ردك على هذا الموضوع

التنمية الشاملة

والتطوير الاستشرافي للمفهوم

د. علي حيدر*

 

أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1969 قراراً تضمن (إعلان الحق في التنمية).

أقر في مادته الأولى أن الحق في التنمية، حق من حقوق الانسان، غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية إقتصادية وإجتماعية وثقافية وسياسية نحو التمتع بهذه التنمية التي يمكن فيهاإعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية أعمالا تاما كما نصت وثيقة مشروع (مصر 2020) في رأس مجالات ومهام البحث والدراسة تحديد منهجيته في إطار الربط الكمي والكيفي من الظواهر، وكان الدافع الى إجراء هذه الدراسة بتعمق وشمول مفهوم التنمية ومحتواه وجوانبه المختلفة الذي سيكون عصب المشروع كله. ويعتمد هذا الجهد على كل ما يمكن التعبير عنه عدديا، واكتشاف العلاقات المتبادلة والمتعددة التي لا يمكن الإحاطة بها الا بـ منهج النمذجة الحسابية والرياضية.

لذلك فقد أمسى مصطلح التنمية اليوم محورا مشتركا لمعظم- ان لم يكن جميع- العلوم الإنسانية وتطبيقاتها، فهناك تنمية اقتصادية (علم الاقتصاد) وتنمية اجتماعية (علم الاجتماع) وتنمية سياسية علوم، وكذلك تنمية ثقافية (علوم ونظريات ثقافية) وغير ذلك ولم يكن هذا الأمر مثيراً للدهشة والتساؤل بمقدار ما ابرز الحاجة للبحث في مفهوم التنمية، وتحديد دلالاته على نحو متماسك وضمن سياق تاريخي ونسبي رصين. وجاء الاصطلاح الجديد والراهن لما يطلق عليه بالتنمية البشرية ثم التنمية البشرية المطردة ليعبر عن سمة جوهرية وشاملة في العملية المجتمعية الهادفة لإجراء تحويل عميق في الحياة الإنسانية بكل مظاهرها، التي تشترك العلوم الإنسانية- بكل مجالاتها- في معالجتها حسب اختصاصاتها وميادينها المحددة. بما فيها مواجهة التحديات على انواعها، ولا سيما تلك الناشئة عن الأخطار البيئية وإرث التخلف المزمن والهيمنة الأجنبية على البلدان النامية.

إذن لا يمكن حصر التنمية في الحدود الضيقة للنمو الاقتصادي. كما انها تشير إلى تبني مفهوم موسع للتنمية يستوعب أبعادا اجتماعية وسياسية وتكنولوجية وبيئية الى جانب البعد الاقتصادي. فالتنمية هي عملية تحرر إنساني تشمل تحرير الفرد من الفقر والقهر والاستغلال وتقييد الحرية. كما تشمل تحرير المجتمع من ذل الاعتماد على الخارج وتخليصه من قيود التبعية بكل ما تحمله من استغلال وتقييد للإرادة الوطنية وهشاشة أمام الصدمات الخارجية.

