|
ردك على هذا الموضوع |
حلم نزع السلاح وأسطورة تكوين جيش دولي عالمي اليوتوبيا والقضبان |
سعد سلوم |
ظل الطريق نحو السلام العالمي منذ عصر الإمبراطوريات الكبرى مرورا بعصر الدول القومية وانتهاءً بعصرنا الموسوم بعصر التنظيم الدولي العالمي طريقا صخريا تكتنفه الصعاب والمهارات واللاأكتراث وفقدان الحس بالاتجاه وضعف الإحساس بالمسؤولية التاريخية، وقد حاول الفلاسفة العظام رسم نوع من خارطة الطريق لمسيرة البشرية ففي القرن السادس عشر برزت مساهمة هيوجيو غروتيوش 1583-1645 في كتابه قانون الحرب والسلام وقد جاء يوم على فيلسوف كونيسبرغ (عمانوئيل كانت) أن اهتم بهذا الموضوع واخذ هذا الاهتمام أخيرا شكل كتابه (نحو سلام ابدي) 1775 وعكس طموحا فذا لتأسيس قانون عالمي في نوع من المثالية السياسية التي تعد استمراراً لمثاليته الأخلاقية (الترنسندنتالية) وقد جاء إنشاء عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة للحفاظ على السلام العالمي- عن طريق نزع سلاح الدول فرادى وتسريح الجيوش الوطنية والاستعاضة عن ذلك بإنشاء جيش دولي يتصدى لكل عدوان يواجه أي عضو في الجماعة الدولية من قبل جميع الأعضاء- تعبيراً عن فكرة عميقة يمكن تبسيطها بمبدأ (الفرد من أجل الكل والكل من أجل الفرد) هذه اليوتوبيا الكانتية التي هي من مخلفات عصر التنوير تمثل أساس فكرة التنظيم الدولي العالمي. ضرورة نزع السلاح وإنشاء جيش دولي عالمي يعبر نزع السلاح عن ظاهرة التعاون في المجتمع الدولي فهو يقع ضمن التيار المعاكس لتيار القوة في العلاقات الدولية، ويرى البعض أن هناك ثلاث وسائل لتحقيق التعاون والسلام في العلاقات الدولي هي: قيام حكومة عالمية أولا وتحقيق الأمن الجماعي ثانيا، ونزع السلاح ثالثاً. ولا مراء أن الوضع الذي يستلزم تحقيق الأمن الدولي يتميز بالتقليل العام للقوة عن طريق نزع السلاح. فالأخير يرتبط ارتباطاً تكاملياً بالأمن الجماعي، فالحد الشديد من الأسلحة الوطنية والتنظيم الفعال للقمع الجماعي المشترك ينضمان معاً ليعطيانا جواباً مفعماً بالأمل عن سؤال: كيف نضمن ونؤكد النظام الدولي؟ وليس من قبيل التزيد القول بأن توجيه لموارد التي يمكن توفيرها بنزع السلاح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لجميع الشعوب مما يساهم في تقليل الفوارق بين البلدان النامية والمتقدمة، وهو ما يؤثر في المحصلة النهائية على قضية الأمن والسلم الدوليين فالأمن قد بات في عالمنا المعاصر يرادف التنمية وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن وأن ارتفاع النفقات العسكرية يؤدي إلى العوز والفقر لثلثي سكان العالم ويؤدي للضعف الاجتماعي والاقتصادي لجميع البلدان ولا سيما النامية وبالتالي يخل بالشروط الواجبة لاستتباب الأمن ويؤدي لإشعال الحروب والأزمات بصورة دورية(1)،وقد كان في تجربة الشعب العراقي مع النظام البائد خير دليل نورده في هذا السياق. نزع السلاح أذن وسيلة جذرية لضمان سلام دائم كما وأن تحقيقه يؤثر بشكل حاسم في فعالية الأمم المتحدة والاخيرة لا تستطيع العمل بصورة مثالية إلا في ظل عالم منزوع السلاح. كما لا يمكن ضمان تحقيق غاية الأمم المتحدة الأساسية إلا إذا أضيف إلى نزع السلاح بشكل من الأشكال إنشاء قوة جماعية دولية (جيش دولي) يوضع تحت تصرف المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة، فإذا كانت (القوة) ضرورية في الواقع ولا يستطيع أي مجتمع أن يتخلى عنها فأنه يجب أن توظف هذه القوة في سبيل استتباب النظام لا أن توضع تحت تصرف الدول الراغبة في الهيمنة على النظام الدولي. الفتح الجديد لعصبة الأمم 1919 كانت ثمة فوارق بين الدول المهيمنة على النظام الدولي وقتذاك إزاء قضية الأمن