ردك على هذا الموضوع

هل كان بوش يعرف حقاً

ما هو الشيء المفقود في تقرير الاستخبارات؟

بقلم/اندرو روزنثال*
ترجمة/حنان محمد مهدي**

 

لقد أفرز تقرير اللجنة الاستخبارية التابعة لمجلس الشيوخ حول فشل الاستخبارات الأمريكية في العراق شيئاً نادراَ ومثيراً للفضول - هو الاتفاق ما بين اليسار واليمين. إذ يعمل كلاهما، ولأسباب متضادة، على الدفاع عن الفكرة اللامعقولة هو التي مفادها أن التقرير أخبرنا بأن الرئيس بوش ليس ملاماً لإعطائه الأمريكيين معلومات خاطئة عن العراق.

فقد ندد اليسار بالتقرير وعدّه طلاء أبيضَ يبرئ دون عدل ساحة بوش من التُهَم التي تقول إنه ومساعديه دفعوا وكالات الاستخبارات المركزية للمبالغة في المعلومات المتعلقة ببرامج الأسلحة العراقية، والتشويه المتعمد للتهديد الذي يمثله صدام حسين. ويتفق اليمين مع هذا الاستنتاج، ويدعوه تبريراً للرئيس، وفي الحقيقة فإن التقرير غير الكامل للأسف لا يقوم بأي شيء من هذا القبيل، فهو يأخذ العامة إلى مسألة تورط بوش ومن ثم يتفادى الخوض فيها، معلناً أن أي تفحص لدور الرئيس لا يحين موعده إلا بعد الانتخابات، وبفضل ذلك الحل الوسط لم يغلق الجمهوريون الطريق أمام التقرير، وتمكن الديمقراطيون من تبرير مصداقيتهم عليه كونه عمل لم ينته بعد.

والتقرير الذي يتألف من (511) صفحة، الذي أصدرته اللجنة بعد قيام الإدارة الأمريكية بحجب ما يقارب من 20 % منه، لا يُطلعنا على ما قالته وكالة الاستخبارات الأمريكية والوكالات الأخرى لبوش قبل أن يتوصل إلى أن العراق لديه أسلحة خطيرة وإن على صدام أن يذهب. وركز على شيء سُمي بـ((التقدير الاستخباراتي القومي))، الذي صدر في تشرين الأول 2002 ، أي بعد أشهر من عزم الإدارة الأمريكية على شن الحرب.

وقد أُعدت ثلاث طبعات من التقرير حول العراق، أجمعت كلها على أن صدام يشكل تهديداً كبيراً ولكن التقرير الأول، الطويل، المصنَّف كان مليئاً بالتحفظات. أما الطبعة غير المصنَّفة التي سُلمت إلى الكونغرس فقد قسمت معظم الشكوك . ولم تتضمن الطبعة الأقصر التي طُرِحت للعامة أية تحذيرات تستدعي إعادة النظر في قرار الحرب على الإطلاق. وقالت لجنة الشيوخ إن كادرها (لم يجد أي دليل على محاولة مسؤولي الإدارة مضايقة أو التأثير أو الضغط على المحللين لتغيير أحكامهم المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل العراقية). ولكن هذا لا يعني ما يبدو عليه.

فالناس الذين ساعدوا في إعداد التقرير عملوا لدى مسؤولين أمثال نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفليد، وجورج تننت، مدير الاستخبارات المركزية، وبدرجة أقل لدى وزير الخارجية كولن باول وكوندوليزا رايس، مستشارة الأمن القومي. عندما بدأوا العمل على التقدير الاستخباراتي، كان معظم رؤسائهم في العمل قد نصحوا الرئيس مسبقاً بضرورة إزاحة صدام، وقام بعضهم باتخاذ موقف علني.

