديدة على المستفيد العربي.

لقد أمسى الاتجاه المستمر والمتدفق نحو الاستخدام الآلي في إنجاز الأنشطة المختلفة للإنسان يبشر بمجتمع يعيش بلا ورق مطبوع أو مخطوط أو بعبارة أخرى يمهد لقيام مفهوم جديد للمجتمعات(1)، وهو المجتمع اللاورقي (paperless Society)، أو المجتمع الرقمي (Digitations Society)

مجتمع المعلومات: (Information Society):

ويقصد بمجتمع المعلومات أيضا جميع الأنشطة والموارد والتدابير والممارسات المرتبطة بالمعلومات إنتاجاً ونشراً وتنظيماً واستثماراً. ويشمل إنتاج المعلومات أنشطة البحث على اختلاف مناهجها وتنوع مجالاتها، بالإضافة إلى الجهود والتطوير والابتكار على اختلاف مستوياتها كما يشمل أيضاً الجهود الإبداعية، والتأليف الموجه لخدمة الأهداف التعليمية والتثقيفية والتطبيقية.

مجتمع الأمية (2) (Illiteracy):

يعتبر مصطلح الأمية من المصطلحات الرحبة الفضفاضة، فليست الأمية هي فقط عدم القدرة القرائية أو الكتابية بل هناك العديد من القراءات التي توضح هذا المفهوم. ففي ظل هذه الطفرة المعلوماتية التي تحيط بالكيان المعرفي، قد نشأت الأمية الحاسوبية (ComputerIlliteracy) التي توضح عدم قدرة بعض المتعلمين على التعامل مع الحاسب الآلي، كما أن هناك الأمية المعلوماتية(Information Illiteracy) التي تشير بشكل أو بآخر إلى عدم قدرة المتعلمين أو حتى مستخدمي الحاسب الآلي عن الوصول إلى معلوماتهم أو حتى التعامل مع مصادر المعلومات في ظل العمل المعلوماتي (information Work) المعقد، وهذان المفهومان متناوبان بالتداخل.

البيئة الرقمية وأمن المعلومات:

مما لا شك فيه أن التقنية الرقمية الحديثة قد أثرت بشكل جذري على هوية وقيمة المعلومات، وبات من السهل اقتناء واختزال بل واختراق الأنساق المعلوماتية المختلفة، وأصبح من الممكن تكسير الحواجز الأمنية التي تحمي المعلومة، خصوصًا بشكلها الرقمي الجديد، وهذه النظرة لا تمثل التفكير برؤية تشاؤمية بل هي رؤية حذر وتأنٍُ محاولة لفهم واقع الهوية العربية.

* أمن المعلومات (3) (Information Security)

أمن المعلومات هو قضية تبحث في نظريات واستراتيجيات توفير الحماية للمعلومات من المخاطر التي تهددها ومن أنشطة الاعتداء عليها. ومن زاوية تقنية، هو الوسائل والإجراءات اللازم توفيرها لضمان حماية المعلومات من الأخطار الداخلية والخارجية. ومن زاوية قانونية، فان أمن المعلومات هو محل دراسات وتدابير حماية سرية وسلامة محتوى المعلومات ومكافحة أنشطة الاعتداء عليها أو استغلال نظمها في ارتكاب الجريمة، وهذا هو هدف وغرض تشريعات حماية المعلومات من الأنشطة غير المشروعة وغير القانونية التي تستهدف المعلومات ونظمها (جرائم الكمبيوتر والإنترنت).

إن أغراض أبحاث واستراتيجيات ووسائل أمن المعلومات - سواء من الناحية التقنية أو الادائية- وكذا هدف التدابير التشريعية في هذا الحقل، ضمان توفر العناصر التالية لأي معلومات يراد توفير الحماية الكافية لها:

1- السرية أو الموثوقية ONFIDENTIALITY: وتعني التأكد من أن المعلومات لا تكشف ولا يطلع عليها من قبل أشخاص غير مخولين بذلك.

2- التكاملية وسلامة المحتوىINTEGRITY: التأكد من أن محتوى المعلومات صحيح ولم يتم تعديله أو العبث به، وبشكل خاص، لن يتم تدمير المحتوى أو تغييره أو العبث به في أي مرحلة من مراحل المعالجة أو التبادل سواء في مرحلة التعامل الداخلي مع المعلومات أو عن طريق تدخل غير مشروع.