والبشر هم هدف التنمية ووسيلتها، ولذا فمن الواجب وضعهم في بؤرة اهتمام صناع القرار ونشير هنا الى ان مفهوم التنمية عرفته موجة أولى من الاقتصاديين الأمريكيين: روستو، هيرشمان، ارثر لويس أساسا، وفي الستينات من القرن المنصرم بدأ التفكير التنموي من أبناء العالم الثالث ومن المتفق عليه ان نقطة البداية كانت نظرية القلب والتخوم (أو المركز والأطراف) التي صاغها كبير اقتصادي العالم الثالث (راؤول برييس)، وكان في منطق هذا المفهوم ان القلب يفوز بالنصيب الأكبر من المكاسب والمنافع على حساب التخوم، مع تأكيد انه يسحب من ثمار عمل شعوب التخوم، ومن ثم شارك عدد من اقتصادي أمريكا اللاتينية في صياغة مفهوم Dependencia بمعنى الاعتماد على الغير، وبالتالي تمكين هذا الغير من صياغة نمط التنمية المحلية بما يخدم مصالحه قبل كل شيء. أما مصالح الناس فليس لها من يحميها وقد توافق الكتاب العرب على ترجمة هذا المعنى بإسم (التبعية) وهنالك قائمة مراجع طويلة ازدهرت في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وهي أبرزت بنوع خاص مفهوم أنماط التنمية البديلة، واهتمت بالتالي بمفهوم التنمية ذاته اكثر من اهتمامها بقياس التبعية. وكان نتاج تلك الجهود بروز مفهوم الاعتماد على النفس كبديل للاعتماد على الغير، وان تتوجه التنمية نحو الداخل (الوفاء بالحاجات الأساسية مثلا) بدلا من ان تخدم الخارج والتي تعني بالشعب ولا يقتصر جهد على إثراء طبقة محدودة العدد وافتقار الكثرة من الناس، ويمكن الإحالة في هذا الصدد الى أعمال سونكلي (تشيلي) وكاردوزر (البرازيل) وسمير أمين ومارك نيرمان (سويسرا)، وغيرهم كثير. وفي نفس الإطار ظهرت فكرة (التنمية المستقلة) بشكل مبدئي لم يلق في البداية الجهد الكافي لتحديد جوهرة وملامحه.

ومن هنا ينبغي أن تهتم التنمية بإشباع الحاجات الإنسانية لعموم الناس، وبإشراكهم بشكل فعال في اتخاذ القرارات المؤثرة في حياتهم وحياة أبنائهم. وذلك كله من غير أن تجور على حق الأجيال القادمة في فرص معقولة للنمو من خلال الحفاظ على البيئة واحترام توازناتها وتطوير قاعدة الموارد الطبيعية بانتظام، فبذلك تكون التنمية مستمرة ومتواصلة أي مطردة، وتتوافر للمجتمع فرص إعادة البناء والتجدد الذاتي.

وهذه الأهداف لا تتحقق إلامن خلال تغيرات جوهرية في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمع، تعيد ترتيب علاقاته الداخلية كما تعيد تحديد موقعه في نظام تقسيم العمل الدولي. وهذه التغيرات الجوهرية لن تتم بشكل تلقائي، وانما بالضرورة محصلة نضال سياسي، ونتاج إرادة واعية، وتخطيط محكم.

وهنا يبرز دور الدولة في تحقيق التنمية بهذا المعنى الواسع والعميق، من خلال سياسات تدخل حكيمة وخطط محكمة لتحقيق أهداف محدودة، كما يبرز ايضا دور البشر والإنسان في هذه العملية النضالية التي لن تتم بدون تضحيات وآلام. لانها ستواجه بمقاومة شرسة من أصحاب المصلحة في استمرار الوضع القائم في الداخل والخارج. ومن هنا تبرز ضرورة توفير الحوافز الكافية لكي يقبل الناس على هذه العملية النضالية الشاقة، وضرورة التنظيم الجيد لصفوف القوى الساعية لتحقيق التنمية المستقلة حتى تشن حربا مظفرة على التخلف والتبعية. ولعل خير حافز للناس لخوض هذه المعركة هو شعورهم بالمشاركة الفاعلة، والتشاور المستمر معهم في تحديد الأهداف والوسائل فهذا هو ما يولد الحماس ويحقق التعبئة الضرورية، فعليه لا بد من الإشادة بالجهود الخيرة التي بذلها أهل الحكمة والنظر الصائب من علماء الإسلام في سبيل إظهار الدور الإيجابي الفعال للإسلام الحنيف في مسيرة التنمية والتقدم. ومن أبرزها ما ذكره الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي الذي وقف الكثير من فكره الثاقب على تفصيل المسائل المتصلة بقضية التنمية. والناظر في كلام السيد الشيرازي حول هذه القضية لينتبه من فوره الى مسألة من مسائل هذه القضية لا يخطئها النظر الا وهي التنمية البشرية، وان العناية الكبيرة التي يوليها الإمام لهذه الشعبة من التنمية تنسجم انسجاما منطقيا مع الفكر الإسلامي المعاصر الذي يمثل السيد ركنا مهما من أركانه. فمفهوم الإنسان لدى الإسلام ينطوي على الكثير من المعاني الرفيعة، وان من المتاح للإنسان ان يحيا حياة أخلاقية سامية تزخر بأوجه شتى من التعامل الحسن مع أبناء نوعه ومن العرفان لحق خالقه عليه عرفانا يتجلى في عبادته والعمل بما يرضيه حتى يصير ممن (يحبهم ويحبونه) فتفتح لهم أبواب السماء ويخلدون في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