ففي 26 آب، على سبيل المثال، أخبر تشيني المحاربين القدماء في الحروب الخارجية أثناء مؤتمرهم القومي بأن العراق متحالف مع تنظيم القاعدة ويعمل على تطوير سلاح نووي. وأضاف (ببساطة، لا يوجد شك بأن صدام حسين يمتلك الآن أسلحة دمار شامل). وببساطة، يوجد الكثير من الشك. وفي واقع الحال، كان أعضاء المجتمع الاستخباراتي يعبرون عن شكوكهم في الوقت الذي تحدث تشيني، ولا نعرف بالتأكيد ما إذا كان تشيني أو بوش قد سمعوا بهذه الأصوات المنشقة أم لا، ولكن تننت ورامسفيلد وباول ورايس سمعوا بها حتماً. وهكذا بينما أخبرنا تقرير مجلس الشيوخ أن العاملين في الحكومة لم يشتكوا من وجود ضغط مباشر عليهم من البيت الأبيض، ليعطوا التقدير الاستخباراتي صفة إيجابية ، فإنه لم يخبرنا كيف تُرك هذا الكم من التقييم السلبي أو كيف عبّر المسؤولون في المناصب العليا في إدارة بوش علناً عن توفر معلومات متناقضة في داخل الإدارة.

ودحضت وزارة الطاقة بحزم الإدعاء القائل بأن العراقيين يعملون على تطوير أسلحة نووية في نيسان 2001، أي قبل 16 شهراً من خطاب تشيني أمام المحاربين القدماء في الحروب الخارجية، حسبما ذكر تقرير مجلس الشيوخ، وكانت وكالة الاستخبارات المركزية ووزارتا الدفاع والخارجية تعرف بالأمر، ولكن هذه الآراء المنشقة لم تجد طريقها إلى التقدير الاستخباراتي. ولم تُرَ بعد التقارير الاستخباراتية التي تلقاها بوش، حتى أننا لا نعرف ماذا أُخبر بوش عن التقدير الاستخباراتي، لقد أعطت وكالة الاستخبارات المركزية ملخصهُ الخاص، المكون من صفحة واحدة، والذي لن يُريه البيت الأبيض لمجلس الشيوخ.

كانت إحدى التهم الرئيسة التي وجهها بوش ضد صدام علاقته المفترضة مع تنظيم القاعدة، والتي لا يزال بوش يذكرها حتى بعد أن قال تقرير مجلس الشيوخ بعدم وجود دليل على هذه العلاقة. ويحب تشيني أن يشير إلى لقاء مفترض بين مُختطف الطائرة محمد عطا ومسؤول عراقي تم في براغ في نيسان 2001 . ولكن وكالة الاستخبارات المركزية لا تعتقد بأن هذا اللقاء حدث. وفي مذكرة أصدرها مؤخراً السيناتور كارل ليفين، الديمقراطي، قال تننت إن الوكالة لم تكن تمتلك (أية معلومات قابلة للتصديق حول وقوع اجتماع نيسان 2001). وفي المناخ السياسي السائد الآن، احتاج الرئيس الجمهوري للجنة الاستخبارية، السيناتور بات روبرتس، إلى بعض الشجاعة ليقوم بأي تقصٍ على الإطلاق، ولكنه تأثر في نهاية الأمر بالأوضاع السياسية في العراق.

وبيّن التقرير البريطاني حول الخطأ الاستخباراتي، الذي صدر قبل أسابيع، بأن قرار الحرب كان سياسياً ، وليس مبنياً على ضرورة مُلحة جديدة بسبب تهديد قادم من العراق، وحتى بعد التصاعد المُبَرَر للمخاوف أثر هجمات 11/9 (لم تكن هناك استخبارات حديثة قادت بحد ذاتها إلى الاستنتاج بأن العراق يشكل قلقاً أكبر من نشاطات الدول الأخرى)، كما قال التقرير. إذن كيف استطاعت إدارة بوش أن تثير مثل هذه الزوبعة من المعلومات غير الصحيحة؟ على الأمريكيين أن ينتظروا حكم مجلس الشيوخ على هذه المسألة الحاسمة حتى ما بعد الانتخابات.

*وكيل محرر الصفحة الافتتاحية في صحيفة النيويورك تايمز.

**عن صحيفة انترناشينول هيرالد تربيون الثلاثاء 20 تموز 2004.