الجماعي المرتبط بنزع السلاح تعود لعام (1919) ففي حين تؤيد بريطانيا نزع سلاح فوري غير مشروط يحقق سلاما دائما كانت فرنسا تقبل مبدأ نزع السلاح فقد بعد ضمان الأمن، وهو مالا يمكن التوصل إليه إلا بعد إصلاح جذري للعصبة يفرض التحكيم الإجباري في المنازعات، وتكوين جيش دولي، ومهما يكن من أمر فقد جاءت المادة (8) من عهد العصبة لتؤكد على نزع السلاح بالقول (إن حفظ السلم يقتضي تخفيض الاسلحة إلى الحد الأدنى الذي يتناسب مع السلامة الوطنية وتنفيذ الالتزامات الدولية التي تفرضها التدابير العسكرية المشتركة). وإذا ما قارنا بين عهد عصبة الأمم 1919 وميثاق الأمم المتحدة 1945 نجد أن العهد أكثر تحديد بالنسبة إلى نزع السلاح من ميثاق الأمم المتحدة ولا يحتوي الأخير غير القليل عن نزع السلاح إذا قيس بعهد العصبة فقد جاءت الالتزامات المتعلقة بنزع السلاح في العهد أكثر إيجابية وإلزاما. كما أن نزع السلاح كان في ذلك الحين أسهل منه الآن بحيث يتساءل المرء عن السبب الذي لم تنجح معه العصبة في تحقيقه، ولو تم التوصل إلى الاتفاق على ذلك فهل كان في الإمكان تفادي التاريخ المفجع لسنوات ما بعد الحرب الأولى وكارثة الحرب العالمية الثانية؟ الحل السحري لميثاق الأمم المتحدة 1945 جاء ميثاق الأمم المتحدة ليمثل قمة التطور التشريعي الدولي فلم ينص على خطر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها فحسب المادة (2/4) منه، بل أمتاز عن أية محاولة تشريعية سابقة بجعل مسؤولية الحفاظ على الأمن الدولي احتكاراً للمجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة وتم تشكيل مجلس الأمن لينوب عن المجتمع الدولي في ممارسة هذه المهمة وصولا إلى استعمال هذا المجلس لسلطات خطيرة أهمها القوة العسكرية (المادة 42) من الميثاق لحفظ الأمن الدولي. ولكن كيف يتم وضع هذه السلطة الخطيرة موضع التنفيذ: عن طريق القوات الوطنية للدول الأعضاء أم بإنشاء جيش دولي عالمي كما توحي بذلك روح الميثاق والغرض الأساس لإنشاء المنظمة الدولية؟ لو رجعنا إلى المؤتمرات المؤسسة للأمم المتحدة لعثرنا على إجابة هذا السؤال، ففي مؤتمر سان فرانسيسكو طرحت ثلاثة مقترحات بشأن تشكيل القوة المسلحة التابعة للأمم المتحدة حيث ذهب المقترح الأول إلى ضرورة إنشاء جيش دولي دائم يحل محل الجيوش الوطنية في حين طرح المقترح الثاني فكرة إنشاء وحدات وطنية توضع تحت تصرف الأمم المتحدة وجاء المقترح الثالث ليقضي بتعاون القوات الوطنية للدول الأعضاء تحت قيادة دولية عليا دون إلغاء القيادات الوطنية، ويبدو أن المؤتمر قد أخذ بالمقترح الثاني لإتفاقه مع الاتجاهات العامة في المؤتمر(2) وهو ما تم تبنيه في المادة (43) من الميثاق تعهدت الدول الأعضاء بمقتضاها أن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن بناء على طلبه وطبقا لاتفاق أو اتفاقات خاصة ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية. ومن المهم الانتباه إلى أن ذلك يعني استبعاد فكرة إنشاء (جيش دولي دائم) للمنظمة الدولية يحل محل الجيوش الوطنية بصفة نهائية أو يسمو عليها، كما تم استبعاد فكرة تكليف أو (تفويض) بعض الجيوش الوطنية بالتعاون فيما بينها على تحقيق الأغراض التي يؤكد عليه المجلس مع احتفاظ كل من هذه الجيوش بقيادتها الوطنية وهي الفكرة التي تم اللجوء إليها بضغط من الولايات المتحدة في الأزمة الكورية/ 1950، تجاوزاً لأحكام الميثاق كما تم اللجوء إليها لمرة ثانية في الحرب على العراق/ 1991 مما يشكل سابقة خطيرة كان من الممكن تجنبها فيما لو تم إقرار الاتفاقيات الخاصة بتطبيق المادة (43) من الميثاق التي يمكن بمقتضاها تنفيذ التدابير العسكرية عن طريق القوات الدولية المسلحة المشكلة من