3- استمرارية توفر المعلومات أو الخدمة AVAILABILITY: التأكد من استمرار عمل النظام المعلوماتي واستمرار القدرة على التفاعل مع المعلومات وتقديم الخدمة لمواقع المعلوماتية وان مستخدم المعلومات لن يتعرض إلى منع استخدامه لها أو دخوله إليها.

4- عدم إنكار التصرف المرتبط بالمعلومات ممن قام به Non-repudiation: ويقصد به ضمان عدم إنكار الشخص الذي قام بتصرف ما متصل بالمعلومات أو مواقعها، إنكار انه هو الذي قام بهذا التصرف، بحيث تتوفر قدرة إثبات أن تصرفا ما قد تم من شخص ما في وقت معين.

دول الخليج العربي و خريطة تأمين المعلومات

لقد حذر خبراء دوليون في أغسطس 2004 من تفاقم أزمة أمن المعلومات (4) لدول المنطقة وكانت الإحصاءات تشير إلى أن الاحتياطي المخصص لدول المنطقة العربية للإنفاق على أمن المعلومات حتى عام 2004 لا يتجاوز 200 مليون دولار في حين أن المطلوب توفيره هو 5 مليارات دولار، وأشارت التقديرات إلى أنه يتعين على القطاع الخاص بمعاونة القطاع الحكومي التعاون في مجال المصارف بشكل خاص وضرورة أن تتبنى استراتيجية مؤثرة لأمن المعلومات.. وانتقد التقرير تساهل المؤسسات والمصارف في الحفاظ على سرية وأمن المعلومات وارجع التقرير، القصور إلى عدم وجود هيئة أو مؤسسة تقوم بتنظيم أمن المعلومات كما أشار التقرير الذي اعتمدته مؤسسة (AGT) الألمانية إلى خطورة هذا الوضع على الأمن القومي للدول العربية التي تمتلك أكثر من 50 ألف مؤسسة متخصصة، ورغم ذلك تعاني من مشاكل في نشاطها في ظل اقتصاد الأمن، وأشار التقرير إلى أنه سيعقد مؤتمرا بمبادرة ألمانية ومشاركة عربية في برلين تحت عنوان) كيفية الأمن للاقتصاديات العربية ضد المخاطر الأليكترونية).

أولا:الإمارات العربية: وفي هذا الإطار نشير إلى أن الإمارات العربية المتحدة (5) أعلنت عن افتتاح مركز لدراسة أمن الشبكات والمعلومات في الشرق الأوسط وقد وقع الشيخ نهيان بن مبارك وزير التعليم العالي والبحث العلمي على إنشاء مركز التميز بكلية تقنية المعلومات بجامعة الإمارات محققًا بذلك سبقاً تقنيًا في مجال البيئة الرقمية في منطقة الحزام العربي وقد خصص لهذا السبق التقني نخبة من المتخصصين في أمن الشبكات وتقنية المعلومات وخبراء متخصصون في أمن المعلومات في المؤسسات الحكومية.

ثانيا: المملكة العربية السعودية: لقد أشارت ضوابط استخدام الإنترنت في المملكة التي ُأعدت من قبل لجنة الإنترنت الأمنية الدائمة، التي ترأسها وزارة الداخلية أن يلتزم كل مستخدمي الإنترنت بالمملكة العربية السعودية بالامتناع عن نشر أو الوصول إلى المعلومات التي تحتوي على بعض مما يأتي:

1- كل ما يخالف أصلاً وشرعاً الإسلام وشريعته و ما يتضمن القدح أو التشهير بالأفراد وكذلك كل ما من شأنه تحبيذ الإجرام أو الدعوة إليه.

2- التقارير والأخبار التي لها مساس بسلامة القوات المسلحة السعودية.

3- نشر الأنظمة أو الاتفاقيات أو المعاهدات أو البيانات الرسمية للدولة.

4- الدعوة إلى المبادئ الهدامة أو زعزعة الطمأنينة العامة أو بث التفرقة بين المواطنين.