ومما لا ريب فيه ان هذه الصفات الحميدة انما هي ثمار للشخصية الإنسانية التي ترتفع فوق الطبائع البهيمة بالمجاهدة والسعي الدؤوب، وفي هذا، فاننا نرى الإمام الشيرازي قد أولى الشخصية الإنسانية وتنميتها والارتفاع بمستواها عناية فائقة، فهو يفرد لذلك الأمر في عشرات الصفحات من كتابه الاجتماع، ويتحدث بالتفصيل عن الشخصية الفردية والاجتماعية وصورة تكونها، وعلى أقسام الشخصية المعنوية وعوامل صياغة الشخصية الفردية وكذلك في خلال ما يربو على أربعين عاما تكونت لدى الإمام الشيرازي على صعيد الفكرة وعلى صعيد الواقع حصيلة ضخمة من النظريات العلمية التي من شأنها ان تشق طريق البلاد الإسلامية الى الأمام ونفوذها من مرحلة تاريخية لتطور المجتمع السياسي والاجتماعية الى مرحلة أخرى والتنمية هي دوما، اتساق في التطور الاجتماعي أي انتقال محكم الى الجديد، والى علاقات ومؤسسات ومشاريع جديدة والى أفكار جديدة ومتجددة. في إطار الضوابط الأخلاقية والتشريعية. إن الفكر السياسي والتنموي للإمام الشيرازي يرى ان التنمية تتحقق على أيدي الناس أنفسهم وان المقومات المادية للنظام التنموي والظروف الموضوعية للتغيير التي تحقق هذه المقومات بواسطتها في أنظمة، وعلاقات جديدة لا يمكن ان تتهيأ الا بالسير الموضوعي للتطور الاجتماعي نفسه، وبالدرجة الأولى العلاقات التي تفرزها طبيعة التطور الاقتصادي والقوى المنتجة التي تدخل خلال جميع مراحل التطور التنموي، في علاقة اندماجية كاملة مع مشاريع العمل، وخطط بناء الدولة، ويضيف الإمام الشيرازي قائلا:- ان هذه العلاقة الاندماجية تتطلب باستمرار، إعادة تنظيم جذرية تؤدي الى إعادة تنسيق الحياة التنموية. واعادة بناء الإنسان المسلم نفسيا، ثم توثيق ارتباطه بمجتمعه، ودفعه الى القيام بواجباته باعتبارها أوامر إلهية لا مفر من تطبيقها بحذافيرها.

وبحسب الرؤية الشيرازية، من ان التنميات المتعددة في العالم، إذا تميزت ببعض الصفات المشتركة، انما تختلف عن بعضها البعض- وهذا أمر بديهي- من حيث طبيعتها الاجتماعية وقواها المحركة لها وأهدافها ومهماتها واخيرا من حيث مخطط آلية ظهورها ونموها واكتمالها فكرا وسلوكا عمليا. فالوعي بتلك التنميات وبيان أهميتها، مما يتخذه الإمام الشيرازي مرتكزا من مرتكزاته العديدة لاثبات أصالة الفكر الإسلامي والتنمية الإسلامية.

إن النجاح في هذه المهمة يحتاج الى حشد كل الجهود الممكنة من الداخل (سواء أكانت قطاع عام، ام قطاع خاص حديث او تقليدي، أو قطاع تعاوني) وتظافر جهود الدولة الإسلامية مع جهود الدول النامية الأخرى الراغبة في السير على نفس الطريق (الاعتماد الجماعي على الذات).