وحدات عسكرية مسلحة وطنية موضوعة تحت تصرف المجلس من قبل الدول الأعضاء وفقا لاتفاقات خاصة تعقدها معه ولهذه القوات لجنة أركان الحرب مكونة من رؤساء أركان حرب الأعضاء الدائميين في المجلس أو من يقوم مقامهم تأخذ على عاتقها مهام: - إدارة العمليات الحربية التي تقوم بها القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة والمكونة وفقا للمادة (43) من الميثاق(3). - إسداء المشورة والمعونة إلى المجلس وتعاونه في جميع المسائل المتصلة بما يلزمه من حاجات حربية لحفظ السلم والأمن الدولي ولاستخدام القوات الموضوعة تحت تصرفه وقيادتها(4). - التوجيه الإستراتيجي لأية قوات مسلحة موضوعة تحت تصرف المجلس(5). ما الذي أحدثه صقيع الحرب الباردة؟ كلف مجلس الأمن لجنة الأركان العسكرية بين عامي 1946/1947 وضع تقرير إيضاح المبادئ الضرورية للاتفاقات المقترحة بموجب المادة (43) من الميثاق وكيفية تنفيذها وقد حدد تقرير اللجنة لعام 1947 الاحتياجات التقنية لوضع سلطة مجلس الأمن في فرض التدابير العسكرية موضع التطبيق: وحدات مدربة مخصصة لخدمة الأمم المتحدة ومزودة بالدعم الكافي ولها القدرة على ردع المعتدي وفرض السلم. وبذا استطاعت اللجنة أن تتفق على بعض المبادئ التي تحكم عمل القوات ولكنها لم تتفق على بعض النقاط الجوهرية الأخرى، بسبب الخلافات التي نشبت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، لذا في النهاية لم يقبل تقرير اللجنة كما لم تنفذ توصياتها على الإطلاق مما حرم الأمم المتحدة من تشكيل القوات الدولية اللازمة لحفظ الأمن الدولي (6). ولا شك في أن السبب الكامن وراء ذلك هو إحساس الدول الكبرى بخطورة ممارسة سلطة مجلس الأمن في فرض التدابير العسكرية التي لا يمكن أن تترك تماما للمنظمة الدولية. دون أن يخل ذلك بمصالح هذه الدول، لذا يمكن عن طريق الممارسة أن تأخذ هذه الدول على عاتقها مهام ومسؤوليات المجلس وأسلوب تكوين وقيادة القوات بما يحقق رغبات هذه الدول وغاياتها. ولذا بقي حلم تكوين القوات العسكرية الدائمة للأمم المتحدة حبيسا للتوافق بين الدول الكبرى لم يتحقق في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية وليس غريبا أن الاتفاقيات المذكورة التي جمد إقرارها صقيع الحرب البادرة لم تر النور حتى بعد ذوبان جليد هذه الحرب مما ينبئ عن اتجاه الدول الكبرى نحو تهميش دور المنظمات الدولية وعدم رغبتها بحق الحفاظ على السلام العالمي. مرارة البديل الواقعي ونتيجة لذلك نجد أن مجلس الأمن يستعين كلما اقتضت الضرورة بقوة مسلحة خاصة تعرف باسم قوات حفظ السلام أو قوات الطوارئ الدولية التي يجري تشكيلها من دول غير الدول الكبرى وينتهي وجودها بانتهاء المهمة التي تشكلت من أجلها وهي تختلف من حيث تشكيلها وطبيعتها وصلاحياتها عن القوات الدولية الدائمة المشار إليها في الفصل السابع من الميثاق. وترتب على ذلك أنه بدلا من الدور الأمني الجماعي النشط الذي استهدفه الميثاق استحدث الدور الأضيق نطاقاً المعروف بـ(حفظ السلم) ورغم الدور القيم الذي تقدمه عمليات حفظ السلم فقد منعت تصاعد عدد من الأزمات الخطيرة غير أن أوجه قصورها واضحة. فهي لا يمكن الشروع فيها إلا بعد نشوب الصراع، كما أن الغرض الأساسي منها هو الإبقاء على وقف فعال لإطلاق النار بين طرفين متحاربين على طول خط السيطرة العسكرية الذي تحدده الحرب. وهي لا يمكن الشروع فيها بغير موافقة جميع الأطراف المتحاربة، كما أنها تتطلب ولاية من مجلس الأمن قد لا تتأتى نتيجة للخلافات السياسية بين الأعضاء الدائمين. وهي لا يصحبها ضغط دائم للانسحاب من الأراضي المحتلة أو حلّ النزاع بوجه عام، بل أنها يمكن أن تصبح ضمانا لمكاسب العدوان وهي تتسم كذلك بخلوها