وامتثالا لتأمين المعلومات التجارية فقد نصت بعض التعليمات التجارية على التزام جميع الشركات المؤسسات والأفراد المستفيدين من الخدمة بما يأتي (6):

5- عدم مزاولة أي نشاط عمل عبر الشبكة كالبيع أو الاعلان أو التوظيف أو غير ذلك إلا بموجب التراخيص أو السجلات التجارية سارية المفعول.

6- عدم مزاولة أنشطة الاستثمارات المالية أو طرح أسهم للاكتتاب إلا لحاملي التراخيص اللازمة لذلك.

7- عدم الترويج أو البيع للأدوية أو السلع الغذائية التي تحمل ادعاءات طبية أو لمواد التجميل إلا لما هو مسجل ومصرح به من قبل وزارة الصحة.

ثالثا: الكويت: وبالنسبة للكويت فقد أدرجت تحت المراقبة الخاصة للملكية الفكرية (7) ومن اجل الخروج من هذه الدائرة قدم حلف الملكية الفكرية الدولي عدة شروط أهمها:

1- الإعلان من أعلى مستوى في الحكومة الكويتية بعدم السماح للقرصنة.

2- القيام بحملات متواصلة ومنظمة ضد القرصنة.

3- الإعلان عن الحملات للحصول على تأثير رادع.

4- فرض غرامات إدارية ومالية ومحاكمة المخالفين.

5- تعديل قانون حماية حقوق الناشر لينسجم مع اتفاقية الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية.

وفي هذا الإطار يرصد تقرير تحالف البرمجيات (BSA) (نفس المصدر) أكثر الدول انتهاكا لحقوق الإنسان الفكرية في العالم وهم 24 دولة جاءت قطر في المؤشر 7 والبحرين في المؤشر 11 وعمان 12 والكويت 14 ويذكر التقرير أن الصناعة المعتمدة على حقوق النشر بالكويت تخطت 25 مليون دولار نتيجة نسخ البرمجيات وهي نسبة متواضعة من إجمالي خسائر القرصنة التي بلغت 10 مليارات دولار عام 1999 والشيء المخيف أن تظل الكويت واحدا من أعلى معدلات القرصنة في العالم وفي الخليج.

وإذا كانت مصادر المعلومات الورقية ستظل تتعايش مع مصادر المعلومات الإلكترونية إلا أن الأخيرة ستكون هي المتفوقة والمهيمنة في المستقبل في ظل الزحف الإلكتروني المتنامي والشبكات المتطورة وذلك للأسباب الآتية (8):

1- توفر للباحث كماً ضخماً من البيانات والمعلومات سواء من خلال الأقراص المتراصة، أو من خلال اتصالها بمجموعات المكتبات ومراكز المعلومات والمواقع الأخرى.

2- تكون السيطرة على أوعية المعلومات الإلكترونية سهلة وأكثر دقة وفاعلية من حيث تنظيم البيانات والمعلومات وتخزينها وحفظها وتحديثها مما سينعكس على استرجاع الباحث لهذه البيانات والمعلومات.

3- يستفيد الباحث من إمكانات المكتبة الإلكترونية عند استخدامه لبرمجيات معالجة النصوص، ولبرمجيات الترجمة الآلية عند توافرها، والبرامج الإحصائية، فضلاً عن الإفادة من إمكانات نظام النص المترابط، والوسائط المتعددة (Multimedia).

4- تخطي الحواجز المكانية والحدود بين الدول والأقاليم واختصار الجهد والوقت في الحصول على المعلومات عن بعد، وبإمكان الباحث أن يحصل على كل ذلك وهو في مسكنه أو مكتبه الخاص.

5- التمكن من استخدام البريد الإلكتروني والاتصال بالزملاء في المهنة والباحثين الآخرين، وتبادل الرسائل والأفكار مع مجموعات الحوار (Discussion groups) وتوزيع الاستبيانات واسترجاعها.

6- تتيح هذه المكتبات للباحث فرصة كبيرة لنشر نتائج بحثه فور الانتهاء منها في زمن ضاقت فيه المساحات المخصصة للبحوث على أوراق الدوريات. هناك العديد من المبررات التي دعت إلى التحول إلى المجتمع الرقمي منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو مهني ومنها ما هو جغرافي وزمني أهمها الآتي (9):

1- زيادة الإنفاق على الأوعية التقليدية واستغلال الوقت والجهد في عمليات البحث.