لتكوين جبهة قوية يمكنها مواجهة البيئة الدولية غير المواتية للتنمية وتحسين وضع العالم الثالث في النظام الدولي.

ومن هنا يقرر الإمام الشيرازي انه لا يجوز تصور عملية التغيير هذه بشكل معركة واحدة على جبهة واحدة، التعليم ضد الأمة، او الحرية ضد العبودية، والأمن الاجتماعي ضد الإرهاب…… الخ بل هي معركة دائمة ومستمرة على جميع الجبهات فهذه التنمية ستكون بمثابة عصر كامل من السلام الاجتماعي بمفهومه الكلي، ومن الأنتصار الحاسم على طائفة كاملة من المعارك على مختلف جبهات النمو والتطور ومن اجل إنجاح مختلف التحولات المختمرة في فكر وعقل الإمام الشيرازي التي تتطلب عملا جماعيا جبارا، يعتنق فكرا علميا وسياسيا يتميز بعداء حاد لجميع المزايدات السياسية والشعارات الطوبائية.

إن استعراض التطور في مفهوم التنمية وفي الخبرات التنموية على مدى نصف قرن من منطلقات السيد الإمام الشيرازي واستقرائه للأحداث، وفي غاياته ووسائله قد نبهنا الى أمر مهم، الا وهو الاتساع والشمول الكبيرين في مفهوم التنمية والتعددية الملحوظة في أبعادها. وهذا الأمر يحمل في ثناياه أربعة دروس مهمة يمكن إيجازها على النحو التالي:

1- لا يوجد مفتاح وحيد لاطلاق طاقات التنمية وضمان اطرادها ان الأمر يستلزم العمل بحزمة من المفاتيح، أي حزمة سياسات، تخاطب الأبعاد والقضايا المتعددة المشمولة في المفهوم الأوسع للتنمية، على نحو متناسق ومتكامل وقابل للتطوير في ضوء المستجدات، فثمة حاجة الى سياسات للادخار والاستثمار والنمو الاقتصادي وذلك باعتبار ان النمو الاقتصادي شرط ضروري وان لم يكن كافيا للتنمية المطردة وثمة حاجة لسياسات التوظف الكامل ولاعادة توزيع الدخول وتحسين أحوال ذوي الدخول المنخفضة. حيث لم يعد من المجدي الركون لقوى السوق وحدها في نشر ثمار التنمية وإيصال نصيب عادل منها الى الفقراء. وثمة حاجة لسياسات الحد من التبعية والانفتاح المتعقل والمتدرج على الاقتصاد العالمي، حيث لا تنمية مع التبعية حيث لا فرصة للتقدم من دون الشروع في تحرير الإرادة الوطنية، وحيث ان الاندفاع غير المدروس وغير المسبوق باستعدادات كافية للاندماج في الاقتصاد العالمي يمكن ان تكون مخاطرة كبيرة، لدرجة الإطاحة بما يكون قد تحقق من قبل من تحسين في وضع الاقتصاد الوطني، في الاقتصاد العالمي. وثمة حاجة الى سياسات للنهوض بالتعليم والقدرات العلمية والتكنولوجية حيث اصبح اطراد التنمية واكتساب مزايا تنافسية رهنا بتوافر قوى عاملة متعلمة وماهرة وبتوافر قاعدة وطنية متينة للعلم والتكنولوجيا. وثمة حاجة الى سياسات للمحافظة على البيئة وصيانتها في سياق التنمية. حيث لم يعد يجدي تأجيل التعامل مع قضايا الموارد الطبيعية ومشكلات التلوث وما اليها الى مراحل متقدمة في مسيرة التنمية، واخيرا ثمة حاجة الى سياسات لاعادة تصحيح الهياكل والمؤسسات القائمة واستحداث هياكل ومؤسسات جديدة تعمل كقنوات توصيل وتفعيل للسياسات المراد تنفيذها، وتكفل المشاركة الشعبية والإرادة السليمة والحكم الجيد بكل مقوماته التي لا بد من تواجدها.