من أي ألية تلقائية إلزامية لتمويلها. فرصة العراق عام 1991 بعد غزو العراق للكويت 1991 قادت الولايات المتحدة تحالفا مناهضا للعراق وقد أخرجت تطبيق قرارات مجلس الأمن وفق نمط هوليودي مبتكر لكن إخراج الولايات المتحدة الحوادث على هذا النحو لم يغب عن إدراك القوى العالمية كالاتحاد السوفيتي والصين فإزاء الرغبة الأمريكية على وسم القوات المتحالفة في الخليج بصيغة القوات (المتعددة الجنسية) إلى (دولية) أي أن عملها تحت راية الأمم المتحدة سوف يسمح لمجلس الأمن سلطة إعلان وتحديد زمن انتهاء مدتها والأمر بسحبها، كما أن وضع القوات المذكورة تحت امرة الأمين العام للأمم المتحدة كمقدمة لتكوين قوة دولية كان من الممكن أن يشكل وسيلة واعدة لخلق قوة عسكرية دائمة للأمم المتحدة إلا أن وضع قيادة القوات في يد الولايات المتحدة لم يفد إلا في ترسيخ الشك بوجود حلف عسكري واحد هدفه الدفاع عن مصالح أطرافه، وعلى أساس من هذا الإدراك فإننا ننظر إلى أحداث عام 1991 على أنها فرصة كان ينبغي استغلالها نحو تحقيق أسطورة جيش دولي وبعد وقف إطلاق النار جاء قرار مجلس الأمن ذي الرقم 687 الذي نص على نزع أسلحة العراق وكانت هناك فرصة حقيقية أيضا لترسيخ معايير ثابتة لإنشاء منطقة منزوعة السلاح وخالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط فنزع السلاح يجب أن لا ينشأ في فراغ، فما لم يتخذ مجلس الأمن وبجدية جميع الإجراءات الضرورية لمعالجة أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها إسرائيل والبرامج الهادفة إلى امتلاك تلك الأسلحة من قبل إيران، سيبقى المجلس مواصلا تبني سياسة ذات معايير مزدوجة وانتقائية تتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة وقد عالج مجلس الأمن هذا الموضوع في القسم (جيم) من القرار (687) حيث قرر المجلس تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية وجميع الصواريخ البالستية التي يزيد مداها عن (150) كم أو أزالتها أو جعلها عديمة الضرر. ولهذا الغرض انشأ المجلس لجنة خاصة تقوم بأعمال التفتيش في العراق على قدراته المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل وبالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كما وضع مجلس الأمن الصناعة العسكرية العراقية تحت الوصاية الدولية بموجب قراره (715) في 11/ تشرين الأول/1991 وقد أكد مجلس الأمن أن كل تلك الإجراءات (تمثل خطوات نحو هدف إنشاء منطقة في الشرق الأوسط خالية من أسلحة التدمير الشامل وجميع قذائف إيصالها، وهدف فرض خطر عالمي على الأسلحة الكيميائية). وجاء احتلال العراق أخيراً 2003 في سياق مهمة نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق التي أخذتها الولايات المتحدة على عاتقها منفردة. فرصة أحداث 11 أيلول 2001 في أعقاب أحداث/11 أيلول/ شكلت الولايات المتحدة تحالفا مناهضا للإرهاب وهذه المرة كان خطر يتهدد الجماعة الدولية بأسرها وبالتالي فإن إمكانية دفع أسطورة جيش دولي إلى أمام وتحقيق حلم نزع السلاح بات ضرورة ملحة وفقا لظروف قد تدفع بالمتطرفين (في حال امتلاك الأسلحة النووية واستعمالها) إلى تدمير العالم لكننا نعرف الوقائع بالنسبة لدوائر صناعة السلاح الأميركية ومثيلاتها في الدول الغربية الأخرى، فأنه من الضروري تأمين شروط استمرارية الصناعة، وذلك عبر تأمين اندلاع الحروب، فحالة السلم تمثل العدو الأول لشركات تصنيع الأسلحة والمتتبع لتاريخ الولايات المتحدة منذ بروز النزعة الإمبراطورية فيها بعد الحرب العالمية الثانية، يعرف أنها تعودت أن تخوض بنفسها- أو عن طريق حلفائها ووكلائها في مناطق العالم المختلفة- حرباً كبيرة خلال كل عشر سنوات، بالإضافة إلى إشعالها