2- حرص المكتبات على البقاء في ظل سوق خدمات المعلومات.

3- زيادة كثافة الأوعية التقليدية.

4- قدرة النظام الرقمي على مد الخدمة وكسر الحواجز الجغرافية.

خصوصية مجتمع المعلومات الرقمي والانعكاسات على حقوق الفرد من المعلومات

* البيئة الرقمية العربية …. مؤشرات ودلالات:

لقد أشارت تقارير الأمم المتحدة إلى اتساع الفجوة المعلوماتية بين البلدان العربية والبلدان المتقدمة، و أوضح أن هناك نسبة 1.2 % من المواطنين العرب يمتلكون حاسبا، ونصف هذا العدد يستخدم خدمة الإنترنت، وأشار التقرير إلى أن معظم الدول العربية عدا الإمارات والكويت تتساوى جميعها في درجة افتقارها لتقنية المعلومات والاتصالات (10).

كما أظهرت المسوحات العالمية لمحتوى الإنترنت (11) أن اللغة العربية لا تتجاوز 1% من كل المحتوى في حين تمثل اللغة الإنجليزية 68.8 % من الإجمالي وهذه النسبة الضئيلة للوطن العربي وللأمة الإسلامية تكاد تكون مستقرة رغم كل محاولات إنقاذها.

هذا ولم تستخدم التقنية المعلوماتية حتى الآن شكلاً كافياً في الوطن العربي، ولم يتم تقدير دور المعلومات في عملية التنمية قدرها الصحيح. وما زالت هناك عوامل متعددة تؤثر تأثيراً مباشراً في أنشطة المعلومات ومن هذه العوامل(12):

1- الفجوة الاقتصادية بين الدول العربية، فهناك دول غنية تستطيع اقتناء أحدث نظم تقنية المعلومات وهناك دول فقيرة تنظر إلى تقنية المعلومات كرفاهية علمية غير مطلوبة قبل توفير الغذاء والمسكن لشعبها.

2- الاختلاف الشديد في الكثافة السكانية للدول العربية، فهناك دول مكتظة بالسكان، وتستطيع أن تصدر فائضاً من القوى العاملة المدربة والمؤهلة في مجال تقنية المعلومات، في حين أن هناك دولاً محدودة السكان لا تتوفر لديها الأطر الفنية القادرة على تغطية وشمول هذا المجال، قبل مجالات العلوم والتقنية الأكثر إلحاحاً وأهمية بالنسبة للدولة.

3- الاختلاف الكبير في مستويات العلوم والتقنية والمعرفة بشكل عام بين الدول العربية، فهناك مراحل متقدمة في هذه المجالات في حين أن هناك دولاً ما زالت في أول الطريق.

4- النمو المتزايد في عمليات الاستثمار والأنشطة والأعمال التجارية، التي تدعو بالتالي إلى ضرورة توفر نظم المعلومات الحديثة والتقنية الإعلامية لتواكب الحركة العالمية، خاصة بعد ارتباط هذه الأنشطة بالأسواق العالمية التي استخدمت تقنية المعلومات منذ فترات طويلة وأصبح لها دراية وخبرة بهذه المجالات وبتأثيراتها على تنمية الاستثمارات والأنشطة التجارية.

5- اختلاف المفاهيم والمعاني المتصلة بالتقنية المعلوماتية، حيث ما زالت هذه المفاهيم غير موحدة بين الدول العربية، ولكل منها معنى مغاير من دولة إلى أخرى، بل أحياناً من هيئة إلى أخرى داخل الدولة الواحدة.

6- ضعف دور المنظمات العربية المتخصصة في مجال تقنية المعلومات، بل أن بعضها لم يتواجد بعد على الساحة العربية، مثل خلق مؤسسة عربية لإعداد حواسيب عربية تستخدم (شيفرة) عربية ولغات برمجة عربية وإعداد حزم برامج وقواعد بيانات عربية....... الخ.

7- ضعف دور مراكز المعلومات الوطنية المتوفرة بالدول العربية، فغالباً لا تتوفر خطط وطنية لهذه المراكز، وإذا توفرت قد تحيد عنها أو تتوقف عن تنفيذها لأسباب داخلية أو لأسباب خارجة عن إرادتها (مثل تقليص ميزانيتها أو نقل تبعيتها الإدارية......الخ).