2- لا تقدر قوة واحدة في المجتمع على إحراز التنمية، بمفهومها الشامل والواسع، بل إن الأمر يقتضي تنشيط وتفعيل أطراف وقوى متعددة في المجتمع واشراكها على نحو جاد في اتخاذ وتنفيذ ومتابعة قرارات التنمية. فلم تعد التنمية مرهونة بجهود الحكومة وحدها، وان كان عباء الريادة والقيادة، بل وجانب العبء الاستثماري والإنتاجي يقع على كاهل الحكومة بحكم الظروف السائدة في اغلب الدول النامية. ولكن التسليم بهذا الدور للحكومة لا يقلل من أهمية تنشيط دور القطاع الخاص المنتج وتفعيل دور القطاع الأهلي واذا كانت دول إسلامية تسعى الى إقامة (شراكة) من دول أجنبية. وتجمعات دولية مختلفة، فلعل إقامة (شراكة) من اجل التنمية بين قوى المجتمع أولى بالاهتمام والأجدر بالعناية.

3- واذا كان من الضروري لحزمة السياسات التنموية ان تتصف بالتكامل والتناسق والقابلية للتعديل في عناصر السياسة وأوزانها داخل الحزمة، فان هذا يفرض دورا عظيما للتخطيط الجاد، ويضفي عليه وزنا كبيرا، بالقياس الى الدور الذي يمكن ان يناط بقوى السوق والوزن الذي يعطى لها، فالحاجة الى السياسات تعني بداهة ان آليات السوق لا تكفي، والحاجة الى تكامل السياسات وتناسقها ومرونتها إزاء المستجدات المحلية والإقليمية والدولية تستوجب تقديم دور التخطيط على دور السوق- دون إهمال الأخير او تهميشه- على الأقل في المراحل المبكرة للعمل التنموي.

4- إن اتساع مفهوم التنمية وتعدد أبعاده وعناصره، وما يترتب على ذلك من تعدد في الأهداف التنموية وتعدد في السياسات التنموية، يعني ان المتابعة الجيدة لجهود التنمية وأهدافها يجب ان تستند الى عدد كبير نسبيا من المؤشرات التنموية فلم يعد يكفي النظر الى مؤشر واحد حتى ولو كان مؤشرا مركبا. بل ان هنالك حاجة للنظر في مجموعة مؤشرات تتظافر سويا لرسم صورة جيدة عن مدى التقدم في تحقيق أهداف التنمية، او حتى عن مدى التقدم في تطبيق بعض الوسائل التي تؤدي الى هذه الأهداف ولو بعد حين.

وبناءاً على ما تقدم فان التنمية الحقة التي يقترحها الإمام الشيرازي للبلدان الإسلامية هي التنمية الوطنية المستقلة الشاملة والمطردة. وجوهر هذه التنمية تحرير وتمكين الإنسان، وتحرير الوطن الذي ينتسب إليه.

التخلف حالة يمكن التخلص منها والتحرر من براثنها، مهما طال أمدها ومهما بدت مظاهرها محبطة، ومدار الأمر في ذلك هو الوعي بحقيقة التخلف وأسبابه الجوهرية وإدراك معنى التنمية وعناصرها الأساسية، ثم استجماع الإرادة الوطنية وحشد الجهود لإحداث التحولات الهيكلية العميقة التي تنطوي عليها عملية التنمية.

بعد هذا العرض الذي لا يدعي الشمول، وان كان برغم انتقائية قد غطى ابرز الاجتهادات في مجال المؤشرات التنموية وصياغتها، لعله من الواضح ان البدائل المتاحة في هذا الشان عديدة وان الاختيار بينهما ليس سهلا، فمع الاتساع المتواصل في مفهوم التنمية الذي تجلى لنا، تعددت وتنوعت المؤشرات التي تعبر عن الجوانب المتعددة والمتنوعة في مفهوم التنمية، حتى أصبحنا مواجهين بمئات المؤشرات.