عشرات النزاعات المسلحة والحروب الصغيرة. والحقيقة فأن أسوا تجار الأسلحة في الواقع هي الدول الكبرى مثل أميركا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، وروسيا، أي الدول الصناعية العظمى، فأعضاؤها هم الذين يبيعون 85% من الأسلحة للعالم سنوياً يمنحون البشرية فرصة فنائها. احتلال العراق 2003 ومنطق الفرصة الأخيرة بعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق تم حل الجيش العراقي وتم التأكد تماما من أن هذا البلد قد بات منوع السلاح على نحو لم تشهده دولة أخرى وبات أمن هذا البلد في ظل عدم وجود قوات وطنية تذود عنه معرضا للانهيار وفي ظل مثل هذه الظروف بات وجود قوات دولية (في ظل فشل قوات الاحتلال في حل مشكلة الأمن) ضرورة ملقاة على عاتق الجماعة الدولية ممثلة بالأمم المتحدة وطبيعة حاجة العراق إلى قوات متعددة الأطراف (دولية) لا تتخذ مهاما مسلحة صدامية بل تضطلع بمهام حماية الأمن وتحمي جدولا لانتقال السلطة إلى العراقيين هي فرصة أخرى يقدمها العراق للاتفاق على صيغة مقبولة عالميا لإنشاء قوات دولية دائمة تحافظ على الأمن الدولي بدلاً من ترك المجال للبديل الأمريكي المنفرد كما أن عملية تكوين الجيش العراقي الجديد وطبيعة مهامه يمكن أن تأخذ طابعا نموذجيا فريدا لغيره من جيوش العالم لو أخذت كمثال على تكريس الجيش الوطني لمهام دولية وقد أضفى قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية في الباب التاسع منه على العراق وصف الدولة الراغبة بالمساهمة مع الجماعة الدولية في حفظ الأمن والسلم ومكافحة الإرهاب لذا فأن القوات المسلحة العراقية ستكون مشاركا رئيسيا في القوة متعددة الجنسية العاملة في العراق تحت قيادة موحدة وفقا لقرار مجلس الأمن 1511 لسنة 2003 (المادة 59/ ب) وهذا هو النص الأول من نوعه في تاريخ التشريعات الدستورية يعالج مهام جيش وطني بتقديم الأولوية لما هو دولي على المهام الداخلية ولا يخفى الدافع من وراء ذلك هو توظيف الجيش العراقي في الاستراتيجية الأمريكية لمجابة الإرهاب الدولي. قصة إجهاض يوتوبيا مرة بعد مرة كان الناس في الشارع يرون الفيلسوف الألماني (عمانوئيل كانت) يعدو عبر الشاعر وضبطوا ساعاتهم وفقا للتوقيت لأجراء نزهته اليومية وحين تمشى الفيلسوف في حديقة المدينة يتبعه خادمه الذي يحمل المظلة عند هطول المطر لم يخطر على باله أن مؤسسي الأمم المتحدة سوف يضبطون إيقاع منظمتهم الدولية وفقا لأحلامه حول السلام الأبدي؟ وربما استطعنا اليوم- حين تخفت أصوات الانفجارات- أن نسمع عظامه تقرقع في القبر من سلوك الدول الكبرى الذي أحاط حديقة السلام العالمي بالقضبان وأعاد إخراج فصول الحلم الكانتي سياسيا كقصة إجهاض يوتوبيا كما لا يملك أي مهتم بهذه القضية السامية إلا أن يشعر بأسى يمازجه الخوف والغضب وربما يتطوع نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية ليكتب على قبر الفيلسوف كلمات غوته (إن شجرة الحياة خضراء أما النظرية فرمادية)! * (كاتب وحقوقي عراقي)
(1) أنظر: النتائج الاقتصادية والاجتماعية لسباق التسلح وأثاره البالغة الضرر بسم العالم وأمنه: تقرير الأمين العالم إلى مركز الأمم المتحدة لنزع السلاح، الأمم المتحدة. نيويورك، 1978. (2) انظر: عبد العزيز سرحان، الأصول العامة للمنظمات الدولية، دار النهضة العربية القاهرة، 1968-1969، ص547. (3) المادة (47/2) من ميثاق الأمم المتحدة. (4) المادة (47/1) من ميثاق الأمم المتحدة. (5) المادة (47/3) من ميثاق الأمم المتحدة. (6) الأمن المشترك- برنامج عمل من أجل البقاء- تقرير الأمين العام المقدم إلى هيئة نزع السلاح، الجمعية العامة للأمم المتحدة ص22، رقم الوثيقة (A\CN. 10\28.8 April\ 1983). |
|