باحثو المعلومات في المكتبة الإلكترونية

لقد أصبح هناك مؤشران يوضحان دور الأخصائي (باحث المكتبات)، المؤشر الأول يشير إلى تضاؤل أو محدودية دور الأمين في ظل تأثير التقنيات الحديثة المتراكمة، ويشير المؤشر الثاني إلى تأييد دور باحثي المكتبات والمعلومات واستمرارية الدور المنوط به (13).

المؤشر الأول: الخاص بتضاؤل دور المكتبي يستند إلى التقنيات الحديثة باعتبارها أضافت متغيراً جديداً وبعداً آخر للبنية أو التوسط المعلوماتى (Information meditating)، فالمعلومات على الخط المباشر وعلى الشبكة العنكبوتية (www) أصبحت داخل وخارج المكتبة وباستطاعة المتصفح على الحاسب أن يكسر حاجز الوصول إلى المعلومات عن طريق النفاذ أو الوصول إلى شبكات المعلومات البعيدة بل والقدرة على تفريغ هذه المعلومات (Down-load). وهنا يتساءل بعضهنم هل باستطاعة التقنية الحديثة أن تزود المستفيدين بالمعلومات التي كان المهني يساهم في إيصالها؟ وعلى الجانب الآخر إذا استطاع المستفيد أن يتزود بمهارات البحث التقني فهل يترتب على ذلك تضييق الفجوة بين المستفيد والمهني ؟ أعتقد أن الإجابة تفرض نفسها لأن الأمية الحاسوبية (Computer Illiteracy) مازالت تسيطر على معظم المستفيدين، ولا أهين ذكاءكم إذ أوضح معنى الأمية الحاسوبية، فليس القصد منها هو عدم القدرة على تشغيل الحاسب ولكن هو القدرة على البحث المحترف على الحاسب وحتى على أوعية المعلومات التقليدية المقروءة والمرئية والمسموعة.فالأمية الحاسوبية قد تخرج من تحت عباءة الأمية المعلوماتية (Information illiteracy) التي تعني عدم قدرة الفرد على استخدام المعلومات ومصادرها خصوصاً في ظل التعقيد المتزايد والمتراكم لمخرجات الإنتاج الفكري العالمي.

المؤشر الثاني: يؤيد استمرارية احتفاظ المهني بدوره ومكانته مشيرًا إلى أن الدور المنوط بالمكتبي يمثل حلقة وصل أو إن شئت قل طرفا في معادلة لا يمكن تحقيق نتائج بدونه لأنه يمثل العلاقة المباشرة بين المستفيدين والمعلومات فعلى سبيل المثال نحن الآن في عام 2004 وفي ظل تراكم وتكدس المعلومات وقواعد البيانات مترامية الأطراف يأتينا الباحثون من أقصى الدولة إلى أقصاها وبجميع درجاتهم العلمية إلى دار الكتب (National Library) يعنيه معلومات بعينها هذه المعلومات بالطبع لا تجلبها إلا خبرة سابقة ولا تعالجها إلا ممارسة حية على دراية بكل أوعية المعلومات التقليدية وغير التقليدية.

لقد تغيرت مهام ووظائف أمين المكتبة الإلكترونية من أداء الوظائف التقليدية إلى مهام استشاري معلومات، ومدير معلومات، وموجه أبحاث، ووسيط معلومات للقيام بعمليات معالجة المعلومات وتفسيرها وترجمتها وتحليلها، وإتقان مهارات الاتصال للإجابة على أسِئلة المستفيدين، وكذلك الارتباط ببنوك وشبكات المعلومات وممارسة تدريب المستفيدين على استخدام النظم والشبكات المتطورة، وتسهيل مهمات الباحثين. ويرى بعض الخبراء والباحثين أن المكتبة الإلكترونية ستزيد الطلب على اختصاصيي المعلومات من أصحاب الخبرة والمعرفة الواسعة للقيام بالمهام الآتية (14):

1- استشاري معلومات يعمل على مساعدة المستفيدين وتوجيههم إلى بنوك ومصادر معلومات أكثر استجابة لاحتياجاتهم.