*أستاذ وباحث في جامعة البصرة

 


المصادر

1- التنمية في عالم متغير- د. إبراهيم العيسوي- دار الشروق القاهرة (مصر) ط1، (2000).

2- الاجتماع- السيد محمد الحسيني الشيرازي- دار العلوم بيروت (لبنان) ط7، (1992).

3- دراسات في فكر الإمام الشيرازي- د. أياد موسى محمود- المسلم الحر واشنطن (امريكا) ط3 (2000).

4- التنمية العصية- يوسف صايغ- مركز الدراسات الوحدة العربية بيروت (لبنان) (1992).

5- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي- تقرير التنمية البشرية- البرنامج- نيويورك (إعداد مختلفة) من (1990) فصاعدا، ولهذه التنمية سبعة محاور أساسية هي:

1) تحرير البشر من كل ما يعترض تطوير معارفهم وقدراتهم، وتمكينهم من الارتقاء بهذه المعارف والقدرات واكتساب المهارات والخبرات التي تساعدهم على إطلاق طاقات الإبداع الكامنة فيهم، وبناء قاعدة وطنية للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي- تكون مع تطوير الإدارة الركيزة الأساسية للنهوض إنتاجية البشر.

2) تمكين البشر في توظيف قدراتهم ومعارفهم ومهاراتهم في أعمال مفيدة وذلك من خلال التوسع المستمر في الطاقات الإنتاجية التي تكفل فرصا كافية لتشغيل كل قادر على العمل وراغب فيه.

3) تحرير البشر من القيود التي تحرمهم من المشاركة في صنع القرارات التي تمس شؤون حياتهم، وشؤون مجتمعهم، وتمكينهم من التمتع بهذه المشاركة من خلال المؤسسات الرسمية والأهلية على السواء.

4) تحرير البشر من الفقر والحرمان ومن كل صنوف الظلم الاجتماعي، وتمكينهم من إشباع حاجاتهم الإنسانية المشروعة، ومن الحصول على نصيب عادل من ثمار ما يحققه المجتمع من نمو اقتصادي، ومن ثم تضييق الفوارق بني الطبقات، وذلك دون الإضرار بالحوافز الضرورية للارتفاع بإنتاجية العمل والارتقاء بمستوى الأداء.

5) تمكين البشر من تحسين نوعية حياتهم على نحو مطرد، وذلك دون الافتئات على حقوق الأجيال التالية في تأمين ما يكفي من الموارد الطبيعية لتحقيق مستوى معيشي لائق، وكذلك صيانة حقهم في العيش في بيئة نظيفة.

6) تحرير الوطن من القيود على إرادته وعلى حريته في إعادة ترتيب أوضاعه الداخلية وعلاقاته الإقليمية والدولية من منظور المصلحة الوطنية والأمن القومي، ومن ثم تمكين من تعديل موقع الاقتصاد الوطني في نظام تقسيم العمل الدولي بما يساعد على إحراز وضع اكثر تكافؤا واكثر إنصافا.

7) نقطة البدء في التحرير والتمكين هي إعادة ترتيب البيت من الداخل، وهذا يستلزم نضالا وطنيا من اجل إعادة السلطة السياسية في المجتمع، بما ينقل سلطة اتخاذ القرارات الى الطبقات والفئات صاحبة المصلحة في هذا النوع من التنمية، وبما يقيم نظما للحكم تسمح بالمساءلة والمحاسبة والمشاركة، أي ان نقطة الانطلاق الى التنمية الوطنية المستقلة الشاملة والمطردة هي نقطة نضالية، سياسية وثقافية في ان واحد.

وعلى ضوء ما تقدم فمن المهم إدراك قاعدة مهمة مفادها ان التخلف ليس حالة أبدية وانه ليس قدرا لا فكاك منه. والشواهد كثيرة في التاريخ القديم والحديث على ان..