2- تدريب المستفيدين على استخدام المصادر والنظم الإلكترونية.

3- تحليل المعلومات وتقديمها للمستفيدين.

4- إنشاء ملفات بحث وتقديمها عند الطلب للباحثين والدارسين.

5- مساعدة المستفيد في استثمار شبكة الانترنت وقدراتها الضخمة في الحصول على المعلومات.

ومثل هذه المهام تتطلب إعداداً خاصاً لاكتساب مهارات معينة في مواجهة التطورات السريعة والمذهلة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتقديم خدمات شاملة ومتجددة تتماشى مع روح العصر وثورة المعلومات. فضلاً عن ذلك فقد أسست جامعة كاليفورنيا في بيركلي (Berkely) مدرسة نظم المعلومات (SIMS)، وكانت رسالتها تتعلق بتكوين أمناء المعلومات الذين تتصل مهامهم بتنظيم ومعالجة وتنقيح وعرض المعلومات، ولا تقتصر وظيفتهم على إدارة التكنولوجيا فحسب، وإنما إدارة المعلومات والناس معاً.

ويذهب بعضهم إلى أن الوظيفة الأساسية التي يقوم بها أمين المكتبة الإلكترونية هي تحديد مكان المعلومة أو أماكنها، أو المعلومات المطلوبة منه سواء أكان طالب المعلومة رجل أعمال، أو شركة، أو باحثاً، وسواء أكانت المعلومة خاصة بمنافسة تجارية، أو تتعلق بدراسة موضوع علمي أو صناعي، أو تتعلق بتحديد خلفية بحثية لموضوع ما، ولتحقيق ذلك يستخدم أمين هذه المكتبة جميع وسائل الاتصال الإلكترونية.

* حقوق الإنسان من المعلومات:

هناك تخوف من تدني مؤشرات حقوق الإنسان من المعلومات خصوصا في ظل هذه الأعاصير المتلاحقة لموجات التطور التقني لمعالجة المعلومات(15) وباتت مؤسسات المعلومات تهتم بترويج المعلومة باعتبارها سلعة وليس باعتبارها خدمة ومن هذه المؤشرات:

1- الاتجاه نحو تركيز خدمات المعلومات في عدد من شركات تقنيات المعلومات التي تهتم بالربح في المقام الأول.

2- تركيزها لدى الشركات التجارية بهذا الشكل قد يوفر أرضا خصبة لضياع حقوق الفرد من المعلومات وذلك لحكرها على ذوي اليسار مما يلحق الضرر بالفرد غنياً كان أو فقيراً.

3- استفادة المناطق الريفية ببطء وفي ذلك عدم عدالة في التوزيع بالمقارنة بالمناطق ذات الاهتمام البؤري التي تتركز فيها عناصر الخدمة، صحيح أن الاتصالات بعيدة المدىTelecommunications قد وفرت الكثير من الخدمات لمثل هذه المناطق النائية إلا أن لمثل هذه الأبعاد الكثير من الانتقادات.

4- تنميط المعلومات، فالمعلومات على الخط المباشر أيا كانت طبيعة هذا الخط يسودها نمطية، هذه النمطية قد تكون أو هي بالفعل معدة سلفاً وتوجه بشكل متعمد، فعولمة اللغة (الإنجليزية) على مواقع الشبكة العنكبوتية (WWW) أمر متعمد وهي التي تمثل نصيب الأسد حوالي 69% في عمليات البث المعلوماتي المتدفق، وهنا بالتحديد لا تبتعد الأهداف السياسية عن التداخل في هذا المجال لان توجيه المعلومة ليس اقل من توجيه الصاروخ ففي النهاية إنما يوجه الصاروخ بالمعلومة.

5- إن أغنياء المعلومات ربما يكونون دولاً أو مؤسسات وربما يكونون أفراداً أيضاً، لأن الفرد هنا يستطيع من محطة تشغيل واحدة أن يقوم بمئات الوظائف في مجالات تجميع وتجهيز البيانات وبث ونشر المعلومات، مستعيناً في ذلك بمراصد المعلومات ووسائل الاتصال الوطنية والدولية جميعاً.

نحو استراتيجية عربية لمواءمة تقنيات المجتمع الرقمي الجديد:

كمتطلب أول لاستشراف آفاق المستقبل نحو مجتمع المعلومات في الوطن العربي، ينبغي إعداد المجتمع العربي وفق ما يلي (16):

1- أول هذه الاعتبارات هي الإعداد لميزان عادل ومعيار موحد تقوم على اساسه كيفية تقويم أداء المكتبات العربية من خلال المعيار الكيفي والنوعي لا الكمي.

2- اعتبار تهيئة المجتمع العربي لمتطلبات مجتمع المعلومات قضية ثقافية ذات أولية أولى، باعتبار أن العصر المقبل هو عصر المعلومات.

3- ثمة ضعف في الهياكل السياسية لتقنية المعلومات في معظم البلدان العربية سببه قلة المتخصصين وقلة الذين يؤهلون للمستقبل التقني المعلوماتي، يقابل ذلك أن الإنتاج المعرفي يتضخم في العالم بشكل يزيد على سرعة المتواليات الهندسية. حيث لابد من البدء الفوري بإعداد الهياكل المتخصصة اللازمة.

4- من الأهمية بمكان مواجهة المشاكل المزمنة في تحقيق تكامل معلوماتي عربي نتيجة للحدود المغلقة وعدم وجود المؤسسات العربية بالسرعة التي تفرضها (الديناميكية) للثورة الإلكترونية.

5- لابد من التركيز على الجانب التعليمي والتربوي وعدم الاكتفاء بالتعليم الرسمي، بل يجب أن يشمل ذلك التعليم الذاتي والتعليم المستمر ومواكبة خطط التعليم لخطط التنمية، فالمخططون لعمليات التنمية لا يولون تقنية المعلومات أي اهتمام وخاصة في التربية.

6- ضرورة تغيير الفلسفة التعليمية من الأسلوب التلقيني الصرف إلى أسلوب يشجع على تنمية قدرات حل المشكلات والملفات الابتكارية والفنية.

7- دراسة واقع مرافق المعلومات العربية وتبادل الآراء حول سبل مواكبة التطورات الحاصلة في مسائل إدارة المعرفة والجودة الشاملة.

8- ضبط جودة خدمات المعلومات في العصر الإلكتروني: قياس أداء المجموعات والإجراءات الفنية والخدمات الموجهة لجمهور المستفيدين كالاهتمام بالجودة الشاملة في إدارة مؤسسات المعلومات في الوطن العربي: من الحوافز والامتياز والإنتاجية.

9- وضع تشريعات حازمة لإلزام دور النشر والجامعات ومراكز الأبحاث برقمنة كل ما سبق ونشرته على الأقل خلال العشر سنوات السابقة.

10- ضرورة وجود جهة مسؤولة عن مشروع الرقمنة ومراقبتها.

* باحث بدار الكتب والوثائق القومية- مصر

m_mekawi2002@yahoo.com

 


المصادر:

1- تكنولوجيا المعلومات في المكتبات ومراكز المعلومات العربية بين الواقع والمستقبل (وقائع أوراق المؤتمر العربي الثامن للمعلومات،برعاية الاتحاد العربي للمكتبات،والجمعية المصرية للمكتبات، جامعة القاهرة 1-4 نوفمبر 1997).

2- حسني عبد الرحمن الشيمي، اللاورقية: أو الكتاب الورقي بين الزوال والبقاء 1995.

3- مصدر سابق.

4- مجلة الأهرام العربي ع 385 أغسطس 2004 ص30.

5- مجلة لغة العصر، مؤسسة الأهرام، ع أغسطس 2004.

6- المصدر السابق.

7- مجتمع المعلومات في الكويت، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) ، 2004.

8- نفس المصدر السابق.

9- بهجة بومعرافي، دورية الاتجاهات الحديثة في المكتبات، ع 20، 2003.

10- محمد محمود مكاوي: مصدر سابق.

11- مجتمع المعلومات في المملكة العربية السعودية، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا: الاسكوا، 2004.

12- محمد محمود مكاوي: مرجع سابق.

13- حسني عبد الرحمن الشيمي، اللاورقية أو الكتاب الورقي بين الزوال والبقاء، القاهرة، الطبعة الأولى، 1993.

14- مصدر سابق.

15- محمد محمود مكاوي مصدر سابق.

16- مصدر سابق.